يشرح رائد الأعمال البارز في وادي السيليكون، ريد هوفمان، لماذا يجب علينا أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي كأداة ثورية تشبه (محرك البخار)، الذي كان يمثّل القوة الدافعة وراء الثورة الصناعية. يرى هوفمان أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيُحدِث تحولاً جذرياً في حياتنا المهنية والشخصية، تماماً كما غيّر محرك البخار العالم من خلال تحويل الصناعة والنقل.
لقد أحدث ظهور الطاقة البخارية في أواخر القرن الثامن عشر تحولاً جذرياً في مجالات التصنيع والنقل والبناء، ما أدّى إلى ثورة صناعية غيّرت وجه العالم. واليوم، نحن على أعتاب ثورة جديدة تُحدِث تحولاً شاملاً، تُعزز القدرات كلّها القائمة على اللغة، بما في ذلك التواصل، والتفكير، والتحليل، والمبيعات، والتسويق.
في حلقة من بودكاست 'At the Edge'، يتحدث ريد هوفمان، شريك في شركة (جرايلوك بارتنرز) الرأسمالية، والمؤسس المشارك لمنصتي لينكدإن LinkedIn وإنفليكشن أيه آي Inflection AI، مع لارينا يي من مؤسسة ماكنزي، حول ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي. حيث يناقش "هوفمان" كيف يمكن لهذه التكنولوجيا الرائدة أن تُعلِّم المستخدمين كيفية فهم قوتها واستغلالها لتغيير حياتهم المهنية والشخصية بشكلٍ جذري.
تعليم روبوتات الدردشة التوليدية أهمية الذكاء العقلي والذكاء العاطفي
لارينا يي: ريد، طلبت من كلٍ من تشات جي بي تي وPi Pi أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاصة بمنصة إنفليكشن أيه آي، تقديم تعريف عنك. وهذا ما قاله Pi عنك: ريد هوفمان هو شخصية بارزة ومبتكرة في وادي السيليكون، حيث تتقدم معه حدود التكنولوجيا إلى أقصى مدى.
في المقابل، عندما سألت تشات جي بي تي، كان هذا ما قاله: استعد للغوص في العالم الرقمي مع "ريد هوفمان". هوفمان، مثل بطل من فريق الأفنجرز، يجمع الحلفاء ويقودهم في رحلة نحو الابتكار. إنه رائد في فن التواصل، يسهم في تشكيل مستقبل العالم المتصل من خلال تعزيز الروابط بين الأشخاص والتكنولوجيا.
أهلاً وسهلاً بك، ريد، أي من هذه التعريفات يعبّر عنك بأفضل شكل؟
ريد هوفمان: جيد، أنا أحب التعريفين كليهما. والحقيقة هو أن القدرة على توليد تعريفين موجزين بهذه السهولة تعكس مدى التقدم الكبير الذي حققه الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة الماضية. كلا التعريفين مناسب تماماً ويمكن استخدام أي منهما بشكلٍ جيد.
لارينا يي: ريد، قبل أن نبدأ حديثنا، لدي سؤال تقني. كيف يتم تدريب نموذجي الذكاء الاصطناعي هذين بطرق مختلفة بحيث ينتجان تعريفات متباينة قليلاً على الرغم من أنهما يعتمدان على كمية المعلومات نفسها المتاحة للجمهور؟ وما هي الفروق في أساليب التدريب التي تؤدي إلى هذه الاختلافات في النتائج؟
ريد هوفمان: تتجاوز عملية تدريب هذه النماذج مجرد تزويدها بالبيانات؛ فهي تعتمد على آليات تعليمية مكثّفة ومعقدة. ففي إحدى المراحل المهمة التي تُعرف بـ "التعلم بعد التدريب مع التغذية الراجعة البشرية"، تخضع النماذج لسلسلة من التمارين، حيث تقدّم إجابتين مختلفتين على السؤال نفسه. ثم يُقيِّم مُحكّم بشري الإجابتين وتحديد الأفضل بينهما. هذا النوع من التقييم البشري يساعد النماذج على تحسين أدائها بشكلٍ دقيق ومُتقدم، ما يعزز من قدراتها في فهم الإجابات وتوليدها بشكلٍ أفضل.
