ملخص: تُسلّط أبحاث ماكنزي الأخيرة الضوء على الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي التوليدي. وتشير التحليلات إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُضيف ما بين 21 و35 مليار دولار سنوياً إلى اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي. لذلك تسارع العديد من الشركات الخليجية لاتخاذ خطوات عملية للاستفادة من القيمة الكبيرة التي يقدّمها الذكاء الاصطناعي التوليدي. ولكن وفقاً للاستقصاءات فإن غالبية هذه الشركات تواجه تحديات كبيرة في توسيع نطاق هذه المشاريع. وجميعها لا تزال تمتلك فرصة كبيرة لزيادة أرباحها من الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ أفاد 10 فقط من أصل 140 مشاركاً في الاستقصاء بأن شركاتهم تحقق أكثر من 5% من أرباحها من هذه التكنولوجيا. ما يترك غالبية الشركات الخليجية أمام فرص كبيرة للنمو.
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن المؤسسات والشركات الخليجية كانت سريعة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، غير أن القليل منها فقط هو الذي يحقق فوائد ملموسة حتى الآن. وتُظهر الشركات التي تحقق هذه الفوائد قدرة على تحديد المتطلبات اللازمة لتنفيذ هذه التقنيات بنجاح.
يقف الذكاء الاصطناعي التوليدي في طليعة موجة التطورات التكنولوجية الحالية، ما يُثير حماساً كبيراً في مشاهد الأعمال التجارية العالمية وداخل الأطر العامة للقطاع العام. ويظهر هذا الاهتمام بشكلٍ خاص في منطقة مجلس التعاون الخليجي، حيث يدرك القادة الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي التوليدي في إعادة تعريف الإنتاجية، وإعادة تشكيل الأنشطة الاقتصادية، ووضع اقتصاداتهم كقوى تنافسية جاهزة للمستقبل.
تُسلّط أبحاث ماكنزي الأخيرة الضوء على الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي التوليدي. فمن المتوقع أن تولّد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في 63 حالة استخدام ما بين 2.6 تريليون و4.4 تريليونات دولار من القيمة الاقتصادية العالمية السنوية، ما يعزّز التقديرات الحالية لتقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى، مثل التعلم الآلي والتعلم العميق، بنسبة تصل من 15 إلى 40%. والرهانات عالية بالمثل في دول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ تشير تحليلات ماكنزي إلى أن هذه التطبيقات يمكن أن تُضيف ما بين 21 و35 مليار دولار سنوياً إلى اقتصاد المنطقة، معززة بذلك التأثير المقدر بـ150 مليار دولار لتقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى. ولوضع هذه الأرقام في سياقها، يمكن أن يمثّل التأثير الاقتصادي للذكاء الاصطناعي التوليدي ما بين 1.7% و2.8% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الحالي لدول مجلس التعاون الخليجي.
حفّزت هذه الإمكانات الهائلة موجة من النشاط في أنحاء المنطقة كافة. وضاعفت الحكومات استثماراتها وشراكاتها الاستراتيجية لاستغلال قدرات التكنولوجيا، بينما تسعى الشركات الخاصة لتحقيق المزايا المبكرة من خلال تبني هذه التقنية. ومع ذلك، وراء العناوين البراقة وأرقام الاستثمارات الضخمة تكمن قصة أكثر تعقيداً. فما هو مدى استعداد المؤسسات والشركات الخليجية لتبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، ودمجه في عملياتها بفاعلية وتحقيق قيمته الكاملة؟
للإجابة عن هذا السؤال، أجرت شركة ماكنزي، بالتعاون مع معهد أعضاء مجالس الإدارة لدول مجلس التعاون الخليجي، دراسة استقصائية شملت 140 من التنفيذيين في 8 قطاعات بالمنطقة. وتعزّز هذا النهج الكمي بسلسلة من المقابلات التي قدمت رؤى أعمق حول حالة اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وتكشف النتائج عن مدى الجاهزية وتُسلّط الضوء على ظهور مجموعة مميزة تُعرف بـ"مستثمري القيمة". وهذه الشركات في طليعة تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، كما تحقق فوائد مالية كبيرة، حيث تستمد أكثر من 5% من أرباحها من هذه التقنيات. تقدّم ممارساتهم واستراتيجياتهم دروساً قيمة ودليلاً للشركات والمؤسسات الأخرى التي تسعى لتحقيق نجاح مماثل.
