أدّى التقدم التكنولوجي السريع، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى فوائد كبيرة لمختلف القطاعات. لكن هذا التقدم أتى بتكلفة كبيرة، حيث يتطلب الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات، ولمعالجة هذه البيانات نحتاج إلى قوة حوسبة كبيرة. هذه القوة تستهلك الكثير من الطاقة. ومن المتوقع أن يرتفع الاستهلاك مع استمرار نمو الطلب على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الأخرى الكثيفة البيانات. على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن مراكز البيانات قد تستهلك نحو 9% من الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2030، ما يجعل هذه المراكز تؤثّر بشكلٍ سلبي في البيئة وتؤدي دوراً سلبياً في تغيّر المناخ.
اقرأ أيضاً: ما هي الحوسبة الخضراء؟ وكيف تكون مساهماً فيها؟
لا يمكن إيقاف نمو مراكز البيانات!
الحل الأول الذي اقتُرح لتخفيف تأثير الحوسبة في البيئة هو فرض لوائح تنظيمية تحد من نمو مراكز البيانات، هذا الحل له جانبان سلبيان؛ الأول أنه يحد من القدرة على تطوير الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات الكثيفة البيانات، والثاني أنه ستكون هناك دائماً مناطق في العالم يمكن فيها تجاوز هذه اللوائح. نتيجة لذلك، فإن البلدان التي تقيد نمو مراكز البيانات ستخاطر بالتخلف عن البلدان ذات اللوائح التنظيمية الأكثر تساهلاً، وسيكون لذلك عواقب استراتيجية كبيرة عليها.
لذلك، تحتاج الدول التي يوجد فيها الكثير من مراكز البيانات إلى معالجة القضية بشكلٍ مختلف، وبدلاً من الحد من نمو المراكز الحالية، يجب أن تركّز على إنشاء مراكز توفّر استهلاك الطاقة لتقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
الحلول الممكنة
طُرِح العديد من الحلول القابلة للتنفيذ دون التأثير في التقدم التكنولوجي، من أبرز هذه الحلول:
استخدام مصادر الطاقة الصديقة للبيئة
أحد الأساليب لمعالجة متطلبات الطاقة في مراكز البيانات هو تبنّي مصادر الطاقة الصديقة للبيئة. تشمل البدائل المحتملة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، بالإضافة إلى ذلك، اقتُرح نقل مراكز البيانات إلى المناطق الباردة لتوفير استهلاك الطاقة في مجال التبريد.
الحوسبة غير التقليدية
هناك مجال واعد آخر يتمثل في الحوسبة غير التقليدية، التي تستكشف أساليب مبتكرة وجديدة للحوسبة، من الأمثلة البارزة على ذلك الحوسبة الحيوية (Biological computing)، وهو مجال ناشئ تُستخدم فيه الخلايا الحية لإجراء العمليات الحسابية. وتمثّل الحواسيب الحيوية، التي تستفيد من الخلايا الحية، بديلاً محتملاً للحواسيب التقليدية.
اقرأ أيضاً: بعد الذكاء الاصطناعي: الحواسيب الحيوية تستهل حقبة جديدة من الابتكار التكنولوجي
ما هي الحوسبة الحيوية؟
الحوسبة الحيوية، والمعروفة أيضاً باسم الحوسبة البيولوجية، هي مجال متعدد التخصصات يجمع بين مبادئ علم الأحياء وعلوم الحاسوب. يعود هذا المفهوم إلى سبعينيات القرن العشرين عندما أجرى عالم الحاسوب الأميركي ليونارد أدلمان تجربة أثبت فيها أنه يمكن التلاعب بخيوط الحمض النووي لحل مشكلة رياضية.
يتضمن مبدأ عمل الحوسبة الحيوية استخدام أجزاء بيولوجية، مثل الحمض النووي والبروتينات، لإجراء العمليات الحسابية. يمكن لهذه المكونات البيولوجية تخزين المعلومات وإجراء العمليات الحسابية وحتى التكاثر الذاتي، ما يوفّر طريقة فريدة وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة لمعالجة البيانات.
كفاءة استخدام الطاقة في الحوسبة الحيوية
إحدى أهم مزايا الحوسبة الحيوية هي كفاءة استخدام الطاقة، إذ تولّد أنظمة الحوسبة التقليدية القائمة على السيليكون قدراً كبيراً من الحرارة وتتطلب تبريداً كبيراً، ما يسهم في استهلاكها العالي للطاقة.
على النقيض من ذلك، تولّد الأنظمة الحاسوبية الحيوية درجات حرارة أقل كثيراً ويمكنها إجراء عمليات حسابية معقدة باستخدام الحد الأدنى من الطاقة. كما تستطيع جزيئات الحمض النووي تخزين كميات هائلة من المعلومات في شكل مضغوط ومعالجة البيانات على المستوى الجزيئي، ما يقلل بشكلٍ كبير من الطاقة المطلوبة مقارنة بأنظمة الحوسبة التقليدية.
هل الحوسبة الحيوية متاحة الآن؟
لا تزال الحوسبة الحيوية في مهدها، ويُجرى الكثير من الأبحاث لتطويرها في المختبرات. وعلى الرغم من التطورات الواعدة، مثل إنشاء الدوائر البيولوجية البسيطة القائمة على الحمض النووي، فإن التطبيقات العملية لهذه التكنولوجيا لا تزال محدودة، ويتطلب الانتقال من التجارب إلى التطبيقات في العالم الحقيقي تقدماً كبيراً في فهمنا للأنظمة البيولوجية ومعالجتها.
تحديات استخدام الحوسبة الحيوية
على الرغم من إمكاناتها الهائلة، تواجه الحوسبة الحيوية العديد من التحديات. من أبرز العقبات الأساسية تعقيد الأنظمة البيولوجية، فهندسة الدوائر البيولوجية الموثوقة والمتوقعة مهمة شاقة، يعود ذلك أساساً إلى تنوع الكائنات الحية وتعقيدها.
هناك أيضاً اعتبارات أخلاقية ومخاوف تتعلق بالسلامة البيولوجية تحتاج إلى معالجة، كما أن دمج المكونات البيولوجية في البنى التحتية التكنولوجية الحالية ليس بالأمر السهل.
اقرأ أيضاً: نموذج تعلم عميق من جوجل يتنبأ بالإصابة بالشيخوخة البيولوجية من صور شبكية العين
هل الحوسبة الحيوية هي مستقبل الحوسبة؟
تحمل الحوسبة الحيوية وعوداً كبيرة لمستقبل الحوسبة، خاصة فيما يتعلق بكفاءة الطاقة والاستدامة. ومع ذلك، من غير المرجح أن تحل محل أنظمة الحوسبة التقليدية بالكامل في المستقبل القريب. بدلاً من ذلك، من المرجح أن تكمل الحوسبة الحيوية التكنولوجيا الحالية، وتوفّر حلولاً لتطبيقات محددة. من المرجح أن يتضمن مستقبل الحوسبة نهجاً هجيناً يجمع بين نقاط القوة في أنظمة الحوسبة التقليدية والحوسبة الحيوية لمعالجة المتطلبات المتنوعة والمتنامية للعصر الرقمي.