هل يهدد الذكاء الاصطناعي وظيفة مصمم الغرافيك؟ إليك ما يجب معرفته

5 دقيقة
توليد الصورة بمساعدة "بكسلر" بإشراف محرر مجرة

أذكر دائماً برنامج الرسام، هذا البرنامج البسيط المدمج في نظام التشغيل ويندوز منذ اللحظة الأولى التي طُرِح فيها للمستخدمين. فعلى بساطته كان كافياً لحل الكثير من المشكلات البسيطة في التصميم.

لكن، عام 1987 طوّر الأخوان الأميركيان توماس وجون نول، برنامج الفوتوشوب الذي أحدث ثورة حقيقية في عالم التصميم الغرافيكي، تضاهي تلك التي أحدثتها المزيفات العميقة اليوم، وكان البارعون في استخدامه هم المقابل الرقمي لكلمة "فنان"، تلاه العديد من البرامج.

يشعر اليوم فنانو التسعينيات وعقد الألفية الثالثة الأول بالكثير من القلق، فقد بدأ عصر لم تعد فيه أعمالهم وحدها هي المهددة، بل طال هذا التهديد مختلف المهن. فهل حقاً يهدد الذكاء الاصطناعي مصممي الغرافيك؟ وكيف يمكن التأقلم مع متطلبات الحالة الراهنة بل والاستفادة منها أيضاً؟ هذا ما سنخوض فيه.

اقرأ أيضاً: ما هي المهن التي لن يحل محلها الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

ما الذي يمكن أن تفعله أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة تُنافس مصمم الغرافيك؟

يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي اليوم تنفيذ عدد من المهام التي كانت حكراً على مصمم الغرافيك، ما يجعلها منافساً حقيقياً في بعض الجوانب. ومن أبرز ما يمكن لهذه الأدوات فعله:

  • تصميم الشعارات والهوية البصرية: إذ يمكن استخدام أدوات مثل لوكا Looka ولوغو ماكر LogoMakr إنتاج شعارات احترافية خلال دقائق بناءً على إدخال بسيط من المستخدم.
  • توليد تصاميم تلقائية: يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي اقتراح تصاميم جاهزة بناءً على البيانات والجمهور المستهدف أو الأنشطة التجارية، ما يقلل الحاجة إلى البدء من الصفر.
  • أتمتة المهام المتكررة: مثل تغيير الألوان وتعديل الحجم أو إنتاج نسخ متعددة من التصميم بسرعة كبيرة، واقتراح خطوط، ما يوفّر وقت المصممين.
  • تحسين تجربة المستخدم (UX/UI): عبر تحليل سلوك المستخدمين واقتراح تعديلات فورية لتجربة أكثر فاعلية وجاذبية.
  • إنتاج محتوى بصري عبر النصوص: يمكن لأدوات مثل دال. إي DALL·E وكانفا أيه آي Canva AI توليد صور وتصاميم من وصف نصي فقط.

ومن أشهر الأدوات المستخدمة في التصميم الغرافيكي والقائمة على الذكاء الاصطناعي:

  • أدوبي سينسي Adobe Sensei: إطار عمل للذكاء الاصطناعي مُدمج في مجموعة برامج التصميم من أدوبي. يُشغّل سنسي العديد من الميزات، بما في ذلك التصحيح التلقائي للصور، والتعرّف إلى الخطوط، والقص المراعي للمحتوى. تُبسّط هذه الوظائف المدعومة بالذكاء الاصطناعي عملية التصميم وتُسرّعها، ما يسمح للمصممين بتحقيق نتائج احترافية بأقل جهد.
  • كانفا Canva: على الرغم من كونها منصة تصميم قائمة على الويب، فإن كانفا تُدمج الذكاء الاصطناعي لاقتراح عناصر التصميم والتخطيطات ولوحات الألوان بناءً على تفضيلات المستخدم. تُمكّن هذه الميزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي المستخدمين من إنشاء تصاميم جذابة بصرياً بسرعة، حتى دون خبرة سابقة في التصميم، كما تُقدّم ملاحظات واقتراحات فورية في أثناء التصميم، ما يسمح بإجراء تحسينات متكررة.
  • ديب آرت. آي أو DeepArt.io وبريزما Prisma: اكتسبتا شهرة لقدرتهما على تحويل الصور إلى أنماط فنية مستوحاة من فنانين مشهورين؛ إذ تُحلل هذه الأدوات محتوى الصورة وأسلوبها باستخدام خوارزميات التعلم العميق، ثم تُطبّق الأسلوب الفني المُختار لإنتاج التصاميم.

لكن، لا تزال أدوات الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى الحس الإبداعي العميق، وفهم السياق الثقافي والعاطفي، وهو ما يُميّز المصمم البشري.