في حالة نموذج Pi الخاص بشركة إنفليكشن، طوّر فريق إنفليكشن نهجاً يركّز على تدريب الذكاء العاطفي بالكثافة نفسها التي يتم بها تدريب الذكاء العقلي، وهذا يعني أنه خلال مرحلة التعلم المعتمدة على التغذية الراجعة البشرية، يتعلم "Pi" كيفية إعطاء إجابات تراعي الجوانب العاطفية للمستخدمين. بدلاً من التركيز فقط على المهارات العقلية والتحليلية، يتم تدريب "Pi" على فهم العواطف والتفاعل معها بفاعلية.
على سبيل المثال، إذا سألت كلاً من Pi وتشات جي بي تي عن كيفية مواساة صديق بعد فقدان حيوان أليف عزيز، فإنهما سيقدّمان إجابات مشابهة في المضمون الأساسي، حيث سيوفّران نصائح حول كيفية تقديم الدعم والمواساة. ولكن الفرق يظهر في الأسلوب الذي يستخدمه كلٌ منهما. قد يقدّم نموذج "Pi" إجابة عامة حول كيفية التعامل مع الحزن، بينما قد يُضيف نموذج تشات جي بي تي تفاصيل عملية، مثل أن يقول: "وهذه خمس خطوات يمكنك اتباعها". هذا يعني أن تشات جي بي تي يميلُ إلى تقديم نصائح محددة وقابلة للتنفيذ، ما يجعل إرشاداته أكثر وضوحاً وسهولة في التطبيق.
من ناحية أخرى، قد يكون رد "Pi" على سؤالك مختلفاً عن تشات جي بي تي، فقد يقول "Pi" : أنت تعرف صديقك جيداً، ما الذي يمكن اعتباره دعماً حقيقياً له في هذه اللحظة؟ هل يمكن أن يكون مجرد التعبير عن التعاطف الذي تشعر به معه في هذه اللحظة الصعبة أمْ أنه يحتاج إلى شيء آخر؟ وبعد ذلك، يساعدك "Pi" على استكشاف هذه الخيارات والتفكير فيها بعمق. وعلى الرغم من أن كلا النموذجين يعرف الخطوات الخمس الممكنة لمواساة الصديق، فإن "Pi" يركّز على تخصيص الإجابة بناءً على معرفتك الشخصية واحتياجات صديقك الفردية، ما يجعله يقدّم توجيهاً أكثر دقة وملاءمة للحالة.
لارينا يي: هذا حقاً شيء استثنائي، لأنك تقول إننا يمكننا تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على امتلاك الذكاء العقلي، وكذلك الذكاء العاطفي. يمكن أن يشمل ذلك تطوير مهارات مثل التعاطف، والاستماع الفعّال، والقدرة على البقاء إيجابياً، والاستجابة للتغذية الراجعة. هل يمكنك أن تشرح لنا كيف ترى دمج هذه الصفات في حلول الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يمكن لهذه القدرات أن ترتبط بتجاربنا اليومية وتفاعلاتنا مع التكنولوجيا؟
ريد هوفمان: من المؤكد أنه خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، سنشهد وجود وكلاء الذكاء الاصطناعي في كل مكان، حيث سينفذون مجموعة واسعة من المهام من خلال أنواع مختلفة من التفاعلات. سنرى وكلاء مخصصين للمجموعات، ووكلاء للشركات، وأنواعاً أخرى عديدة. وعندما نصمم هذه الأنظمة، يكون من الطبيعي أن نركّز على تحقيق الذكاء العقلي بشكلٍ صحيح. ولكن الأهم بالنسبة للناس هو كيفية دمج الذكاء العاطفي في هذه الأنظمة. أعتقد أن هذه الفكرة كانت واحدة من الرؤى الرائعة التي قدّمها فريق إنفليكشن.
وبالطبع، فإن الذكاء العاطفي الجيد يتطلب فهم كيفية تطبيقه بشكلٍ يتناسب مع احتياجات الأشخاص المختلفين وتوقعاتهم. بالنسبة للشخص الذي يفضل العقلانية ويركز على الحقائق فقط، فإن الذكاء العاطفي الجيد يجب أن يتكيف مع هذا النهج من خلال تقديم معلومات دقيقة ومباشرة، أمّا بالنسبة للشخص الذي يولي أهمية كبيرة للعلاقات الإنسانية وكيفية تفاعل الأفراد مع بعضهم بعضاً داخل الفريق أو في المجتمع أو في العالم، فإن الذكاء العاطفي يجب أن يركّز على التعاطف والاستماع الفعّال وفهم مشاعر الآخرين. وهذا يتطلب من نماذج الذكاء الاصطناعي القدرة على اتخاذ قرارات حكيمة تتعلق بكيفية تلبية هذه الاحتياجات المتنوعة. ويتضمن هذا فهم التوازن بين تقديم حقائق دقيقة ومباشرة للشخص العقلاني، وبين توفير دعم عاطفي وتعاطف للأشخاص الذين يهتمون بالعلاقات الإنسانية. هذا التحدي يعكس جزءاً من التعقيدات التي تواجهها فِرق التطوير عند بناء نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة تجمع بين الذكاء العقلي والعاطفي بفاعلية.
