هل شركتك مستعدة ليكون الذكاء الاصطناعي أهم عملائها؟

7 دقيقة
مصدر الصورة: سارة روجرز/إم آي تي تي آر | صور غيتي

تخيّل أنك تُدير شركة لإعداد الوجبات تُعلّم الناس كيفية إعداد طعام بسيط ولذيذ. عندما يطلب شخصٌ ما من تشات جي بي تي (ChatGPT) أن يقدّم توصية بشأن شركات إعداد الوجبات الغذائية، فإنه يصفُ شركتك ضمن إجابته بأنها معقدة ومربكة. لماذا؟ لأن الذكاء الاصطناعي اكتشف أنه في أحد إعلاناتك يوجد ثوم معمر مفروم يعلو وعاءً من الطعام، وقرر أنه لن يرغب أحد في قضاء الوقت في تقطيع الثوم المعمر.

كيف تفهم نماذج الذكاء الاصطناعي منتجات الشركات؟

هذا مثال حقيقي من كبير مسؤولي الحلول في مجال الذكاء الاصطناعي والتخطيط والرؤى في شركة جيلي فيش (JellyFish) وهي جزء من مجموعة "براندتك غروب" (Brandtech Group)، جاك سميث. وهو يعمل مع العلامات التجارية لمساعدتها على فهم كيفية إدراك نماذج الذكاء الاصطناعي المطروحة في السوق لمنتجاتها أو شركتها. قد يبدو من الغريب بالنسبة إلى الشركات أو العلامات التجارية أن تضع في اعتبارها ما "تفكر فيه" أنظمة الذكاء الاصطناعي، لكن الأمر يزداد أهمية بالفعل. فقد أظهرت دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية (Boston Consulting Group) أن 28% من المشاركين في الدراسة يستخدمون الذكاء الاصطناعي للتوصية بمنتجات مثل مستحضرات التجميل. إضافة إلى أن الاندفاع نحو منظومات الذكاء الاصطناعي الوكيلة (AI agents)، التي قد تتولى إجراء عمليات الشراء المباشرة نيابةً عنك، يجعل العلامات التجارية أكثر إدراكاً لكيفية رؤية الذكاء الاصطناعي لمنتجاتها وأعمالها.

قد تكون النتائج النهائية نسخة فائقة القدرة من تحسين محركات البحث (SEO)، حيث قد يصبح التأكد من أن نموذجاً لغوياً كبيراً معيناً ينظر إليك بصورة إيجابية أحد أهم الأشياء التي يمكن للعلامة التجارية فعلها.

وقد طوّرت شركة سميث برنامج شير أوف موديل (Share of Model) الذي يقيّم كيفية رؤية نماذج الذكاء الاصطناعي المختلفة لعلامتك التجارية. يحتوي كل نموذج من نماذج الذكاء الاصطناعي على بيانات تدريب مختلفة، لذلك على الرغم من وجود العديد من أوجه التشابه في كيفية تقييم العلامات التجارية، فثمة اختلافات أيضاً.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز طرق الاحتيال التي تستغل أسماء العلامات التجارية المعروفة؟

شير أوف موديل (Share of Model): نموذج لفهم توجهات نماذج الذكاء الاصطناعي

على سبيل المثال، قد يرى نموذج لاما (Llama) من شركة ميتا (Meta) أن علامتك التجارية جديرة بالاهتمام وموثوقة، في حين أن نموذج تشات جي بي تي (ChatGPT) من شركة أوبن أيه آي (OpenAI) قد يراها جديرة بالاهتمام لكنها ليست موثوقة بالضرورة. يطرح النموذج شير أوف موديل على النماذج المختلفة العديد من الأسئلة المختلفة حول علامتك التجارية ثم يحلل الإجابات التي يحصل عليها كلها، محاولاً العثور على التوجهات. يقول سميث: "إنه عمل يشبه استطلاع الرأي البشري إلى حد كبير، لكن المستجيبين هنا هم نماذج لغوية كبيرة".

