لطالما كانت الروبوتات العسكرية خرقاء للغاية. فالروبوت باكبوت مثلاً -الذي يستخدمه الجيش الأميركي في عمليات التفتيش والتخلص من القنابل- غير مزود عملياً بأي ذكاء خاص به، ويُقاد بالتحكم عن بعد. وقد رغب الجيش الأميركي منذ زمن في الحصول على روبوتات ذكية بدلاً من هذا، بحيث تشارك في العمل الجماعي العسكري، وتستطيع تنفيذ الأوامر من دون إشراف مستمر.
وقد أصبح هذا الأمر أقرب إلى التحقيق اليوم؛ فقد قام مختبر الأبحاث في الجيش الأميركي بتطوير برنامج يسمح للروبوتات بفهم التعليمات الشفهية، وتنفيذ المهمات المطلوبة، والتبليغ عن النتائج. ويمكن أن يؤدي هذا إلى فوائد جمة، فإذا كان الروبوت قادراً على استيعاب الأوامر، ويتمتع بما يكفي من الذكاء الآلي، فقد يتمكن يوماً ما من تنفيذ مهام الاستطلاع أمام القوات بحثاً عن العبوات الناسفة أو الكمائن، كما قد يقلل من عدد الجنود البشريين الذي يتطلبه العمل العسكري.
يقول نيكولاس روي من معهد إم آي تي، وهو أحد أعضاء فريق المشروع: "حتى السيارات ذاتية القيادة لا تتمتع بالذكاء الكافي لتنفيذ التعليمات البشرية وتنفيذ مهمات معقدة، ولكن روبوتنا يستطيع فعل هذا بالضبط".
كان روي يعمل على المشكلة في إطار التحالف التكنولوجي التعاوني في مجال الروبوتات، وهو مشروع يمتد لفترة 10 سنوات بقيادة مختبر الأبحاث في الجيش الأميركي ARL. وقد تضمّن فريق المشروع باحثين من إم آي تي وكارنيجي ميلون، وعملوا جنباً إلى جنب مع مؤسسات حكومية مثل مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، وشركات مختصة بالروبوتات مثل بوسطن ديناميكس. انتهى عمل البرنامج مؤخراً، مع إقامة سلسلة من الأحداث للكشف عن إنجازاته، وقد تم اختبار عدة روبوتات، واستعراض مهاراتها في التلاعب، والحركة فوق العوائق، والقدرة على تنفيذ التعليمات الشفهية.
وتكمن الفكرة في جعل الروبوتات قادرة على العمل مع البشر بشكل أكثر فعالية، وأقرب ما يكون إلى كلب عسكري. يقول مدير المشروع ستيوارت يونج: "يُعتبر الكلب مثالاً ممتازاً لما نسعى إلى تحقيقه من حيث التعاون مع البشر".
يستطيع الروبوت، شأنه شأن الكلب، تلقي التعليمات الشفهية وتفسير الإيماءات، ولكن يمكن أيضاً التحكم فيه عبر لوح ذكي، والاطلاع على بياناته على شكل خرائط وصور، بحيث يمكن للمشرف مثلاً أن يرى ما يوجد خلف مبنى ما.
وقد استخدم الفريق طريقة مركبة لمساعدة الروبوتات على استيعاب العالم من حولها. ويعتبر التعلم العميق أداة ممتازة على وجه الخصوص في مجال التعرف على الصور، ولهذا استُخدمت خوارزميات شبيهة بما تستخدمه جوجل للتعرف على الأشياء في الصور، بحيث تسمح للروبوتات بتحديد المباني والمساحات الخضراء والنباتات والسيارات والأشخاص. ويقول مشرف الروبوتات الأساسي في مختبر الأبحاث في الجيش الأميركي، إيثان ستامب، إن الروبوت المزود بهذا البرنامج لا يستطيع التعرف على أجسام كاملة وحسب، بل أيضاً النقاط الهامة فيها، مثل مصابيح ودواليب السيارة، مما يساعد على تحديد موضع وتوجه السيارة بدقة.
وبعد استخدام التعلم الآلي لتحديد الجسم، يعتمد الروبوت على قاعدة معلومات للحصول على المزيد من التفاصيل التي تساعده على تنفيذ مهمته. وعلى سبيل المثال، عندما يتعرف على جسم ما على أنه سيارة، يلجأ إلى قائمة من المعلومات حول السيارات: السيارة مركبة نقل، وهي مزودة بدواليب ومحرك، وغير ذلك. ويجب أن تُبرمج هذه المعلومات يدوياً، كما أن تجميعها مهمة مضنية تتطلب الكثير من الوقت، غير أن ستامب يقول إن الفريق يدرس عدة أساليب لتسهيل هذه العملية. ومن الجدير بالذكر أنه توجد جهات أخرى تدرس تحديات مشابهة، حيث إن برنامج "الحس السليم الآلي" من داربا يجمع ما بين التعلم العميق والمقاربة التي تعتمد على القاعدة المعرفية، بحيث يستطيع الروبوت أن يتعلم ويكتسب شيئاً أقرب إلى القدرة البشرية على إطلاق الأحكام.
