كيف سينعكس الدعم الألماني لصناعة الرقائق الإلكترونية على مستقبلها؟

4 دقائق
كيف سينعكس الدعم الألماني لصناعة الرقائق الإلكترونية على مستقبلها؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Andrew Angelov

في ظل حرب التكنولوجيا الدائرة بين الولايات المتحدة والصين، لا سيّما تلك المرتبطة بأشباه الموصلات ورقائق الذكاء الاصطناعي، وجدت أوروبا نفسها في مأزقٍ يدفعها لتوسيع الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات، في محاولةٍ لتقليل مخاطر الاعتماد على سلاسل التوريد الأجنبية.

وباعتبارها أكبرَ اقتصادٍ في القارة العجوز، تقودُ ألمانيا جهوداً مكثّفة على المستويين المحلي والأوروبي لدعم قطاع التكنولوجيا وتأمين إمداداتها من المكونات الحيوية اللازمة لصناعة الرقائق، التي تُستخدم في مختلف القطاعات الصناعية.

اقرأ أيضاً: تفاصيل خطة الصين للسيطرة على سوق صادرات أشباه الموصلات

آثارٌ جانبية للتوترات الأميركية-الصينية

بعد سنوات من القيود التي فرضتها الولايات المتحدة بشكلٍ تصاعدي على تصدير الرقائق وغيرها من التقنيات المتطوّرة إلى الصين، أعلنت وزارة التجارة الصينية الشهر الماضي، فرض قيود مضادة على تصدير اثنين من المعادن الضرورية في صناعة الرقائق الإلكترونية والألواح الشمسية والألياف الضوئية؛ وهما الغاليوم والجرمانيوم، وذلك في خطوة قد تعني أن الصين تعتزم فرض سيطرتها على سوق صادرات أشباه الموصلات.

أدّى هذا الإعلان المفاجئ من قِبل أكبر منتج للمعادن الأرضية النادرة في العالم إلى تدافع الشركات لتأمين الإمدادات، وأثار مخاوف من احتمال فرض قيود على صادرات هذه المعادن النادرة.

كانت الخطوة الصينية موجَّهةً في الأساس كنوعٍ من التحذير لواشنطن، لكن ثمة دولة تخشى أن تتأثر بشكلٍ أكبر من الولايات المتحدة ألّا وهي ألمانيا. وفقاً لبيانات التجارة العام الماضي، كانت ألمانيا واحدةً من أكبر المستوردين لكلا العنصرين، كما يقع مقر أكبر مشترٍ للغاليوم في العالم في ولاية ساكسونيا الألمانية، حيث تعتمد شركة فرايبرغر كومباوند ماتيريالز (Freiberger Compound Materials) بشكلٍ شبه تام على الموردين الصينيين لإنتاج الرقائق، ولم يُنتج الغاليوم في ألمانيا منذ عام 2016.

وعلى الرغم من أن عنصري الجرمانيوم والغاليوم قد اكتُشفا للمرة الأولى في أوروبا، وقام عالمان ألماني وفرنسي بتسميتهما، فإن الأوروبيين يعتمدون اليوم بشكلٍ شبه حصري على الصين لاستيرادهما. ويُدرج الاتحاد الأوروبي الجرمانيوم والغاليوم على قائمة "المواد الخام الأساسية" التي تعتبر "ضرورية لاقتصاد أوروبا".

في ظل هذه الأوضاع الضبابية، سارع المجلس الأوروبي، يوم 25 يوليو/ تموز الماضي، إلى اعتماد قانون الرقائق (Chips Act). ويهدف القانون الذي تم اقتراحه للمرة الأولى العام الماضي، إلى زيادة حصة الكتلة الأوروبية من الإنتاج العالمي للرقائق من 10% إلى 20% على الأقل بحلول نهاية العقد. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، سيتطلب الأمر زيادةً قدرها أربعة أضعاف الحجم الحالي للإنتاج. ويأمل المشرعون في أن تؤدي هذه الخطة التي تبلغ تكلفتها 43 مليار يورو (47.5 مليار دولار) إلى تعزيز قطاع أشباه الموصلات في الاتحاد ليكون مرناً في مواجهة أي مشكلات تتعلق بسلاسل التوريد العالمية.

اقرأ أيضاً: كيف أثّرت أزمة الرقائق الإلكترونية في صناعة السيارات؟

استثمارات ألمانية مكثّفة

في يوم الإعلان نفسه عن قانون الرقائق، قالت وزارة الاقتصاد الألمانية إنها خصصت 20 مليار يورو (22.15 مليار دولار) على شكل إعانات تهدف إلى جذب الشركات الأجنبية لإنتاج أشباه الموصلات في البلاد.

