الذكاء الاصطناعي الذاتي التحسين: بداية انفجار ذكائي أم وهم متضخم؟

10 دقيقة
الذكاء الاصطناعي الذاتي التحسين: بداية انفجار ذكائي أم وهم متضخم؟
مصدر الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو | غيتي إميدجيز

في الأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز، أعلن مارك زوكربيرغ أن شركة ميتا تهدف إلى تحقيق ذكاء اصطناعي يفوق الذكاء البشري. ويبدو أن لديه وصفة لتحقيق هذا الهدف، والمكون الأول هو الموهبة البشرية: وقد أفادت التقارير أن زوكربيرغ حاول جذب كبار الباحثين إلى مختبرات ميتا للذكاء الفائق من خلال عروض عمل توفر رواتب سنوية بملايين الدولارات. أما المكون الثاني فهو الذكاء الاصطناعي نفسه. وقد قال زوكربيرغ مؤخراً في مؤتمر افتراضي لمناقشة الأرباح إن مختبرات ميتا للذكاء الفائق ستركز على بناء أنظمة ذكاء اصطناعي ذاتية التحسين، أي إنها أنظمة قادرة على الارتقاء بمستويات أدائها الذاتي إلى مستويات أعلى أكثر فأكثر.

التحسين الذاتي: الميزة التي تفوق فيها الذكاء الاصطناعي على غيره من التكنولوجيات المتقدمة

إن إمكانية التحسين الذاتي تميز الذكاء الاصطناعي عن التكنولوجيات الثورية الأخرى. إذ إن تكنولوجيا كريسبر غير قادرة على تحسين استهدافها الذاتي لتسلسلات الحمض النووي، ولا يمكن لمفاعلات الاندماج النووي إيجاد طريقة لجعل هذه التكنولوجيا مجدية تجارياً. ولكن النماذج اللغوية الكبيرة قادرة على تحسين الشرائح الحاسوبية التي تعمل عليها، وتدريب النماذج اللغوية الكبيرة الأخرى بتكلفة زهيدة وبكفاءة عالية، وربما حتى التوصل إلى أفكار مبتكرة لأبحاث الذكاء الاصطناعي. وقد أحرزت بالفعل بعض التقدم في هذه المجالات كلها.

ووفقًا لزوكربيرغ، يمكن أن يؤدي التحسين الذاتي للذكاء الاصطناعي إلى تشييد عالم يتحرر فيه البشر من ضغوط العمل اليومية، ويتمكنون من السعي لتحقيق أسمى أهدافهم بدعم من رفقاء اصطناعيين أذكياء جداً وفعالين للغاية. لكن التحسين الذاتي يشكل أيضاً خطراً جوهرياً، وفقاً لمدير السياسات في مؤسسة ميتر غير الربحية لأبحاث الذكاء الاصطناعي، كريس بينتر. ويقول إنه إذا سرع الذكاء الاصطناعي وتيرة تطوير قدراته الذاتية، فقد يتحسن بسرعة في مجالات كل من اختراق الأنظمة وتصميم الأسلحة والتلاعب بالبشر. حتى إن بعض الباحثين يتكهنون بأن حلقة التغذية الراجعة الإيجابية هذه يمكن أن تؤدي إلى "انفجار ذكائي"، حيث يطلق الذكاء الاصطناعي العنان لنفسه بسرعة تتجاوز بكثير مستوى القدرات البشرية.

اقرأ أيضاً: جوجل تطور ذكاء اصطناعياً مخصصاً لشركة آبل و«وضع الذكاء الاصطناعي» متاح حالياً في 180 دولة 

ولكن ليس عليك أن تكون متشائماً لتأخذ الآثار المترتبة على التحسين الذاتي للذكاء الاصطناعي على محمل الجد. فالشركات أوبن أيه آي، وأنثروبيك، وجوجل كلها تدرج إشارات إلى أبحاث الذكاء الاصطناعي الآلي في أطر سلامة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، إلى جانب فئات المخاطر الأكثر شيوعاً مثل الأسلحة الكيميائية والأمن السيبراني. يقول أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كولومبيا البريطانية وكبير مستشاري الأبحاث في شركة جوجل ديب مايند، جيف كلون: "أعتقد أن هذا هو المسار الأسرع نحو الحصول على ذكاء اصطناعي قوي. ربما يكون هذا هو أهم ما يجب أن نفكر فيه".

