الجرائم الإلكترونية المنظمة: من هم القراصنة الحقيقيون؟

4 دقيقة

 يستعرض المقال كيف تحولت الجرائم الإلكترونية من أعمال فردية إلى عمليات منظمة تدار بأسلوب يشبه الشركات. خلف كل هجوم هناك أشخاص حقيقيون يعملون ضمن فرق متخصصة، وأحياناً بدعم من دول:

  • الجريمة الإلكترونية تدار كأنها شركة يقسم العاملون فيها إلى فرق متخصصة تتولى تطوير البرمجيا…

عندما نسمع عن جريمة إلكترونية، غالباً ما نتخيل جهاز كمبيوتر يهاجم آخر، أو فيروساً يتسلل إلى شبكة ما. يبدو الأمر وكأن التكنولوجيا نفسها هي الجاني. لكن الحقيقة مختلفة تماماً: هناك دائماً شخص وراء كل هجوم. إنهم بشر، وليسوا مجرد أكواد برمجية أو شاشات.

ومع مرور الوقت، لم يعد هؤلاء القراصنة مجرد أفراد يعملون بمفردهم. بل بدؤوا يشكلون مجموعات منظمة، تدير عملياتها بأسلوب يشبه الشركات الحقيقية: هناك مدراء ومطورون وفرق تسويق وحتى أقسام مالية. نعم الجريمة أصبحت مؤسسة لها هيكلها ومواردها، وإن كانت غير قانونية.

قد يبدو الأمر غريباً، بل ساخراً، أن نتصور مجرمي الإنترنت وكأنهم يديرون شركة ناشئة. لكن هذا هو الواقع الجديد. فكلما كانت الجريمة أكثر تنظيماً، زادت فاعليتها وخطورتها. وفي هذا المقال، سنكشف ما هي عصابات الجريمة الإلكترونية المنظمة؟ وكيف تتشكل هذه العصابات؟

اقرأ أيضاً: تعرف إلى قراصنة القبعات السوداء والبيضاء وكيف تحمي نفسك منهم؟

ما هي عصابات الجريمة الإلكترونية المنظمة؟ وكيف تتكون؟

لتفهم ما هي عصابات الجريمة المنظمة وكيف تتكون، إليك هذا المثال: عصابة متخصصة في سرقة الهويات. هدفها الحصول على بيانات شخصية من ضحاياها، مثل أرقام البطاقات البنكية أو كلمات المرور. لتحقيق ذلك، تنشئ العصابة مواقع إلكترونية مزيفة تبدو وكأنها مواقع حقيقية لبنوك أو شركات معروفة. لكن وراء هذه العملية المعقدة، هناك فرق متعددة تعمل بتنسيق يشبه الشركات:

  • فريق التطوير: مبرمجون يتولون إنشاء المواقع المزيفة، يحرصون على أن تعمل بسلاسة وتكون مستضافة على خوادم في دول يصعب تتبعها قانونياً.
  • فريق التصميم: يصمم شكل المواقع ويكتب محتواها بطريقة احترافية، لتبدو مألوفة ومقنعة للزائر، وكأنها مواقع رسمية.
  • فريق التسويق: يروج للمواقع المزيفة عبر رسائل بريد إلكتروني احتيالية أو إعلانات مدفوعة تظهر في نتائج البحث أو على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • فريق التحليلات: يراقب أداء هذه الحملات، ويحدد أي الرسائل أو الإعلانات كانت أكثر جذباً للضحايا، ثم يحسنها لتحقيق نتائج أكبر.

وما إن يقع الضحايا في فخ المواقع المزيفة ويشارك بياناته معها، تبدأ مرحلة جديدة من الجريمة. هذه المرحلة لا تقل تعقيداً عن الأولى، وتُدار أيضاً بأسلوب احترافي من عدة فرق:

  • فريق البيانات: يجمع المعلومات المسروقة ويصنفها، سواء لاستخدامها في عمليات أخرى أو لبيعها في الويب المظلم، حيث تعرض البيانات الشخصية للبيع كما تعرض السلع في المتاجر.
  • الفريق المالي: يتولى إدارة الأموال الناتجة عن هذه العمليات، بما في ذلك غسلها وتحويلها، ثم توزيع الأرباح على المشاركين في العملية.
  • الإدارة: تنسق بين الفرق المختلفة، وتراقب سير العمل، وتقدم تقارير للإدارة التي تشرف على التخطيط واتخاذ القرارات.
  • الزعماء أو المدراء: هم العقل المدبر، وقد لا يكون لديهم أي معرفة تقنية، لكنهم يعرفون كيف يديرون عمليات الاحتيال ويحققون الأرباح.

