تشتمل أعمال الهندسة المدنية على الكثير من المهام المعقدة والدقيقة، وبعضها يعرّض حياة العمال للخطر، أمّا بعضها الآخر فيحتاج إلى وقت وجهد كبيرين من المهندسين المدنيين. أصبح بالإمكان اليوم تجاوز هذه التعقيدات والصعوبات، وإيلاء هذه المهام للذكاء الاصطناعي.
كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز أعمال الهندسة المدنية؟
مع تطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي وقدراته، أسند المهندسون المدنيون العديد من المهام إليه، ما وفّر جهدهم ووقتهم وسلامتهم. ومن أبرز الأدوار التي يؤديها الذكاء الاصطناعي في الهندسة المدنية:
تحسين التصميم والمحاكاة
تبرز أهمية الذكاء الاصطناعي في الهندسة المدنية في مرحلة التصميم والتخطيط للمشاريع. يبدأ التصميم الهندسي ببناء نماذج أولية عديدة، ويقضي المهندسون المدنيون وقتاً طويلاً في تحليل البيانات، وإجراء عمليات المحاكاة، وتطوير النماذج وإجراء تغييرات صغيرة واختبارات واسعة النطاق.
في المقابل، يعزز الذكاء الاصطناعي المحاكاة والنمذجة؛ إذ تعالج الخوارزميات كميات هائلة من البيانات لتحسين التصاميم، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل المواد والتكلفة والأثر البيئي.
تسمح خوارزميات الذكاء الاصطناعي التوليدي للمهندسين باستكشاف مجموعة واسعة من إمكانات التصميم بناءً على البيانات التي يدخلونها بسرعة وبدقة أكبر. يُدخل المهندسون معلمات التصميم، ويُنشئ نظام الذكاء الاصطناعي العديد من الحلول المحتملة، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل خصائص المواد والظروف البيئية والمواد وأنظمة السلامة. يؤدي تكرار هذه العملية إلى توليد تصاميم محسّنة ربما لم يتوصل إليها المصممون البشريون بمفردهم.
ويمكن لعمليات المحاكاة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أيضاً التنبؤ بمتانة الهيكل، وصموده أمام الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات، ما يضمن إنشاء هياكل أكثر أماناً وموثوقية.
اقرأ أيضاً: 13 من أفضل البرامج وأدوات التصميم التي تستخدم الذكاء الاصطناعي
تعزيز كفاءة البناء
بيئة العمل في مشاريع البناء معقدة وديناميكية، وتتضمن مهاماً متعددة تتطلب تنسيقاً دقيقاً، لذلك طُوِّرت مركبات آلية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تؤدي المهام بدقة، وتسهم بالتالي في تقليل تكاليف العمالة، وتحسين مستويات السلامة.
تُستخدم أجهزة الاستشعار والطائرات المسيَّرة أيضاً والمزوّدة بقدرات الذكاء الاصطناعي في عمليات تفتيش الموقع ومراقبة التقدم والمسح وتوفير البيانات في الوقت الفعلي لمديري المشاريع.
إدارة المشاريع والجدولة
غالباً ما يعاني المهندسون المدنيون فيها من التأخير وسوء التخطيط الخارج عن السيطرة. لذلك يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة فعّالة في إدارة المشاريع ومراقبة مواقع البناء في الوقت الفعلي، بالإضافة إلى إمكانية تخصيص الموارد وتقييم المخاطر والتنبؤ بالتأخيرات وتحديد المسارات الحرجة وتحسين الجداول الزمنية وتكيُّفها مع التأخير أو التغييرات غير المتوقعة للمشروع.
علاوة على ذلك، يمكنه تحديد مخاطر السلامة والتفاعل مع أي سيناريو، ما يوفّر تقييماً دقيقاً للمخاطر على الفور وتعزيز كفاءة المشروع بشكلٍ عام، بالإضافة إلى إمكانية تبسيط عمليات فحص الموقع مستقبلاً حيث يمكن إجراؤها عن بُعد باستخدام الواقع الافتراضي.
اقرأ أيضاً: ما دور الواقع الافتراضي في بناء مدن المستقبل؟
الصيانة الوقائية
يمكن للمهندسين المدنيين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مراقبة الجسور والطرق والمباني باستخدام تقنيات معالجة الصور المتقدمة والتعرف على الأنماط.
تستكشف أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه المشكلات الهيكلية، وتتنبأ بموعد الحاجة إلى الصيانة، ما يمنع الأعطال المكلفة ويطيل عمر البنية التحتية.
السلامة وتخفيف المخاطر
يسهم الذكاء الاصطناعي في السلامة في البناء من خلال تقييم ظروف الموقع، وتحديد المخاطر المحتملة، وتسخير الذكاء الاصطناعي للقيام ببعض المهام الخطرة، وبالتالي تعزيز سلامة العمال. بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال تحليل البيانات التاريخية والمدخلات في الوقت الفعلي، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بمخاطر السلامة المحتملة، ما يسمح للمهندسين بتنفيذ تدابير وقائية للتخفيف من المخاطر.
مراقبة التكاليف
يساعد الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات التاريخية لوضع ميزانيات أكثر دقة للمشروع مع توفير التكاليف، وهذا يضمن تسليم المشاريع في حدود الميزانية، وتجنب المفاجآت المالية.
تصميم البنية التحتية الذكية
يتكامل الذكاء الاصطناعي مع إنترنت الأشياء لتشكيل البنية التحتية الذكية، والتي تعمل على تحسين استخدام الطاقة وتدفق حركة المرور وإدارة النفايات، ما يجعل المدن أكثر استدامة وصالحة للعيش.
اقرأ أيضاً: ما هي المدن الذكية؟ وما أبرز التكنولوجيات التي تجعلها ذكية حقاً؟
التعاون مع الإنسان
يعزز الذكاء الاصطناعي دور المهندسين، ويجعلهم أكثر فاعلية وابتكاراً، ولا يحل محلهم، بل يجمع بين نقاط القوة لدى كل منهما لمواجهة التحديات الهندسية المعقدة.
في سياق التصميم، يمكن للمهندسين التعاون مع أنظمة الذكاء الاصطناعي لاستكشاف مساحة تصميم أوسع وتقييم الحلول المحتملة. إن إبداع المهندسين وحدسهم يكمّل القوة التحليلية للذكاء الاصطناعي، ما يعزز العلاقة التعاونية التي تؤدي إلى تصميمات فعّالة.
يتولى الذكاء الاصطناعي مهاماً روتينية ومتكررة، ما يُتيح الفرصة للمهندسين للتركيز على حل المشكلات على المستوى الأعلى والابتكار واتخاذ القرارات الاستراتيجية. يمكّن هذا التحول في الأدوار المهندسين من المشاركة في جوانب أخرى من عملهم تتطلب اهتمامهم، ما يؤدي إلى التحسين المستمر ودفع حدود ما يمكن تحقيقه في الهندسة.