الحمض النووي عند بعض المواشي المعدلة جينياً يتضمن مشاكل كبيرة، فماذا عنها؟

5 دقائق
بفضل التعديل الجيني، لن تنمو قرون على عجلة هولستاين، ولكن المشرّعين اكتشفوا وجود أخطاء كبيرة بسبب عملية التعديل.

كانت هذه الحيوانات نجوم ثورة تعديل الجينات، وكانت تظهر في مقال تلو الآخر. فبإضافة بضعة أحرف فقط من عناصر الحمض النووي (دنا) إلى جينومات هذه المواشي المخصصة للحليب، تمكنت شركة ناشئة أميركية من إيجاد طريقة تضمن فيها أن هذه الحيوانات لن تنمو لديها أية قرون مثيرة للمشاكل.

وبالنسبة إلى ريكومباينيتيكس -وهي شركة التعديل الجيني في ساينت بول في مينيسوتا، التي قامت بهذا التعديل الجيني- فإن هذه الحيوانات كانت بمثابة إعلان عن حقبة جديدة من العمل الزراعي والحيواني الذي يعتمد على الجينات.  وقد صرحت الرئيسة التنفيذية للشركة في ذلك الحين في 2017، تامي لي ستانوتش، قائلة: "يمكن الحصول على نفس النتيجة عن طريق المزاوجة الانتقائية في المزرعة، ويمكن أن نقول إن هذه العملية أشبه بمزاوجة دقيقة".

غير أن هذا لم يكن صحيحاً.

ألقى العلماء في الإدارة الأميركية للغذاء والدواء نظرة عن كثب على التتابع الجيني لأحد هذه الحيوانات المعدلة، وهو ثور اسمه بوري، وقد اكتشفوا أن الجينوم يحتوي على قطعة من الدنا البكتيرية، بما فيها جين يزيد من المقاومة للمضادات الحيوية.

تقول الحكومة إن إضافة جين من كائن مختلف بشكل "غير مقصود" حدث أثناء عملية التعديل الجيني نفسها، ولم تكتشف الشركة هذا الأمر حتى عندما بدأت تروج للحيوانات على أنها أبقار 100%، وهاجمت إدارة الغذاء والدواء لمجرد أنها قالت إنه يجب تنظيم هذه الحيوانات. يقول تاد سونتيسجارد، الرئيس التنفيذي لشركة أكسيليجين التابعة لريكومبياينيتيكس التي تمتلك الحيوانات: "لم نتوقع حدوث هذا الشيء، ولم نبحث عنه". ويضيف أنه "كان من الواجب" إجراء فحص أكثر دقة.

يمثل هذا الخطأ الفادح نكسة لريكومباينيتيكس، التي كانت الرائدة في إنتاج نماذج من الحيوانات المعدلة جينياً، مثل الأبقار المقاومة للحر وجعل أحد الحيوانات الثديية لا تصل إلى حالة البلوغ. كما أنه يعد ضربة قاسية ضد الجهود الرامية إلى جعل عملية التعديل الجيني ممارسة روتينية في الإنتاج الحيواني. ولطالما أثارت ريكومباينيتيكس الكثير من الضجة في معارضتها لإشراف إدارة الغذاء والدواء، التي تصنف الحيوانات المعدلة جينياً على أنها أدوية جديدة تحتاج إلى اختبارات مكثفة قبل الموافقة عليها. بل إنها حاولت الضغط على إدارة ترامب لشطب هذا الإشراف بالكامل، بذريعة أن الوكالة الصحية تعيق إطلاق ثورة الحظائر.

غير أن التعديل الجيني لم يصل بعد إلى هذه المرحلة من الاستقرار أو الوثوقية، كما يروج أنصاره. بل إن هذه العملية التي تقوم بإحداث تغييرات دقيقة للغاية في الدنا قد تؤدي إلى تغيرات كبيرة وغير متوقعة دون أن يلاحظها أحد. وقد كتب علماء إدارة الغذاء والدواء في بحث نُشر في يوليو بقيادة أليكسيس نوريس وهيذر لومباردي: "مع تطور تكنولوجيا التعديل الجيني، يتطور أيضاً فهمنا للتغييرات غير المقصودة التي يمكن أن يتسبب فيها". ويعتقدون أن أخطاء التعديل الجيني "تبقى في الكثير من الأحيان دون أن يتم التصريح عنها" كما أنها تمثل "نقطة عمياء" لا يراها أغلب العلماء.