اقرأ أيضاً: 13 من أفضل البرامج وأدوات التصميم التي تستخدم الذكاء الاصطناعي

وظائف لمصممي الغرافيك في عصر الذكاء الاصطناعي

يمكن النظر إلى الذكاء الاصطناعي كفرصة بالنسبة لمصممي الغرافيك، إذ ستظهر العديد من الوظائف التي يمكن أن يعمل بها مصمم الغرافيك مدفوعة بالذكاء الاصطناعي؛ حيث يتطور دور مصممي الغرافيك من منفذين إلى مخرجين وموجهين للعمل الإبداعي. فمع تولي الخوارزميات المهام الروتينية، يُعاد تشكيل مسؤوليات المصمم ليصبح مسؤولاً عن توجيه وتدريب الأدوات الذكية. من أهم هذه الوظائف:

  • مدرب للذكاء الاصطناعي: حيث يُقيِّم مصممو الغرافيك مخرجات الآلة ويصححونها، ما يُحسّن أداء الأدوات ويُخصصها لتُناسب الأساليب والأسس الجمالية الخاصة بكل مشروع.
  • خبير تكامل سير العمل: حيث يدمج المصممون أدوات الذكاء الاصطناعي في العمليات الإبداعية، واستخدام واجهات برمجة التطبيقات (APIs) وتقنيات الأتمتة، ما يُعزّز الكفاءة ويُسرّع الإنتاج.
  • خبراء محتوى: حيث يُسهم مصممو الغرافيك بمعرفتهم العميقة في مجالات مثل نظرية الألوان والطباعة والتكوين البصري في تدريب الأنظمة الذكية على فهم الفروق الدقيقة في التصميم.
  • مخرج إبداعي: يُحدّد الرؤية العامة ويضع الإرشادات التي توجّه الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى يتماشى مع أهداف العلامة التجارية والجمهور المستهدف.

هذه الأدوار تدل على أن المصممين سيصبحون قادة في توجيه الإبداع، مستفيدين من قدرات الذكاء الاصطناعي لتعزيز رؤاهم وتحقيق نتائج مبتكرة.

اقرأ أيضاً: مولّد الصور الجديد من أوبن أيه آي: نقلة تقنية تفتح آفاقاً جديدة للتصميم الإبداعي

كيف تستفيد كمصمم غرافيك من الذكاء الاصطناعي؟

لا بُدّ وأنك سمعت بالمقولة الشهيرة التي تنصُّ على أن الشركات لن تستبدل موظفيها بالذكاء الاصطناعي، بل بعاملين قادرين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بكفاءة. ينطبق الأمر ذاته على التصميم الغرافيكي، إذ يمكن لمصممي الغرافيك الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي في أداء مهامهم، ليعملوا بطريقة أذكى دون أن يُستغنى عنهم:

1- تسريع توليد الأفكار والعصف الذهني

يمكن للذكاء الاصطناعي توليد خيارات تصميم متعددة بسرعة من خلال نصوص بسيطة أو صور مرئية موجودة، ما يُسرّع عملية العصف الذهني. ويفيد ذلك المصممين في إنشاء العديد من الشعارات أو نماذج التصميم في دقائق، متجاوزين بذلك العقبات الإبداعية ومستكشفين آفاقاً جديدة. هذا التوليد السريع للأفكار يؤدي إلى تصاميم أكثر ابتكاراً وتأثيراً.

2- أتمتة المهام المتكررة

غالباً ما يستغرق إنشاء أصول التصميم، مثل الأيقونات والخلفيات أو تغيير حجم الصور، وقتاً طويلاً. يُؤتمت الذكاء الاصطناعي هذه المهام، مثل إزالة الخلفية وتغيير حجم الصور وإنشاء لوحات الألوان، ما يُتيح للمصممين التركيز على المهام الإبداعية عالية المستوى. يُبسّط هذا سير العمل ويُقلّل أوقات إنجاز العمل.

3-  تحسين تحرير الصور ومعالجتها

توفّر أدوات تحرير الصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي إمكانات متقدمة تتفوق على البرامج التقليدية. مثلاً تُتيح ميزات مثل التلوين الداخلي والتلوين الخارجي توسيع الصورة بسلاسة، وتعديلها بدقة، وإزالة العناصر غير المرغوب فيها. ويتمتّع المصممون بتحكم أكبر وحرية إبداعية لتحسين الصور إلى أقصى حد.

4- إنشاء تصاميم مخصصة

يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي إنشاء تصاميم أصلية أو تعديل التصاميم الموجودة من الصفر بناءً على أوصاف النصوص أو بيانات المستخدم. على سبيل المثال، يمكن تحويل النصوص إلى رسوم توضيحية أو اقتراح أنظمة ألوان مخصصة. يساعد هذا المصممين على إطلاق العنان لإبداعهم وإنتاج تصاميم مخصصة بكفاءة.

