باتت حماية الحياة البرية أمراً ضرورياً جداً، بعد أن أصبحت المئات من الأنواع الحية مهددة بالانقراض، لكن الطرق التقليدية التي ابتكرها البشر لمراقبة الحياة البرية بهدف حمايتها باءت بالفشل، ما دفعهم لتوظيف التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال، فقد طوّر الباحثون نماذج للذكاء الاصطناعي تقدم فوائد عديدة للباحثين ودعاة الحفاظ على الحياة البرية.
فائدة توظيف الذكاء الاصطناعي في حماية الحياة البرية
جنى البشر فوائد عديدة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الحياة البرية، فقد استطاع الباحثون فهم سلوك الحيوانات مثل أنماط التكاثر وطرق البحث عن الطعام وعادات الصيد. كما يمكن وضع خوارزميات من أجل مراقبة الحيوانات والتقاط الصور لها، وضمان أمنها، وإحصاء أعدادها والسيطرة على الصيد الجائر. يمكن أيضاً تسيير طائرات بدون طيار مزودة بمجموعة بيانات وأنظمة معالجة الصور، من أجل تتبع الحيوانات البرية في أنشطتها اليومية وإحصاء أعدادها.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الغابات أكثر أماناً للحيوانات بعد استخدام كاميرات الأمان التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والمزودة بتقنية الرؤية الليلية والكشف عن الأشياء في الظلام. يتم تثبيتها في المواقع التي يتسلل إليها الصيادون، ويمكنها اكتشاف الأشخاص الذين يحملون أسلحة وتنبيه السلطات لإنقاذ الحيوانات كلما تم اكتشاف صوت المناشير أو الطلقات النارية أو المركبات في محيط الغابة، ما يساعد في تقليل الصيد الجائر وقطع الأشجار.
قلّص استخدام الذكاء الاصطناعي من الوقت الذي يقضيه الباحثون في تحليل صور كاميرات مراقبة الحياة البرية التي يجمعونها من أجل الحفاظ على التنوع الحيوي، ولدراسة الحيوانات المختلفة، إذ أن استخدام تقنية التعرف على السلوك باستخدام الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، مكّن من التقاط مؤشرات سلوكية جديدة بشكل أكثر دقة من البشر، خاصةً أن استخراج هذه البيانات من الكاميرات يحتاج إلى تجنيد جيوش كبيرة من المتطوعين البشريين.
فيما يلي بعض الأمثلة العملية لدراسات عن الحياة البرية أجراها الباحثون باستخدام الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: هل ينجح الذكاء الاصطناعي حقاً في مراقبة خطاب الكراهية؟
التعرف على سلوك الشمبانزي في البرية
طور علماء في جامعة أكسفورد نموذج ذكاء اصطناعي جديد، هو الأول من نوعه، للتعرف على سلوك الشمبانزي في البرية، يسمح بتقليص الوقت الذي يقضيه الباحثون ودعاة حماية الحياة البرية في تحليل سلوك الحيوانات من مقاطع الفيديو التي التقطتها كاميرات المراقبة.
وفقاً للدراسة المنشورة في دورية «ساينس أدفانس» العلمية، تم تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد باستخدام مقاطع فيديو لمجموعتين من الشمبانزي البري في غينيا، لالتقاط العديد من السلوكيات: مثل تكسير الجوز، وتناول الطعام.
بحسب الباحثين، يمكن تطبيق هذا النموذج على آلاف الساعات من تسجيلات الفيديو للشمبانزي في بيئتها الطبيعية، وبالاعتماد على التعلم العميق، يمكن للنموذج التعرف على الأصوات والمرئيات، أي يمكنه سماع سلوك الحيوان أو أفعاله دون رؤيته، فيما يُعرف بالسلوك السمعي البصري.
يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد الاختلافات الدقيقة بين مجموعات الشمبانزي، وتطور سلوكها بمرور الوقت، وذلك لم يكن ممكناً من قبل بسبب التعقيد السلوكي لديها. لا تقتصر هذه الطريقة على الشمبانزي، إذ يمكن للباحثين تطبيقها للتعرف على سلوك أي نوع آخر.
تكمن أهمية هذا العمل في أنه يساعد الباحثين على فحص الدوافع الاجتماعية والبيئية للسلوك، فضلاً عن مراقبة كيفية استجابة هذه المجتمعات للضغوط البيئية الناجمة عن تغير المناخ وتدهور الموائل من الأنشطة البشرية.
اعتمدت هذه الدراسة على عمل سابق للباحثين أنفسهم، فقد طوروا سابقاً نموذجاً للذكاء الاصطناعي يتعرف على وجوه الشمبانزي، ما سمح لهم الآن بقياس سلوك الأفراد.
