نظام ذكاء اصطناعي من ديب مايند يتنبأ بموعد ومكان هطل الأمطار بدقة مذهلة

3 دقائق
التنبؤ بهطل المطر بالذكاء الاصطناعي
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز.

بعد أن عملت على حل مشكلة طي البروتين، انتقلت الآن إلى العمل على التنبؤ بالطقس! تواصل شركة ديب مايند المتخصصة بالذكاء الاصطناعي، التي تتخذ من لندن مقراً لها، مساعيها بتطبيق التعلم العميق لحل المعضلات العلمية الصعبة. وقد تعاونت الشركة مع مكتب الأرصاد الجوية، خدمة الطقس الوطنية في المملكة المتحدة، لتطوير أداة تعلم عميق تسمى دي جي إم آر (DGMR) -اختصاراً لعبارة "النموذج التوليدي العميق لهطل الأمطار"- تتمتع بدقة عالية في التنبؤ باحتمال هطل الأمطار خلال 90 دقيقة المقبلة، وهو ما يعتبر أحد أصعب تحديات التنبؤ بالطقس.

وبعد مقارنة معماة للأداة الجديدة مع الأدوات الحالية، رأى عدة عشرات من الخبراء أن توقعات دي جي إم آر كانت الأفضل في 89% من الحالات ومن حيث مجموعة من المعايير بما في ذلك تنبؤاتها بموقع هطل المطر، ونطاقه، وحركة الهطل، وغزارة المطر. وقد نشرت هذه النتائج في مجلة نيتشر قبل أيام.

ورغم أن أداة ديب مايند الجديدة لا ترقى إلى أهمية ألفافولد، نظام الذكاء الاصطناعي الذي طورته الشركة الذي حلّ مشكلة رئيسية في علم الأحياء كان العلماء يجهدون لحلها على مدة عقود من الزمن، فإن أي تحسين في مجال التنبؤ بالطقس يحمل أهمية خاصة حتى لو كان طفيفاً.

ففي حين أن التنبؤ بالأمطار، ولا سيما الأمطار الغزيرة، يعتبر أمراً بالغ الأهمية للكثير من القطاعات بدءاً من تنظيم الأحداث في الهواء الطلق ومروراً بالطيران ووصولاً إلى خدمات الطوارئ، لكن من الصعب إجراء هذا التنبؤ بدقة جيدة. تعتمد معرفة كمية المياه الموجودة في السماء وموعد ومكان هطلها على عدد من العمليات المتعلقة بالطقس، مثل التغيرات في درجة الحرارة وتشكل السحب والرياح. ويعتبر كل من هذه العوامل معقداً في حد ذاته، فما بالك إن أردنا التعامل معها جميعاً في آن واحد.

تستخدم أفضل تقنيات التنبؤ الحالية عمليات محاكاة حاسوبية ضخمة لفيزياء الغلاف الجوي. ورغم أن هذه التقنيات فعالة في التنبؤ على المدى الطويل، فإنها أقل جودة في التنبؤ بما سيحدث في غضون الساعة القادمة أو نحو ذلك، وهو ما يعرف باسم التنبؤ الآني. لقد تم تطوير تقنيات تعلم عميق في السابق لهذه الغاية، ولكنها عادةً ما تكون ناجحة في التعامل مع جانب واحد فقط، مثل التنبؤ بموقع الهطول، على حساب جانب آخر، مثل التنبؤ بالغزارة.

radar data for heavy rainfall

مقارنة دي جي إم آر مع بيانات الرادار الفعلية وتقنيتين منافستين للتنبؤ بهطل الأمطار الغزيرة فوق شرق الولايات المتحدة في أبريل 2019

ديب مايند

يقول جريج كاربين، رئيس عمليات التنبؤ في مركز التنبؤ بالطقس نوا (NOAA) في الولايات المتحدة، والذي لم يشارك في تطوير الأداة: "لا يزال التنبؤ الآني لهطل الأمطار يمثل تحدياً كبيراً لخبراء الأرصاد الجوية".

