هل يصبح الدنا الخاص بك وسيلة للتعرف على وجهك؟

5 دقائق
التعرف على الوجود باستخدام الدنا
حقوق الصورة: إم إس تك/ إينفاتو.

وصل ضابط الشرطة إلى مسرح الجريمة. ولم يجد أي شهود، أو صور كاميرا، أو أي مشتبه بهم بدوافع واضحة. ولم يجد أي شيء آخر، سوى قليل من الشعر على كم سترة الضحية. نُسخ الدنا من إحدى الشعرات وقورن مع قاعدة بيانات. لم يتم العثور على أي تطابق، وقُيدت القضية ضد مجهول. 

تعمل شركة "كورسايت إيه آي" (Corsight AI)، وهي شركة تعرف على الوجوه وتتفرع عن شركة كورتيكا، على ابتكار حل لهذه الأوضاع باستخدام الدنا لبناء نموذج للوجه يسمح بالتعرف على صاحب الدنا باستخدام نظام التعرف على الوجوه. وهي مهمة ينظر إليها الخبراء في هذا المجال على أنها مستحيلة علمياً. 

من الدنا إلى الوجه: منتج شركة كورسايت الجديد

وقد كشفت كورسايت عن منتجها "من الدنا إلى الوجه" في عرض تقديمي للرئيس التنفيذي روبرت واتس ونائب الرئيس التنفيذي أوفر رونين لاجتذاب الممولين في مؤتمر مصرف إمبيريال للمستثمرين في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022. وقد كان هذا المنتج جزءاً من خريطة الطريق الكلية للشركة، والتي تضمنت أيضاً التعرف على الحركة والصوت. وتقوم هذه الأداة "ببناء شكل فيزيائي عن طريق تحليل المادة الجينية في عينة الدنا"، وذلك وفقاً لإحدى الشرائح التي شاهدتها مجموعة أبحاث المراقبة "آي بي في إم" (IPVM) وشاركتها مع مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو. 

التعرف على الوجود باستخدام الدنا
صورة للعرض التقديمي للمستثمرين لشركة كورسايت حيث تظهر خارطة الطريق للشركة والتي تتضمن "من الصوت إلى الوجه" و"من الدنا إلى الوجه" و"الحركة" كتوسيع لقدراتها في التعرف على الوجوه.

وقد رفضت كورسايت طلباً للإجابة عن أسئلة حول العرض التقديمي وخريطة الطريق للمنتجات. وكتب واتس في رسالة بالبريد الإلكتروني: "نحن لا نتعامل مع الصحافة في الوقت الحالي، حيث إن تفاصيل ما نقوم به تُعتبر سرية وخاصة بالشركة". 

ولكن بعض المواد التسويقية تبين أن الشركة تركز في منتجاتها على التطبيقات الحكومية والمتعلقة بمؤسسات فرض القانون. ويتألف مجلسها الاستشاري من جيمس ووسلي، وهو مدير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، وأوليفر ريفيل، وهو مدير مساعد سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي. ولكن المعرفة العلمية اللازمة لدعم نظام كهذا غير موجودة حتى الآن، ويقول الخبراء إن المنتج سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الأخلاقية ومشاكل الخصوصية والتحيز التي تسببت بها أنظمة التعرف على الوجوه من قبل. وما يثير القلق أكثر من ذلك هو أن هذا المنتج يمثل دلالة على طموحات هذه الصناعة في المستقبل، حيث يصبح التعرف على الوجوه مجرد ناحية واحدة من عملية أكثر شمولية للتعرف على الأشخاص بجميع الطرق الممكنة، حتى لو لم تكن دقيقة.

كُتبت هذه المقالة بالاشتراك مع دونالد ماي من "IPVM"، والذي قال إنه "قبل هذا العرض التقديمي، لم تكن "IPVM" مدركة لوجود شركة تحاول تحقيق النجاح في الاستثمار التجاري لمنتج للتعرف على الوجوه باستخدام عينة دنا".

