يحدث استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي تأثيراً حاسماً في سوق العمل، فالشركات في كل أنحاء العالم تضع خططاً للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بمختلف المجالات، وفي الوقت نفسه، يتساءل الكثيرون عن تأثير ذلك على توظيف البشر في المستقبل.
الذكاء الاصطناعي في سوق العمل: أحدث البيانات
منذ عدة سنوات، يقوم خبراء التوظيف والاقتصاد بجمع البيانات لفهم تأثير دخول الذكاء الاصطناعي على سوق العمل.
أجرت شركة خدمات الأعمال العملاقة KPMG دراسة في الولايات المتحدة بشأن تغلغل الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، تشير نتائج الدراسة إلى أننا بالفعل في لحظة حاسمة. فمن بين جميع الشركات التي شملتها الدراسة، يتوقع أكثر من نصفها أنها ستشهد زيادة كبيرة في استغلال الذكاء الاصطناعي في العمل، سواء في مجال الصناعات التحويلية أو الخدمات.
وأشار العديد من المدراء التنفيذيين في هذه الشركات إلى تأثير هذه الثورة على التوظيف، وتوقعوا أنها ستؤدي إلى خسارة في الأيدي العاملة بنسبة 10 - 50٪. يؤكد ذلك أن دخول الذكاء الاصطناعي لسوق العمل سيؤثر بشكلٍ سلبي على عدد الوظائف، وحتى لو ساهم الذكاء الاصطناعي في خلق فرص عمل جديدة، فقد لا تكون الفرص الجديدة قادرة على تعويض الفرص المفقودة.
في عام 2017، قال فيكرام بانديت، الرئيس التنفيذي السابق لبنك الاستثمار الأميركي متعدد الجنسيات "سيتي جروب" في تصريح لوكالة بلومبرغ الأميركية، إن 30٪ من الوظائف المصرفية يمكن أن تختفي في غضون السنوات الخمس المقبلة، لا نعلم الآن بعد مرور هذه السنوات الخمس ما إذا كان توقعه صحيحاً، لكن البيانات التي سيتم جمعها ستظهر الحقيقة.
وأظهر استطلاع قامت بها شركة Deloitte للخدمات في عام 2020، أن 53٪ من الشركات المستطلَعة أنفقت أكثر من 20 مليون دولار على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقال نحو ثلاثة أرباع المدراء التنفيذيين إنهم سيعملون على دمج الذكاء الاصطناعي في جميع تطبيقات الشركة في غضون ثلاث سنوات.
اقرأ أيضاً: الإمارات تسير بخطوات واثقة نحو الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي
الوضع في العالم العربي
لا توجد الكثير من البيانات عن الذكاء الاصطناعي في سوق العمل بالعالم العربي، لكن في عام 2020، أصدر معهد ماكنزي الأميركي للاستشارات الإدارية تقريراً يشمل تحليل 6 دول في الشرق الأوسط هي البحرين ومصر والكويت وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يعيش في هذه البلدان أكثر من 147 مليون نسمة، ويزيد الناتج المحلي الإجمالي لها عن 1.5 تريليون دولار أميركي وفق تقديرات عام 2016.
أوضح التقرير أن 45% من أنشطة العمل الحالية في دول الشرق الأوسط الستة هذه قابلة للتشغيل الآلي، هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي سيشكل قيمة اقتصادية كبيرة ويحقق أرباحاً هائلة للشركات، لكنه في نفس الوقت سيضع الكثير من الوظائف على المحك.
لكن التقرير نفسه استبعد أن تتمكن هذه الدول من الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ فعال ومؤثر، بسبب مجموعة من العوامل التقنية والاقتصادية.
القطاعات الأكثر اهتماماً بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي
بحكم طبيعته، يمكن لتطبيق الذكاء الاصطناعي أن يتكيف تماماً مع أي مجال عمل إنتاجي أو خدمي، ولكن في الوقت الحالي، مجال الخدمات هو الذي يسجل أعلى معدلات استخدام للذكاء الاصطناعي.
تأتي البنوك في المرتبة الأولى، حيث يمكن للخوارزميات أن تؤدي تلقائياً سلسلة من العمليات المتكررة والمملة التي كان يجب على البشر القيام بها منذ عدة سنوات.
اقرأ أيضاً: تعزيز القيمة والارتقاء بكفاءة العمليات في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي
القطاعات المهددة بالذكاء الاصطناعي
بحسب التوقعات، أكثر القطاعات التي يهددها الذكاء الاصطناعي هي الصناعة والزراعة، ففي مجال الصناعة، من المؤكد أن تؤدي الأتمتة إلى انكماش عدد الوظائف، وخاصة الوظائف التي تتطلب القليل من الخبرة والمهارة.
يمكن للأمر نفسه أن ينطبق على الزراعة، وهو قطاع تسعى الكثير من الشركات التكنولوجية إلى إدخاله وتطوير أدوات تساعد على أداء مهام المزارعين آلياً، ومن المتوقع أن ينمو الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة بشكلٍ كبير.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للحكومات أن تحرك الاقتصاد الدائري لتحسين مستقبل العمل؟
الوظائف التي يهددها استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي
دخول الذكاء الاصطناعي لسوق العمل يعني تغير عدد الوظائف بكل تأكيد، لكن الأمل هو أن عصر الذكاء الاصطناعي يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة.
بالنسبة لبعض الوظائف والأعمال، لا يبدو المستقبل مشرقاً، إذ يمكن استبدال العمال الأقل مهارة وتدريباً بالآلات. وسبب ذلك أن المجال الذي يمكن أن نطبق فيه الذكاء الاصطناعي على نطاقٍ واسع يشمل المهام البسيطة والمتكررة، ومعظم هذه المهام يؤديها أشخاص يتمتعون بمهارات منخفضة. وسيكون هؤلاء أول من يعاني من تأثير الذكاء الاصطناعي.
لهذا السبب، ينبغي تأهيل الموظفين والعمال وتدريبهم وإكسابهم المزيد من المهارات من أجل الحصول على فرصهم بسوق العمل وتجنيبهم الضرر الناجم عن دخول الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن إعادة بناء مستقبل العمل والعاملين في ظل الذكاء الاصطناعي؟
ماذا نتوقع في المستقبل؟
الطريقة الوحيدة لمحاولة التنبؤ بتأثير الذكاء الاصطناعي على وظائف المستقبل هي النظر إلى ما حدث في الماضي، ويبدو أن مقارنة ما حصل في الثورات الماضية بمجال العمل تعطينا بصيصاً من الأمل.
لنأخذ مثالاً سريعاً يشرح الفكرة بشكل أفضل؛ نفس المخاوف التي نشعر بها الآن ظهرت في الماضي عندما دخلت الآلات إلى سوق العمل، فقد كانت هناك مخاوف كبيرة واعتقد الكثير من الخبراء أن الآلات المستخدمة في المصانع ستؤدي إلى فقدان الوظائف. لكن لم يكن هذا هو الحال، فعلى المدى الطويل، تكيف سوق العمل مع التغييرات واستمر عدد الوظائف في الازدياد.
يظهر نفس الاتجاه في العديد من الثورات الصناعية التي أثرت على تاريخ الإنسان، ويعتقد الكثير من الخبراء أن سوق العمل سيتكيف مع دخول الذكاء الاصطناعي وسيخلق فرص عمل جديدة ومتنوعة للغاية.