ويقدم يونج مثالاً على هذه الأوامر، مثل: "اذهب إلى خلف الشاحنة الأبعد على جهة اليسار". إضافة إلى التعرف على الأجسام ومواضعها، ويجب على الروبوت أن يفسر معنى كلمتي "خلف" و"يسار" اللتين تعتمدان على مكان وقوف المتكلم والجهة التي يواجهها والجهة التي يشير إليها. كما أن المعرفة المبرمجة سابقاً بهذه البيئة تعطيه دلائل مجردة إضافية على كيفية تأدية مهمته.
ويستطيع الروبوت أيضاً أن يوجه الأسئلة للتعامل مع المسائل الغامضة. فإذا قيل له: "اذهب إلى خلف المبنى"، قد يسأل: "هل تعني المبنى على اليمين؟".
يقول ستامب: "لقد قمنا بتركيب قاعدة أساسية من جميع العناصر اللازمة للمشاركة في العمل الجماعي. يستطيع الروبوت رسم الخرائط، وتوصيف الأجسام ضمنها، وتفسير وتنفيذ الأوامر البسيطة المتعلقة بهذه الأجسام، وطلب التوضيح عند وجود غموض في الأوامر".
وفي الحدث النهائي، استخدم روبوت هاسكي رباعي الدواليب لاستعراض عمل البرنامج الذي يمكّن الروبوتات من فهم التعليمات. وتم تنفيذ عرضين من العروض الثلاثة بشكل ممتاز، ولكن اضطر المشرفون إلى إعادة إقلاع الروبوت في العرض الثالث عندما توقف نظام التوجيه فيه عن العمل. يقول ستامب: "لقد سمعنا من البعض أنه لو لم يتعطل الروبوت، لبدا العرض أشبه بخدعة مدبَّرة سابقاً، ولهذا أعتقد أن الحضور شعروا بالإعجاب لرؤية نظام يعمل بشكل فعلي".
يقول يونج إن الثقة أمر أساسي في العمل المشترك بين الروبوتات والبشر، تماماً كما في حالة الكلاب العسكرية. يجب أن يتعلم الجنود كل شيء حول قدرات الروبوت وحدود هذه القدرات، وفي نفس الوقت، يجب أن يتعلم الروبوت لغة الوحدة العسكرية التي يعمل معها وإجراءاتها.
ولكن ما زالت هناك مشكلتان كبيرتان؛ أولاً، الروبوت بطيء للغاية حالياً، مما يجعله غير مناسب للاستخدام الفعلي. وثانياً، يجب أن يكون أكثر وثوقية بكثير، فرغم أن جميع أنظمة الذكاء الاصطناعي معرضة للمشاكل، إلا أن الروبوتات العسكرية يجب أن تكون موثوقة للعمل في أوضاع تتعلق بالحياة والموت. وستُعالج هذه المشاكل في برامج لاحقة في المختبر.
ويعتقد الفريق أن هذا العمل سيتجاوز في تأثيره المجال العسكري. فإذا تمكنت الروبوتات ذاتية التحكم من التكيف مع البيئات المعقدة في العالم الحقيقي، والعمل جنباً إلى جنب مع البشر، وتلقي التعليمات الشفهية، فقد تُستخدم في الكثير من المجالات، بدءاً من الصناعة والزراعة وصولاً إلى المنازل. غير أن المشاركة العسكرية في المشروع تثير مخاوف بعض أخصائيي الروبوتات، مثل أورين إيتزيوني الرئيس التنفيذي لمعهد آلين للذكاء الاصطناعي؛ حيث يقول: "حالياً، ما زالت أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات غير مستقرة ومعرضة للأخطاء، كما يحدث مع أليكسا وسيري. فإذا وضعناها في ميدان القتال، آمل بأنها لن تكون مزودة بقدرات تدميرية".
يستشهد إيتزيوني بعدد من المشاكل التي يمكن أن تواجهها الروبوتات العسكرية، مثل ما قد يحدث إذا ارتكب الروبوت خطأ أو تعرض للاختراق. كما يتساءل ما إذا كانت الروبوتات التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح ستؤدي إلى إذكاء النزاعات: "أنا أعارض استخدام الروبوتات العسكرية ذاتية التحكم قبل فهم هذه المسائل بشكل جيد".