ولا تقتصر أخطار هذه التعديلات الاعتباطية على الحيوانات الداجنة؛ حيث إن العلاجات الجينية لأمراض نادرة تخضع لاختبارات على البشر، ومن المحتمل أن هؤلاء المرضى سيتعرضون إلى تحولات جينية غير متوقعة أو مقصودة. وتمثل النتائج غير المحسوبة مشكلة كبيرة على وجه الخصوص فيما يتعلق بتعديل أطفال البشر قبل الولادة بهذه الطريقة، كما حصل للمرة الأولى في الصين في العام الماضي.

لم تتسنّ الفرصة أمام العلماء المستقلين حتى يؤكدوا ما إذا كانت الطفلتان الصينيتان -اللتان عُدلتا جينياً- تحملان أخطاء غير مقصودة في الدنا. وفي هذه السنة، قالت منظمة الصحة العالمية إن أية محاولات أخرى لتعديل الجينات البشرية ستكون "غير مسؤولة"، ويعود هذا -جزئياً- إلى عدم الوثوقية من الناحية التقنية.

أبقار ممتازة
حتى تقوم باستيلاد أبقار من دون قرون، بدأت ريكومباينيتيكس بخلايا البشرة من ثيران هولستين من السلالات المخصصة للحليب. وهنا دخلت الجينات البكتيرية؛ فمن أجل إيصال تعليمات الدنا إلى الخلية، تستخدم الشركة -في عمل نفذته في 2013- البلازميدات، وهي نوع من الصبغيات المصغرة الدائرية الموجودة في البكتيريا.

وتحمل البلازميدات (التي يُفترض أن تتواجد بشكل مؤقت) تعليمات الدنا لأداة التعديل الجيني (المعروفة باسم تالين TALENs) والتغير الجيني الذي يؤدي إلى عدم ظهور القرون، الموجود في سلالات أخرى من الأبقار، والذي يستوجب تبديل حوالي 200 حرف من العناصر الجينية. ولاحقاً، استُخدمت خلايا البشرة في عملية الاستنساخ للحصول على حيوانين جديدين، يحملان اسم بوري وسبوتيجي، وهما نسختان من الثيران الأصلية، ولكن من دون قرون.

وتحول الثوران المولودان في 2015 بسرعة إلى مشاهير في عالم تعديل الجينات. وفي حين قُتل سبوتيجي من أجل تحليل أنسجته، عاش بوري بما يكفي حتى ينجب 17 عجلاً وعجلة، توزعوا بين منشآت في جامعة كاليفورنيا ديفيس ومزرعة في أستراليا. وقد ظهرت بقرة من دون قرون من نسله على غلاف مجلة وايرد في أبريل.

وقد قال مديرون تنفيذيون في ريكومباينيتيكس في 2017 لمجلة بلومبيرج: "نحن نعرف تماماً أين يجب أن يوضع كل جين، ونضعه في مكانه الدقيق. لدينا جميع البيانات العلمية التي تثبت أنه لا توجد أية تأثيرات غير مقصودة".

لنأكل الحيوانات
نظراً للتضارب مع القوانين -إضافة إلى أسباب أخرى- لم تسعَ الشركة إلى الحصول على موافقة رسمية على أبقارها عديمة القرون في الولايات المتحدة. ولكن عالمة الطب البيطري أليسون فان إينينام، الشريكة في العمل من جامعة كاليفورنيا ديفيس، فتحت في السنة الماضية ملفاً حول هذه الحيوانات مع إدارة الغذاء والدواء، وتقول إنها فعلت ذلك بهدف تبادل المعلومات مع الوكالة.

ووفقاً لسونتيسجارد، قررت إينينام في ذلك الحين أن تختبر أسلوب الوكالة في التفكير؛ فقدمت لها طلباً لتسمح بإرسال بعض تلك الحيوانات المعدلة جينياً -والتي تُعتبر فائضة وتحتل مساحة ضمن منشآت الجامعة دون الحاجة إليها- إلى المسلخ لتحويلها إلى شرائح لحم وأقراص همبرجر.