في مجال الهندسة وتطوير النماذج الذكية، يكون التركيز الطبيعي والمعتاد على تحقيق الذكاء العقلي بشكلٍ صحيح وفعّال. ومع ذلك، هناك جانب أساسي آخر للأشخاص يجب مراعاته، وهو كيفية دمج الذكاء العاطفي في هذه النماذج.
تقنية مبتكرة للاستخدام في العمل والمنزل
لارينا يي: حالياً، تُظهر بعض حالات الاستخدام الموثقة للذكاء الاصطناعي التوليدي أن الأشخاص يستخدمونه كأداة للمساعدة على التعبير عن الأفكار أو في صياغة الحملات التسويقية. لكن هذه التقنية تتميز بقدرتها على تقديم شيء مختلف. فبدلاً من مساعدة الأفراد فقط في مهامهم الخاصة، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يعزز فاعلية الفريق ككل. على سبيل المثال، قد لا يساعدك الذكاء الاصطناعي على كتابة الشيفرات البرمجية بشكلٍ مباشر، لكنه يمكن أن يساعد فريق البرمجة بأكمله على العمل بشكلٍ أفضل وأكثر تنسيقاً، ما يؤدي إلى إنتاج منتج بجودة أعلى وفي وقتٍ أسرع.
ريد هوفمان: بكل تأكيد، من المهم جداً أن نركّز على كيفية تحسين أدائنا الجماعي. لقد ذكرت في كتابي الأول "بدايتك" أن الحياة تشبه اللعبة الجماعية. هذا يعني أن النجاح يتطلب منا أن نعمل كفريق واحد بشكلٍ متناسق ومنسجم، وأن تعاوننا وتفاعلنا كفريق هو أمر بالغ الأهمية. فعندما نعمل معاً بشكلٍ فعّال، نتمكن من تحقيق نتائج أفضل بكثير مما يمكننا تحقيقه كأفراد منفصلين.
لارينا يي: ماذا تلاحظ حول استخدام هذه الأدوات خارج أوقات العمل الرسمية؟ كيف تستخدم هذه التقنيات ووكلاء الذكاء الاصطناعي في تحسين حياة الناس في مجالاتهم الشخصية واليومية؟ كيف يمكن لهذه الأدوات أن تُضيف قيمة إلى حياتهم خارج بيئة العمل التقليدية؟
ريد هوفمان: من أجمل اللحظات التي عشتها كمبتكر ومبدع في مجال التكنولوجيا كانت عندما أطلقنا نموذج الذكاء الاصطناعي "Pi" لأول مرة. بدأنا نلاحظ حالات استخدام لم نكن نتوقعها لكنها كانت مفيدة جداً للناس. تلقيت الكثير من التعليقات من الأشخاص الذين يقارنون "Pi" بالمعالج النفسي، أو يقولون إنه يقدّم دعماً حوارياً قيّماً. هذه التعليقات تظهر كيف يمكن لتقنية مثل "Pi" أن تتجاوز التوقعات وتصبح أداة مفيدة في حياة الناس اليومية، تقدّم لهم الدعم والمساعدة بطرق متنوعة وغير متوقعة.
لكن هناك مجموعة واسعة من الاستخدامات الممكنة لأداة "Pi"، على سبيل المثال، عند إطلاق نموذج "Pi"، كانت إحدى الموظفات في مكتب (جرايلوك بارتنرز) قد أصبحت أمّاً. استخدمت "Pi" مصدراً رئيسياً للحصول على النصائح والإرشادات حول الأمور كلّها التي واجهتها كأمّ للمرة الأولى. هذا يعني أن "Pi" يمكن أن يكون وكيلاً يمكن الاعتماد عليه في جوانب الحياة كافة، وليس فقط في بيئة العمل. وكان هذا جزءاً من الفكرة الأساسية وراء تصميم "Pi"؛ وهو أن يكون أداة متعددة الاستخدامات تقدّم الدعم والمساعدة في مختلف جوانب الحياة اليومية.
