كيف ستغيّر الحواسيب الكمومية مستقبلنا؟

تضخ بعض الشركات مليارات الدولارات على أبحاث الحوسبة الكمومية، ولم يأتِ هذا الضخ الهائل عن عبث، إذ سرعان ما تطورت الحواسيب الكمية وأثبتت قدراتها على تحليل البيانات الضخمة، ما يساعد على حل أكثر المشكلات تعقيداً بسرعة هائلة قد تصل إلى دقائق، مقارنة بالحواسيب التقليدية التي تحتاج سنوات لإتمامها.

بسبب سرعتها العالية، وعمليات المحاكاة الدقيقة التي تُجريها، أصبحت الحواسيب الكمومية أداة حيوية لتسريع اكتشاف المواد الجديدة، ولها تطبيقات أخرى مختلفة ستسهم في تغيير وجه المستقبل.

كيف تغيّر الحوسبة الكمومية المستقبل؟

إليك بعضاً من المجالات التي ستعمل الحوسبة الكمومية على تغييرها مستقبلاً:

اكتشاف أدوية جديدة

يعتمد اكتشاف الأدوية الجديدة جزئياً على مجال علمي يُعرف باسم المحاكاة الجزيئية، والذي يتكون من نمذجة الطريقة التي تتفاعل بها الجسيمات داخل الجزيء لمحاولة إنشاء تكوين قادر على محاربة مرض معين.

تتخذ هذه التفاعلات أشكالاً مختلفة، ويتطلب التنبؤ بسلوك الجزيء بناءً على بنيته كميات هائلة من الحسابات لا يمكن القيام بها يدوياً، وحتى الحواسيب التقليدية الحالية لا يمكنها التعامل معها، إذ تحتاج نمذجة جزيء مكون من 70 ذرة فقط على حاسوب تقليدي ما يصل إلى 13 مليار سنة.

في المقابل، يمكن للحواسيب الكمية حل هذه المشكلة في دقائق، فهي قادرة على محاكاة جميع التفاعلات المعقدة بين الذرات التي تتكون منها الجزيئات، ما يتيح للعلماء تحديد الأدوية الناجحة بسهولة.

يأمل العلماء أن تعمل المحاكاة الكمية على تسريع تطوير الأدوية واللقاحات وإيجاد العلاجات، كما يمكن أن تكون المحاكاة الكمية قادرة على استبدال التجارب المخبرية، وبالتالي تقليل تكلفة البحث والحاجة إلى الاختبارات البشرية والحيوانية.

اكتشاف مواد كيميائية

تساعد الحوسبة الكمومية على تسريع عمليات الإنتاج والتطوير وذلك من خلال تحسين تطوير محفزات جديدة. والمحفزات هي مواد تدخل في التفاعلات الكيميائية لتحدث بشكل أسرع وأكثر كفاءة.

يمكن إنشاء المحفز أو العثور عليه من خلال حساب وتحليل خصائص المواد بطريقة أكثر تضخيماً وواقعية، وتحليل التفاعلات الكيميائية التي تحدث مع المادة على المستويين الذري ودون الذري.

أمّا أهمية تطوير محفزات جديدة ومحسّنة تكمن في أنها تؤدي إلى تقليل الطاقة اللازمة أثناء عمليات الإنتاج. قد تساعدنا هذه المحفزات الجديدة في تقليل اعتمادنا على البتروكيماويات واستخدام المواد المستدامة كمادة وسيطة.

صنع بطاريات أفضل

من الواضح أننا سنرى في المستقبل الكثير من البطاريات، سواء لتشغيل السيارات الكهربائية أو لتخزين الطاقة، ولا تزال الأبحاث جارية لإيجاد مواد جديدة ذات خصائص أفضل لصناعة البطاريات.

