هل يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات الأكاديمية؟

8 دقائق
هل يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات الأكاديمية؟
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز.

في كل سنة، تقوم شركة الذكاء الاصطناعي أوبن أيه آي (OpenAI) بتحسين بوتها المخصص لتأليف النصوص، جي بي تي (GPT). وفي كل سنة، تستجيب الإنترنت لهذا التحسين بموجة جديدة من الشعور بالأسى حول النهاية الوشيكة لفن التأليف البشري. وقد تكررت هذه الحلقة مؤخراً بعد أن قامت أوبن أيه آي بإطلاق تشات جي بي تي (ChatGPT)، وهو نسخة من جي بي تي تتمتع بالقدرة على توليد أي شكل من النصوص على ما يبدو، بدءاً من مقطوعة موسيقية على البيانو بأسلوب موزارت، وصولاً إلى تاريخ لندن بأسلوب مؤلف قصص الأطفال الشهير المعروف باسم دكتور سوس. وكانت ردة الفعل على تويتر (Twitter) موحدة: فقد أصبحت المقالة الأكاديمية التقليدية بحكم المنتهية. فلماذا نعكف على كتابة مقالة أصلية إذا كان تشات جي بي تي قادراً على تأليفها لأجلك؟

لماذا نعكف على كتابة مقالة أصلية إذا كان تشات جي بي تي قادراً على تأليفها؟ سؤال وجيه

إن الدردشة مع تشات جي بي تي ممتعة. ويمكنك أن تستمتع باللعب معه! ولكن المقالات الأكاديمية لم تنتهِ، ولن يستطيع نظام ذكاء اصطناعي مثل تشات جي بي تي أن يحل محل الكتّاب البشر. ولكن من المحتمل أن يجعل عملهم في الكتابة أكثر سهولة.

يمثل جي بي تي 3، الذي أطلقته أوبن أيه آي في 2020، الإصدار الثالث والأكثر شهرة من برنامج المحول التوليدي المدرَّب مسبقاً من أوبن أيه آي، وهو برنامج حاسوبي من فئة معروفة باسم النماذج اللغوية الكبيرة. تقوم النماذج اللغوية الكبيرة بإنتاج اللغة كاستجابة للغة، أي تعليمات مبنية على النصوص (مثل: "اكتب لي أغنية حول الحب"). وخلافاً للبرامج الحاسوبية التقليدية التي تقوم بتنفيذ سلسلة من الأوامر المضمنة ضمن التعليمات البرمجية، فإن النماذج اللغوية الكبيرة تخضع للتدريب عبر مسح مجموعات بيانات ضخمة من نصوص مثل نصوص ويكيبيديا (Wikipedia). وعن طريق هذا التدريب، تتعلم البرامج الأنماط اللغوية التي يتم استخدامها بعد ذلك لاستكمال الأسئلة أو الأوامر وفق الخيارات المحتملة الأكثر ترجيحاً.

إن اللغات غنية بالتكرارات. وتسمح لنا قدرتنا على تذكر التكرارات الشائعة في الكلام والنصوص على القيام بأشياء مثل إكمال جملة ينطقها أحد الأصدقاء، أو حل أحجية لغوية بسرعة. فإذا طلبت منك أن تكمل الجملة التالية: "تدحرجت الكرة منحدرة على..." فسوف تقول مثلاً: "سفح التلة"، وسيقوم جي بي تي 3 بهذا أيضاً. وعلى غرار البشر، فإن النماذج اللغوية الكبيرة بارعة في تعلم التكرارات الشائعة في اللغة، وتستخدم هذه الحيلة في توليد نصوص مشابهة لما يؤلفه البشر. ولكن، وعند اختبار قدرتها على فهم اللغة التي تولدها، تبدو هذه النماذج اللغوية أقرب إلى الببغاوات منها إلى المؤلفين والشعراء.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يمكن للنموذج اللغوي لامدا أن يمتلك وعي البشر كما قال مهندس في جوجل؟