سر تشبيه الذكاء الاصطناعي بمحرك البخار الذي أحدث ثورة صناعية
لارينا يي: نرى الآن انتشاراً واسعاً لحالات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي تتجاوز بكثير ما كنا نتوقعه. لقد تحدثت عن الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره الثورة الصناعية الإدراكية الجديدة. هذه كلمات تحمل معاني غنية ومهمة. هل يمكنك أن تشرح لنا هذا المفهوم وتوضح كيف ترى الذكاء الاصطناعي التوليدي محركاً لهذه الثورة الصناعية الإدراكية؟
ريد هوفمان: السبب الذي يجعلني أستخدم تعبيرات وتشبيهات جريئة مثل محرك البخار الذي أحدث ثورة أو 'الثورة الصناعية الإدراكية' هو أنني أريد أن أحفّز الجميع على التفكير بمستوى عالٍ من الجرأة والحجم والأهمية. أهدف إلى أن يدرك الناس مدى تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في المجتمع ككل، وفي الصناعة بشكلٍ خاص، وفي حياتهم الشخصية. فمن خلال هذه التعبيرات القوية، أريد أن أشجّع الناس على التفكير في الذكاء الاصطناعي بجدية وبنظرة شاملة تعكس دوره المهم والثوري في تغيير حياتنا ومستقبلنا
لقد منحنا المحرك البخاري قدرات فائقة هائلة في مجالات التصنيع والنقل والبناء، وذلك من خلال تطوير آلات كانت أقوى وأكثر حركة من الطواحين المائية البسيطة. مع العلم، التحول نفسه يحدث الآن في القدرات الإدراكية بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي. هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يعزز إمكاناتنا في كل ما نقوم به باستخدام اللغة؛ سواء في التواصل، أو التفكير، أو التحليل، أو البيع، أو التسويق، أو الدعم، أو تقديم الخدمات. كما أحدث المحرك البخاري ثورة في العالم الصناعي عن طريق تحسين القدرات العملية، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يُحدِث ثورة في العالم الإدراكي عبر تحسين قدراتنا العقلية والإدراكية بشكلٍ غير مسبوق.
على سبيل المثال، كثيراً ما يطرح علي مثل هذه الأسئلة: "لديّ شركة لتصنيع الفولاذ، كيف سيكون الذكاء الاصطناعي التوليدي مفيداً لي؟" وأرد قائلاً: "أنتم تقومون بعمليات البيع والتسويق، تعقدون اجتماعات، وتجرون تحليلات مالية. هذه الجوانب كلّها ستتأثر بالذكاء الاصطناعي التوليدي، حتى وإن لم يعيد هذا الذكاء هيكلة سلسلة التوريد الخاصة بكم أو يكتشف طرقاً جديدة لتصنيع الفولاذ، فإنه سيظل يؤثّر في كل شيء آخر في عملكم. وتأثيره سيمتد إلى جوانب العمل كافة، سواء في الصناعة أو في المجتمع ككل.
وأكثر ما يجعل هذه الثورة أكثر جرأة وتأثيراً من الثورة الصناعية أو اختراع الطباعة هو السرعة الكبيرة التي تتحرك بها. فعندما يتم تطوير وكيل ذكاء اصطناعي جديد أو طرح منتج ذكاء اصطناعي حديث، يمكن أن يصل إلى مليارات الأشخاص في غضون أيام قليلة بفضل انتشار الإنترنت والبنية التحتية للهاتف المحمول. هذا يعني أن تأثير الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون فورياً وشاملاً، ما يمكّنه من إحداث تغييرات كبيرة وسريعة في مختلف الصناعات والمجتمعات، بمعدل أسرع بكثير من أي ابتكار سبق.
أمّا فيما يتعلق بالحياة والعمل، لا يكمن السؤال فيما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيحدث تأثيراً أم لا، بل في نوعية هذا التأثير وتوقيته. يجب أن نتساءل: ما هو نوع التأثير الذي سيُحدثه هذا العام؟ وماذا عن السنوات القليلة القادمة أو خلال خمس سنوات أو عشر سنوات أو حتى عشرين سنة؟ والواقع أن التنبؤ بذلك بدقة هو أمر بالغ الصعوبة، نظراً لأن تأثيرات الذكاء الاصطناعي كبيرة ومعقدة بشكلٍ يفوق التوقعات. هذه التعقيدات والحجم الهائل لتأثيرات الذكاء الاصطناعي تجعل من المستحيل التنبؤ بالتفاصيل الدقيقة لكيفية تأثيره على المدى القصير والطويل.