وعلى المنوال نفسه، يقول كلون إن أتمتة البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي قد يكون لها إيجابيات هائلة. فربما لا نستطيع نحن البشر بمفردنا التفكير في الابتكارات والتحسينات التي ستمكن الذكاء الاصطناعي يوماً ما من معالجة مشاكل هائلة مثل مرض السرطان والتغير المناخي.

في الوقت الحالي، لا يزال الإبداع البشري هو المحرك الأساسي لتقدم الذكاء الاصطناعي؛ وإلا لما قدمت شركة ميتا مثل هذه العروض الباهظة لجذب الباحثين إلى مختبرها للذكاء الفائق. لكن الذكاء الاصطناعي يسهم بالفعل في تطوير نفسه، ومن المتوقع أن يؤدي دوراً أكبر في الأعوام المقبلة. إليك خمس طرق يحسن بها الذكاء الاصطناعي نفسه.

1. تعزيز الإنتاجية

اليوم، قد تكون المساهمة الأهم التي تقدمها النماذج اللغوية الكبيرة في تطوير الذكاء الاصطناعي هي الأكثر ابتذالاً أيضاً. يقول الباحث الرئيسي في مؤسسة فورثوت غير الربحية لأبحاث الذكاء الاصطناعي، توم ديفيدسون: "الأمر الأهم هو المساعدة في البرمجة". وتبدو الأدوات التي تساعد المهندسين على كتابة البرمجيات بسرعة أكبر، مثل كلاود كود وكرسور، شائعة في قطاع الذكاء الاصطناعي: فقد زعم الرئيس التنفيذي لشركة جوجل سوندار بيتشاي في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2024 أن ربع التعليمات البرمجية الجديدة للشركة أنشأها الذكاء الاصطناعي، ووثقت شركة أنثروبيك مؤخراً مجموعة متنوعة من الطرق التي يستخدم بها موظفوها كلاود كود. إذا كانت إنتاجية المهندسين قد تحسنت بفضل مساعد البرمجة هذا، فسيتمكنون من تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة واختبارها ونشرها بسرعة أكبر.

لكن ميزة الإنتاجية التي توفرها هذه الأدوات لا تزال غير مؤكدة: إذا كان المهندسون يقضون وقتاً طويلاً في تصحيح الأخطاء التي ترتكبها أنظمة الذكاء الاصطناعي، فقد لا ينجزون المزيد من العمل، حتى لو كانوا يقضون وقتاً أقل في كتابة التعليمات البرمجية يدوياً. إذ وجدت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة ميتر أن مطوري البرمجيات يستغرقون وقتاً أطول بنسبة 20% لإنجاز المهام عند استخدام مساعدات البرمجة العاملة بالذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن العضو في الفريق التقني في ميتر الذي شارك في قيادة الدراسة، نيت راش، يشير إلى أن الدراسة اقتصرت على مطوري البرمجيات أصحاب الخبرة العالية الذين يعملون على قواعد رموز برمجية كبيرة. وقد لا تنطبق استنتاجاتها على باحثي الذكاء الاصطناعي الذين يكتبون نصوصاً برمجية سريعة لإجراء التجارب.

يقول راش إن إجراء دراسة مماثلة داخل المختبرات المبتدئة يمكن أن يساعد على تكوين صورة أوضح بكثير عما إذا كانت مساعدات البرمجة تحسن إنتاجية باحثي الذكاء الاصطناعي الرائدين، ولكن هذا العمل لم ينفذ بعد. في غضون ذلك، لا يكفي تصديق كلام مهندسي البرمجيات فحسب: فقد اعتقد المطورون الذين شملتهم دراسة ميتر أن أدوات البرمجة العاملة بالذكاء الاصطناعي قد زادت كفاءة عملهم، مع أنها في الواقع أبطأتهم إلى حد كبير.