هذا المثال يظهر أن عصابات الجريمة المنظمة لا تنفذ مجرد اختراقات عشوائية، بل عمليات منظمة تتطلب مهارات متعددة وتنسيقاً عالياً. وكلما كانت المنظمة أكثر احترافاً، زادت قدرتها على تنفيذ عمليات معقدة وواسعة النطاق.

اقرأ أيضاً: قراصنة يشلون برامج مكافحة الفيروسات قبل استهداف ضحاياهم

كيف تتشكل عصابات الجريمة الإلكترونية المنظمة؟

تتشكل عصابات الجريمة الإلكترونية المنظمة عبر سلسلة من المراحل التي تشبه إلى حد كبير تأسيس الشركات الناشئة، لكنها تعمل في الخفاء بأساليب غير قانونية. إليك كيف يحدث ذلك:

  • المرحلة الأولى: يبدأ الأمر غالباً في منتديات الويب المظلم أو منتديات القرصنة المغلقة، حيث يعرض الأفراد مهاراتهم في الاختراق أو تطوير البرمجيات الخبيثة أو إدارة العمليات الاحتيالية. هذه المساحات تُستخدم لبناء السمعة وتكوين علاقات أولية.
  • المرحلة الثانية: يبدأ الأفراد بالتعاون بشكل غير رسمي، مثل تبادل أدوات الاختراق أو تنفيذ عمليات صغيرة مشتركة. هذا يساعدهم على اختبار الثقة والكفاءة قبل الانتقال إلى مستوى أعلى من التنظيم.
  • المرحلة الثالثة: تتشكل فرق منظمة ذات أدوار محددة مثل فريق برمجة وفريق تسويق وفريق تحليل بيانات وفريق لغسل أموال. يقسم العمل بينهم وفقاً للمهارات، تماماً كما يحدث في الشركات.
  • المرحلة الرابعة: تضاف طبقة إدارية لتنسيق الجهود وضمان سير العمليات بسلاسة. بعض العصابات تعتمد نظاماً هرمياً واضحاً، بينما يفضل البعض الآخر نماذج لا مركزية أكثر مرونة.
  • المرحلة الخامسة: التوسع وتقديم "الجريمة كخدمة" بعد الاستقرار، تبدأ العصابةببيع أدواتها أو خدماتها لمجرمين آخرين، مثل إطلاق هجمات مقابل المال أو تأجير برمجيات خبيثة. هذا يحولها من مجموعة مغلقة إلى مزود خدمات في سوق الجريمة الإلكترونية.

هذه المراحل تظهر كيف تتحول المهارات الفردية إلى منظومة متكاملة تدير عمليات معقدة وعابرة للحدود يعتبر التصدي لها تحدياً عالمياً.

اقرأ أيضاً: 5 طرق يستخدمها القراصنة لسرقة بطاقات الائتمان

عصابات الجريمة الإلكترونية المدعومة من الدول

لا تعمل عصابات الجريمة الإلكترونية كلها بشكل مستقل أو بدافع الربح فقط. فبعضها يشكل ويدار بدعم مباشر من دول بهدف تنفيذ أنشطة تجسسية أو سرقة الملكية الفكرية أو سرقة الأموال أو حتى تعطيل خدمات حيوية في دول أخرى. هذه العصابات تعد الأخطر، لأنها تعمل تحت مظلة رسمية وتتمتع بحماية قانونية وأمنية وتوفر لها الدول الراعية ما تحتاج إليه كله من أدوات وأجهزة وتمويل لتنفيذ هجماتها دون خوف من الملاحقة.

من أبرز الأمثلة على هذا النوع من العصابات:

اقرأ أيضاً: كيف تحمي هاتفك من القرصنة والاختراق؟

هذه العصابات تعمل بأسلوب احترافي للغاية، وتدار كأذرع استراتيجية للدول الراعية التي تستخدمها لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. وغالباً ما تنفذ هجماتها عبر شبكات معقدة وتخفي آثارها بمهارة ما يجعل تعقبها ومحاسبتها أمراً بالغ الصعوبة.

المحتوى محمي