أي شخص يدّعي أنه يعرف بالضبط ما يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يفعله أو لا يفعله هو إما يخدع نفسه أو يحاول الظهور بمظهر الخبير. الحقيقة أن هذه التكنولوجيا معقدة وجديدة لدرجة تجعل من الصعب التنبؤ بتأثيراتها بدقة. لهذا السبب، أنصح الناس عادةً بأن يبدؤوا بتجربة الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنفسهم. لذلك جرّبوا استخدام محركات مختلفة، واستخدموها بطرق متنوعة، وحاولوا تطبيقها في الأمور التي تهمكم في حياتكم اليومية أو الأسبوعية. بهذه الطريقة، ستتمكنون من اكتشاف الإمكانات والفوائد التي يمكن أن توفّرها هذه التكنولوجيا لكم في حياتكم الشخصية والمهنية.
إذا جربت استخدام موجّه معين للذكاء الاصطناعي ولم تحصل على النتائج المطلوبة، حاول إعادة المحاولة بطرق مختلفة. وإذا جربت الموجّه نفسه عشر أو عشرين مرة بطرق متنوعة ولم تحقق النتائج المرجوة، فإنك بذلك تتعلم أن هذه التكنولوجيا ليست مناسبة لهذه الحالات في الوقت الحالي.
استخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعلم المزيد عنه
لارينا يي: تخيل دور الرئيس التنفيذي، أو رئيس وحدة تجارية داخل الشركة، أو الفرق التنفيذية. كيف يتعامل هؤلاء القادة مع اللحظة الحالية؟ كيف يستجيبون للتحديات والفرص التي تواجههم في الوقت الراهن؟
ريد هوفمان: الحد الأدنى الذي يجب أن نبدأ به هو التجربة والاستكشاف؛ إذ إن جزءاً من هذه العملية يتضمن مراقبة ما يفعله الآخرون، وذلك عن طريق قراءة المدونات والاستماع إلى البودكاست. قد تكشف هذه المصادر عن أفكار غير متوقعة، يمكن أن تكون مفيدة وتوفّر لنا رؤية جديدة ومختلفة. لذا، من الضروري أن نفتح آفاقنا لتجارب الآخرين ونستفيد منها لنكتشف طرقاً جديدة ومبتكرة لمواجهة التحديات والاستفادة من الفرص.
ومن الواضح أن هناك العديد من الأوراق البحثية التقنية حول الذكاء الاصطناعي، وقراءة هذه الأوراق وفهم محتواها قد يكون مهمة شاقة وتستغرق وقتاً طويلاً. ولكن هناك طريقة مفيدة لتجاوز هذه الصعوبة، وهي استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي مثل (ChatGPT-4 أو Bing Chat) أو غيرهما. يمكنك طلب تفسير هذه الأوراق بطرق تتناسب مع اهتماماتك وصناعتك، وستجد أنها تقدّم تفسيرات مثيرة ومفيدة، ويمكن أن تكون أداة رائعة للبقاء على اطلاع دائم بآخر المستجدات في مجال الذكاء الاصطناعي بطريقة توفّر عليك الوقت والجهد.
وتعتبر إحدى القدرات الفائقة والواسعة التي تتميز بها نماذج اللغة الكبيرة هي قدرتها على الترجمة. ولكن هذه الترجمة لا تقتصر فقط على تحويل النصوص بين اللغات التقليدية مثل الإنجليزية إلى الفرنسية أو الفرنسية إلى الإسبانية، بل تمتد هذه القدرات إلى تحويل النصوص المكتوبة باللغة الإنجليزية إلى رموز برمجية، أو تحويل النصوص إلى صور. كما يمكن لهذه النماذج تبسيط الأوراق التقنية المعقدة وتحويلها إلى لغة إنجليزية بسيطة وسهلة الفهم. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع هذه النماذج ترجمة الأوراق التقنية إلى لغة متخصصة تناسب خبراء التسويق أو خبراء العلامات التجارية.