محدودية قدرات النماذج اللغوية الكبيرة

ويعتبر غاري ماركوس، والذي كان أستاذاً في جامعة نيويورك، وهو مؤلف كتاب "إعادة إقلاع الذكاء الاصطناعي" (Rebooting AI)، من كبار المنتقدين للفكرة التي تقول إن البوتات مثل جي بي تي 3 قادرة على فهم ما تؤلفه. وفي ورقة بحثية أكاديمية حديثة لم تخضع للتحكيم العلمي بعد، استخدم ماركوس ومؤلفان آخران نظام دال-إي 2 (DALL-E 2) من أوبن أيه آي لإثبات محدودية قدرات النماذج اللغوية الكبيرة. وعلى غرار جي بي تي 3، يعمل دال-إي 2 بالاستجابة للأوامر النصية. ولكنه يقوم بتوليد الصور بدلاً من النصوص. لقد تم تدريب دال-إي 2 على تعلم العلاقات بين الصور والتعليقات المرفقة بها لإنتاج صور جديدة كلياً بناء على النصوص التي يقوم المستخدم بتلقيمها للنظام. فإذا طلبت منه، على سبيل المثال، أن يقوم بتشكيل "لوحة فنية انطباعية لأينشتاين وهو يتزلج على الأمواج"، فسوف تحصل على الصور الأربع المبينة أدناه.

هل يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات الأكاديمية؟
حقوق الصورة: دال-إي 2

إنه نظام جيد، أليس كذلك؟ لقد تم استخدام دال-إي مؤخراً للفوز بمسابقة فنية.

ولكن، وكما يشير ماركوس وزميلاه في بحثهم، فإن دال-إي 2 لا يفهم العلاقة بين الكلمات التي يقوم المستخدمون بتلقيمها. وعلى سبيل المثال، إذا طلبت منه إنتاج صورة "رجل عجوز يتحدث إلى والديه"، ستحصل على أربع صور لثلاثة أشخاص يتحدثون معاً. وتبين هذه الصور أن الذكاء الاصطناعي عاجز عن استيعاب الفكرة التي تقول إنها يجب أن يبدو الأشخاص الذين يتحدث معهم من خلال كونهم والديه، أكبر سناً، مهما كان هو كبيراً في السن.

هل يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات الأكاديمية؟
حقوق الصورة: دال-إي 2

ومقارنة بدال-إي 2، يبدو تشات جي بي تي أفضل استيعاباً للنصوص التي يلقمها المستخدمون، والاستجابات التي ينتجها. وقد يكون هذا سبب ردود الفعل الحماسية للإنترنت عند إصداره. فقد كتب موقع أكسيوس (Axios) قائلاً إن "يثير الذهول والدهشة لدى الجميع".

اقرأ أيضاً: لماذا لم يصمد أحدث النماذج اللغوية الكبيرة من ميتا على الإنترنت أكثر من 3 أيام؟

 تشات جي بي تي

وقد واجهت بعض الصعوبات في إرباكه باستخدام بعض الأحاجي الكلاسيكية في علم النفس الإدراكي. ولنأخذ كمثال أحجية زنبق الماء:

التعليمة: توجد في بركة ماء ورقة زنبق ماء عائمة، يتضاعف حجمها كل يوم. وفي اليوم العشرين، وصلت إلى حجم كافٍ لتغطية البركة بأسرها. في أي يوم كانت الورقة تغطي نصف البركة؟

تشات جي بي تي: إن ورقة زنبق الماء التي تتضاعف في الحجم كل يوم ستغطي نصف البركة في اليوم التاسع عشر، أي قبل أن تغطي البركة بأسرها بيوم واحد.

لقد استوعب الذكاء الاصطناعي مسألة النمو الأسي في السؤال، وهي ظاهرة أثبت وباء كوفيد أن الكثيرين من البشر لا يستوعبونها. ولكنني تمكنت من خداع تشات جي بي تي بمعضلة الكرة والمضرب، والتي حققت الشهرة في كتاب المختص بعلم النفس من جامعة برينستون، دانييل كانيمان، بعنوان: "التفكير بسرعة وببطء" (Thinking, fast and slow).

التعليمة: يبلغ ثمن مضرب وكرة معاً 1.10 دولار. ويزيد ثمن المضرب على ثمن الكرة بدولار واحد. كم يبلغ ثمن الكرة؟

تشات جي بي تي: إذا كان ثمن المضرب يزيد على ثمن الكرة بدولار واحد، وكان الاثنان يكلفان معاً مبلغ 1.10 دولار، فإن ثمن الكرة يمكن حسابه كما يلي (1.10-1.00=0.10 دولار).