اقرأ أيضاً: 10 أدوات ذكاء اصطناعي لا غنى عنها لمدراء الشركات الصغيرة

2. تحسين البنية التحتية

لا تعد كتابة الرموز البرمجية بسرعة ميزة كبيرة إذا كان عليك الانتظار ساعات أو أياماً أو أسابيع قبل تنفيذها. يعد تدريب النموذج اللغوي الكبير، على وجه الخصوص، عملية بطيئة للغاية، ويمكن أن تستغرق نماذج التفكير الأكثر تطوراً عدة دقائق لتوليد استجابة واحدة. تقول الأستاذة المساعدة في علوم الكمبيوتر في جامعة ستانفورد وكبيرة العلماء في جوجل ديب مايند، أزاليا مير حسيني، إن هذه التأخيرات تشكل عوائق رئيسية أمام تطوير الذكاء الاصطناعي. وتقول: "إذا تمكنا من تشغيل الذكاء الاصطناعي بسرعة أكبر، سنتمكن من توسيع نطاق الابتكار".

 

ولهذا السبب دأبت مير حسيني على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين شرائح الذكاء الاصطناعي. في عام 2021، تمكنت هي ومعاونوها في جوجل من بناء نظام ذكاء اصطناعي غير قائم على النماذج اللغوية الكبيرة يمكنه تحديد أماكن وضع المكونات المختلفة على شريحة الكمبيوتر لتحسين الكفاءة. وعلى الرغم من أن بعض الباحثين الآخرين فشلوا في تكرار نتائج الدراسة، تقول مير حسيني إن مجلة نيتشر أجرت تحقيقاً بشأن الورقة البحثية وأكدت صحتها، مشيرة إلى أن جوجل استخدمت تصميمات النظام لأجيال متعددة من شرائح الذكاء الاصطناعي.

وفي الآونة الأخيرة، طبقت مير حسيني النماذج اللغوية الصغيرة على مشكلة كتابة النوى (kernels)، وهي دوال منخفضة المستوى تتحكم في كيفية تنفيذ العمليات المختلفة، مثل ضرب المصفوفات، في الشرائح الحاسوبية. وقد اكتشفت أنه حتى الدوال ذات الأغراض العامة يمكنها، في بعض الحالات، كتابة نوى تعمل بسرعة أكبر من الإصدارات التي صممها الإنسان.

في قسم آخر من جوجل، طور العلماء نظاماً استخدموه لتحسين أجزاء مختلفة من البنية التحتية الخاصة بالشركة للنموذج اللغوي الكبير الخاص. يطلب النظام، المسمى "ألفا إيفلوف" (AlphaEvolve) من النموذج اللغوي الكبير جيميناي من جوجل كتابة خوارزميات لحل بعض المشاكل، ثم يقيم تلك الخوارزميات، ويطلب من جيميناي تحسين الخوارزمية الأنجح من بينها، ويكرر هذه العملية عدة مرات. صمم ألفا إيفولف نهجاً جديداً لتشغيل مراكز البيانات وفر 0.7% من موارد جوجل الحاسوبية، وأدخل تحسينات إضافية على تصميم شريحة جوجل المخصصة، وصمم نواة جديدة سرعت تدريب جيميناي بنسبة 1%.

قد يبدو ذلك تحسناً طفيفاً، ولكنه في شركة ضخمة مثل جوجل، يعادل توفيراً هائلاً في الوقت والمال والطاقة. ويقول عالم الأبحاث في جوجل ديب مايند الذي قاد مشروع ألفا إيفولف، ماتي بالوغ، إنه وفريقه اختبروا النظام على مكون صغير فقط من مكونات مسار التدريب الكلي لجيميناي. ويقول إن تطبيقه على نطاق أوسع يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التوفير.

3. أتمتة التدريب

من المعروف أن النماذج اللغوية الكبيرة متعطشة للبيانات، وتدريبها مكلف في كل مرحلة من مراحلها. ففي بعض المجالات المحددة -كلغات البرمجة غير المألوفة، على سبيل المثال- تكون بيانات العالم الحقيقي نادرة جداً لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة بفعالية. شكل التعلم المعزز الموجه بالملاحظات البشرية، وهي تقنية يقيم فيها البشر ردود النماذج اللغوية الكبيرة على الأوامر النصية ثم يجري تدريبها بالاعتماد على هذه التقييمات، التقنية الأساسية لإنشاء نماذج تتصرف بما يتماشى مع المعايير والتفضيلات البشرية، ولكن الحصول على الملاحظات البشرية عملية بطيئة ومكلفة.