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تعاني من أزمة بسبب استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه في العمل الشرطي

ماضٍ مريب

ليست فكرة كورسايت جديدة تماماً، فقد ادعت شركة "هيومان لونجيفيتي" (Human Longevity)، وهي شركة "ذكاء صحي يعتمد على الجينوم" أسسها كريغ فينتر وبيتر ديامانديس، الشهيران في وادي السيليكون، بأنها استخدمت الدنا للتنبؤ بالوجوه في 2017. وفي ذلك الحين، أوردت إم آي تي تكنولوجي ريفيو أن الأمر كان موضع شك بالنسبة للخبراء. وقال موظف سابق في الشركة إنها لا تستطيع اختيار شخص محدد من جمهور كبير باستخدام الجينوم، كما أن يانيف إيلريك، وهو المسؤول العلمي الأساسي في منصة علم الأنساب "ماي هيريتيج"، نشر رداً وضح فيه وجود أخطاء كبيرة في البحث. 

أيضاً، تقوم شركة معلومات دنا صغيرة، اسمها "بارابون نانولابز" (Parabon NanoLabs) بتزويد وكالات فرض القانون بتوصيفات فيزيائية للأشخاص اعتماداً على عينات الدنا عبر منتج يسمى "سنابشوت"، والذي يتضمن أيضاً الأنساب الجينية وتركيباً ثلاثي الأبعاد لصورة الوجه. (نشرت بارابون على موقعها الإلكتروني بعض حالات الاستخدام مع مقارنات بين صور فعلية للأشخاص الذين كانت السلطات تبحث عنهم، وصورهم التي أنتجتها الشركة). 

أيضاً، تتضمن صور بارابون المولدة حاسوبياً مجموعة من الصفات الظاهرية، مثل لون العينين والبشرة، والتي تُعطى كل منها نسبة ثقة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تقول الصورة المركبة إنه يوجد احتمال 80% بأن الشخص صاحب العينة أزرق العينين. أيضاً، يقوم فنانو المعمل الجنائي بتعديل الرسومات المركبة للحصول على نماذج وجهية نهائية تتضمن توصيفات لعناصر غير جينية، مثل الوزن والعمر، عند الإمكان. 

ويزعم موقع بارابون أن البرنامج يساعد على حل قضية واحدة أسبوعياً بشكل وسطي، كما أن إيلين ماكراي غريتاك، وهي مديرة المعلومات الحيوية في الشركة، تقول إنها حلت أكثر من 200 قضية في السنوات السبع السابقة، على الرغم من أن أغلبها حُل باستخدام الأنساب الجينية بدلاً من التحليل لتركيب صورة صاحب العينة. وتقول غريتاك إن الشركة تعرضت للانتقادات بسبب عدم نشر أي شيء عن أساليبها وبياناتها، وعزت هذا إلى "قرار يتعلق بعمل الشركة". 

لا تتضمن خدمة الصفات الظاهرية لبارابون نظام ذكاء اصطناعي للتعرف على الوجوه، وتشترط على عملائها من مؤسسات فرض القانون عدم استخدام الصور التي تولدها من عينات الدنا كدخل لأنظمة التعرف على الوجوه.

وتقول غريتاك إن تكنولوجيا بارابون "لا تستطيع تحديد المسافة بين العينين بالمليمترات، أو النسبة بين العينين والأنف والفم". ومن دون دقة من هذا المستوى، لا تستطيع خوارزميات التعرف على الوجوه تقديم نتائج دقيقة، ولكن الحصول على قياسات بهذه الدقة من الدنا يتطلب اكتشافات علمية جديدة وجذرية، كما تقول، وتضيف إن "الأبحاث التي حاولت القيام بعملية التنبؤ بهذا المستوى لم تحقق نجاحاً يستحق الذكر". تقول غريتاك إن بارابون تقتصر فقط على توقع الشكل العام لوجه شخص ما (على الرغم من أن الدقة العلمية لهذه التوقعات ما تزال موضع شكوك). 

لطالما قامت قوات الشرطة بتركيب رسومات مبنية على توصيفات الشهود وتلقيمها إلى أنظمة التعرف على الوجوه. وقد وجدت دراسة في 2019 لمركز الخصوصية والتكنولوجيا في كلية القانون بجامعة جورج تاون أن ست وكالات شرطة في الولايات المتحدة على الأقل "تسمح، ولكن دون تشجيع" باستخدام رسومات المعمل الجنائي، سواء أكانت مرسومة يدوياً أو مولدة باستخدام الحاسوب، كصور دخل تُلقم لأنظمة التعرف على الوجوه. وقد حذر خبراء الذكاء الاصطناعي من أن عملية كهذه ستؤدي على الأرجح إلى تخفيض مستوى الدقة. 