اقرأ أيضاً: خوفاً من وباء جديد: نيجيريا مطالَبة بحظر أسواق الحيوانات البرية
التعرف على وجوه الشمبانزي في البرية
في عام 2019، طور باحثو جامعة أكسفورد نموذجاً للذكاء الاصطناعي للتعرف على وجوه الشمبانزي في البرية، وهو ما ساعد على تطويرهم لنموذج الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه تحليل سلوك الشمبانزي.
تم تدريب نموذج التعرف على الوجوه باستخدام أكثر من 10 ملايين صورة من أرشيف الفيديو التابع لمعهد أبحاث الرئيسيات التابع لجامعة كيوتو للشمبانزي البري في غينيا. وكان هذا البرنامج أول برنامج يتتبع الأفراد باستمرار ويتعرف عليهم في مجموعة واسعة من الأوضاع، حتى في الظروف الصعبة مثل الإضاءة المنخفضة والصور الرديئة وضبابية الحركة.
لهذه التقنية عدة تطبيقات، على سبيل المثال، مراقبة الأنواع من أجل الحفاظ عليها، إذ يمكن تطبيق النموذج على أنواع أخرى غير الشمبانزي. كما يمكن تطبيق هذه التقنية لحل مشكلات التنوع الحيوي وتعرض العديد من النظم البيئية في العالم للخطر، بالإضافة إلى مراقبة السلوك الحيواني.
اقرأ أيضاً: استنساخ الحيوانات الأليفة يقرّبنا أكثر من استنساخ البشر
التعرف على أفراد الطيور
لا تقتصر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحياة البرية على الرئيسيات فحسب، بل تمكّن الذكاء الاصطناعي من التعرف على عشرات الأفراد من الطيور، وهو أمر لا يستطيع البشر القيام به، ما يُمكّن البشر من التغلب على أحد أكبر القيود في دراسة الطيور البرية وهو التعرف على الأفراد بشكل دقيق.
تضمّن ذلك جمع آلاف الصور لعدة أنواع من الطيور، ثم استخدام هذه البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي واختبارها. ثُم عُرِض على النموذج صورٌ لأفراد جديدة من الطيور، واستطاع التعرف عليها بدقة أكثر من 90% للأنواع البرية و 87% للعصافير في الأقفاص.
في دراسات السلوك الحيواني، يعد التعرف على الأفراد أحد أكثر العوامل تكلفة ومضيعة للوقت، مما يحد من نطاق السلوكيات وعدد الأفراد الذين يمكن للباحثين دراستهم. وهذا ما تمكن الباحثون من التخلص منه باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي.
دراسة الأسماك البرية
بالانتقال إلى الحياة البحرية، طوّر باحثون نموذجاً لاستكشاف التفاعل بين أسماك السلمون داخل الأقفاص البحرية ومحيطها، وتحديد تعدادها.
إن الفهم الجيد لسلوك الأسماك في بيئتها الطبيعية، وفي الظروف البيئية غير العادية، يمكّننا من التنبؤ بأي سوء قد يحدث ويضر بالأسماك، مثل اقتراب الأسماك البرية من الأقفاص البحرية، ووجود الطحالب الضارة، أو تغيرات في عوامل مثل الماء أو الضوء أو الأكسجين.
سيؤدي ذلك إلى تحسين تربية الأسماك، وبالتالي تحسين نوعيتها، ما يعود بفوائد اقتصادية على مربي هذه الأسماك. ويمكن لهذا النظام تقليل عبء العمل البشري بشكل كبير، خاصة عند الرغبة بتقدير تعداد الأسماك. تعد هذه المعرفة ذات قيمة من حيث فهم آثار تربية الأحياء المائية في أقفاص على النظام البيئي.
التعرف على الحيوانات البرية وعدّها ووصفها
بدايةً، استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصةً التعلم العميق، لتحديد أنواع الحيوانات، وإحصاء أعدادها في موائلها الطبيعية، وذلك بعد وصف الصور الفوتوغرافية التي يتم جمعها تلقائياً بواسطة كاميرات استشعار الحركة بواسطة الشبكات العصبونية العميقة.
كانت نتيجة دراسة، من جامعة «وايومنغ» الأميركية عام 2018، نظام يمكنه أتمتة التعرف على الحيوانات لما يصل إلى 99.3% من الصور، بالمقارنة بمعدل دقة يبلغ نحو 96.6% للبشر.
أتاحت مثل هذه الدراسات جمع البيانات عن الحياة البرية بدقة، وبطريقة غير مكلفة وسريعة، مما يؤدي إلى مساعدة البشر في دراسة علوم الحيوان. على سبيل المثال، يحتاج البشر إلى أكثر من 8 سنوات للتعرف على الحيوانات وسلوكها لكل 3 ملايين صورة، مما يضيع وقت الباحثين، لكن الذكاء الاصطناعي يوفر هذا الوقت للأبحاث والدراسات.