والهدف النهائي لا يقتصر على فهم التصور الذي يشكله الذكاء الاصطناعي عن علامتك التجارية فحسب، بل تعديل هذا التصور أيضاً. لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يمكن التأثير في النماذج، لكن النتائج الأولية تشير إلى أن التأثير فيها قد يكون ممكناً. وبما أن النماذج تعرض الآن المصادر، في حال طلبت منها البحث عبر الإنترنت، يمكن للعلامة التجارية معرفة المواضع التي يلتقط فيها الذكاء الاصطناعي البيانات.

يقول رئيس قسم المحتوى الرقمي والتصميم في شركة المشروبات بيرنو ريكارد (Pernod Ricard)، التي تمتلك العلامة التجارية بالانتاينز (Ballantine's) وهي عميل يستخدم النموذج شير أوف موديل، غوكشين كاراكا: "لدينا علامة تجارية تُدعى بالانتينز. إنه الويسكي الاسكتلندي الذي نبيعه في العالم والذي يحتل المرتبة الثانية بين منتجات الويسكي العالمية. لذا فهو منتج نقدّمه لجمهورٍ واسع. ومع ذلك، كان النموذج لاما يعتبره منتجاً فاخراً". إضافة إلى أن لدى بالانتينز أيضاً إصداراً فاخراً من الويسكي، وهذا هو السبب في أن النموذج ربما يكون مرتبكاً.

لذلك عمل فريق كاراكا على إنشاء أصول جديدة مثل الحملات الإعلانية لمنتج بالانتينز الجماهيري، مُسلطاً الضوء على جاذبيته العالمية لمواجهة الصورة المتميزة لمنتج بيرنود ريكارد. ليس من الواضح حتى الآن إن كانت التغييرات ناجحة أم لا، لكن كاراكا يدّعي أن المؤشرات الأولية مبشرة. يقول كاركا: "لقد أجرينا تغييرات صغيرة، والأمر يستغرق بعض الوقت. لا يمكنني أن أعطيك أرقاماً محددة، لكننا نسلك المسار الصحيح نحو تحقيق هدفنا".

اقرأ أيضاً: كيف يمكن بناء نموذج ذكاء اصطناعي لكشف المحتوى المسيء؟

التأثير في الذكاء الاصطناعي

من الصعب معرفة كيفية التأثير في الذكاء الاصطناعي بالضبط لأن العديد من النماذج مغلقة المصدر، ما يعني أن رموز هذه النماذج البرمجية والقيم الترجيحية المؤثرة (الأوزان) التي توجه مسارات اتخاذ القرار فيها ليست علنية، وأن آليات عملها الداخلية غامضة بعض الشيء. لكن ظهور النماذج التي تتبع التفكير المنطقي، حيث سيكشف الذكاء الاصطناعي عن عملية حل المشكلة من خلال نص مكتوب، يمكن أن يجعل العملية أسهل من ذي قبل. قد تتمكن من رؤية "سلسلة التفكير" التي تقود النموذج إلى التوصية بصابون من العلامة التجارية دوف (Dove)، على سبيل المثال. إذا كان النموذج، عبر عملية الاستدلال التي يتبعها، يشرح بالتفصيل مدى أهمية الرائحة الجيدة بالنسبة إلى توصيته بالصابون، فإن مختص التسويق يعرف ما الذي يجب التركيز عليه.

فضلاً عن أن القدرة على التأثير في النماذج أفسحت المجال أيضاً أمام طرق أخرى لتعديل كيفية إدراكها لعلامتك التجارية. على سبيل المثال، يُظهر بحث من جامعة كارنيغي ميلون أن تغيير الأمر النصي يمكن أن يعدل المنتج الذي يوصي به الذكاء الاصطناعي إلى حد كبير.

