لا تزال صناعة الخدمات المصرفية والبورصات المالية تحاول اللحاق بالصناعات الأخرى تكنولوجياً عندما يتعلق الأمر بتلبية احتياجات المستهلك، ويمكن أن يكون لترددها وتأخرها في التكيف مع العالم الرقمي تأثيراً حقيقيّاً على الطريقة التي تخدم بها المؤسسات المالية عملاءها.
وقد أشارت نتائج استطلاع حديث إلى أن 58% من المستهلكين لديهم توقعات أعلى لخدمة العملاء مقارنة بما كانوا عليه قبل عام، وفي تقرير آخر أفاد 80% من المستطلعين أن التجربة التي تقدمها الشركة لعملائها لا تقل أهمية عن منتجاتها وخدماتها. وهذا يخبرنا بأن المؤسسات المالية تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى نشر التكنولوجيا الحديثة لتقديم تجارب محسّنة للعملاء في الوقت الفعلي وبتكلفة أقل.
اقرأ أيضاً: إليك أهم ميزات اعتماد الحوسبة السحابية في الرعاية الصحية ومعوقات تطبيقها
أهمية التكنولوجيا في تحسين عمليات الشركات المالية
بالنسبة للعديد من البورصات المالية العالمية فإن الحاجة الماسة إلى التحول الرقمي هي ضرورة قصوى وإن تأخرت كثيراً، حيث بدأت هذه المؤسسات في الانجذاب إلى تكنولوجيا البنية التحتية السحابية لأنها تريد تحقيق العديد من الأهداف مثل زيادة الوصول إلى الأسواق وتبسيط العمليات.
ويتيح لها وضع العمليات التشغيلية على السحابة تحقيق هذه الأهداف نظراً للطبيعة المرنة والقابلة للتطوير التي تتمتع بها، والتي تمكنها من توسيع نطاق السعة لأعلى أو لأسفل في أي وقت، وقد أشار تقرير حديث صدر عن مؤسسة "جارتنر" (Gartner) للأبحاث إلى أن اعتماد التكنولوجيا السحابية يُعتبر الأولوية الأكثر إلحاحاً في الخدمات المالية والاستثمارية.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات المالية بين الفرص والتحديات
إدارة العمليات عبر السحابة هو النهج الجديد للبورصات المالية
تعمل العديد من أكبر البورصات المالية في العالم على تغيير الطريقة التي تدير بها أسواق رأس المال العالمية، من خلال اعتماد تكنولوجيات الحوسبة السحابية في عملياتها. على سبيل المثال دخلت بورصة "سي إم إي" (CME) العالمية في شراكة لمدة 10 سنوات بمبلغ يصل إلى مليار دولار مع خدمة "سحابة جوجل" (Google Cloud)، وستنقل بموجبها بنيتها التحتية لتكنولوجيا المعلومات والأسواق إلى السحابة، ما سيمكنها من إطلاق منتجات وخدمات جديدة بسرعة أكبر.
كما أعلنت بورصة "ناسداك" (Nasdaq) عن شراكة مماثلة تمتد لعدة سنوات مع شركة أمازون عبر قطاعها السحابي "خدمات أمازون السحابية" (Amazon Web Services) -اختصاراً AWS- للعمل على نقل الأسواق التي تقع في منطقة أميركا الشمالية إلى بيئة الحوسبة السحابية.
وعن هذه الشراكات يشرح "أدريان بول" (Adrian Poole) رئيس الخدمات المالية السحابية في شركة جوجل قطاع المملكة المتحدة وإيرلندا قائلاً: "إن اعتماد السحابة ليس مجرد حالة لتحسين البنية التحتية بالنسبة لهذه الشركات، بل هو طريقة لاستخدام قوة معالجة أكبر للحوسبة السحابية لتلبية توقعات العملاء بطرق جديدة وتحسين قدراتها على التحول الرقمي".
ويضيف: "إن المقدار الهائل للحوسبة التي توفرها السحابة يعني أن تحليل البيانات يمكن أن يحدث بسرعة البرق، وهذا يعني أنه عندما يتعلق الأمر بالشركات التي ترغب في القيام بأشياء مثل إدارة المخاطر، يمكنها القيام بذلك في الوقت الفعلي، واستخدام تحليل البيانات لإنشاء أدوات آلية يمكن أن تساعد في تخفيف المخاطر".
اقرأ أيضاً: هل سيصمد المال النقدي في وجه إغراء العملات الرقمية؟
مزايا تكنولوجيا الحوسبة السحابية للمؤسسات المالية
توفر الحوسبة السحابية مجموعة من مزايا الأمان والخصوصية للمؤسسات المالية التي تمتلك كميات هائلة من البيانات الحساسة التي تصبح أهدافاً رئيسية للهجمات السيبرانية، وبالتالي سيكون مقدمو الخدمات السحابية قادرون على تلبية الحاجة إلى المراقبة المستمرة للمخاطر والامتثال التنظيمي، من خلال تبني ممارسات مثل نماذج "الثقة الصفرية" (Zero-Trust) الذي يضمن التحقق من جميع هويات المستخدمين داخل الشبكة أو خارجها.