زخم مبكر وتحديات تنظيمية
يسارع العديد من الشركات الخليجية لاتخاذ خطوات عملية للاستفادة من القيمة الكبيرة التي يقدّمها الذكاء الاصطناعي التوليدي. وقد أظهرت نتائج الاستقصاء أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركين أكدوا أن شركاتهم بدأت بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ أو بآخر. كما أشار عدد كبير منهم إلى وضع استراتيجيات وخطط واضحة للذكاء الاصطناعي التوليدي، مع تخصيص ميزانيات للمجالات التي يتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي التوليدي فيها أكبر تأثير.
يبرز الشكل 2 القيمة الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن يحققها الذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاعات مختلفة ضمن اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي. ويأتي قطاع الطاقة في الصدارة من حيث القيمة المحتملة، حيث يمكن تحقيق مكاسب سنوية تتراوح بين 5 مليارات و8 مليارات دولار. وتأتي المشاريع الرأسمالية والبنية التحتية والخدمات المالية في المرتبة التالية من حيث القيمة المحتملة.
وتبادر الشركات الخليجية إلى اغتنام حصتها من هذه السوق الواعدة. وأظهر ما يقرب من ثلاثة أرباع التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع أن شركاتهم بدأت تنفيذ مبادرات الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويضع هذا دول مجلس التعاون الخليجي في موقع متقدم مقارنة بالمتوسطات العالمية، حيث أكد 65% فقط من المشاركين في استقصاء عالمي مماثل أجرته ماكنزي على مستوى العالم، مستويات الانخراط نفسها في هذه التكنولوجيا. وعلاوة على ذلك، أفاد 57% من المشاركين في دول مجلس التعاون الخليجي بأن ما لا يقل عن 5% من ميزانياتهم الرقمية مخصصة للذكاء الاصطناعي التوليدي، متجاوزين النسبة العالمية البالغة 33%. علاوة على ذلك، أفاد نصف المشاركين في الاستقصاء بأن شركاتهم قد وضعت خارطة طريق واضحة لتوسيع نطاق تنفيذ حالات الاستخدام ذات الأولوية للذكاء الاصطناعي التوليدي. وتُعدّ هذه النسبة أعلى بشكلٍ ملحوظ مقارنةً بالاستطلاع العالمي، حيث بلغت النسبة 26% فقط.
اغتنام القيمة
أظهر الاستقصاء أن الشركات الخليجية تركّز في جهودها المبكرة على الإدارات التي تشير أبحاث ماكنزي إلى أنها قادرة على تحقيق أكبر قدر من القيمة. وتشمل هذه الإدارات التسويق والمبيعات، وهندسة البرمجيات، وتكنولوجيا المعلومات.
أشار أحد مديري المعلومات إلى أنه بالرغم من الإغراء الكبير في البدء بتطبيق نماذج استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف الإدارات، فإن الخيار الأكثر حكمة كان التركيز على المبيعات والتسويق. وهذا التوجه استند إلى تجارب الشركات العالمية الرائدة التي أثبتت بالفعل قيمة الذكاء الاصطناعي التوليدي في هذين المجالين، ما يضمن تحقيق نتائج ملموسة وسريعة. وفي سياق مشابه، اعتمد مدير التكنولوجيا في مؤسسة تعليمية كبيرة على الأدلة العملية لاختيار تطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي. وأوضح قائلاً: "كان من المنطقي بالنسبة لنا أن نبدأ بهندسة البرمجيات، نظراً لحالات الاستخدام المثبتة في توليد التعليمات البرمجية واكتشاف الأخطاء. وسرعان ما أدركنا القيمة منذ ذلك الحين".