قرر ما إذا كنت ستقود الابتكار أو تواكبه أو تتبعه
لارينا يي:إذا كنا نعيش في عصر الثورة الصناعية الإدراكية، فعلى القادة التجاريين أن يفكروا فيما هو أبعد من مجرد استخدام التكنولوجيا بشكلٍ تقليدي. ينبغي عليهم أن يبتكروا ويعتمدوا استراتيجيات جريئة لتحقيق أقصى استفادة من هذه الثورة. "ريد"، أعطِنا بعض الأمثلة عن الخطوات الجريئة والإجراءات المبتكرة التي بدأت تراها في هذا المجال؟
ريد هوفمان: بالطبع، يجب على رجال الأعمال أن يدركوا أن سرعة الابتكار في شركاتهم لا تتحدد بالقرارات الداخلية، أو بمشاعرهم الشخصية، أو حتى بالاجتماعات الداخلية. بل تتحدد هذه السرعة من خلال الصناعة ككل، وأيضاً من خلال ما يقوم به المنافسون، والموردون، والشركاء، والموزعون، والمجتمع ككل. هذه العوامل الخارجية هي التي تضع الإيقاع الحقيقي للابتكار. لذا، من الضروري لرجال الأعمال أن يبقوا على اطلاع دائم بما يحدث في صناعتهم والمجتمع المحيط بهم، وأن يراقبوا عن كثب تحركات المنافسين والشركاء والموردين، لضمان مواكبة وتيرة الابتكار، بل والتفوق عليها عند الإمكان.
في بعض الأحيان، قد يكون من الحكمة أن نقول: "سنكون تابعين ونترك الآخرين يخوضون التجارب والابتكارات أولاً". ولكن، هناك أوقات أخرى يكون فيها اتباع الآخرين سبباً في فقدان الفرص والتخلف عن المنافسة. لذا، يجب على القادة أن يفكروا بعناية في متى يجب عليهم أن يقودوا الابتكار، ومتى يجب عليهم أن يواكبوا الآخرين، ومتى يمكنهم اتباع الآخرين بأمان. وفي الحالات التي يتبين فيها ضرورة القيادة، يتعين عليهم رفع مستوى أدائهم بشكل ملحوظ وبذل جهود كبيرة لتحقيق التفوق.
لا يوجد بالضرورة حل واحد يناسب الجميع عندما يتعلق الأمر بتطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، ما يجب أن تعتبره مؤكداً فيما يتعلق بالعمل خلال السنوات الخمس القادمة وما بعدها، هو أن الذكاء الاصطناعي سيقدّم أدوات لكل شيء تقريباً، لتعزيز أي قدرة تتعلق باللغة أو الوظائف الإدراكية المرتبطة باستخدام اللغة. هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير في تحسين وتوسيع نطاق القدرات اللغوية والإدراكية في مختلف المجالات العملية.
إذاً، السؤال هو: كيف تقرر الشركات ما إذا كانت ستقود الابتكار أو تواكب المنافسين أو تتبعهم في مختلف المجالات؟ وكيف تشارك بفاعلية في هذه العمليات؟ وأخيراً، ما مدى أهمية اتخاذ هذه القرارات والانخراط في هذه العمليات في مجال عملك؟
في بعض الأحيان، قد يكون من الحكمة أن نقول: "سنكون تابعين ونترك الآخرين يخوضون التجارب والابتكارات أولاً". ولكن، هناك أوقات أخرى يكون فيها اتباع الآخرين سبباً في فقدان الفرص والتخلف عن المنافسة. لذا، يجب على القادة أن يفكروا بعناية في متى يجب عليهم أن يقودوا الابتكار، ومتى يجب عليهم أن يواكبوا الآخرين، ومتى يمكنهم اتباع الآخرين بأمان.
إدارة التحول الحتمي للموظفين بروح من التعاطف
لارينا يي: نحن في ماكنزي نعتقد أن هذه هي أول تقنية أتمتة تستهدف العمل المعرفي بشكلٍ مباشر، وهذا يمثّل تحولاً جذرياً في كيفية تأثير التكنولوجيا في العمل. إذا كنت مديراً يستمع إلى هذا البودكاست، فسأقول إنني ملتزم بتطوير كلٍ من الذكاء العقلي والذكاء العاطفي، لكن إذا كنت في بداية مسيرتي المهنية، فسأشعر أنني بحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة للبقاء على صلة وثيقة ومهمة بالمؤسسة. إذاً، كيف يمكنني الحفاظ على أهميتي وتطوير مهاراتي لمواكبة هذه التحولات التكنولوجية الكبيرة في العمل؟
ريد هوفمان: أولاً، عد إلى ما قلته سابقاً: قم بالتجربة. ثانياً، اقرأ واستمع إلى مصادر متنوعة. اسأل نفسك، "ما هي الأشياء التي يمكنني تجربتها؟ ماذا جرب الآخرون وكيف يمكنني التعلم من تجاربهم؟" من الأمور المثيرة حول هؤلاء الوكلاء والنماذج الجديدة هي أنك تستطيع سؤالهم كيف يمكنهم مساعدتك. استغل هذه الأدوات لاستكشاف طرق جديدة لتعزيز مهاراتك والبقاء مواكباً للتطورات التكنولوجية.