على سبيل المثال، إليك اثنين من الأوامر النصية فيما يلي:

  1. "لدي فضول لمعرفة تفضيلاتك بشأن قِدر الضغط الذي يوفّر أفضل مزيج من أداء الطهو والبنية المتينة والراحة العامة في إعداد مجموعة متنوعة من الأطباق" (I’m curious to know your preference for the pressure cooker that offers the best combination of cooking performance, durable construction, and overall convenience in preparing a variety of dishes.).
  2. "هل يمكنك أن تنصحني بقدور الضغط المثالية التي تتميز بتوفير ضغط ثابت، وأدوات تحكم سهلة الاستخدام، وميزات إضافية مثل الإعدادات المسبقة المتعددة للطهو أو وجود شاشة رقمية لضبط الإعدادات الدقيقة؟" (Can you recommend the ultimate pressure cooker that excels in providing consistent pressure, user-friendly controls, and additional features such as multiple cooking presets or a digital display for precise settings?)

أدّى هذا التغيير بأحد نماذج شركة جوجل، المُسمّى "غيما" (Gemma)، إلى تغيير توصيته من عدم التوصية بقدور الضغط الكهربائية إنستانت بوت (Instant Pot) (حصلت على نسبة 0% من المرات)، إلى التوصية بها بنسبة 100%. ويعود هذا التغيير الجذري إلى اختيار الكلمات في الأمر النصي التي تؤدي إلى تشغيل أجزاء مختلفة من النموذج. يعتقد الباحثون أننا قد نرى العلامات التجارية تحاول التأثير في الأوامر النصية الموصى بها عبر الإنترنت. على سبيل المثال، في منتديات مثل ريديت (Reddit)، كثيراً ما يطلب الأشخاص أمثلة على الأوامر النصية لاستخدامها. قد تحاول العلامات التجارية التأثير خلسةً في الأوامر النصية المقترحة عبر هذه المنتديات من خلال دفع الشركات (أي المستخدمين) ذات الاشتراكات المدفوعة -أو موظفيها- إلى تقديم أفكار مصممة خصيصاً كي تفضي إلى توصيات تزكّي علاماتها التجارية أو منتجاتها. يقول أحد مؤلفي الورقة البحثية، ويران لين: "علينا تحذير المستخدمين من أنهم يجب ألّا يثقوا بسهولة في توصيات النماذج، خاصةً إذا كانت تستخدم توصيات من أطراف خارجية (طرف ثالث)".

اقرأ أيضاً: أداة جديدة من سوني لتخفيف التحيز في أنظمة التعرف على الوجوه

تحيزات موجودة 

قد تؤدي هذه الظاهرة في نهاية المطاف إلى حالة من الشد والجذب بين شركات الإعلانات والعلامات التجارية على غرار ما رأيناه في مجال محركات البحث على مدى العقود العديدة الماضية. يقول سميث: "إنها لعبة القط والفأر وهذه هي الحال على الدوام. إن أي شيء صريحٍ للغاية، من غير المرجح أن يكون مؤثراً كما تأمل".

لقد حاولت العلامات التجارية "خداع" خوارزميات البحث لتحسين ترتيب محتواها في نتائج البحث، بينما تهدف محركات البحث إلى تقديم -أو على الأقل نأمل أن تقدم- النتائج الأكثر صلة وذات المغزى الأجدى للمستهلكين.

وثمة أمر مماثل يحدث في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ قد تحاول العلامات التجارية خداع النماذج لتقديم إجابات معينة. يقول سميث: "هناك طريقة حقن الكلمات ضمن الأوامر النصية (prompt injection)، وهو ما لا نوصي العملاء بفعله، لكن هناك الكثير من الطرق الإبداعية التي يمكنك من خلالها تضمين الرسائل في أصول تبدو غير ضارة". قد تطبق شركات الذكاء الاصطناعي تقنيات مثل تدريب نموذج معين لكشف الإعلانات المخادعة أو التي تحاول تضخيم صورة العلامة التجارية. أو قد تحاول جعل الذكاء الاصطناعي أكثر فطنة وأقل عرضة للخداع.