التزام استراتيجي: دروس من "محققي القيمة"
عند النظر بعمق إلى هذه الأرقام، تتضح صورة أكثر دقة للوضع الراهن؛ فعلى الرغم من أن بعض المؤسسات بدأت بالفعل تنفيذ مشاريع تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن القليل منها تمكن من توسيع نطاق هذه المشاريع بشكلٍ يضمن تحقيق عوائد ملموسة. في هذا السياق، تبرز مجموعة من الشركات تُعرف بـ "محققي القيمة" بوصفها استثناءً واضحاً في هذا المجال. فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن من بين 140 شركة شملتها الدراسة، هناك 10 شركات فقط استوفت معايير اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي في أحد وظائفها على الأقل، سواء من خلال تطوير نماذج مخصصة أو تكييف النماذج الحالية، واستطاعت توليد أكثر من 5% من أرباحها عبر هذه الأنشطة. وتتميز هذه الشركات بنهج استثنائي يتجلى في 4 أبعاد رئيسية:
- الاستراتيجية: من بين الشركات الرائدة في تحقيق القيمة، أشارت 80% منها إلى امتلاكها خارطة طريق شاملة توجّه مبادراتها كلّها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، مقارنة بـ 48% فقط من الشركات الأخرى. يشير هذا الوضوح الاستراتيجي إلى قدرة هذه الشركات على تحديد أولويات حالات الاستخدام المتوافقة مع أهدافها الأساسية، وتخصيص الموارد بفاعلية عالية.
- الإدارات المختلفة في الشركة: بينما تجرب بعض الشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي في إدارات منفصلة، فقد نجح "محققو القيمة" في توسيع تطبيقه ليشمل مجموعة متنوعة من مجالات الأعمال. فإلى جانب المجالات التقليدية، شمل استخدامها للذكاء الاصطناعي التوليدي إدارات مثل إدارة المخاطر، والشؤون القانونية، وتطوير المنتجات، والموارد البشرية. وأوضح رئيس قسم البحث والتطوير في إحدى شركات الطاقة هذا التوجه بقوله: "لقد أسهم دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في عمليات تطوير المنتجات لدينا في تسريع وتيرة الابتكار، وأصبح بإمكاننا الآن تحسين الابتكارات مع تحقيق خفض في التكلفة".
- قياس الأداء: تتميز الشركات "محققة القيمة" بالتزامها الصارم بتتبع أداء مشاريعها في هذا المجال، حيث أفادت 70% من هذه الشركات بامتلاكها أنظمة متكاملة لمراقبة مؤشرات الأداء، مقارنة بـ39% فقط من الشركات الأخرى. ويُتيح لها هذا التركيز على القياس القدرة على تعديل استراتيجياتها بمرونة وديناميكية، ما يضمن توجيه الموارد نحو المشاريع الواعدة.
- الشراكات الخارجية: تُبدي الشركات "محققة القيمة" توجهاً أكبر نحو إقامة شراكات استراتيجية، حيث يتعاون 80% منها مع مزودي خدمات خارجيين، مقارنة بـ59% من المؤسسات الأخرى التي تسعى إلى عقد شراكات مماثلة. يُتيح هذا التعاون الخارجي للشركات الاستفادة من خبرات متخصصة، ما يعزّز سرعة التعلم ويُتيح لها التوسع بشكلٍ أسرع مما قد تتمكن من تحقيقه بشكلٍ مستقل.
يمكننا تفسير حافز "محققي القيمة" نحو تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي بتركيزها في قطاعات تتميز بإمكانات عالية لتحقيق المكاسب، مثل الطاقة، والمواد، والخدمات المالية، والتصنيع المتقدم، ما يمنحها دافعاً أكبر للاستثمار في هذه التكنولوجيا. وبغض النظر عن الدافع، يبدو أن هذه الجهود تؤتي ثمارها بوضوح.
القدرات الجوهرية
على الرغم من الانتشار الواسع للتبني الأولي للذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن الاستقصاء والمقابلات كشفا أن غالبية الشركات الخليجية تواجه تحديات كبيرة في توسيع نطاق هذه المشاريع. ويعتمد النجاح في التنفيذ وتحقيق القيمة على قدرة تلك الشركات على تنفيذ إعادة هيكلة أساسية لمنظومتها.
وعلى الرغم من أن بعض الشركات الخليجية تبدو حريصة على استغلال إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن معظمها لا يزال في مراحل التبني الأولية. ويتطلب توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي على مستوى المؤسسة إعادة هيكلة جذرية. وتشير أبحاث ماكنزي إلى أن هذا التحول يستلزم إتقان 5 قدرات رئيسية: التكنولوجيا، والبيانات، وتنمية المواهب، ونموذج التشغيل، وإدارة المخاطر. وانطلاقاً من ذلك، قيّمنا مدى جاهزية المؤسسات والشركات في دول المجلس لتطبيق استراتيجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتُظهر النتائج أن الطريق لا يزال طويلاً، فيما تجسّد الشركات التي حققت بالفعل قيمة من هذه التقنية المسار الذي يمكن اتباعه.