ويقول "نيكي معان" (Nicky Maan)، الرئيس التنفيذي لشركة "سبكتروم ماركيت" (Spectrum Markets) للتداول المالي التي تستخدم الحوسبة السحابية لتخزين البيانات وتحليلها: "إن أهم فائدة للأنظمة السحابية هي السماح باستخدام البنية التحتية الرقمية لتسريع نمو الأعمال، ومن السهل توسيع موارد السحابة التي تستخدمها عند الحاجة إليها، لأن تخزين البيانات ومعالجتها لا يعتمدان على إمكانيات الأجهزة التقليدية الداخلية، حيث يمكنك ببساطة استئجار السعة الإضافية التي تحتاجها".
ويضيف قائلاً: "يمكن أن يعمل هذا تلقائياً، فبمجرد اكتشاف النظام أنه يحتاج إلى مزيد من السعة سيقوم باكتساب موارد إضافية على الفور. فإذا زاد عدد المنتجات المالية المدرجة في النظام، لن تحتاج الشركة إلى تثبيت أنظمة جديدة لتخزين جميع البيانات أو زيادة القدرة التحليلية للتعامل مع الحجم الإضافي من المعلومات".
اقرأ أيضًا: ما بعد كوفيد-19: كيف يبدو مستقبل التكنولوجيا المالية؟
ومع ذلك بحسب الخبراء، يجب على المؤسسات المالية التي تستعين بمصادر خارجية لبنيتها التحتية التكنولوجية، مثل أمازون أو جوجل أو مايكروسوفت، أن تضمن امتثال الأنظمة للوائح الصناعة، ويتضمن ذلك التحكم الكامل في زمن الوصول أو سرعة نقل المعلومات المطلوبة لتسعير المنتجات المالية بدقة.
عدم الاكتفاء بمزود سحابي واحد فقط
وفقاً للعديد من الدراسات والخبراء وحتى الجهات التنظيمية، فإن القدرة على نقل أي جزء من البنية التحتية التكنولوجية الخارجية إلى مزود آخر في حالة حدوث خطأ ما هي ضرورة قصوى، حيث إن القول بأن النظام قد فشل أو لا يمكن الوصول إليه ليس عذراً مقبولاً للجهات التنظيمية والعملاء، لذلك يجب على المؤسسات التي تنقل عملياتها التشغيلية إلى السحابة أن تكون قادرة على تبديل مواردها الحالية إلى مورد آخر في حالة حدوث أي خطأ.
ويقترح "كونور كوليري" (Conor Colleary) نائب رئيس المجموعة للخدمات المالية في شركة أوراكل الأميركية: "يجب أن تدرك البورصات أن مخاطر انقطاع الخدمة لدى مزود خدمة سحابية واحد أعلى، ومن ثم تحتاج المؤسسات إلى التأكد من أنها تستخدم أفضل الخدمات السحابية، التي يكون لكل منها وظيفة معينة أو عبء عمل محدد لتجنب وضع كل العمليات في مزود واحد".
وبهذه الطريقة يمكن لمنصات البورصة تجنب انقطاع النظام، وتقليل مخاطر انتهاكات الأمن السيبراني، ومشكلات حركة المرور على الإنترنت من خلال اعتماد نهج تعدد السحابات –استخدام مجموعة متنوعة من الخدمات السحابية من عدة مزودين بدلاً من واحد فقط– والتي تتيح لها أيضاً الاستفادة من نقاط القوة المختلفة لمزودي الخدمات السحابية المختلفة والحصول على خطة بديلة إذا تعطلت خدمات أحد المزودين.
تبرز أهمية ما سبق في أن عاملي المرونة والثقة هما أمران حاسمان لشركات أسواق رأس المال التي تعتمد على ثقة عملائها في قدرتها على البقاء على الإنترنت على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، من أجل تقديم البيانات للعملاء بأسرع ما يمكن تكنولوجياً.
اقرأ أيضاً: ما التوجهات العالمية التي لا يمكن للبنوك تجاهلها في المال والتكنولوجيا؟
التكنولوجيات الناشئة تساهم أيضاً
تتيح التكنولوجيا السحابية للشركات المالية الابتعاد عن معدات وخوادم الشبكات القديمة والتي غالباً ما تكون باهظة الثمن وتستغرق وقتاً طويلاً في الصيانة، بالإضافة إلى ذلك يعتبر استخدام التكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية أمراً ضرورياً.
على سبيل المثال، إذا كانت شركة ما تجري الكثير من المعاملات وتخزن كميات كبيرة من البيانات، فإنها ستكون قادرة على استخدام تكنولوجيا الحوسبة الكمومية لإجراء حسابات مستحيلة أو طويلة جداً لا يمكن لأجهزة الكمبيوتر التقليدية القيام بها.
اقرأ أيضاً: تقنية التعرف على الوجوه تدخل في مجال الخدمات المالية والمصرفية
وفي الوقت نفسه، ستسمح أدوات الذكاء الاصطناعي القوية لبورصات الأوراق المالية بإجراء تحليل البيانات في الوقت الفعلي للتداول، ويمكن القول إنه ليس هناك شك في أن تكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية ستشكل جزءاً من خرائط الطريق التكنولوجية للشركات المالية على مدى السنوات الخمس إلى العشر القادمة.