ولكن الإجابة الصحيحة هي 5 سنتات. (إنها الإجابة الصحيحة، ثقوا بي)

وعلى الرغم من أن تشات جي بي تي قد يفشل في اختبارات المعالجة المنطقية، فإنه ما زال بارعاً للغاية في توليد النصوص الشبيهة بالنصوص البشرية بأطوال وأساليب مختلفة. وهو ما يعيدنا إلى المقال الأكاديمي، وهي مهمة سهلة بالنسبة لتشات جي بي تي، كما ادعى الكثير من المعلقين على تويتر. وقد غرّد أحد موظفي جوجل (Google) قائلاً: "نحن نشهد نهاية المقالة الأكاديمية، وفي الزمن الحقيقي أيضاً". أما إيثان موليك، وهو أستاذ الإدارة في جامعة بنسلفانيا، فقد طلب من تشات جي بي تي أن يكتب سؤالاً لتأليف مقال، ويضع نظام نقاط لتقييم الإجابة عن هذا السؤال، ويجيب عن السؤال بمقال، ويقوم بتقييم هذه الإجابة. (وقد منح نفسه علامة A-) أي قيمة للمقال بعد ابتكار هذا النظام؟

اقرأ أيضاً: ما هو تشات جي بي تي (ChatGPT)؟ وهل سيزلزل عرش جوجل ويهدد وظائف البشر؟

النماذج اللغوية الكبيرة مقابل المقالة الأكاديمية

إنها ليست المرة الأولى التي توقع فيها الكثيرون أن تؤدي النماذج اللغوية الكبيرة إلى القضاء على المقالات أو ما هو أسوأ من ذلك. فقد كتب الصحافي ستيفن مارش في صحيفة نيويوركر في عام 2021 قائلاً: "إن إمضاء عشر دقائق مع سودورايت (Sudowrite: وهو نظام ذكاء اصطناعي مبني على جي بي تي 3) يكفي لإدراك الضغوط الهائلة التي سيتعرض لها المقال الجامعي، وهو الأداة التعليمية الأساسية لجميع البشر". (مؤخراً، كتب مارش مقالاً لمجلة ذا أتلانتيك (The Atlantic) بعنوان "نهاية المقال الجامعي")، وفي 2019، عندما تم تصميم نظام جي بي تي 2، قامت أوبن أيه آي بمنع العامة من الوصول إليه لأن "المخاوف من إساءة الاستخدام" كانت كبيرة للغاية.

ومن المؤكد أن الطلبة الجامعيين، المثقلين بالمقالات الواجب كتابتها، سيكونون أول مجموعة تستخدم نظام ذكاء اصطناعي بشكل مسيء. ولكن الأدلة التي تشير إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لاستكمال المهام الجامعية شبه معدومة. (مؤخراً، سألتُ طلاب صفي البالغ عددهم 47 طالباً حول استخدام الذكاء الاصطناعي في القيام بالمهام الدراسية، فنظروا إليّ وكأنني مصاب بالجنون). ولكن، قد يكون استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع للغش في العمل الدراسي ليس سوى مسألة تتطلب فترة من الوقت وإمكانية الوصول إلى الأدوات اللازمة، حيث يعتبر تشات جي بي تي أول بوت مجاني لكتابة النصوص من أوبن أيه آي (على الرغم من أنه لن يبقى مجانياً إلى الأبد). ولكن، قد تكون النماذج اللغوية الكبيرة، ببساطة، عاجزة عن الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها أساتذة الجامعة بشكل جيد.

فإذا طلبت من تشات جي بي تي كتابة مقال حول المقارنة بين الاشتراكية والرأسمالية، فسوف يعطي النتيجة المتوقعة: 28 جملة صحيحة نحوياً حول توزيع الثروة، وتخفيف الفقر، والاستقرار الوظيفي، في إطار هذين النظامين الاقتصاديين. ولكن، من النادر أن يطلب أساتذة الجامعة إلى الطلبة كتابة مقالات عن أسئلة عامة بهذا الشكل. فالأسئلة العامة تؤدي إلى مجموعة متنوعة من الإجابات بشكل يستحيل تقييمه موضوعياً. كما أن أداء تشات جي بي تي يتراجع كلما أصبح السؤال أقرب إلى الصيغة التي يتعامل معها الطلبة عادة، أي بشكل محدد ومركز على المحتوى المتعلق بالمادة الدراسية.

اقرأ أيضاً: هل تمثل النماذج اللغوية مثل جي بي تي 3 بداية نوع جديد من محركات البحث؟

الإخفاق المدوي

لقد طرحت على تشات جي بي تي سؤالاً حول العلاقة بين اللغة ورؤية الألوان، وهو سؤال وجهته إلى صف علم النفس اللغوي في السنة الثالثة، وكانت النتيجة إخفاقاً مدوياً. فلم يكن الرد مفتقراً إلى التفاصيل وحسب، بل استشهد بمقالة بحثية طلبت منه الاستعانة بها في دراسة مختلفة كلياً. وقد أدت بضع أسئلة إضافية إلى نفس النتائج المبهمة والمليئة بالأخطاء. ولو قام أحد طلابي بتسليمي النص الذي قام تشات جي بي تي بتوليده، لحصل على علامة الرسوب.

