إذا ألقينا نظرة دقيقة على متاجر التطبيقات في الولايات المتحدة حالياً، فقد نُفاجأ بأن البرامج الصينية تهيمن عليها.
ومؤخراً، كانت التطبيقات المجانية الثلاثة الأكثر تنزيلاً من متجر آبل (Apple) هي تيميو (Temu) وتيك توك (TikTok) وكابكت (CapCut) (وهو برنامج لتحرير مقاطع الفيديو لتيك توك)، أما المراتب الثلاثة المماثلة في متجر جوجل بلاي (Google Play) فقد شغلتها تطبيقات تيميو وتيك توك وشي إن (Shein). وجميع هذه البرامج الأربعة من إنتاج شركات التواصل الاجتماعي الصينية أو شركات التجارة الإلكترونية الصينية.
وعلى حين تمكّن تطبيقا تيك توك وشي إن من تحقيق انتشار واسع على مدى فترة طويلة، فإن الصعود الجديد لتطبيق تيميو، وهو تطبيق للتسوق بأسعار مخفضة، وقد تحدثنا عنه في أكتوبر/ تشرين الأول للمرة الأولى، يثبت الحقيقة التالية: إن التطبيقات الصينية تمر بمرحلة ازدهار في الولايات المتحدة.
ازدهار التطبيقات الصينية في الولايات المتحدة
ويرجع نجاحها جزئياً إلى نجاح شركات التكنولوجيا الصينية في مجاراة شركات وادي السيليكون في صنع تطبيقات جذابة وسهلة الاستخدام، بعد أن تمكنت من تجاوز عقد كامل من المنافسة الشرسة في مجال التكنولوجيا الاستهلاكية المحلية. ومن الأسباب الأخرى إنفاقها للكثير من الأموال على التسويق. وتقول التقديرات إن تيميو أنفقت ما يصل إلى 14 مليون دولار على إعلانيها في المباراة النهائية لدوري كرة القدم الأميركية (حيث وعدت أيضاً بتقديم هبة بقيمة 10 ملايين دولار).
إن الشعبية غير المسبوقة للتطبيقات الصينية تتضارب بعض الشيء مع خبر آخر يهيمن على وسائل الإعلام حالياً، وهو توسيع حظر استخدام تيك توك على الأجهزة الحكومية. فقد كانت الولايات المتحدة تسعى إلى حظر انتشار التطبيق على مستويات الولايات والمستوى الفيدرالي منذ ديسمبر/ كانون الأول. ومؤخراً، انضمت إليها المفوضية الأوروبية والحكومة الكندية، حيث قررتا حظر استخدام تيك توك على هواتف العمل الخاصة بالموظفين لديهما. ويُبرر هذا الحظر بإمكانية استخدام الحكومة الصينية لتيك توك للتلاعب بما يراه الموظفون الفيدراليون، أو الحصول على معلومات حساسة، مثل مواقعهم الجغرافية، وذلك عن طريق نظام تحديد الموقع العالمي.
اقرأ أيضاً: إليك أفضل أدوات إنشاء التطبيقات دون برمجة
انتشار على الرغم من الحظر المسيّس
ومن المحتمل، وبسهولة، أن يتم تطبيق المعاملة نفسها على التطبيقات الصينية الأخرى. وعلى الرغم من أن الوعي العام بصلة هذه التطبيقات بالحكومة الصينية لم يصل إلى مستويات عالية، فإن البعض يسعون إلى تغيير هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، فإن مشروع الدراسات التنافسية الخاصة، وهو مجموعة بحثية جديدة أسسها الرئيس التنفيذي السابق لجوجل، إريك شميت، حددت تطبيقات شي إن وتيميو وكابكت (ووي تشات (WeChat)) كتطبيقات "يمكن أن تؤدي إلى مشاكل مماثلة" لتطبيق تيك توك في منشور لها يعود إلى 15 فبراير/ شباط.
ثمة مخاوف حقيقية تتعلق ببروتوكولات الخصوصية لهذه التطبيقات. ولكنني أعتقد أن القلق إزاء وجود تطبيقات صينية على هواتفنا (نحن الأميركيين) مبالغ فيه، ومسيّس إلى درجة كبيرة.
ولا يقتصر هذا الرأي عليّ فقط. فمنذ فترة وجيزة، كتب كيفن شو، وهو مختص بالتكنولوجيا ومؤلف النشرة الإخبارية الثنائية اللغة إنتركونيكتد (Interconnected)، قائلاً: "لقد تجاوزت دائرة صنع القرار تطبيق تيك توك، وقررت بناء وجهة نظر شاملة تقول إن جميع التطبيقات التي صممتها شركات تكنولوجية صينية هي تطبيقات مؤذية".
ويضيف شو قائلاً إن المخاطر المتعلقة حتى بتيك توك مبالغ فيها هي الأخرى: "يوجد حالياً نقص في الأدلة الفعلية على تسبب تيك توك بأي أذى من طبيعة أمنية لأي شخص أميركي".
أما لوتس روان، التي أجرت تحليلات تقنية للتطبيقات الصينية، مثل وي تشات، وتشغل حالياً منصب زميل باحث رئيسي في مجموعة الدراسة سيتيزن لاب (Citizen Lab) في تورونتو، فهي تتفق مع هذا الرأي: "مع صعود تيك توك وغيره من التطبيقات الصينية التي وصلت إلى العالمية، فإن الجميع يراقب التطبيقات الصينية عن كثب". ولهذا، فغالباً ما تكون المخاطر مبالغاً فيها.