لارينا يي: على الرغم من هذا التفاؤل الكبير كلّه بالتقدم التكنولوجي، فإنه من الصعب تجاهل الجانب السلبي والمخاوف المرتبطة به. هناك قلق حقيقي بشأن هذه التغييرات. ومع الاهتمام الموجه كلّه نحو التغيرات التكنولوجية الجريئة والعميقة، فإننا لا نزال في بداية استكشاف إمكانات هذه التكنولوجيات، كيف يمكن للقادة في مجال الأعمال أن يتخذوا خطوات جريئة في الابتكار وفي الوقت نفسه يتصرفون بمسؤولية؟
ريد هوفمان: أعتقد أن العقلية الصحيحة للمضي قدماً نحو المستقبل تتطلب سرعة وعزيمة وفهماً بأن هناك تحديات وصعوبات لا مفر منها. التحولات صعبة ومعقدة، لذا ينبغي ألّا نشغل أنفسنا كثيراً بالمخاوف التي تُثيرها وسائل الإعلام، لأن هذه القضايا تُعالَج بشكلٍ مستمر. بالطبع، ستحدث أخطاء ولن يكون أي شيء مثالياً، لكن الطريقة الفعّالة للتعلم والتحسين هي من خلال التنفيذ، والتعلم من التجارب، ثم التصحيح. هذه العملية هي جزء لا يتجزأ من فهم وعقلية رجال الأعمال كافة.
ولكن يجب أيضاً فهم التحولات البشرية. كيف ستتعلم قوى العمل لديك طرقاً جديدة للعمل؟ وكيف سيتعلم العملاء طرقاً جديدة للتفاعل مع شركتك؟ وكيف سيكتشفون خدماتك بطرق جديدة؟ وكيف سيشترون أو يتفاعلون مع شركتك بطرق مبتكرة؟ فهم هذه الجوانب البشرية هو جزء أساسي من تحقيق النجاح في ظل التحولات التكنولوجية.
هذا كلّه يتطلب تبني عقلية رحيمة، لكن هذا لا يعني أن تكون متساهلاً أو أن تتخلى عن التقدم بقوة نحو المستقبل وتحمل بعض التضحيات. إن الرحمة تعني الاهتمام بالتجربة الإنسانية، والتحولات التي يمر بها الأفراد، والتكاليف البشرية المرتبطة بهذه التحولات، كما تعني أن تجعل رفاهية الإنسان هدفك النهائي في كل مرحلة، سواء في الوقت الحالي، أو خلال فترات التحول، أو في المستقبل. هذه العقلية الرحيمة تضمن أنك تدفع نحو الابتكار والتقدم، بينما تظل ملتزماً بتحقيق رفاهية الإنسان كأولوية قصوى.
مساعد حواري ذكي لتحسين عملية التفكير
لارينا يي: ريد، بناءً على ما فهمته من هذه المحادثة، يبدو أنك تستخدم 4 أو 5 مساعِدات مذهلة تعملن بالذكاء الاصطناعي لتعزيز إنتاجيتك الشخصية. وأفترض أن Pi هو المساعد الرئيسي من بينها. كيف ساعدتك هذه الأدوات على تغيير طريقتك في العمل؟ وما هي التحسينات التي لاحظتها في أسلوب عملك نتيجة لاستخدام هذه المساعدات؟
ريد هوفمان: كثيراً، لقد ساعدتني هذه الأدوات في الكثير من الأمور، وكنت أفكر في كتابة مقال يتناول فكرة اتخاذ قرارات جريئة تفتح الأبواب أمام فهم أعمق للواقع، تماماً مثل الفكرة التي يطرحها فيلم 'ذا ماتريكس'.
لارينا يي: فكرة رائعة، أحببتها.