واعتبر سونتيسجارد طلب الحصول على ما أطلق عليه اسم "استثناء غذائي" بمثابة محاولة لسبر وجهات نظر إدارة الغذاء والدواء، ويقول: "كانت أليسون تشعر بالفضول إزاء إمكانية الموافقة على الحيوانات كغذاء. وقد قلتُ لها إنها يمكن أن تحاول. فإذا وافقت الوكالة على الطلب، ستكون نتيجة جيدة، وإذا لم توافق، فيجب أن تقدم سبباً منطقياً لذلك. لم أرغب بهدر تلك الحيوانات لأنها لا تعاني فعلياً من أية مشكلة".

ويعتقد سونتيسجارد أن الحيوانات "صالحة للأكل مع البلازميدات أو دونها". أما فان إينينام فقد كانت تفكر أيضاً في العوامل المالية؛ حيث إن إحراق حيوانات التجارب للتخلص منها يكلف 60 سنتاً للرطل الواحد، وبما أن كل واحد من هذه الحيوانات يزن طناً تقريباً، فسوف تشكل هذه المسألة عبئاً مالياً على برنامجها الجامعي، وبالتالي من الأفضل بيعها كأقراص همبرجر.

ولكن بحلول مارس، عثرت إدارة الغذاء والدواء على البلازميدات في جينوم الثور أثناء إجراء اختبارات المعلومات البيولوجية، فقد تكاملت بطريقة ما مع جينوم بوري. وفي ذلك الشهر، نظم مسؤولو الوكالة مؤتمراً للإعلان عن الأخبار السيئة، كما تقول فان إينينام. وكانت الحيوانات تحتوي على جينات بكتيرية، وبذلك، ينطبق عليها تعريف الكائنات المعدلة عضوياً.

وتقول فان إينينام: "لقد تفاجأنا جميعاً، ولكن عندما تحصل على معلومات جديدة، فمن الواجب أن تتعامل معها. هذا هو العلم". وتضيف أن من المتوقع أن تحمل نصف سلالة بوري هذه الجينات البكتيرية أيضاً.

قد يبدو من الصعب أن نفسر عدم قدرة الشركة والجامعة على اكتشاف الجينات البكتيرية، التي انتهى بها المطاف مباشرة إلى جانب جينات "القرون المعدومة" ضمن جينومات الحيوانات. ولكن عند دراسة الدنا، يجب على الباحثين أولاً أن يقرروا ما هي الأقسام التي يجب عزلها أو التحقق منها، مما يعني أنهم يدققون في مواضع محددة سابقاً، وهي عملية تقتضي الكثير من الافتراضات والتحيزات، وفقاً لعلماء إدارة الغذاء والدواء.

وليس من الواضح ما إذا كانت الدنا البكتيرية تمثل خطراً كبيراً أم لا. ومن غير المرجح أن تؤثر على البقرة نفسها أو الشخص الذي يأكل منها، ولكن قد ينتهي المطاف بجين المقاومة للمضادات الحيوية في أي من مليارات البكتيريا الموجودة في أحشاء أو جسم البقرة. ويقول جون هيريتاج، وهو أخصائي متقاعد في البيولوجيا الميكروية من جامعة ليدز، إنه لا يعتقد أن الجين سيقوم بنقلة إضافية، ولكنه يضيف أن وجوده في البقرة يمكن أن يؤدي إلى فرص غير متوقعة لانتشاره.

لقد أدى اكتشاف وجود دنا غير مرغوب به من كائنات أخرى في هذه الأبقار عديمة القرون إلى حسم مصيرها تماماً، ولن يتمكن أحد من الحصول على موافقة رسمية عليها بعد الآن. بل إن سونتيسجارد أكد أن المشرّعين البرازيليين رفضوا طلباً معدلاً من ريكومباينيتيكس حول هذه الحيوانات أيضاً.

وتقول فان إينينام: "إنه دنا جديد، وسيصبح جزءاً من الجدل الحاد حول الكائنات المعدلة جينياً. وأنا لا أشعر بالقلق إزاء مسألة السلامة، بل المسألة القانونية. ولن يكلف أحد نفسه بمحاولة ترخيص هذا الشيء، ويستحيل أن يتحول إلى منتج ناجح".

كما تقول إن الجامعة قامت بحرق ثلاثة من الذكور الخمسة في مزارعها منذ اكتشاف وكالة الغذاء والدواء لهذه الجينات. أما البقرة التي ظهرت على غلاف وايرد فهي حامل، ولن تُقتل حالياً.

المحتوى محمي