التكنولوجيا
يعتمد قرار الشركات بين تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مملوكة، أو تخصيص النماذج القائمة، أو الاعتماد على الحلول الجاهزة على عدة عوامل رئيسية، تشمل الميزانية، والأمان، ومستوى التخصيص المطلوب. ويشير الخبراء إلى أن استراتيجية "الشراء والبناء والتخصيص" غالباً ما تحقق فاعلية أكبر، إذ يجمع هذا النهج الهجين بين سرعة وكفاءة الحلول الجاهزة وبين إمكانات التخصيص للنماذج المملوكة. لذا، يكمن النجاح في اعتماد منظومة شاملة تمزج بين العناصر الثلاثة؛ أي الاستفادة من الموارد مفتوحة المصدر، والتخصيص عند الضرورة، وابتكار حلول خاصة حيثما تكون الحاجة أكبر.
في دول مجلس التعاون الخليجي، تميلُ نسبة أكبر من الشركات إلى تخصيص النماذج أو تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مملوكة لها، مقارنة بنظيراتها العالمية، وفقاً لنتائج الاستقصاء (الشكل 4). ويشير المشاركون في المقابلات إلى أن هذا الاتجاه قد يُعزى إلى التبني المتأخر نسبياً للذكاء الاصطناعي التوليدي في المنطقة، ما يدفع العديد من الشركات الآن إلى تسريع خطواتها للحاق بالشركات العالمية الرائدة. وتستفيد هذه المؤسسات من تجارب نظرائها العالميين، التي أثبتت قيمة النماذج المخصصة والتطوير الداخلي في تعزيز الأداء وتحقيق الأهداف.
ومهما كانت النماذج المختارة، فهناك العديد من الممارسات التي تساعد الشركات على تحقيق قيمة منها.
- تتطلب العمليات المستمرة تحديث النماذج وتحسينها دورياً. على سبيل المثال، تحتاج شركة تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدمة العملاء إلى تحديث بيانات تدريب بوت الدردشة بشكلٍ مستمر لضمان تلبية احتياجات المستخدمين وقدرته على التعامل مع الاستفسارات المعقدة بكفاءة أعلى.
- تؤدي التكنولوجيا والأدوات التي تحسّن سير عمل تطوير وإنتاج نماذج التعلم الآلي دوراً محورياً. يسمح تيسير المهام المتكررة وأتمتتها بتنفيذ النماذج بسرعة أكبر وتقليل الأخطاء، ما يمنح المطورين الوقت للتركيز على المهام ذات القيمة الاستراتيجية الأعلى.
- الاختبار والتحقق المستمر جزء أساسي من عملية إصدار النماذج. يضمن ذلك اكتشاف الأخطاء والمشكلات ومعالجتها في مراحل مبكرة، لتلبية احتياجات المستخدمين وتسليم منتجات عالية الجودة بوتيرة أسرع.
تتصدر الشركات محققة القيمة كافة هذه المجالات (الشكل 5).
البيانات
تُعدّ البيانات شريان الحياة لأي نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتعتبر إدارتها الفعّالة ضرورية لتوسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. على النحو التالي:
- استراتيجيات شاملة للبيانات: تطوير استراتيجية واضحة للبيانات توضّح كيفية جمع البيانات ومعالجتها واستخدامها بشكلٍ فعّال لتحقيق أقصى استفادة.
- المستودعات المركزية: بناء مصادر بيانات مركزية موحدة تُعرف بـ "مصدر واحد للحقيقة" تُتيح استخدام البيانات بشكلٍ منسق وموثوق، مع صُنع القرار عن دراية وعلم.
- تصميم مكونات معيارية: مسارات بيانات قابلة لإعادة الاستخدام عبر مختلف النماذج، ما يضمن الكفاءة والمرونة والسرعة في تنفيذ المشاريع.
يشير المشاركون إلى أن الشركات محققة القيمة متقدمة للغاية في هذه المجالات الثلاثة (الشكل 6).