ويجري استخدام النماذج اللغوية الكبيرة على نحو متزايد لملء الثغرات. إذا طلب منها الكثير من الأمثلة، يمكنها أن تولد بيانات اصطناعية معقولة في المجالات التي لم تخضع للتدريب فيها، ويمكن بعد ذلك استخدام تلك البيانات الاصطناعية للتدريب. يمكن استخدام النماذج اللغوية الكبيرة بفعالية أيضاً في التعلم المعزز: في نهج يسمى "الاحتكام إلى النموذج اللغوي الكبير"، تستخدم النماذج اللغوية الكبيرة، بدلاً من البشر، لتقييم مخرجات النماذج التي تخضع للتدريب. يعد هذا النهج أساسياً لإطار عمل "الذكاء الاصطناعي الدستوري" المؤثر الذي اقترحه باحثو أنثروبيك عام 2022، حيث يجري بموجبه تدريب نموذج لغوي كبير معين ليكون أقل ضرراً بناء على ملاحظات مستمدة من نموذج لغوي كبير آخر.

 

تمثل ندرة البيانات مشكلة حادة للغاية لوكلاء الذكاء الاصطناعي. إذ يجب أن يكون الوكلاء الفعالون قادرين على تنفيذ خطط متعددة الخطوات لإنجاز مهام معينة، ولكن الأمثلة على إنجاز المهام الناجحة خطوة بخطوة نادرة على الإنترنت، كما أن استخدام البشر لتوليد أمثلة جديدة سيكون مكلفاً. وللتغلب على هذا القيد، أجرت مير حسيني من جامعة ستانفورد وزملاؤها مؤخراً تجربة تقنية يولد فيها وكيل النموذج اللغوي الكبير طريقة محتملة تتضمن خطوات متتالية مفصلة لحل مشكلة معينة، ثم يعمل نموذج لغوي كبير مكلف بمهمة التحكيم على تقييم صحة كل خطوة من هذه الخطوات، ثم يجري تدريب وكيل نموذج لغوي كبير جديد على تلك الخطوات. تقول مير حسيني: "لم يعد الباحث مقيداً بالبيانات بعد الآن، لأن النموذج يمكنه توليد المزيد والمزيد من التجارب بصورة عشوائية".

اقرأ أيضاً: كيف نجح وكيل الذكاء الاصطناعي مانوس في إحداث طفرة في هذا المجال؟

4. إتقان تصميم الوكيل

يتمثل أحد المجالات التي لم تقدم فيها النماذج اللغوية الكبيرة مساهمات كبيرة حتى الآن في تصميم النماذج اللغوية الكبيرة نفسها. تعتمد النماذج اللغوية الكبيرة اليوم على بنية شبكة عصبونية تسمى "المحول"، والتي اقترحها باحثون بشريون في عام 2017، والتحسينات الملحوظة التي أدخلت على البنية منذ ذلك الحين كانت أيضاً من تصميم البشر.

لكن ظهور وكلاء النماذج اللغوية الكبيرة خلق عالماً جديداً كلياً في التصميم يجدر استكشافه. إذ يحتاج الوكلاء إلى أدوات للتفاعل مع العالم الخارجي وتعليمات لكيفية استخدامها، وتحسين هذه الأدوات والتعليمات أمر أساسي لإنتاج وكلاء فعالين. يقول كلون: "لم يقض البشر الكثير من الوقت في تخطيط هذه الأفكار كلها، لذا ثمة الكثير من المنجزات السهلة، ومن الأسهل إنشاء نظام ذكاء اصطناعي لتحقيقها".

بالتعاون مع باحثين في شركة ساكانا أيه آي الناشئة، أنشأ كلون نظاماً يسمى "آلة داروين غودل": وكيل نموذج لغوي كبير يمكنه تعديل أوامره النصية وأدواته وجوانب أخرى من تعليماته البرمجية بصورة متكررة لتحسين أداء مهامه الخاصة. لم تكتف آلة داروين غودل بتحقيق نتائج أعلى في أداء المهام من خلال تعديل نفسها فحسب، بل تمكنت أيضاً في أثناء تطورها من إيجاد تعديلات جديدة لم تكن نسختها الأصلية قادرة على اكتشافها. لقد دخلت في حلقة لا نهائية فعلية من التحسين ذاتي.

