تعاون الطبيب مع الذكاء الاصطناعي يتفوق على القدرات المنفردة لكل منهما في الكشف عن سرطان الثدي

6 دقائق
الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تشخيص أكثر دقة لسرطان الثدي
فارا

وفقاً لبحث جديد، فإن طبيب الأشعة الذي يستعين بالذكاء الاصطناعي لدى البحث عن سرطان الثدي يحقق نجاحاً يفوق ما يستطيع الطبيب أو نظام الذكاء الاصطناعي تحقيقه منفرداً. كما أن نظام الذكاء الاصطناعي ذاته يستطيع تقديم نتائج أكثر دقة بين يدي طبيب أشعة ما يستطيع تقديمه عند العمل ذاتياً.

تم نشر هذه الدراسة واسعة النطاق في مجلة ذا لانسيت ديجيتال هيلث (The Lancet Digital Health)، وتعتبر الدراسة الأولى التي تجري مقارنة مباشرة بين أداء الذكاء الاصطناعي في عملية البحث عن سرطان الثدي من حيث استخدامه منفرداً أو في مساعدة خبير بشري. وتأمل الدراسة بأن تستطيع هذه الأنظمة إنقاذ الأرواح بكشف الأورام السرطانية التي يعجز الأطباء عن كشفها، وتوفير وقت أطباء الأشعة لرؤية المزيد من المرضى، والتخفيف من العبء في الأماكن التي تعاني من نقص واضح في الأطباء المختصين.

أما البرنامج الذي خضع للاختبار فهو من شركة فارا (Vara)، وهي شركة ناشئة في ألمانيا، كما أنها الجهة التي قادت هذه الدراسة. يتم استخدام نظام الذكاء الاصطناعي من هذه الشركة في أكثر من ربع مراكز فحص سرطان الثدي في ألمانيا، وقد بدأ العمل به في وقت سابق من هذا العام في مستشفى في المكسيك وآخر في اليونان.

اقرأ أيضاً: خوارزمية ميراي تتنبأ بسرطان الثدي قبل 5 سنوات من الإصابة

نتائج مبشرة 

وقد قام فريق فارا باختبار كلتا المقاربتين، بمساعدة أطباء الأشعة في مستشفى جامعة إيسين في ألمانيا ومركز سلون كيتيرينغ التذكاري في نيويورك. ففي المقاربة الأولى، كان الذكاء الاصطناعي يعمل بمفرده على تحليل الصور الشعاعية للثدي. وفي المقاربة الثانية، كان الذكاء الاصطناعي يقوم آلياً بالتمييز بين صور المسح التي تبدو له طبيعية والصور التي تبدو مثيرة للقلق. وكان يقوم بتحويل المجموعة الثانية من الصور إلى أخصائي الأشعة، والذي كان يدرسها قبل رؤية تقييم الذكاء الاصطناعي لها. وبعد ذلك، كان الذكاء الاصطناعي يصدر تحذيراً إذا اكتشف السرطان في مكان لم يكتشف الطبيب فيه شيئاً.

"في العملية المقترحة والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فإن ما يقارب ثلاثة أرباع تقييمات صور الأشعة لم تحتج إلى مراجعة من قبل طبيب الأشعة، مع تحسين الدقة الكلية".

تشارلز لانغلوتز

ولتدريب الشبكة العصبونية، قامت فارا بتلقيم الذكاء الاصطناعي بيانات أكثر من 367,000 صورة شعاعية للثدي، مع ملاحظات أطباء الأشعة، والتقييمات الأصلية، ومعلومات حول ظهور السرطان لدى المرضى في نهاية المطاف، وذلك لاكتساب القدرة على تصنيف هذه الصور ضمن 3 فئات: "صورة طبيعية مؤكدة"، و"صورة غير مؤكدة" (حيث لا يتم تقديم أي توقع محدد)، و"إصابة سرطان مؤكدة". وبعد ذلك، تمت مقارنة الاستنتاجات من كلتا المقاربتين مع القرارات التي اتخذها أطباء الأشعة الحقيقيون على 82,851 صورة شعاعية للثدي من مراكز الفحص التي لم تسهم في الصور التي تم تدريب الذكاء الاصطناعي باستخدامها.