ومع ذلك، أشار المشاركون إلى أن الشركات في المنطقة تواجه تحديات كبيرة في تحسين إدارة البيانات، حيث يتم تخزين المعلومات غالباً في صوامع منفصلة دون وجود استراتيجية موحدة للتكامل. وفي هذا السياق، أوضح مدير التكنولوجيا في إحدى شركات خدمات التعليم قائلاً إن البيانات الخاصة بنحو 20 إلى 25 تطبيقاً من التطبيقات التي تديرها الشركة كانت موزعة في صوامع متعددة، ما جعل من الصعب استخراج رؤى مفيدة أو تحقيق التعاون بين الأقسام المختلفة. "ولهذا السبب، اتخذت الشركة قراراً ببناء منصة مركزية لتوحيد بياناتها، ما يتطلب أولاً تحديد البيانات المتوفرة وتنظيمها بشكلٍ مناسب". وأوضح المسؤول أن الهدف من هذه المنصة هو إنشاء واجهة موحدة تخدم المستخدمين كافة. فعلى سبيل المثال، يمكن لأولياء الأمور استخدام تطبيق واحد لتسجيل الطلاب، ودفع الرسوم، ومتابعة أداء الطلاب وأعمالهم الدراسية.
على الرغم من التقدم المحرز، تواجه الشركات الخليجية تحديات فريدة تتعلق بقوانين خصوصية البيانات وقيود البنية التحتية؛ إذ تُلزم اللوائح غالباً باتباع بروتوكولات صارمة لتخزين البيانات، خصوصاً فيما يتعلق بالمعلومات الشخصية والحساسة، ما يعقّد جهود توحيد البيانات ويعوق العمليات التحليلية الضرورية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المتقدمة. وإضافة إلى ذلك، يزيد التأخر النسبي في خدمات السحابة في المنطقة من هذه التحديات؛ فبينما بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى بإنشاء مراكز بيانات إقليمية، لا تزال الشركات في المنطقة تواجه عقبات تقنية ومالية بسبب الاعتماد الحالي على البنية التحتية الداخلية لتكنولوجيا المعلومات.
المواهب
تُعتبر المواهب من أهم العوامل الأساسية لضمان تنفيذ فعّال للذكاء الاصطناعي التوليدي داخل الشركة. ويمكن للشركات تعزيز قدراتها في هذا المجال بالاستفادة من العناصر التالية:
- مدير مختص بالذكاء الاصطناعي التوليدي: تعيين مسؤول رفيع المستوى، سواء من كبار التنفيذيين أو من مجلس الإدارة، لقيادة مبادرات الذكاء الاصطناعي العام يُعتبر خطوة فعّالة لتسريع عملية تبني التقنية. ويؤكد المشاركون في المقابلات أن هذا التعيين يضمن ملكية واضحة للمشروع ويعزّز المساءلة.
- استراتيجية إدارة مواهب واضحة المعالم: تحتاج الشركات إلى مجموعة متنوعة من الموظفين أصحاب المهارات التقنية المتخصصة في مختلف الأقسام، إلّا أن جذب هذه المواهب والاحتفاظ بها يشكّل تحدياً كبيراً، خاصةً في دول مجلس التعاون الخليجي. من هنا تأتي الحاجة إلى استراتيجية إدارة مواهب مصممة بعناية، تقدّم مزايا تنافسية وفرصاً للنمو، وتُتيح لكل موظف برنامج تطوير مهني متخصص يُلبي احتياجاته.
في هذين العنصرين، تتصدر الشركات محققة القيمة بفارق كبير عن بقية الشركات (الشكل 7).
فيما يخص توظيف المواهب واستقطابها، يبدو أن وجود استراتيجية مواهب جيدة قد لا يكون كافياً، بالنظر إلى الحاجة المستمرة لتنمية المواهب التقنية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وأشار 48% من المشاركين الذين أفادوا بوجود استراتيجية مواهب مطبقة في شركاتهم إلى أن التوظيف والاحتفاظ بالمواهب لا يزال يمثّل تحدياً كبيراً، على الرغم من أن هذه النسبة انخفضت إلى 20% بين الشركات محققة القيمة. وفي هذا السياق، قال رئيس قسم المعلومات في إحدى شركات الطاقة: "حتى مع الحوافز وبرامج التدريب، ندرك باستمرار خطر فقدان أفضل موظفينا لصالح المنافسين".
