كيف نبني القيمة الاجتماعية الاقتصادية للاستفادة من تكنولوجيا الجيل الخامس؟

3 دقائق
مصدر الصورة: شاترستوك

نشرة خاصة

تعتبر بلدان مجلس التعاون الخليجي، التي اعتنقت ثورة الاتصالات من الجيل الخامس (5G) بجرأة، من الدول السبّاقة في هذا المجال. لم تعد المنطقة في آخر ركبِ تبنّي التكنولوجيا؛ حيث إن العمل على ترسيخ اتصالات الجيل الخامس في الشرق الأوسط يجري على قدم وساق، على التوازي مع الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا.

بدأت شركات الاتصالات في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل اتصالات في الإمارات العربية المتحدة وإس تي سي في المملكة العربية السعودية، بالإعلان عن أولى خدماتها في الجيل الخامس منذ 2018، وقد أدركت البلدان الخليجية القدرات الكامنة لهذه التكنولوجيا الجديدة كأداة هامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. انضمت عدة مدن خليجية إلى الموجة العالمية الأولى للجيل الخامس، وذلك للحصول على الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تجلبها الشبكات فائقة السرعة وواسعة الامتداد.

وعد الجيل الخامس
يشير مصطلح الجيل الخامس، تعريفاً، إلى الجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية (الشبكات الخليوية)، التي كانت تتطور بشكل مستمر من حيث السعة والسرعة، ومن المتوقع أن تؤدي إلى مستويات غير مسبوقة من الاتصال.

تختلف تكنولوجيا الجيل الخامس عن تكنولوجيا الجيل الرابع بخمس ميزات وظيفية أساسية: حزمة عريضة فائقة السرعة، واتصالات موثوقة بزمن تأخير صغير للغاية، ومستوى مرتفع للغاية من الاتصالات المباشرة بين الأجهزة، وموثوقية عالية، واستخدام فعّال للطاقة. ستسمح هذه الميزات بتطبيقات تكنولوجية يمكن أن تسهل من التطورات الصناعية وتحسن من تجارب المواطنين، وتؤدي إلى تحولات في القطاعات المختلفة، مثل النقل والتصنيع والرعاية الصحية والخدمات العامة.

استخدامات فعلية
أجرت برايس ووترهاوس كوبرز، بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، تحليلاً لأربعين استخداماً يبيّن الأثر الاجتماعي والاقتصادي لشبكات الجيل الخامس. وبيّن التحليل أن شبكات الجيل الخامس يمكن أن تحقق القيمة الاجتماعية في 11 مجالاً أساسياً تتوافق مع 11 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، التي حددتها الأمم المتحدة. ومن أهم هذه الأهداف التي أثرت عليها هذه الشبكات: الصحة والصالح العام (الهدف الثالث)، والصناعة والابتكار والبنى التحتية (الهدف التاسع).

من حيث التطورات الصناعية، ومن ضمن الحالات الأربعين التي تضمّنها التحليل، تبيّن أن شبكات الجيل الخامس تتيح عمليات تفتيش أكثر سرعة وفعالية، وذلك عبر الذكاء التنبؤي، وتحسين سلامة مكان العمل، وتعزيز فعالية العمليات.

لنأخذ، على سبيل المثال حالة بيلوتون تكنولوجي، وهي شركة لتكنولوجيا السيارات المتصلة. يعمل الفريق على تطوير نظام للسير المتقارب على الطرقات لتوفير المساحة، بحيث تتمكن شاحنتان من التحرك بفاصل صغير لتحسين السلامة والفعالية في استهلاك الوقود. تحقق صناعة النقل بالشاحنات أكثر من 700 مليار دولار سنوياً، كما أنها مسؤولة عن أكثر من 80% من إجمالي عمليات النقل، وهي بذلك تمثل مجالاً خصباً للابتكار. ستسمح تكنولوجيا الجيل الخامس بتحسين جمع البيانات وتحليلها في الزمن الحقيقي، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تخفيض متوسط استهلاك الوقود بنسبة 7.25%.

