ما الذي تحتاج إليه السيارات الذاتية القيادة لتكسب ثقة الركاب والمارة؟

في بعض المدن الأميركية مثل سان فرانسيسكو وفينيكس، أصبحت السيارات الذاتية القيادة مشهداً مألوفاً. في سان فرانسيسكو على سبيل المثال، تنتشر سيارات وايمو (Waymo) ذاتية القيادة في شوارع المدينة. هذه السيارات تهدف إلى توفير تجربة مريحة وآمنة للركاب، وهي ترحب بالركاب وتُتيح لهم خيارات للتحكم في درجة الحرارة والموسيقى، كما تحتوي على شاشات تعرض خريطة الطريق مع إمكانية رؤية ما يوجد حول السيارة من خلال النوافذ.

على الرغم من أن هذه السيارات تعمل منذ سنوات، فإن الناس لا يزالون قلقين منها، وتتعلق معظم مخاوفهم بالسلامة، سواء داخل السيارة بالنسبة للركاب، أو خارجها بالنسبة للمارة، فما الذي تحتاج إليه شركات السيارات الذاتية القيادة لإقناع الركاب بركوب هذه السيارات؟

التحفظات العامة على السيارات الذاتية القيادة

تشير الإحصائيات إلى أن 93% من الأميركيين لديهم تحفظات بشأن السيارات الذاتية القيادة، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية بناءً على تأثيرها في الركاب والمارة والسائقين الآخرين. وفيما يلي توضيح لأبرز هذه المخاوف:

1. مخاوف الركاب

الأمان والسلامة: يشعر الركاب بالقلق من احتمالية وقوع حوادث نتيجة أخطاء في البرمجيات أو استجابة غير صحيحة من أنظمة القيادة الذاتية، خاصة في المواقف الطارئة أو الظروف غير المتوقعة.
الخصوصية: تعتمد السيارات الذاتية القيادة بشكلٍ كبير على جمع البيانات لتعمل بكفاءة، ما يُثير مخاوف بشأن كيفية استخدام هذه البيانات وحمايتها من القرصنة أو سوء الاستخدام.
التحكم البشري: قد يكون من الصعب على بعض الركاب الوثوق بنظام لا يتحكم فيه الإنسان بشكلٍ مباشر ولا يُتيح استعادة السيطرة إذا لزم الأمر.

2. مخاوف المارة

التعرّف الدقيق على المواقف: هناك قلق من أن السيارات الذاتية القيادة قد لا تتعرف بدقة على المارة، خاصة في المناطق المزدحمة أو في ظروف الإضاءة السيئة، هذا قد يؤدي إلى وقوع حوادث.
التفاعل مع السيارات: يعتمد المارة في كثيرٍ من الأحيان على إيماءات بصرية أو جسدية للتواصل مع السائقين، هذا غير ممكن مع السيارات الذاتية القيادة.

3. مخاوف السائقين الآخرين

التوقعات السلوكية: قد يكون من الصعب على السائقين الآخرين توقع تصرفات السيارات الذاتية القيادة، خاصة إذا كانت تتبع قواعد المرور بدقة أكبر أو تختلف في طريقة اتخاذ القرارات.
اندماج التكنولوجيا في حركة المرور التقليدية: قد يؤدي وجود سيارات ذاتية القيادة على الطرق إلى تعطيل حركة المرور المألوفة، ويزيد توتر السائقين البشر.

كيف يمكن بناء الثقة باستخدام السيارات الذاتية القيادة؟

لبناء الثقة في السيارات الذاتية القيادة، يمكن للشركات اتخاذ خطوات متعددة تهدف إلى معالجة مخاوف الناس. وفيما يلي أهم الإجراءات التي يمكن اتخاذها:

1. تحسين مستوى الأمان

الاختبارات المكثّفة: إجراء اختبارات شاملة على الطرق العامة والخاصة في ظروف مختلفة (مثل الطقس القاسي وحركة المرور الكثيفة)، للتأكد من قدرة النظام على التعامل مع السيناريوهات كلّها.
تقليل الأخطاء البرمجية: تحسين البرمجيات المستخدمة في السيارات الذاتية القيادة وضمان استقرارها وتقليل احتمالات حدوث أعطال.
نظام استعادة التحكم اليدوي: توفير خيار يسمح للركاب أو المشغلين باستعادة السيطرة على السيارة في الحالات الطارئة.

2. زيادة الشفافية

مشاركة البيانات: تقديم تقارير دورية تفصل أداء السيارات الذاتية القيادة، بما في ذلك الحوادث (إن وقعت) وأسبابها، بغرض تعزيز الشفافية.
توضيح العمليات الداخلية: شرح كيفية اتخاذ السيارات الذاتية القيادة القرارات وإظهار آلية عمل الأنظمة لزيادة الثقة بها.