يظل التوظيف صعباً، والمنافسة على المهنيين المؤهلين شرسة. ولكل دولة من دول المنطقة صعوباتها الخاصة في هذا الصدد. وقد أطلقت دول مثل السعودية والإمارات مبادرات لتعزيز مهارات القوى العاملة، لكنها ما زالت في مراحلها الأولية. ومن المرجّح أن يعتمد انتشار الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أوسع على قدرة المؤسسات على الاستثمار في التعليم والتدريب، وتعزيز ثقافة تدعم التعلم المستمر. فيقول مدير برامج التحول في شركة إماراتية كبرى، إن للورش، وبرامج تطوير المهارات، والشراكات مع المؤسسات التعليمية أن تشكّل بعض الاستراتيجيات الفعّالة لسد هذه الفجوة، إذ أن تثقيف الموظفين حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي يساعد على تطوير مهاراتهم، وإدراكهم أن هذه التكنولوجيا مكملة لعملهم.
نموذج التشغيل
يمكن أن يكون مركز التميز، والمرونة التنظيمية، وبرامج إدارة التغيير عوامل تمكين رئيسية عندما يتعلق الأمر بتوسيع نطاق مبادرات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
- مركز التميز: يُعدّ إنشاء مركز تميز، يقوده فريق مركزي لتنسيق تنفيذ الذكاء الاصطناعي التوليدي على مستوى المؤسسة، خطوة استراتيجية للمؤسسات التي تسعى لبناء قدراتها في هذا المجال. يسهم هذا المركز في تركيز الموارد على حالات الاستخدام الرئيسية وتوجيه عملية الانتقال بشكلٍ منظم من مرحلة التجريب إلى الإنتاج، وصولاً إلى الاعتماد الواسع النطاق. ومن المهام الأساسية لهذا الفريق المركزي تطوير بروتوكولات ومعايير تدعم التوسع، ما يضمن للفرق الوصول إلى النماذج المطلوبة مع تقليل المخاطر واحتواء التكلفة.
- المرونة: تسهم العمليات والمعايير المرنة والمحددة بوضوح في تعزيز التعاون، وتحسين الحلول بشكلٍ تكراري، وزيادة الإنتاجية عند تنفيذ حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومع ذلك، من الضروري أن تكون عمليات التمويل ووضع الميزانية مرنة أيضاً لتتماشى مع هذه الديناميكية وتواكب سرعة التطور.
- إدارة التغيير: يدرك معظم المشاركين في الاستطلاع أن توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي التوليدي والاستفادة من إمكاناته يتطلب كسب دعم القوى العاملة، ما يستلزم غالباً تنفيذ برنامج فعّال لإدارة التغيير. يشمل هذا البرنامج عادةً خطة تواصل واضحة تبرز للجميع أهمية الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتوفّر فرصاً لبناء المهارات، وتضمن وجود نماذج قيادية تُظهر طرق العمل الجديدة وتوجه الموظفين نحو تبني هذه التقنيات بفعالية.
ووفقاً لنتائج الاستقصاء، فإن محققي القيمة هم أقرب بكثير من الشركات الأخرى إلى تبني هذه الميزات في نماذج التشغيل الخاصة بها. (الشكل 8)
إدارة المخاطر
تدرك الشركات الخليجية فوائد الذكاء الاصطناعي التوليدي وعوائده الاستثمارية، وتعي كذلك المخاطر المصاحبة له، مثل مخاطر إدارة البيانات التي تشمل انتهاكات الخصوصية، والتحيز، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية. كما تواجه تحديات مرتبطة بإدارة نماذجه؛ مثل المخرجات غير الدقيقة أحياناً أو عدم القدرة على تفسير النتائج في حالات بعينها. وإضافة إلى ذلك، تظهر مخاطر تتعلق بالأمن السيبراني والاستخدام غير الصحيح للتقنيات الذكية.
وأشار 66% من المشاركين إلى أن الأمن السيبراني يشكّل مصدرَ قلقٍ رئيسياً، يليه الامتثال التنظيمي بنسبة 52%، وعدم الدقة بنسبة 45%. (الشكل 9) وقد صنف المشاركون في الاستقصاء العالمي المخاطر على نحو مشابه.
