الماء على القمر: هل الحصول عليه أسهل مما كنا نعتقد؟‎

4 دقائق
الماء على القمر: هل الحصول عليه أسهل مما كنا نعتقد؟‎
مصدر الصورة: وكالة الفضاء الأوروبية

إن لم تكن على علم مسبق: أجل، ثمة مياه على القمر. ووفقاً لتقديرات ناسا، يوجد ما يصل إلى 600 مليون طن متري من الماء المتجمد هناك، وهو ما يمكن أن يمثل يوماً ما عاملاً مساعداً لإنشاء المستعمرات القمرية. بل حتى قد يمكن تحويل هذا الماء إلى شكل من أشكال وقود الصواريخ ميسور التكلفة. لا يتطلب ذلك سوى تفكيكه إلى الأكسجين والهيدروجين، ويصبح لدينا وقود دافع للرحلات الفضائية.

ولكن، ومن سوء الحظ، لم نعرف قط كمية المياه الموجودة فعلاً على القمر، والمواقع التي تتواجد فيها هذه المياه، أو حتى كيفية الوصول إليها واستخلاصها. كما أن العلماء لم يفهموا حقاً كيف ظهر الماء هناك في المقام الأول.

ما زالت هذه الأسئلة بلا إجابات، ولكن دراستين جديدتين -نُشرتا مؤخراً في مجلة نيتشر للفضاء- تشيران إلى أن الماء الموجود على القمر ليس مخفياً إلى الدرجة التي كنا نعتقدها من قبل.

المياه على القمر: السر في الزجاج

أعلنت الدراسة الأولى عن اكتشاف جزيئات الماء على سطوح قمرية معرضة لضوء الشمس قرب فوهة كلافيوس التي يبلغ طولها 231 كيلومتراً، وذلك بفضل عمليات الرصد التي أجراها مرصد الستراتوسفير للفلك بالأشعة تحت الحمراء (المرصد الطائر)، أو صوفيا SOFIA اختصاراً، بإشراف ناسا والمركز الألماني للطيران والفضاء. لطالما اعتقد العلماء أن المناطق دائمة الظلام على القمر (مثل الحفر الضخمة) هي التي تؤمن أفضل فرصة لبقاء الماء في حالة مستقرة. وقد اعتقد الباحثون أن هذه المناطق، وما تحتويه من مياه بطبيعة الحال، ستكون محمية من الآثار الحرارية الناجمة عن أشعة الشمس.

ولكن، تبين للعلماء أن الماء متواجد في وضح النهار على سطح القمر. تقول كيسي هونيبول، أحد الباحثين في مركز جودارد للرحلات الفضائية التابع لناسا، وهي المؤلفة الرئيسية لدراسة صوفيا: “هذه هي المرة الأولى التي يمكن أن نجزم فيها، ومن دون شك، وجود جزيئات الماء على السطح القمري”.

تشير عمليات الرصد التي أجراها صوفيا إلى وجود جزيئات الماء ضمن بنية حبيبات زجاجية، وهو ما يسمح لها بالصمود في وجه أشعة الشمس التي تتعرض لها. أما كمية المياه الموجودة ضمن هذه الحبيبات الزجاجية، فهي تقارب 340 جراماً موزعة ضمن متر مكعب من التربة موزع على كامل السطح القمري. تقول هونيبول: “نتوقع زيادة كميات الماء مع الاقتراب من الأقطاب. ولكن ما رصدناه بمساعدة صوفيا يشير إلى خلاف ذلك”؛ فقد وُجدت الحبيبات في منطقة أقرب إلى خط الاستواء، بالرغم من أنها ليست ظاهرة شاملة على الأرجح.

صوفيا عبارة عن مرصد محمول جواً، وقد بُني على أساس طائرة معدلة من طراز بوينغ 747 تحلق عبر الغلاف الجوي، ولهذا يستطيع تلسكوبه -الذي يبلغ قطره حوالي المتر- رصدَ الأجسام في الفضاء الخارجي مع الحد الأدنى من الاضطرابات التي يتسبب فيها الغلاف الجوي الأرضي الغني بالمياه. هذا مفيد على وجه الخصوص لإجراء عمليات الرصد في الأطوال الموجية تحت الحمراء، كما أتاح للباحثين في هذه الحالة التمييز ما بين جزيئات الماء ومركبات الهيدروكسيل على سطح القمر.

تم العثور على معالم المياه الزجاجية على سطح القمر سابقاً في دراسة أُجريت حول التنقيب على سطح القمر في 1969، وذلك بفضل عمليات رصد أجراها مرصد منطادي. غير أن هذه العمليات لم يتم الإبلاغ عنها أو حتى نشرها بشكل ملائم. تقول هونيبول: “ربما لم يدركوا مدى أهمية هذا الاكتشاف”.

إن مقدار الماء المحتوى ضمن هذه الحبيبات الزجاجية قليل بعض الشيء، ولهذا لن يكون مفيداً للبشر، ولكن من المحتمل أن تكون التراكيز أعلى بكثير في مناطق أخرى، حيث ينبغي ألا ننسى أن عمليات الرصد ركزت على منطقة واحدة من القمر وحسب.