اقرأ أيضاً: الحديث عن احتجاج في بكين يكلّف مستخدمي وي تشات حساباتهم فهل سينفعهم التوسل إلى تينسنت؟
هل المخاوف من التطبيقات الصينية مبررة؟
تقول روان إن الفروق الفعلية بين هذه التطبيقات والتطبيقات الأميركية صغيرة للغاية. ففي تقييم تقني لتيك توك من العام 2021، وهو تقييم أجراه أحد زملاء روان، ورد أنه "لم تتم ملاحظة قيام تيك توك، أو نسخته الصينية دويين (Douyin)، بجمع قوائم جهات الاتصال، أو تسجيل الصور أو مقاطع الصوت أو الفيديو أو المواقع الجغرافية وإرسالها دون إذن المستخدم". (من الجدير بالذكر أنه تم اكتشاف قيام وي تشات بمراقبة الدردشات، حتى في الحسابات المسجلة خارج الصين).
تقول روان: "نميل حالياً إلى إضفاء طابع أمني على كل شيء. وهو أمر مهم، ولكن يجب أن نكون حذرين للغاية عند تطبيق إطار عمل للأمن القومي على البيانات". وتضيف قائلة إن المخاوف حول ما تقوم به هذه التطبيقات يجب أن تكون مبنية على عمل بحثي فعلي، لا على التوقعات والتلميحات.
اقرأ أيضاً: نظرة عن كثب إلى البرمجيات التي ستشكل ساحة الحرب المقبلة بين أميركا والصين
وعلى الرغم من هذا، يجب على الصحافيين والعاملين في مراكز صنع السياسات مراقبة عمل هذه التطبيقات عن كثب في أثناء معالجتها لبياناتهم، مع إيلاء اهتمام خاص بوجود عمليات نقل لأي من بيانات المستخدمين إلى الصين.
وكما يقول لي شو، ثمة مخاوف مشروعة تتعلق بالأمن القومي حول ما يحدث لبيانات المستخدمين الأميركيين ما إن تصبح ضمن حدود الصين. لقد كانت الصين تعمل على تطوير إطار عمل قانوني لحماية البيانات الشخصية، ولكنه يركز على تحميل الشركات الخاصة المسؤولية، دون وضع أي قيود على أنواع البيانات التي يمكن للحكومة أن تحصل عليها من الشركات، أو ما ستفعله بهذه البيانات.
ويمكن للشركات، مثل بايت دانس (BytDance) التي تمتلك تيك توك، أن تقوم ببعض الإجراءات للتعامل مع هذه المخاوف. فقد تعهدت بايت دانس منذ عدة سنوات بأن تقوم بتخزين البيانات الأميركية ضمن الولايات المتحدة الأميركية ومعالجتها، ولكن، ما زالت هناك تقارير تقول إن مهندسي الشركة في الصين يطلعون على بيانات المستخدمين الأميركيين بصورة غير نظامية. "لقد قالوا إنهم سيقومون ببعض الأشياء، ولكنهم لم يفوا بوعودهم. "وأعتقد أن المشكلة تكمن هنا". تتلخص الخطوة الأولى في فرض هذا الفصل لبيانات المستخدمين، واستخدام عمليات تدقيق تقوم بها جهات خارجية للتأكد من تنفيذ هذا الأمر.
قد تؤدي الرواية السياسية حول تيك توك، بوصفه خطراً على الأمن القومي، إلى نفور بعض المستخدمين منه، فإذا كان غير مناسب للموظفين الحكوميين، فهذا يعني أن المواطن العادي يجب أن يشعر بالحذر ويبتعد عنه أيضاً. ولكنني أعتقد أن الكثيرين سيستمرون في استخدام منصة تيك توك على أي حال، إذا لم تفرض الحكومة الأميركية حظراً شاملاً عليها.
اقرأ أيضاً: كيف تصبح مطور تطبيقات أندرويد؟
وفي المحصلة، تقول الوقائع إن نسبة صغيرة للغاية من الأميركيين تكترث فعلياً بمنشأ التطبيقات على اختلاف بلدان المنشأ من وراءها. وبالنسبة للكثيرين، فإن المسألة تؤول إلى مقارنة الإيجابيات والسلبيات، فهل مقاطع الفيديو المضحكة مسلية بما يكفي للمخاطرة بكشف بياناتهم أمام الشركات، وربما مؤسسات تابعة لدول أخرى؟
قد تؤدي التقارير حول وقوع أضرار فعلية إلى تغيير التوازن. ولكن الكثيرين ما زالوا يستخدمون تطبيقات التواصل الاجتماعي الأميركية، حتى بعد أن علموا ما تقوم به تلك المنصات ببياناتهم. تقول روان إنه من الطبيعي أن يوازن الناس بين خصوصيتهم وراحتهم بطرقهم الخاصة. فقد يقرر البعض في نهاية المطاف مواصلة استخدام تيك توك، حتى لو علموا أن بياناتهم قد تكون مكشوفة أمام الحكومة الصينية.
أما السؤال الحقيقي فهو يتعلق بقدرة تيميو وشي إن وغيرها من التطبيقات الصينية التي ستحاول حتماً الدخول إلى السوق الأميركية، على توفير الراحة والترفيه للمستخدمين الأميركيين بشكل متواصل، وبمستوى يضاهي تيك توك. وإذا نجحت في ذلك، فسوف تكون السوق مفتوحة أمام الجميع، مهما كانت الأوضاع الجيوسياسية متردية.