وقد تبين أن المقاربة الثانية، التي تقوم على التعاون بين الطبيب والذكاء الاصطناعي، تفوقت بنسبة 3.6% في كشف سرطان الثدي على الطبيب الذي يعمل بمفرده، وارتكبت أخطاء أقل في النتائج الإيجابية. وفي نفس الوقت، كانت هذه المقاربة تقوم تلقائياً باستبعاد الصور التي صنّفتها ضمن فئة الصور الطبيعية المؤكدة، والتي بلغت نسبتها من إجمالي الصور الشعاعية للثدي 63%. ويمكن أن يؤدي هذا التحسن الكبير في السرعة إلى تخفيف عبء العمل على أطباء الأشعة.

اقرأ أيضاً: دراسةٌ لتعميم اختبار الكشف عن سرطان الثدي المُعتمد على الذكاء الاصطناعي لجوجل

فبعد تفحص صور الأشعة بحثاً عن سرطان الثدي، يمكن إرسال غير المصابات إلى منازلهن، على حين يتم إجراء الاختبارات على الحالات غير المؤكدة أو المصنفة كإصابة. ولكن أطباء الأشعة الذين يفحصون صور الأشعة للثدي يخفقون في كشف إصابة سرطان واحدة من بين كل 8 إصابات. فقد تتأثر قدرة طبيب الأشعة على كشف الأورام أثناء دراسة الآلاف من الصور الشعاعية بسبب الإرهاق والعمل الزائد، بل وحتى توقيت العمل. كما أن الدلالات الدقيقة مرئياً لا تؤدي بشكل عام إلى إثارة الانتباه والشكوك، علاوة على أن الأنسجة الكثيفة للثدي، والموجودة في أغلب الأحيان لدى الشابات، تجعل رؤية دلائل السرطان أكثر صعوبة.

يفرض القانون الألماني على أطباء الأشعة الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي النظر إلى كل صورة أشعة، وعلى الأقل إلقاء نظرة سريعة على الصور التي يصنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها خالية من الإصابات. وما زال الذكاء الاصطناعي يقدم المساعدة بملء التقارير مسبقاً على الصور التي يصنفها كصور طبيعية، على الرغم من أن طبيب الأشعة يستطيع رفض قرار الذكاء الاصطناعي على الدوام. 

وقد استخدم طبيب الأشعة، الذي يترأس مركزاً ألمانياً لفحص سرطان الثدي، ثيلو تولنر، هذا البرنامج لسنتين. وقد كان يختلف أحياناً مع تصنيف الذكاء الاصطناعي لبعض الصور على أنها طبيعية بشكل مؤكد، ويقوم يدوياً بملء التقارير التي تعبّر عن استنتاج مختلف، ولكنه يقول إن "الصور الطبيعية تعبّر بشكل شبه دائم عن نتائج طبيعية فعلياً". وفي معظم الأحيان، "ليس عليك سوى الضغط على زر الإدخال (Enter)". 

اقرأ أيضاً: أداة جديدة من جامعة إم آي تي تتنبأ بسرطان الثدي قبل حدوثه

تم تحويل صور الثدي الشعاعية التي صنفها الذكاء الاصطناعي على إنها إصابة سرطانية مؤكدة إلى طبيب الأشعة، ولكن فقط بعد أن يقدم الطبيب تقييماً أوليّاً مستقلاً.

يقوم أطباء الأشعة بتقييم صور الثدي الشعاعية على مقياس من 0 إلى 6 يعرف باسم باي-رادز (Bi-RADS)، حيث يكون الوضع أفضل كلما انخفض الرقم. تشير نتيجة 3 إلى احتمال وجود إصابة خبيثة يُستحسن التأكد منها. وإذا صنفت فارا بنتيجة 3 أو أعلى وفق باي-رادز إحدى الصور الشعاعية التي صنفها أطباء الأشعة على أنها طبيعية، سيظهر تحذير.

عادة ما يقدم الذكاء الاصطناعي أداءً ممتازاً في تصنيف الصور. وهذا ما يدعو إلى التساؤل حول السبب الذي يجعل الذكاء الاصطناعي المنفرد أضعف أداء من طبيب منفرد. يعود جزء من المشكلة إلى أن صور الثدي الشعاعية ليست كافية لوحدها للجزم بوجود إصابة سرطانية، فهذا يتطلب أخذ خزعة من النسيج المشبوه لاختبارها. وبدلاً من ذلك، يقوم الذكاء الاصطناعي بفحص صور الثدي الشعاعية بحثاً عن دلائل.