5. تطوير البحث

على الرغم من أن النماذج اللغوية الكبيرة تعمل على تسريع أجزاء عديدة من مسار تطور هذا النوع من النماذج، فقد يظل دور البشر أساسياً في أبحاث الذكاء الاصطناعي فترة طويلة. يشير العديد من الخبراء إلى "الذوق البحثي"، أو القدرة التي يتمتع بها أفضل العلماء على اختيار الأسئلة والتوجهات البحثية الجديدة الواعدة، بصفته تحدياً خاصاً للذكاء الاصطناعي ومكوناً أساسياً في تطويره.

لكن كلون يقول إن الذوق البحثي قد لا يشكل تحدياً للذكاء الاصطناعي كما يعتقد بعض الباحثين. فهو وباحثو ساكانا أيه آي يعملون على نظام متكامل لأبحاث الذكاء الاصطناعي يطلقون عليه اسم "عالِم الذكاء الاصطناعي". فهو يبحث في الأدبيات العلمية لتحديد سؤاله البحثي، ويجري تجارب للإجابة عنه، ثم يكتب نتائجه.

جرى تقديم إحدى الأوراق البحثية التي كتبها في وقت سابق من هذا العام، والتي ابتكر فيها استراتيجية تدريب جديدة تهدف إلى تحسين الشبكات العصبونية في الجمع بين الأمثلة من بيانات التدريب الخاصة به، مع إغفال أسماء المؤلفين إلى ورشة عمل في المؤتمر الدولي للتعلم الآلي، أو "آي سي إم إل" (ICML) اختصاراً -وهو أحد أكثر المؤتمرات المرموقة في هذا المجال- بموافقة منظمي ورشة العمل. لم تنجح استراتيجية التدريب في نهاية المطاف، لكن المراجعين منحوا الورقة البحثية درجة عالية بما يكفي لتأهيلها للقبول (تجدر الإشارة إلى أن ورش عمل المؤتمر آي سي إم إل لديها معايير قبول أقل من المؤتمر الرئيسي). في حالة أخرى، يقول كلون إن "عالم الذكاء الاصطناعي" جاء بفكرة بحثية اقترحها لاحقاً باحث بشري بصورة مستقلة على منصة إكس، حيث جذبت الكثير من الاهتمام من علماء آخرين.

يقول كلون: "نحن نشهد الآن لحظة في مسيرة ’عالم الذكاء الاصطناعي‘ شبيهة بما حدث مع أول إصدار من النموذج جي بي تي. في غضون أعوام قليلة، سيتمكن من تأليف أوراق بحثية تكون مقبولة في أفضل المؤتمرات والمجلات العلمية المحكمة في العالم، وسيحقق اكتشافات علمية جديدة".

هل الذكاء الفائق في طريقه إلى الظهور؟

مع كل هذا الحماس لفكرة التحسين الذاتي لدى الذكاء الاصطناعي، يبدو من المرجح أن تتضاعف مساهماته في تطوير نفسه في الأشهر والسنوات المقبلة. وعلى حد قول مارك زوكربيرغ، قد يعني ذلك أن النماذج الفائقة الذكاء، التي تتجاوز القدرات البشرية في العديد من المجالات، بات ظهورها وشيكاً. ولكن في الواقع، على الرغم من ذلك، ما زال تأثير الذكاء الاصطناعي الذاتي التحسن بعيد المنال.

من الجدير بالذكر أن ألفا إيفولف قد سرع من تدريب نظامه الأساسي الخاص بالنموذج اللغوي الكبير "جيميناي"، ولكن هذا التسريع بنسبة 1% قد لا يحدث تغييراً ملحوظاً في وتيرة تقدم الذكاء الاصطناعي في جوجل. يقول الباحث المتخصص بألفا إيفولف، بالوغ: "لا تزال هذه الحلقة المفرغة من الملاحظات بطيئة للغاية، إذ يستغرق تدريب جيميناي وقتاً طويلاً. لذا ربما يمكنك أن ترى البدايات المثيرة للحماسة لهذه الدورة المتواصلة من التحسن المثمر، لكنها ما تزال عملية بطيئة للغاية".