على الرغم من هذا الوعي بالمخاطر، أشار المشاركون في الاستقصاء إلى أن شركات عديدة لم تطبق بعد الممارسات الضرورية لضمان توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي بشكلٍ مسؤول. وتشمل هذه الممارسات ما يلي:
- عمليات المراجعة والموافقة: وضع بروتوكولات واضحة لضمان فحص النماذج والتحقق من المخاطر المحتملة قبل تنفيذها.
- حوكمة مسؤولة للذكاء الاصطناعي: إنشاء هيئة مركزية تتمتّع بسلطة الإشراف على التنفيذ الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، ما يضمن الالتزام بالمعايير الأخلاقية، والتنظيمات والتوجيهات، مع تحديد المسؤول عن إدارة المخاطر.
- تدريب المواهب التقنية: التأكد من أن فرق العمل مُطلعة على المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التوليدي وتدابير التحكم اللازمة للتعامل معها.
- تصميم النماذج: نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مصممة بحيث تجري تدقيقاً منتظماً لتحديد التحيزات وتقييم المخاطر ومراقبة أداء النماذج باستمرار طوال دورة حياتها.
من المرجّح أن تتبنى الشركات محققة القيمة هذه الممارسات بشكلٍ أكبر من غيرها، وفقاً للمشاركين في الاستقصاء (الشكل 10). قد يعود ذلك إلى وعيها العالي بمخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي، وحرصها على الحد منها بعد مواجهتها هذه التحديات بشكلٍ مباشر نتيجة استخدامها الذكاء الاصطناعي التوليدي على نطاقٍ واسع. ومهما كان السبب، تُنصح الشركات الأخرى بالنظر في اتخاذ إجراءات للحد من المخاطر منذ البداية.
يشير الاستقصاء إلى أن الشركات الخليجية جميعها لا تزال تمتلك فرصة كبيرة لزيادة أرباحها من الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ أفاد 10 فقط من أصل 140 مشاركاً في الاستقصاء بأن شركاتهم تحقق أكثر من 5% من أرباحها من هذه التكنولوجيا. ويترك هذا غالبية الشركات أمام فرص كبيرة للنمو. ومع ذلك، حتى هذه الشركات التي تحقق عوائد من الذكاء الاصطناعي لديها مجال لتحسين أدائها. ففي استقصائنا العالمي، أشار بعض المشاركين إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثّل أكثر من 10% من أرباح شركاتهم.
ما يُميّز الشركات الأعلى أداءً هو تركيزها على خلق القيمة بدلاً من التركيز على المشاريع التجريبية التي تهدف إلى إثبات المفهوم فقط. وكما وصف أحد المسؤولين التنفيذيين في دولة الإمارات في شركته، قال: "لقد نفّذت شركتي مئات من حالات استخدام الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الماضية، محققة أرباحاً بملايين الدولارات، لكنني لا أرى ذلك ينعكس بوضوح في الأرباح والخسائر".
بالنسبة للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي، يعني تعظيم خلق القيمة توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل أوسع. وفقاً للمشاركين في الاستقصاء، حتى "محققي القيمة" يطبقون الذكاء الاصطناعي التوليدي في وظيفتين فقط من وظائف الأعمال. لكن تعظيم الفائدة لا يتحقق بمجرد استخدام التكنولوجيا لتحسين نقاط عمليات محددة؛ بل يتطلب إعادة تصور سير العمل بأكمله، حيث يمكن لمجموعة من حالات الاستخدام المتكاملة أن تخلق بيئة إنتاجية جديدة داخل الوظيفة عند دمجها مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى وأساليب العمل الحديثة.
إن توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي ودمجه بهذه الطريقة أصعب بكثير من مجرد اعتماد حالات استخدام فردية. وغالباً ما يتطلب ذلك تحولاً في قدرات الشركة، بما في ذلك تحسين التكنولوجيا، وإدارة البيانات، وإدارة المخاطر، وتعزيز نماذج التشغيل، واستراتيجيات المواهب. وقد بدأت بعض الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل بهذا التحول، وفقاً لنتائج الاستطلاع، بينما ما زالت شركات أخرى أمامها طريق طويل. ورغم أن تحقيق العوائد الكاملة من استثمارات الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يستغرق وقتاً، فإن تأخير البدء بهذا التحول سيجعل المكافآت المرجوة أكثر بُعداً وصعوبة في المنال.