3. تعزيز الخصوصية وحماية البيانات

تشفير البيانات: اعتماد تقنيات متقدمة لتشفير البيانات التي تجمعها السيارات لمنع أي اختراقات أو إساءة استخدام.
ضمان عدم استخدام البيانات تجارياً: تقديم تعهدات واضحة بعدم بيع بيانات الركاب أو المارة لأغراض تسويقية.

4. التثقيف والتواصل مع الجمهور

حملات توعية: إطلاق حملات تثقيفية تشرح فوائد السيارات الذاتية القيادة وآلية عملها وكيفية الحفاظ على سلامة الركاب والمارة.
إشراك المجتمع: الاستماع إلى مخاوف الناس والعمل على معالجتها بشكلٍ مباشر.

5. الالتزام بالقوانين والمعايير

التعاون مع الجهات التنظيمية: العمل مع الحكومات والمنظمات لوضع معايير وقوانين تضمن الأمان وتُطمئن المجتمع.
الحصول على شهادات سلامة: اجتياز اختبارات السلامة الدولية والحصول على شهادات تُثبت أمان التكنولوجيا المستخدمة.

6. إجراء تجارب مع الركاب

برامج تجربة القيادة الذاتية: دعوة الناس لتجربة السيارات الذاتية القيادة في بيئات خاضعة للرقابة، ما يسمح لهم بالتفاعل مع التكنولوجيا وبناء الثقة بشكلٍ تدريجي.
جمع الملاحظات: استخدام ملاحظات الناس لتحسين التجربة ومعالجة أي مخاوف أو اقتراحات.

7. التطوير المستمر

الذكاء الاصطناعي التكيفي: تحسين قدرة النظام على التعلم من التجارب السابقة والتكيف مع الظروف الجديدة.
ابتكار تقنيات جديدة: الاستثمار في التقنيات التي تزيد دقة أجهزة الاستشعار والكاميرات المستخدمة في السيارات.

تجربة وايمو لبناء الثقة

تسعى شركة وايمو إلى بناء الثقة في الأنظمة التي تقود سياراتها. تقول ميغان نيس، وهي رئيسة قسم أبحاث المنتجات والعملاء في الشركة: "هناك شيء مهم جداً، وهو قدرة الركاب على معرفة إلى أين تتجه السيارة، وأن السيارة ترى ما تراه أنت".

تخطط الشركة لإبقاء المقاعد متجهة نحو الأمام مع وجود عجلة قيادة في الجيل القادم من سياراتها، وهو ترتيب مألوف في سيارات الأجرة التقليدية ويساعد الناس على الثقة بالسيارة كونها تبدو كأي سيارة مألوفة.

تجربة زوكس لبناء الثقة

تخطط شركة زوكس (Zoox) المدعومة من أمازون لدخول سوق سيارات الأجرة ذاتية القيادة في عام 2025، الشركة ستتخذ نهجاً مختلفاً عن وايمو لبناء الثقة. من خلال جعل الركاب يستمتعون بالرحلة دون رؤية ما يوجد أمامهم أو ما يمكن للسائق الآلي رؤيته.

سيارة زوكس مصممة للتحرك في كلا الاتجاهين، وهي لا تحتوي على زجاج خلفي أو أمامي. ولا توجد فيها عجلة قيادة أو دواسات أو شاشات لعرض ما يحيط بالمركبة. بدلاً من ذلك، توجد 4 مقاعد مقابل بعضها بعضاً، وشاشات صغيرة بجانب كل راكب تُتيح لهم التحكم في درجة الحرارة واختيار الموسيقى، ويتوفر شاحن لاسلكي بين كل مقعدين. المقاعد مغطاة بجلد نباتي داكن الخضرة والسقف مزين بأضواء تشبه النجوم، ما يجعل ركوبها يشبه رحلة ترفيهية في مدينة ألعاب.

ولبناء المزيد من الثقة، توفّر زوكس إمكانية التحكم بالسيارة عن بُعد من قِبل سائقين بشر في حالة وقوع موقف غير مألوف.

بشكلٍ عام، لا تزال الثقة بالسيارات الذاتية القيادة غير كاملة وهناك الكثير من العمل الذي يجب على الشركات القيام به لتعزيزها، يُعدّ تعزيز السلامة وتطوير التكنولوجيا وزيادة عدد الاختبارات من الإجراءات الحاسمة لتحقيق هذا الهدف.