سيذهب ما يقرب من نصف هذا الدعم إلى شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة "إنتل"، التي أعلنت عزمها إنفاق أكثر من 30 مليار يورو لتطوير مصنعين للرقائق في مدينة ماغديبورغ الألمانية، في أكبر استثمار أجنبي في ألمانيا على الإطلاق.

وبحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، فإن أموال الإعانات ستُوزع على الشركات الألمانية والأجنبية بحلول عام 2027، وسيتم توفير الاعتمادات من صندوق المناخ والتحول (KTF) الألماني، الذي تم إنشاؤه في الأصل للاستثمار في إزالة الكربون من الاقتصاد.

كذلك أعلنت برلين أن شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (TSMC) أبدت اهتمامها بالاستثمار في منشأة لإنتاج أشباه الموصلات في ألمانيا. وتجري الشركة -التي تعد أكبر مُصنّع للرقائق في العالم- بالفعل محادثات مع ولاية ساكسونيا منذ عام 2021 حول بناء مصنع يركّز على الرقائق وأجهزة التحكم الدقيقة لشركات تصنيع السيارات وغيرها من الشركات الصناعية في مدينة دريسدن التي تعد مركزاً رائداً للإلكترونيات الدقيقة في أوروبا. لكن لا توجد معلومات موثوقة حتى الآن حول حجم الاستثمار المخطط له أو الإعانات المحتملة.

اقرأ أيضاً: جوجل تعلن عن رقائق ذكاء اصطناعي تتفوق على الرقائق التي تطوّرها إنفيديا

نفط القرن الحادي والعشرين

في الوقت الحالي، تهيمن تايوان (حيث يتم إنتاج 90% من الرقائق الأكثر تقدماً في العالم) وكوريا الجنوبية على السوق، وتعمل الصين على زيادة حصتها. كما تواجه أوروبا أيضاً منافسة من الولايات المتحدة، التي أعلنت العام الماضي أن توطين صناعة الرقائق بات مسألة أمن قومي ورصدت 52 مليار دولار لتعزيز إنتاجها المحلي.

وكان المستشار الألماني أولاف شولتز، قال خلال تدشين مصنع تابع لشركة إنفينيون تكنولوجيز (Infineon Technologies) الألمانية العملاقة لأشباه الموصلات في شهر مايو/ أيار الماضي، إن الرقائق الإلكترونية هي "نفط القرن الحادي والعشرين"، وهي مكونات "يعتمد عليها كل شيء آخر"؛ من السيارات الكهربائية والهواتف الذكية إلى توربينات الرياح وصولاً إلى الصواريخ.

وقد تعهدت الحكومة الألمانية في استراتيجيتها الجديدة الخاصة بالصين التي أعلنتها الشهر الماضي، بأن تسعى جاهدة لتقليل التبعية من خلال التنويع وجذب التقنيات المستقبلية مثل أشباه الموصلات.

وتتجه مجموعة من شركات تصميم الرقائق، تضم كوالكوم (Qualcomm) الأميركية وإن إكس بي سيمي كونداكتورز (NXP Semiconductors) الهولندية ونورديك سيمي كونداكتورز (Nordic Semiconductor ASA) النرويجية وشركتي روبرت بوش (Robert Bosch GmbH) وإنفينيون تكنولوجيز (Infineon Technologies AG) الألمانيتين، لتأسيس شركة جديدة لتسريع وتيرة تطوير مجموعة التعليمات المختزلة الخامسة (RISC-V)، وهي تكنولوجيا تنافس تقنية شركة آرم (Arm) البريطانية.

ستستثمر هذه الشركات بشكلٍ مشترك في تأسيس شركة جديدة في ألمانيا (لم يحدد اسمها بعد) لترويج بنية "آر آي إس سي" مفتوحة المصدر لاستخدامها في تصميم الرقائق.

اقرأ أيضاً: معيار تصميم جديد قد يقلب صناعة الرقائق الإلكترونية رأساً على عقب

ومن المقرر أيضاً أن تحصل شركة توريد قطع غيار السيارات الألمانية زد أف فريدريشهافين (ZF Friedrichshafen) وشركة صناعة الرقائق الأميركية وولف سبيد (Wolfspeed) على أموال من الحكومة الألمانية لبناء مصنع لإنتاج رقائق كربيد السيليكون في ولاية سارلاند بالقرب من الحدود الفرنسية.

بحلول نهاية العقد، من المتوقع أن تصل قيمة صناعة أشباه الموصلات العالمية إلى نحو تريليون دولار. وتستهدف برلين أن تؤدي جهودها واستثماراتها المكثّفة إلى تحويلها قبل هذا الوقت إلى نقطة جذب لإنتاج أشباه الموصلات، وأن تسهم في نهاية المطاف في تقليل اعتماد أوروبا على آسيا في هذه الصناعة الاستراتيجية.

المحتوى محمي