أما الأهم من ذلك، فهو أن هذه النتائج تشير إلى احتمال وجود “دورة مياه قمرية” قد تعيد تجديد مخزونات المياه على القمر، وهو شيء يكاد يبدو غير مفهوم بالنسبة لعالم لطالما بدا لنا قاحلاً وميتاً. يقول كلايف نيل، المختص في جيولوجيا الكواكب في جامعة نوتردام، والذي لم يشارك في أي من الدراستين: “إنها منطقة جديدة لم نمعن النظر فيها من قبل”.

الظلال الأصغر

غير أن الدراسة الأخرى قد تكون أكثر صلة بالخطط المباشرة لناسا حول الاستكشاف القمري. تشير النتائج الجديدة إلى أن مخزونات الماء المتجمد على القمر موجودة فيما يمكن تسميته “الفخاخ الباردة الصغيرة”، التي لا يتجاوز قطرها السنتيمتر الواحد. استخدم الباحثون نماذج جديدة ثلاثية الأبعاد باستخدام صور حرارية في المجال تحت الأحمر والمرئي التقطها المسبار المداري الاستطلاعي القمري التابع لناسا، وتبين هذه النماذج أن درجات الحرارة في هذه الفخاخ الصغيرة منخفضة بما يكفي للحفاظ على الجليد بشكل مستقر. قد تكون هذه الفخاخ مسؤولة عن تخزين 10 إلى 20% من المياه الموجودة في جميع المناطق دائمة الظلمة على القمر، بمساحة إجمالية تبلغ 40,000 كيلومتر مربع، ويقع معظمها في مناطق أقرب إلى القطبين.

يقول بول هاين، وهو عالم كواكب في جامعة كولورادو بولدر، والمؤلف الرئيسي للدراسة: “بدلاً من وجود حفنة من الفخاخ الباردة الضخمة ضمن الحفر الشهيرة، توجد تجمعات حاشدة بأكملها من الفخاخ الباردة الصغيرة الموزعة على كامل المنطقة القطبية. ويمكن الوصول إلى هذه الفخاخ الصغيرة بسهولة، مقارنة مع المناطق الكبيرة دائمة الظلمة”. فبدلاً من تصميم البعثات حتى تتوغل ضمن المناطق المظلمة، يمكن لرواد الفضاء أن يبقوا مع عرباتهم الجوالة في المناطق المشمسة أثناء استخراج المياه من الفخاخ الباردة” وقد يكون هناك مئات الملايين، أو حتى المليارات، من هذه المواقع الموزعة على امتداد السطح القمري.

مزيد من البيانات، مزيد من الألغاز

ليست هذه الدراسات مثالية بطبيعة الحال؛ فلا يوجد أي تفسير يوضح كيفية تشكل هذه الحبيبات الزجاجية التي تحمل الماء. تقول هونيبول إن مصدر هذه المياه على الأرجح هو النيازك التي إما أنها أدت إلى تشكل المياه مع اصطدامها بالسطح، أو أنها حملتها كما هي إلى هناك، أو أنها قد تكون نتيجة نشاط بركاني قديم. يشير نيل إلى أن دراسة صوفيا لم تقدم صورة كاملة حول العلاقة بين توزع الزجاج وخطوط العرض، أو كيف يمكن لهذا التوزع أن يتغير على مدى دورة قمرية كاملة. ومن الضروري إجراء دراسات مباشرة لتأكيد ما أشارت إليه الدراستان، والإجابة عن الأسئلة اللتين تطرحانهما.

وقد لا نضطر إلى الانتظار لوقت طويل للحصول على هذه البيانات؛ ففي إطار الاستعداد لبعثات أرتميس، التي يُفترض بأنها ستعيد رواد الفضاء إلى سطح القمر، تخطط ناسا لإطلاق مجموعة من البعثات الروبوتية، التي يمكن أن تساعد أيضاً في دراسة محتوى الماء على القمر. وتُعد بعثة فايبر من أهم هذه البعثات، وهي عبارة عن عربة جوالة يُفترض أن يتم إطلاقها في 2022، وذلك بهدف التنقيب عن الماء المتجمد تحت سطح القمر.

وعلى ضوء النتائج الجديدة، قد تختار ناسا تعديل هدف بعثة فايبر، بحيث تقوم بدراسة المياه السطحية أيضاً، وتلقي نظرة عن كثب على أية مواد زجاجية في المناطق المشمسة أو تدرس مدى قدرة الفخاخ الباردة الصغيرة على حفظ المياه المتجمدة. ومن المرجح أن تقوم بعثات أخرى من ناسا، إضافة إلى بعثات تديرها بلدان أخرى أيضاً، بدراسة محتويات المياه السطحية بصورة أكثر دقة. ويشير نيل إلى أن نظام المراقبة القمري سيكون مفيداً للغاية في كشف تاريخ الماء على القمر، وتحديد كيفية ظهور المياه المستقرة (أو غير المستقرة) بسبب دورة الماء القمرية المحتملة.

يقول نيل: “كلما أمعنّا النظر إلى القمر، بدا لنا أننا أقل إدراكاً لما يحدث عليه. والآن، أصبح لدينا بضعة أسباب إضافية للعودة إلى هناك ودراسته. وإذا أردنا الحصول على بيانات مؤكدة لدراسة هذه الدورة، فيتعين علينا الوصول إلى السطح، والحصول على العينات، وتركيب محطات المراقبة هناك بشكل مباشر”.

المحتوى محمي