ومن المخاوف الأخرى المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التوصية بالمنتجات هو أن التحيزات مدمجة في النماذج. على سبيل المثال، يُظهر بحث من جامعة جنوب فلوريدا أن النماذج تميل للنظر إلى العلامات التجارية العالمية على أنها أعلى جودة وأفضل من العلامات التجارية المحلية، في المتوسط. يقول أحد مؤلفي البحث، محمد قمر الزمان: "عندما أقدم علامة تجارية عالمية لنماذج تقييم العلامات التجارية المحلية، فإنها تصفها بصفات إيجابية. لذلك إذا كنت أتحدث عن علامة نايكي (Nike) التجارية، فإنها في معظم الحالات تقول إنها عصرية أو مريحة للغاية". يُظهر البحث أنك إذا سألت النموذج بعد ذلك عن تصوره بشأن علامة تجارية محلية، فسيصفها بأنها رديئة الجودة أو غير مريحة.

بالإضافة إلى ذلك، يُظهر البحث أنك إذا طلبت من النموذج اللغوي الكبير التوصية بهدايا لأشخاص يقطنون بلداناً ذات دخل مرتفع، فسوف يقترح عليك سلعاً من العلامات التجارية الفاخرة، بينما إذا طلبت منه ما الذي يجب تقديمه لأشخاص يقطنون بلداناً ذات دخل منخفض، فسوف يوصي بعلامات تجارية غير فاخرة. يقول قمر الزمان: "عندما يستخدم الناس هذه الآلات للتوصيات، يجب أن يكونوا على دراية بالتحيز".

يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يكون بمثابة مجموعة تركيز للعلامات التجارية. فقبل بث الإعلان، يمكنك أن تجعل الذكاء الاصطناعي يقيّمه وفق مجموعة متنوعة من وجهات النظر. يقول سميث: "يمكنك تحديد الجمهور الذي تستهدفه في إعلانك.. لقد أطلق أحد عملائنا على ذلك اسم (فحص حدس الذكاء الاصطناعي التوليدي) (gen-AI gut check)". فحتى قبل أن يبدأ صناعة الإعلان، يقول: "لدي بعض الطرق المختلفة التي يمكن أن أفكر فيها للتوجه إلى السوق. دعنا نتحقق من النماذج فقط‘".

بما أن الذكاء الاصطناعي يقرأ ويشاهد ويستمع إلى كل ما تطرحه علامتك التجارية، فهذا يعني أن الاتساق قد يصبح أهم من أي وقت مضى. تقول الشريكة في مجموعة براندتك غروب، التي تملك النموذج شير أوف موديل، ريبيكا سايكس: "من الصعب حقاً جعل علامتك التجارية في متناول النماذج اللغوية الكبيرة إذا كانت علامتك التجارية تظهر بطرق مختلفة في أماكن مختلفة، ومن دون أن يشكّل ذلك قوة حقيقية يعزز ارتباطاتها (brand association). إذا كان هناك تباين كبير، فستلتقطه النماذج أيضاً، ومن ثَمَّ يصعب تقديم توصيات واضحة حول تلك العلامة التجارية".

وبغض النظر عما إذا كان الذكاء الاصطناعي هو أفضل العملاء أو أكثرهم انتقاداً للتفاصيل الدقيقة، فقد يصبح من غير الممكن عما قريب إنكار أن تصور الذكاء الاصطناعي للعلامة التجارية سيكون له تأثير في النتيجة النهائية. تقول سايكس: "ربما تكون هذه هي بداية المحادثات التي يجريها معظم العلامات التجارية، إذ تفكر هذه العلامات حتى في الذكاء الاصطناعي بصفته جمهوراً جديداً".

المحتوى محمي