تقوم النماذج اللغوية الكبيرة بتوليد الإجابات الأكثر ترجيحاً بناء على النصوص التي تم تلقيمها بها في أثناء التدريب، وهذه النصوص لا تشمل -حالياً- الآلاف من الكتب المطلوب قراءتها في الصفوف الجامعية. كما أنها لا تعمل بشكل نظامي على الدوام. فحسابات النموذج للنص المكمل الأكبر احتمالاً لا تؤدي على الدوام إلى تقديم الإجابة الأكثر صواباً، أو حتى إلى إجابة صحيحة. وعندما سألت غاري ماركوس حول فكرة استخدام تشات جي بي تي لكتابة المقالات الجامعية، كانت إجابته صريحة: "إن هذا البرنامج يعتبر بشكل أساسي فناناً في تركيب الكلام وحسب. ولا يحقق تركيب الكلام علامات عالية، بل علامات متوسطة على الأكثر".

وإذا تم إصلاح هذه المشكلات، وهو أمر غير واضح، بناء على كيفية عمل هذه النماذج، فأنا أشك بقدرة تشات جي بي تي على إنتاج أوراق أكاديمية جيدة. فحتى البشر الذين يمارسون الكتابة بشكل احترافي يواجهون صعوبة في هذا العمل. وفي 2014، قامت وزارة في الحكومة البريطانية بنشر دراسة عن الأوراق الأكاديمية حول التاريخ واللغة الإنجليزية، والتي أنتجتها خدمات كتابة المقالات على الإنترنت لطلبة الثانوية العامة. وقد أحرزت معظم تلك الأوراق علامة متوسطة أو أقل منها. وعلى غرار نتائج تشات جي بي تي، فقد كانت تلك الأوراق غامضة ومليئة بالأخطاء. إن كتابة مقال جيد أمر صعب عند الافتقار إلى المعرفة المفصلة حول المادة التي تتضمن محتوى سؤال المقال.

وعلى الرغم من أن تشات جي بي تي قد يفشل في كتابة ورقة أكاديمية جيدة، فقد يكون أداة تعليمية جيدة تساعد الطلاب على كتابة الأوراق الأكاديمية بأنفسهم. وقد كتب بن تومبسون، والذي يدير المدونة والنشرة الإخبارية التكنولوجية ستراتيكيري (Stratechery)، عن هذا التغيّر في منشور حول تشات جي بي تي والفروض المنزلية المتعلقة بمادة التاريخ. فقد طلب تومبسون من تشات جي بي تي استكمال المهمة التي تم تكليف ابنته بها حول الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، وقد قام الذكاء الاصطناعي بإنتاج 3 مقاطع مليئة بالأخطاء. ولكن، وكما يشير تومبسون، لا تعني هذه الأخطاء أننا يجب أن نتخلى عن هذه التكنولوجيا كلياً. ففي المستقبل، يمكن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي بي تي في الصفوف لتوليد نصوص يمكن للطلبة تعديلها والتحقق من دقة معلوماتها. ما يعني أن هذه البوتات يمكن أن تحل مشكلة صعوبة البدء بالمقال، وذلك بتوفير نقطة بداية يمكن العمل عليها. وهو ما أوافق عليه بشدة.

لقد استخدمت تشات جي بي تي عدة مرات أثناء كتابة هذا المقال. وقد طلبت منه تقديم تعريفات قمت بإضافتها إلى المقال بعد التأكد من صحتها. وفي بعض الأحيان، قمت بتلقيم تشات جي بي تي بمقاطع كاملة من هذا المقال حتى أرى ما إذا كان قادراً على تقديم صياغة أكثر جمالاً. وعندما نجح في هذا في بعض الأحيان، قمت باستخدام النص الناتج. ولِمَ لا؟ فعلى غرار ميزة تدقيق التهجئة، والموسوعة، وويكيبيديا، أصبحت مهمة الكتابة أقل صعوبة بعض الشيء بفضل تشات جي بي تي. وآمل أن يستخدمه طلابي أيضاً.

فيوتشر تنس شراكة بين مجلة سليت، ومنظمة نيو أميركا، وجامعة أريزونا الحكومية، وذلك لدراسة التكنولوجيات الناشئة، والسياسات العامة، والمجتمع.

المحتوى محمي