درّب فريق ديب مايند نظام الذكاء الاصطناعي على بيانات الرادار. وتصدر دول عدة تسجيلات متعددة على مدار اليوم لقياسات الرادار التي تتعقب تشكل السحب وحركتها. وعلى سبيل المثال، يتم في المملكة المتحدة إصدار قراءة جديدة كل خمس دقائق. يوفر تجميع هذه اللقطات معاً مقطع فيديو محدثاً بلقطات ثابتة يوضح كيفية تحرك أنماط المطر في جميع أنحاء البلاد وبشكل مشابه لصور التوقعات الجوية التي تشاهدها على التلفزيون.

ثم قام الباحثون بتغذية هذه البيانات إلى شبكة توليدية عميقة تشبه الشبكات التوليدية التنافسية (GAN)، وهي نوع من الذكاء الاصطناعي يتم تدريبه لتوليد عيّنات جديدة من البيانات تشبه إلى حد بعيد البيانات الحقيقية التي تدرب عليها. وقد تم استخدام شبكات (GAN) لإنشاء وجوه مزيفة، بل حتى لوحات مزيفة لرامبرانت. وهنا، تعلمت أداة دي جي إم آر إنشاء لقطات رادار مزيفة مكملة لتسلسل القياسات الفعلية. يقول شاكر محمد، الذي قاد البحث في ديب مايند، إنها مشابهة لفكرة رؤية بضع لقطات من فيلم ما وتخمين ما سيحدث لاحقاً.

وفي مسعى من الفريق لاختبار نموذجهم، طلبوا من 56 متنبئاً بالطقس في مكتب الأرصاد الجوية (الذين لم يشاركوا في البحث بطريقة أخرى) تقييم دي جي إم آر في مقارنة معماة مع التوقعات التي تم إجراؤها بواسطة محاكاة فيزيائية حديثة وأداة أخرى منافسة قائمة على التعلم العميق. وفي النتيجة، قال 89% منهم إنهم يفضلون النتائج التي قدمتها أداة دي جي إم آر.

يقول نيال روبنسون، رئيس الشراكات وابتكار المنتجات في مكتب الأرصاد الجوية، الذي شارك في الدراسة: "تحاول خوارزميات التعلم الآلي عموماً تحسين جودة تنبؤها بالنسبة لمقياس واحد بسيط، لكن توقعات الطقس قد تكون جيدة أو سيئة بناء على عوامل كثيرة مختلفة. قد يكون أحد التنبؤات صحيحاً فيما يتعلق بمكان الهطل لكنه مخطئ في غزارة الأمطار، وقد ينجح آخر في التنبؤ بالغزارة ويخطئ في مكان الهطل، وهكذا. لقد ركزنا الكثير من جهودنا في هذا البحث على تقييم أداء خوارزميتنا بالنسبة لمجموعة واسعة من المقاييس".

يعتبر تعاون ديب مايند مع مكتب الأرصاد الجوية مثالاً جيداً على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع المستخدم النهائي، ورغم أن ذلك أمر جيد دون شك لكنه نادر الحدوث. لقد عمل الفريق في هذا المشروع لعدة سنوات، وساعدت مساهمة خبراء مكتب الأرصاد الجوية في صياغة شكل المشروع. يقول سومان رافوري، عالم أبحاث في ديب مايند: "[إن تلك المساهمة] دفعت تطوير نموذجنا بطريقة مختلفة عن المسار الذي كنا سنسلكه بمفردنا، ولولا ذلك لكنا خرجنا في نهاية المطاف بنموذج دون فائدة تذكر".

من ناحية أخرى، فإن ديب مايند متحمسة لإثبات التطبيقات العملية لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تطورها.. بالنسبة إلى شاكر، فإن دي جي إم آر هي فصل من نفس قصة ألفافولد؛ فالشركة تجني الآن ثمار سنوات من عملها على حل المشكلات الصعبة في مجال الألعاب. ولعل أبرز معاني هذا الإنجاز هو أن ديب مايند قد بدأت أخيراً تحقيق إنجازات في حل قائمة من المشكلات العلمية في العالم الحقيقي، الواحدة تلو الأخرى.

المحتوى محمي