5- استخدام الذكاء الاصطناعي شريكاً إبداعياً

تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي كأدوات تُحلّل اتجاهات التصميم، وتقترح خطوطاً وتصاميم وأنظمة ألوان تتناسب مع أسلوب المصمم. تُبقي هذه المساعدة الذكية المصممين على اطلاع دائم بأحدث التطورات الجمالية مع الحفاظ على أسلوبهم الفريد.

6- استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتخصصة

تُحسّن أدوات مثل Let’s Enhance دقة الصور وتفاصيلها، وتتكامل مع منصات مثل فيجما Figma وأدوبي إكس دي Adobe XD لضمان سير عمل سلس. تُساعد أدوات ذكاء اصطناعي أخرى على التصميم ثلاثي الأبعاد، ورسوم الواقع المعزز، والرسوم المتحركة، ما يوسّع نطاق أدوات المصمم وقدراته.

7- إضفاء طابع شخصي على التصاميم للجمهور المستهدف

تُتيح أدوات الذكاء الاصطناعي إنشاء رسومات مصممة خصيصاً من خلال تحليل تفضيلات المستخدم وبياناته، ما يزيد معدلات التفاعل والتحويل. على سبيل المثال، يمكن تخصيص الصور الشخصية المُولّدة بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي باستخدام مراجع لتمثيل الأفراد بشكلٍ أفضل، ما يعزّز ارتباط العلامة التجارية.

اقرأ أيضاً: ما الذي عليك تعلمه لتصبح مهندس ذكاء اصطناعي؟

لا تقلق: مصمم الغرافيك ما زال مطلوباً!

صحيح أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي كبكسلر Pixlr وتشات جي بي تي مكَّنت حتى من لم يفتح الرسام يوماً من توليد صورة من أمر نص، فإن إمكاناتها الإبداعية لا تضاهي المصممين حتى الآن، فالمصمم يمكن أن يُضيف لمسات إبداعية مصدرها اطلاعه على السياق المُراد للتصميم أن يوجد به، ووجود الخيال البشري، الذي لم يضاهيه الذكاء الاصطناعي بعد. بالإضافة إلى:

  • الإبداع والأصالة: يُنتج الذكاء الاصطناعي تصاميم بناءً على البيانات والاتجاهات الحالية، ويفتقر إلى القدرة على ابتكار مفاهيم جديدة ومبتكرة حقاً. فهو لا يستطيع تحقيق قفزات إبداعية أو إنتاج أفكار فنية أصلية كما يفعل البشر.
  • الذكاء العاطفي والتعاطف: لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فهم المشاعر والتجارب الإنسانية أو دمجها، وهي ضرورية لإنشاء تصاميم تتواصل مع الجمهور بشكلٍ هادف. يؤدي هذا إلى نتائج قد تبدو غير شخصية أو تفتقر إلى التناغم العاطفي.
  • الفهم السياقي والثقافي: يستوعب المصممون بديهياً الفروق الثقافية والسياق الاجتماعي واحتياجات العميل، فيُصممون تصاميمهم وفقاً لذلك. في حين تفتقر أدوات الذكاء الاصطناعي لذلك، ما يُنتج غالباً نتائج عامة أو غير مُراعية للثقافات.
  • حل المشكلات المعقدة وإطلاق الأحكام الذاتية: تتطلب العديد من مشاريع التصميم التفكير المجرد ورواية القصص واتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تعتمد على الحدس البشري والتقييم الذاتي، وهي المجالات التي يفشل فيها الذكاء الاصطناعي.
  • الاعتماد على بيانات عالية الجودة والتوجيه البشري: تعتمد جودة مخرجات أدوات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ كبير على البيانات التي تُدرَّب عليها النماذج، التي قد تكون متحيزة أو محدودة. علاوة على ذلك، تتطلب أدوات الذكاء الاصطناعي توجيهات وإشرافاً بشرياً للعمل بشكل صحيح وتصحيح الأخطاء، ما يعني أنها لا تستطيع العمل بشكلٍ مستقل.
  • المرونة المحدودة والتخصيص: قد تواجه أدوات الذكاء الاصطناعي صعوبة في تكييف التصميمات بناءً على تعليقات العملاء الدقيقة أو متطلبات المشروع المتطورة، ما يستلزم التدخل البشري لتحسينها وتخصيصها.
  • مخاوف أخلاقية تتعلق بالملكية الفكرية: قد تُحاكي التصاميم المُولّدة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي أعمالًا موجودة دون قصد، ما يُثير قضايا الانتحال وحقوق النشر. وهذا يُهدد النزاهة الفنية ويُثير تحديات قانونية وأخلاقية.

المحتوى محمي