هل يمكن الثقة بنتائج تقرير الذكاء الاصطناعي؟

يقول المؤلف الأساسي للدراسة ومدير التعلم الآلي في فارا، كريستيان ليبيغ، إن الصور الشعاعية للثدي السليم والمصاب بالسرطان قد تبدو متشابهة للغاية، ويمكن لكلا النوعين من المسح أن يقدم نطاقاً واسعاً من النتائج المرئية. وهو ما يزيد من تعقيد عملية تدريب الذكاء الاصطناعي. شأنه شأن انخفاض نسبة نتائج الإصابات بالسرطان في عمليات الفحص (وفقاً لليبيغ، "تبلغ النسبة في ألمانيا ما يقارب الستة في الألف"). وبما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المدربة لالتقاط السرطان يتم تدريبها في أغلب الأحيان على صور أنسجة ثدي صحية، فهي معرضة لتقديم نتائج إيجابية خاطئة.

قامت الدراسة باختبار نظام الذكاء الاصطناعي فقط باستخدام قرارات صور الثدي الشعاعية (ماموغرام) السابقة، مفترضة أن أطباء الأشعة سيتفقون مع الذكاء الاصطناعي في كل مرة أصدر فيها تصنيف "صورة طبيعية مؤكدة" أو"إصابة مؤكدة". أما عندما كان الذكاء الاصطناعي غير متأكد، فقد اعتمدت الدراسة على القراءة الأصلية لطبيب الأشعة. وهذا يعني أنها لم تكن قادرة على اختبار كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على قرارات أطباء الأشعة، وما إذا كانت هذه التغيرات ستؤدي إلى مخاطر جديدة. يعترف تولنر بأنه يمضي وقتاً أقل في تدقيق الصور الشعاعية التي تصنفها فارا كصور طبيعية مقارنة بتلك التي تصنفها كصور مريبة. ويقول: "تصبح عملية فحص الصور الطبيعية أكثر سرعة لثقتك بالنظام".

يقول مدير مركز ستانفورد للذكاء الاصطناعي في الطب والصور، كيرتس لانغلوتز، إنه معجب بالعمل، ولكنه يضيف قائلاً إن الخطوة التالية يجب أن تركز على تأكيد مستوى أداء الذكاء الاصطناعي على مدى فترة طويلة من الوقت في العيادات الحقيقية مع مرضى حقيقيين.

اقرأ أيضاً: يكشف هذا الذكاء الاصطناعي عن سرطان الرئة بوتيرة أسرع وأكثر دقة وموثوقية

وحتى الآن، فشلت جميع محاولات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل كلي بدلاً من أطباء الأشعة. وقد وجدت دراسة عامة في 2021 أن الذكاء الاصطناعي كان أضعف أداء من طبيب شعاعي واحد في كشف وجود سرطان الثدي في الصور الشعاعية للثدي، وذلك في 34 دراسة من أصل 36 دراسة. أما عند أخذ رأي مشترك لطبيبين شعاعيين، وهو ما تفرضه بعض البلدان، فقد كان الذكاء الاصطناعي أسوأ أداء في جميع الدراسات الست والثلاثين.

يقول لانغلوتز: "غالباً ما نقول إن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الطبيب الشعاعي". "وهذه الدراسة لا تغير رأينا هذا، ولكن في إطار العملية المقترحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فإن ما يقارب ثلاثة أرباع دراسات فحص الصور لم تكن بحاجة إلى مراجعة طبيب شعاعي، مع تحسين الدقة الإجمالية". وهو، كما يقول: "إنجاز كبير".

يضيف لانغلوتز قائلاً إن هذه المقاربة يمكن أن تخفف من أثر نقص أطباء الأشعة، خصوصاً في بلدان مثل ملاوي، حيث يوجد طبيب أشعة واحد لكل 8.8 مليون شخص، أو الهند التي تتضمن 1.4 مليار نسمة، والتي يوجد فيها طبيب أشعة واحد لكل 100,000 شخص. وحتى في الولايات المتحدة، والتي تصل نسبة أطباء الأشعة فيها إلى عشرة أضعاف ما في الهند، تشير التوقعات إلى نقص بمقدار 17,000 طبيب شعاعي بحلول عام 2033.

اقرأ أيضاً: كيف يستخدم الأطباء الذكاء الاصطناعي لتصنيف خطورة الإصابة بكوفيد-19؟

يشعر تولنر بالتفاؤل بأن زيادة عدد أطباء الأشعة الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي سيعني اكتشاف سرطان الثدي في وقت أبكر، وتحسين معدلات النجاة. كما يأمل بأن فارا ستساعد على التخفيف من العدد الكبير من الأخطاء الإيجابية، والتي تستوجب إجراء المزيد من الفحوصات دون وجود إصابة فعلية.

المحتوى محمي