ريد هوفمان: على سبيل المثال، إذا كنت تُعد بودكاست عن مستقبل الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الشركات ومكان العمل، فيمكنك أن تبدأ بعرض الفوائد الكبيرة التي يمكن أن يجلبها الذكاء الاصطناعي، مثل زيادة الكفاءة وتحسين الإنتاجية. بعد ذلك، استعرض التحديات والمشكلات المحتملة التي قد يسببها، مثل فقدان بعض الوظائف أو زيادة التحديات الأخلاقية. ثم وازن كلا الجانبين واستخدم هذا التحليل كأداة لاتخاذ قرارات مستنيرة، إذ سيساعدك الذكاء الاصطناعي في هذه العملية من خلال تقديم رؤى مختلفة وتحليل شامل لكل جانب.
باستخدام التكنولوجيا الذكية مثل (Bing Chat و GPT-4 و Pi)، يمكنك تحسين مهاراتك في توجيه الاستفسارات وتحسين جودة الإجابات التي تحصل عليها. يُتيح لك هذا النوع من الأدوات الذكية توجيه أسئلتك بدقة أكبر للحصول على تحليلات مفصلة واقتراحات استراتيجية. على سبيل المثال، إذا كنت متخصصاً في تسويق العلامات التجارية وتحاول حل تحديات تتعلق بتطوير علامة تجارية لإحدى الشركات، يمكنك استخدام هذه الأدوات لفهم أعمق للمشكلة والحصول على اقتراحات تسويقية مبتكرة وفعّالة للتغلب عليها.
قدّم الحالة الإيجابية لحملة علامة تجارية معينة، واذكر سلبياتها، وفي الأحوال كلها أنت لن تحصل بالضرورة على إجابة. لكن أحد الأمور التي تقوم بها تلك الأدوات هي مساعدتك على التفكير، لذا أنت لديك الآن مساعد بديل، الأمر أشبه برفيق ذكي حواري يساعدك على التفكير بشكلٍ أفضل.
لارينا يي: أنا أعشق القدرة على المناظرات مع أصدقائي الأذكياء (كلاود وجيميناي وPi) فهي تساعدني على توسيع أفكاري وتعزيزها، وهي طريقة مختلفة لمعالجة المعلومات وتطويرها. قضينا الكثير من الوقت نتحدث عن التكنولوجيا، ولكن دعنا أخيراً نتحدث عنا، عن الأشخاص. لذا دعني أطرح عليك سؤالين غير تقنيين. أولاً، ما هي هوايتك المفضلة التي تمارسها خلاف التكنولوجيا؟
ريد هوفمان: أحد الأشياء التي اهتممت بها قليلاً وربما سأكرّس لها المزيد من الوقت في المستقبل هو تصميم الألعاب اللوحية. إن ما يجذب انتباهي أكثر هو الأنماط التفاعلية التي تحدث في أثناء لعب الألعاب معاً، فهي قد تمكننا من أن نعرف الكثير والكثير عن أنفسنا، ونفهم بعضنا بعضاً أكثر، ونبني علاقات وروابط فيما بيننا.
إذ تكمُن الفكرة أساساً في ممارسة مهارات معينة من الذكاء العاطفي والذكاء الذهني أثناء اللعب. لذا، سيكون من المثير للاهتمام إنشاء ألعاب تساعد على تعزيز أنماط التفكير المرتبطة بالريادة والإبداع والابتكار، بينما نتعلم من تفاعلاتنا مع بعضنا بعضاً.
لارينا يي: وأخيراً، إذا عدنا للماضي، حيث كنت طالباً بمنحة "مارشال" في جامعة أكسفورد، وحيث درست الفلسفة. ما هو المجال الذي تختار دراسته إذا كنت في أكسفورد اليوم؟
ريد هوفمان: ربما كنت سأدرس الفلسفة مرة أخرى لأنها مهمة للغاية. الفلسفة تتعلق بالقدرة على وضع وفهم أطروحات واضحة حول نظريتك في سير الأمور، وفلسفتك حول الطبيعة البشرية، وفهم ما يجري حولنا، والقدرة على استكشاف الممكن مقابل ما هو موجود حالياً أو ما حدث في الماضي.
هذا يعني التفكير في مجموعة من الأدوات العقلية التي تنطوي على تحديات متعددة. إذا لم أكن قادراً على دراسة الفلسفة مُجدداً، ربما سأدرس تاريخ العلوم وأحاول فهم أنماط تطورها بالأساس نفسه.
لارينا يي: شكراً جزيلاً على هذا الحوار الممتع "ريد". أظن أننا الآن سنفكّر كثيراً في أدواتنا ومساعدينا الخوارق لنحسّن عملنا وإنتاجيتنا.
ريد هوفمان: أسعد دائماً بالحوار معكِ لارينا.