من الأمثلة الأخرى شركة برايت ماشينز، التي تدير خدمة ذكاء اصطناعي سحابية تستطيع إعادة توزيع وتشغيل أي عدد من خطوط تجميع المنتجات الفيزيائية. قامت الشركة بتطبيق هذا الحل بنجاح على خط تجميع للمنصات الإلكترونية للترفيه والمعلومات، الذي كان يتم بشكل يدوي يؤدي إلى الحد من عدد الوحدات المُنتجة في الساعة ووجود نسبة عالية إلى حد ما من العيوب فيها. استبدل المصنع عملية التجميع ببرنامج برايت ماشينز، مما أدى إلى رفع معدل الإنتاج وتخفيض نسبة العيوب. وبما أن حلاً كهذا يعتمد على البرمجيات السحابية بعدد كبير جداً من مصادر المعلومات، فإن تطبيق تكنولوجيا الجيل الخامس سيسمح باستخدام هذا البرنامج على نطاق واسع في المعامل التي تتضمن خطوط تجميع.

اتخاذ إجراءات متوافقة
أثبتت الفوائد المحتملة اجتماعياً واقتصادياً لتكنولوجيا الجيل الخامس أنها عامل جذب قوي لحكومات مجلس التعاون الخليجي. وببساطة، فإن الانتقال من شبكات الجيل الرابع إلى الجيل الخامس يؤدي إلى نتائج اجتماعية تبرر الاستثمارات المطلوبة الضخمة نسبياً. ولهذا، فإن التفعيل الإقليمي للجيل الخامس يجب أن يأخذ شكل مبادرة "نظام بيئي" تعتمد على جهات هامة، وهو ما سيخفف من التكاليف الأولية عبر عدد من القطاعات والأطراف المعنية من أجل الصالح العام.

إجراءات الأطراف المعنية للتعامل مع التحديات
يجب على الأطراف المعنية أن تتعاون حتى تتمكن من تحقيق القيمة الاجتماعية والاقتصادية الكاملة التي يمكن الحصول عليها من شبكات الجيل الخامس، وفتح المزيد من مجالات الاستخدام عبر عدة قطاعات؛ ولهذا قام المنتدى الاقتصادي العالمي و ووترهاوس كوبرز بتأسيس دورة: حياة النظام البيئي للجيل الخامس، وهي هيكلية تتألف من 6 مكونات: الطيف، والبنية التحتية، والأجهزة، والخدمات، والتأثير، والحماية. تهدف هذه الهيكلية إلى توضيح مناطق التركيز الأساسية، والأفعال الموافقة التي يجب أن تتخذها الأطراف المعنية للتغلب على التحديات وضمان نجاح تطبيق التكنولوجيا، كما أنها توضح كيف سيؤدي التنسيق في اتخاذ القرار إلى تبعات على مكونات النظام البيئي.

وعلى سبيل المثال، ومن أجل معالجة مسألة الاستثمارات الأولية الضخمة المطلوبة في البنى التحتية، هناك حاجة لنماذج جديدة للتمويل من أجل نشر وملكية شبكات الألياف الضوئية. وللتعامل مع هذا، يجب على منظمات وجمعيات الاتصالات، وشركات الشبكات، ومنظمات التعاون بين القطاعين العام والخاص، أن تتعاون لوضع سياسات وتوجيهات التصميم للترويج للبنى التحتية للجيل الخامس، واستكشاف نماذج التعاون لمشاركة البنى التحتية بين القطاعين الخاص والعام، وتحديد متطلبات الاستثمار لتأسيس البنى التحتية.

استخلاص القيمة الكبيرة
نظراً للحاجة المتبادلة بين الأطراف المعنية في النظام البيئي للجيل الخامس، فمن الهام أن تستمر هذه الجهات بالحوار لتسهيل وتسريع تنفيذ الإجراءات الهامة.

مع انتقال المنطقة من الاتصال الذي يركز على المستهلك إلى الاتصال الفائق، فإن التحديات ستكون كبيرة. غير أن النتائج الإيجابية ستكون أيضاً كبيرة، مع اتجاه المنطقة نحو مستقبل اقتصادي متنوع.

المحتوى محمي