يمكن للحواسيب الكمية محاكاة سلوك المواد التي يمكن أن تكون مرشحة محتملة لمواد بطاريات جديدة ونمذجتها، مثل محاكاة سلوك ذرات الكبريت في بيئات مختلفة بهدف بناء بطاريات الليثيوم الكبريتية التي تتميز بأداء أفضل لمدة أطول، وبتكلفة أقل من بطاريات الليثيوم أيون.

التنبؤ بالطقس بدقة عالية

لا تستطيع الحواسيب التقليدية مع كل قوتها التنبؤ بأحداث الطقس على المدى الطويل أو بالكوارث الجوية، وذلك لأنها غير قادرة على استيعاب جميع البيانات المطلوبة للتنبؤ الدقيق.

في المقابل، يمكن للحواسيب الكمية نمذجة العوامل البيئية الكثيرة التي قد تجتمع معاً لتكوين عاصفة كبيرة أو إعصار أو موجة حرارية، وتحليل هذه البيانات لتوليد تنبؤات أكثر دقة من توقعات الطقس الحالية، ما يساعد الحكومات في الاستعداد بشكل أفضل للكوارث الطبيعية.

معالجة اللغات الطبيعية

يحاول الباحثون تعليم الحواسيب التقليدية ربط الكلمات بمعانيها لفهم معنى جمل كاملة، وليس فهم معنى الكلمات المفردة فقط، وهذا ما لم تتمكن منه الخوارزميات الكلاسيكية الحديثة في معالجة اللغة الطبيعية (NLP).

يدرس الباحثون الآن قدرة الحواسيب الكمية على تمثيل اللغة كشبكة ومعالجتها بطريقة أسهل. يُعرف هذا المجال بمعالجة اللغة الطبيعية الكمية (QNLP).

تقليل الازدحام على الطرقات

مع ازدياد عدد المركبات في الشوارع يصبح من المهم تعديل توقيت إشارات المرور لتتكيف مع عددها أو مع الساعات المختلفة على مدار اليوم، بهدف تسهيل تدفق المركبات وتجنب الازدحام عند التقاطعات المزدحمة.

تعد هذه مهمة صعبة على الحواسيب التقليدية بسبب وجود عدد كبير من المتغيرات، لكن يمكن للحواسيب الكمومية حل هذه المشكلة بسرعة كبيرة لأنها تقيّم سيناريوهات مختلفة في نفس الوقت لتصل إلى النتيجة المثلى.

يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى تقليل أوقات انتظار حركة المرور بنسبة تصل إلى 20%.

التمويل

يمكن استخدام الحوسبة الكمومية لتحسين التجارة والمعاملات وسرعة البيانات، وذلك عن طريق النمذجة المالية وتحليل المخاطر في صناعة التمويل. بالنسبة للبنوك، قد يعني ذلك انخفاض التكاليف وتسريع المعاملات، ما يعود بالفائدة على كل من البنك وعملائه.

الأمن السيبراني والمعلومات

ترتبط الحوسبة بشتى أشكالها بمشكلات الأمن السيبراني، وقد تشكل الحوسبة الكمومية تهديداً لأمن المعلومات لأن للحواسيب الكمومية القدرة على اختراق طرق التشفير المعتمدة اليوم لحماية المعلومات، وهذا يعني أنها ستكون عرضة للهجوم مستقبلاً. وللأسف، لا يولى موضوع الأمن المقاوم للكم اهتماماً وتمويلاً كبيراً مقارنة بالتمويل الهائل لتطوير الحواسيب الكمومية.

من الواضح مما سبق أن الحواسيب الكمومية ستترك أثراً كبيراً في مستقبل البشرية، فهي تكنولوجيا ما زالت قيد التطوير، ويُعتقد أنها ستعود علينا بفوائد كبيرة. ولكن، في الوقت ذاته، يجب أن نكون حذرين في التعامل معها ومع المخاطر الأمنية التي ستجلبها، وأي مخاطر أخرى قد نراها مستقبلاً.