أيضاً، تعرضت كورسايت إلى الانتقاد في الماضي بسبب المبالغة في قدرات نظامها للتعرف على الوجوه ودقته، والذي تسميه "النظام الأكثر أخلاقية للتعرف على الوجوه في الظروف الصعبة"، وفقاً لشريحة من عرض تقديمي متوافر على الإنترنت. وفي عرض تكنولوجي للمجموعة "IPVM" في نوفمبر المنصرم، قال الرئيس التنفيذي لكورسايت، واتس، إن نظام التعرف على الوجوه من كورسايت يستطيع "التعرف على شخص يرتدي قناعاً، وليس فقط كمامة، بل وحتى قناع تزلج". وأوردت "IPVM" أن استخدام نظام كورسايت للذكاء الاصطناعي على وجه مقنع حقق دقة 65%، وأن قياس كورسايت لصحة مطابقة الوجه سيتم باستخدام قاعدة البيانات الخاصة بها، كما لحظت أن التوصيف الدقيق لهذا القناع أقرب إلى قبعة بالاكلافا أو واقية للرقبة منه إلى قناع تزلج يتضمن فقط فتحات للفم والعينين. 

لقد قامت العديد من المؤسسات العلمية والثقافية، بما فيها إم آي تي تكنولوجي ريفيو، بتوثيق مشاكل أكبر في دقة أنظمة التعرف على الوجوه. وتظهر هذه المشاكل بصورة أوضح عندما تكون الصور ضعيفة الإضاءة، أو مُلتقطة بزوايا حادة للغاية، أو عندما يكون الشخص داكن البشرة، أو في حالات النساء أو إذا كان الشخص طاعناً في السن أو صغيراً للغاية. كما تعرضت تكنولوجيا التعرف على الوجوه إلى انتقادات عديدة من العامة وأنصار الخصوصية، خصوصاً الأنظمة التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي في محرك البحث والمطابقة لديها، مثل كليرفيو إيه آي. 

علاوة على ذلك، فإن استخدام مؤسسات فرض القانون لهذه التكنولوجيا محفوف بالمشاكل على نحو خاص، وهو ما دفع بالعديد من المدن إلى حظر هذا الاستخدام، مثل بوسطن ومينيابوليس وسان فرانسيسكو. أيضاً، توقفت "أمازون" (Amazon) و"مايكروسوفت" (Microsoft) عن بيع منتجات التعرف على الوجوه إلى مؤسسات الشرطة، كما قامت شركة "آي بي إم" (IBM) بإزالة منتجاتها للتعرف على الوجوه من السوق. 

اقرأ أيضاً: جوزيف عتيق مبتكر تكنولوجيا التعرف على الوجوه يتحدث عن ابتكاره ومخاوفه منه

علم مزيف

يقول ألبرت فوكس كان، وهو محامٍ مختص بالحقوق المدنية ومدير تنفيذي لمشروع الإشراف على تكنولوجيا المراقبة، والذي يعمل بشكل مكثف على القضايا المتعلقة بأنظمة التعرف على الوجوه: "من المستحيل أن نفكر في إمكانية بناء صورة بالمستوى الضروري من التفاصيل الدقيقة اللازمة لاستخدامها في نظام بحث ومطابقة، هذا علم مزيف".

وتقول دزيميلا سيرو، وهي باحثة في مجموعة الصور الحاسوبية في مركز الأبحاث الوطني للرياضيات وعلوم الحاسوب في هولندا، إن المعرفة العلمية المطلوبة لبناء نظام كهذا لم تصل إلى مرحلة كافية من النضج، على الأقل ليس علناً. وتقول إن مجموعة الجينات المطلوبة لإنتاج توصيف دقيق للوجوه من عينات الدنا غير كاملة حالياً، مستشهدة بدراسة هيومان لونجيفيتي من العام 2017.

إضافة إلى ذلك، توجد عوامل أخرى تؤثر على الوجوه بشكل واضح ولا يمكن تحديدها عبر الصفات الشكلية في الدنا، مثل العمر والبيئة، كما تبين الأبحاث أن الجينات الإفرادية لا تؤثر على شكل وجه الشخص بقدر الجنس والأجداد.  وقالت لإم آي تي في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إن المحاولات السابقة لأوانها لتطبيق هذه الطريقة ستؤدي على الأرجح إلى تقويض الثقة والدعم اللازمين للأبحاث الجينية، ولن تحقق أي فوائد اجتماعية".

المحتوى محمي