من بين المخاوف العديدة التي تثيرها جائحة كوفيد-19 الناتجة عن الانتشار والتفشي العالمي لفيروس كورونا المستجد، يثير تردّي الحالة الاقتصادية مخاوفَ العديدين، بدءاً من الأفراد الذي يخشون على مصدر رزقهم، وصولاً إلى الدول التي تتوجس من السيناريوهات المتاحة بين الكساد وصولاً لإحباطٍ اقتصادي شامل، وقد بدأت الأخبار السيئة بالفعل في العديد من الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تم فيها حتى تسريح ملايين الموظفين من أعمالهم بسبب عدم قدرة الشركات وأصحاب العمل على تسديد الرواتب وغياب خطة دعم حكومية شاملة. يبدو الوضع أفضل نسبياً في أوروبا مع إعلان معظم الحكومات الأوروبية عن خطط دعمٍ ضخمة لتعزيز الشركات وإبعاد شبح الإفلاس والبطالة، إلا أن هذه الخطط لن تكون قادرة على الصمود إن استمرت إجراءات التباعد الاجتماعي والحظر لفترةٍ طويلة.
متى يستعيد الاقتصاد عافيته؟
على ضوء هذه الظروف سيتوجب على الحكومات إجراء قرارات صعبة تتعلق بكيفية استغلال مواردها وترتيب أولوياتها لضمان أقل خسائر ممكنة، ولذلك فإنه سيكون من الجيد معرفة الكيفية والمدة اللازمتين لاستعادة العافية الاقتصادية، وهذا الأمر هو ما حاول مجموعةٌ من الباحثين الإجابة عنه عبر نموذجٍ مبتكر يعتمد على بيانات وسائل التواصل لتحليل سلوك الشركات والأعمال المتوسطة والصغيرة قبل وأثناء وبعد الكوارث الطبيعية.
بحسب البحث الذي تم نشره في دورية نيتشر للاتصالات Nature Communications، تستطيع وسائل التواصل الاجتماعيّ التنبؤ بالآثار الاقتصادية الناتجة عن الأوبئة والكوارث الطبيعية مثل انتشار مرض كوفيد-19 في الدول المتضررة منها؛ حيث قام باحثون من جامعة بريستول بتوصيف طريقةٍ يمكن استخدامها في الزمن الحقيقي وتم تجريبها بدقةٍ حول ثلاث كوارث طبيعية، ويمكن أيضاً تطبيقها لمعرفة ما الذي سيكون عليه الوضع من الناحية الاقتصادية والمالية كنتيجةٍ لتفشي فيروس كورونا المستجد.
تعتبر الطرق التقليدية المستخدمة في توقع المدة والطريقة التي يستعيد فيها الاقتصاد عافيته مكلفة وتتطلب وقتاً طويلاً فضلاً عن كونها غير شاملة ولا تغطي كل الجوانب الهامة؛ حيث تعتمد هذه الطرق على المقابلات والاستمارات. كوسيلةٍ بديلة عن ذلك، قام الباحثون في قسم الهندسة الرياضية والهندسة المدنية في جامعة بريستول بتقدير زمن التعطل والتوقف وكذلك الزمن اللازم لاستعادة النشاط الاقتصادي بالنسبة لمجموعةٍ من الأعمال الصغيرة التي تأثرت بثلاث كوارث طبيعية، وذلك عبر استخدام بياناتٍ تم جمعها من منصات التواصل الاجتماعي.
كيف تعمل هذه الطريقة الجديدة؟
تعتمد الطريقة على مبدأ مفاده أن الشركات وأصحاب العمل غالباً ما يقومون بالنشر بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي عندما يكونون في حالة نشاط، وتقل كمية المنشورات من الشركات وأصحاب العمل عندما تتوقف أو تتعطل أعمالهم، وهكذا وعبر تحليل نشاط النشر على منصات التواصل الاجتماعي لمجموعةٍ من الشركات سيكون بالإمكان استخلاص معلوماتٍ تفيد بمعرفة متى كانت هذه الشركات بحالة عمل أو مغلقة.
تم جمع البيانات اعتماداً على المنشورات العامة Public Posts المتوافرة على موقع فيسبوك لمجموعةٍ من الشركات المحلية، حيث تم جمع هذه البيانات في وقتٍ سابق تزامنَ مع حدوث ثلاث كوارث طبيعية، وتغطي هذه البيانات الفترة الزمنية الممتدة من قبل حدوث الكارثة وقبلها وبعدها، وتحديداً فإن البيانات تعود لزلزال نيبال في سنة 2015 وزلزال سنة 2017 في المكسيك وإعصار ماريا في بورتو ريكو سنة 2017. تمكن الفريق عبر تحليل هذه البيانات من معرفة قدرة هذه الأعمال على استعادة عافيتها بعد انقضاء الكوارث الطبيعية، ومن ثم قاموا بتوثيق نتائجهم عبر مقارنتها مع الاستمارات الميدانية والتقارير الرسمية وحتى الاستمارات المجراة على فيسبوك وتحليل النصوص الخاصة بالمنشورات على فيسبوك.
أظهر البحث أيضاً أن الطريقة التي تم تطويرها يمكن استخدامها في الزمن الحقيقي، دون الحاجة إلى إجراء عمليات تحليل النص التي ستكون معتمدةً بشكلٍ كبير على اللغة المكتوبة بها المنشورات على موقع فيسبوك، بالإضافة لعوامل أخرى مثل الثقافة المحلية أو التحليل الدلالي للنصوص. أكثر من ذلك، فإن الطريقة المطوّرة يمكن استخدامها بغض النظر عن المكان الذي تقع فيه الكارثة، بمعنى أنها لا تعتمد على نوع البلد إن كان صناعياً متقدماً أو أحد البلدان النامية، وهو الأمر الذي سيسمح للحكومات المحلية بتوزيع الموارد المتاحة على نحوٍ أفضل.
بحسب الدكتور فيليبو سيميني Filippo Simini، الكاتب الأساسي للورقة العلمية المنشورة حول البحث: "عادةً ما يتم إهمال الشركات والأعمال الصغيرة من قبل الجهود المعنية بدراسة استعادة العافية الاقتصادية بعد الكوارث الطبيعية، وقد أوجدت دراستنا أن التأثير الناتج عن الكوارث الطبيعية ليس موحداً في كل المناطق وبين كل التجمعات السكانية. أصبح التنبؤ بالآثار الاقتصادية الناتجة عن الكوارث الطبيعية أولويةً ملحة أكثر من أي وقتٍ مضى لتقدير قدرة الدول على استعادة عافيتها ونشاطها بعد الأحداث الشديدة".
ماذا بعد؟
بعد نجاح نموذجهم في توقع سلوك الأعمال المتوسطة والصغيرة بعد الكوارث الطبيعية، يأمل الباحثون أن يتم استخدام نموذجهم من أجل إجراء نفس الأمر على الوضع الرّاهن المرتبط بانتشار مرض كوفيد-19 والناتج عن انتشار فيروس كورونا المستجد؛ إذ إن البحث الجديد يوفر وسيلةً إضافية تساعد في بناء الخطط المتعلقة بالمرحلة المقبلة، فقد ساهم انتشار الفيروس بترك آثارٍ اقتصادية سيئة في معظم البلدان التي انتشر فيها وهو يهدد العديد من البشر حول العالم بخسارة وظائفهم إن استمر الوضع على حاله، فضلاً عن الشركات التي سبق وأن أعلنت إفلاسها بسبب تعطل الاقتصاد كنتيجةٍ لإجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي الهادفة للسيطرة على انتشار الفيروس.