إذا تمكن كل إصدار لاحق من جيميناي من زيادة سرعة تدريبه بنسبة 1%، فستتضاعف هذه التسارعات. ولأن كل جيل لاحق سيكتسب قدرات أعلى من الجيل السابق، فمن المفترض أن يكون قادراً على تحقيق تسارع أكبر في التدريب، فضلاً عن الطرق الأخرى كلها التي قد يبتكرها لتحسين نفسه.

في ظل هذه الظروف، يجادل مؤيدو الذكاء الفائق بأن انفجار الذكاء في نهاية المطاف يبدو حتمياً.

ومع ذلك، يتجاهل هذا الاستنتاج ملاحظة رئيسية: يزداد الابتكار صعوبة مع مرور الوقت. في بدايات أي مجال علمي، تتحقق الاكتشافات بسرعة وبسهولة. ثمة الكثير من التجارب الواضحة التي يجب إجراؤها والأفكار التي يجب استكشافها، ولم يجرب أي منها من قبل.

ولكن مع نضوج علم التعلم العميق، قد يتطلب إيجاد كل تحسين إضافي جهداً أكبر بكثير من جانب كل من البشر وشركائهم العاملين بالذكاء الاصطناعي. من المحتمل أنه بحلول الوقت الذي تصل فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى قدرات بحثية على مستوى البشر، سيكون البشر أو أنظمة الذكاء الاصطناعي الأقل ذكاء قد حققوا بالفعل كل المنجزات السهلة المنال.

لذا، فإن تحديد الأثر الفعلي للتحسين الذاتي للذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي يمثل تحدياً هائلاً. وما يزيد الطين بلة، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الأهم بالنسبة إلى تطوير الذكاء الاصطناعي -تلك المستخدمة داخل شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة- غالباً ما تكون أكثر تطوراً من تلك التي طرحت لعامة الناس، لذا قد لا يكون قياس قدرات النموذج "أو 3" (O3) وسيلة فعالة للاستدلال على ما يحدث داخل أوبن أيه آي.

لكن الباحثين الخارجيين يبذلون قصارى جهدهم، على سبيل المثال، من خلال تتبع الوتيرة الإجمالية لتطوير الذكاء الاصطناعي لتحديد إن كانت هذه الوتيرة تتسارع أم لا. تراقب ميتر التطورات التي تشهدها قدرات الذكاء الاصطناعي من خلال قياس المدة التي يستغرقها البشر لإنجاز المهام التي يمكن للأنظمة المتطورة أن تنجزها بنفسها. وقد وجدوا أن طول المهام التي يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي إنجازها بصورة مستقلة قد تضاعفت منذ إصدار النسخة "جي بي تي 2" في عام 2019 كل 7 أشهر.

ومنذ عام 2024، تقلصت مدة المضاعفة هذه إلى أربعة أشهر، ما يشير إلى أن تقدم الذكاء الاصطناعي يتسارع بالفعل. قد تكون ثمة أسباب غير جذابة لذلك: إن مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة غنية بأموال المستثمرين التي يمكنها إنفاقها على توظيف باحثين جدد وشراء أجهزة جديدة. ولكن من المحتمل جداً أن يكون للتحسين الذاتي للذكاء الاصطناعي دور في ذلك.

هذا مجرد دليل غير مباشر. لكن الباحث في مؤسسة فورثوت، ديفيدسون، يقول إن ثمة سبباً وجيهاً يجعلنا نتوقع أن الذكاء الاصطناعي سيعزز تقدمه الذاتي، على الأقل بعض الوقت. يشير عمل ميتر إلى أن تأثير المنجزات السهلة المنال لا يبطئ الباحثين البشريين اليوم، أو على الأقل أن زيادة الاستثمار تشكل توازناً فعالاً في مواجهة أي تباطؤ. إذا أدى الذكاء الاصطناعي إلى زيادة إنتاجية هؤلاء الباحثين بصورة ملحوظة، أو حتى إذا تولى جزءاً من العمل البحثي نفسه، فإن هذا التوازن سيتحول لصالح تسريع البحث.

يقول ديفيدسون: "أعتقد أنك ستتوقع بشدة أنه ستكون هناك فترة يتسارع فيها تطور الذكاء الاصطناعي. والسؤال الأهم هو: إلى متى سيستمر هذا التطور؟".

المحتوى محمي