هل تمنح التكنولوجيا الحيوية الشباب الأبدي للبشر؟

4 دقائق
هل تمنح التكنولوجيا الحيوية الشباب الأبدي للبشر؟
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

تمتلئ هوليود بتلك القصص الخيالية التي تدور حول تركيبة سحرية يسعى البطل وراءها طيلة الفيلم ليظل شاباً للأبد، أو قوى استثنائية يتمتع بها بطل خارق تتجدد خلاياه كلما أصابه مكروه. إلا أن العلماء منذ سنوات يسعون إلى تحويل هذه القصص إلى واقع، حيث يعمل عدد من الباحثين والعلماء بالتكنولوجيا الحيوية للخروج بإجابة نهائية تجد حلاً لمقاومة الشيخوخة، على اعتبار أنها مرض يمكن تجنبه وعلاجه، وليس أمراً مسلماً به. 

أُثير النقاش مجدداً في الأوساط العامة في الأسابيع الأخيرة محملاً بآمال ضخمة مع انطلاق شركة جديدة في مجال التكنولوجيا الحيوية بداية العام الحالي، "ألتوس لابس" (Altos Labs)، والتي أعلنت خطتها لبرمجة تجديد الخلايا باستعادة صحتها ومرونتها لتجنب الشيخوخة.

استطاعت الشركة جذب الأنظار إليها خاصة باستعانتها بمجلس إدارة يضم أعضاء ومستشارين حائزين على جائزة نوبل، وقادة من العلماء ذوي الإنجازات المذهلة، كما زعمت تقارير انضمام رجال أعمال مثل جيف بيزوس، والذي استثمر بالفعل في 2018 في شركة مماثلة اسمها "يونيتي بايوتكنولوجيز" (Unity Biotechnologies) تهدف إلى صنع علاجات مضادة للشيخوخة، ما مكّن الشركة من جمع 3 مليارات دولار من المستثمرين خلال زمنٍ قصير.

كان هانز بيشوب، أحد مؤسسي الشركة، حريصاً على توضيح هدف الشركة بشكل موضوعي وواقعي، موضحاً أن تركيزهم سيكون على زيادة "فترة الصحة" حتى يتمكن الناس من العيش بصحة أفضل لفترة أطول، وليس السعي وراء رؤية خيال علمي لمساعدة البعض على العيش إلى الأبد، بينما سيكون أي تمديد في طول العمر "نتيجة عرضية".

تدَخُّل التكنولوجيا الحيوية في إعادة الشباب إلى البشرة ومقاومة الشيخوخة كان محط اهتمام الباحثين خلال العقدين الأخيرين، وقد أسفر عن العديد من الأوراق البحثية والتجارب المعملية، والتي تستعين بها هذه الشركة وغيرها في تحقيق أهدافها.

اقرأ أيضاً: الإنسان المعزز بالتكنولوجيا: مستقبل التطور البشري

كيف تعمل التكنولوجيا الحيوية في مقاومة الشيخوخة؟

وضع الباحثون نحو 300 نظرية لتفسير الإصابة بالشيخوخة، منها المرتبطة بالجينات ومنها المرتبطة بالعوامل الخارجية مثل البيئة، ومنها مرتبطة بعادات الإنسان. ولكن أبرزها، والتي ركز عليها الباحثون في تجاربهم، النظرية الخلوية، التي تنطلق من حقيقة أن الخلايا، اللبنات الأساسية لبناء الجسم، تحتوي على "الإبيجينوم"، ذلك النظام الذي يحدد شكل الخلية ويتحكم في طريقة عملها. ولكن بمرور الوقت، يبدأ الإبيجينوم في فقدان معلوماته، فتفقد الخلايا قدرتها على أداء وظيفتها، وهو ما يجعل الشيخوخة مرتبطة بالتدهور الوظيفي للأنسجة والأعضاء.

في مراحل العمر المبكرة، يمكن للخلية الجنينية أن تصبح أي نوع من الخلايا في جسم الإنسان، وهي خاصية تسمى بـ "تعدد القدرات". وعلى مدى عقود، حلُم العلماء باستخدام خلايا متعددة القدرات، وهي نوع من الخلايا الجذعية، لتحسين صحة الإنسان، إذ يستعين الأطباء بالخلايا الجذعية لتجديد أجزاء من الأعضاء الفاشلة وظيفياً.

في عام 2006، أذهل العالِم الياباني شينيا ياماناكا، الذي انضم لمجلس إدارة شركة ألتوس لابس، علماء الأحياء باكتشاف نال عنه جائزة نوبل في الطب في عام 2012، فقد وجد ياماناكا أن الخلايا البالغة يمكن تحويلها إلى خلايا تشبه الخلايا الجنينية، وهي الخلايا "متعددة القدرات"، لتعاود النمو من جديد كأنسجة المخ أو القلب أو أي عضو آخر يعاني من التلف، عبر تحفيزها بعوامل محددة، أطلق عليها فيما بعد "عوامل ياماناكا".

لكن فكرة ياماناكا لم تكن حلاً سحرياً بالنسبة للتجارب المعملية، فعندما طُبقت عوامل ياماناكا على الفئران، لم تتحول الخلايا إلى وضعها الجنيني فقط، ولكنها فقدت هويتها، ما تسبب في الإصابة بالسرطان للخلايا المختبرية.

لم يقف الباحثين عند تجربة ياماناكا غير الموفقة، وإنما خرجوا بعدد من الأبحاث التي نجحت بعضها في تلافي خطأ ياماناكا، فاستطاعت دراسة عكس الشيخوخة بأمان دون أن تفقد الخلايا هويتها، وتم اختبارها على مجموعة فئران بأعصاب بصرية تالفة، ونجحت التجربة باستعادة الفئران رؤيتها عن طريق تجديد الأعصاب البصرية.

وفي تجربة أخرى، تمكن باحثون في جامعة ستانفورد من استخدام عوامل ياماناكا في علاج الأمراض مثل هشاشة العظام وهزال العضلات الناتجة عن شيخوخة خلايا الأنسجة، بإعادة برمجة الخلايا وإعادتها إلى الحالة الجنينية دون أن تفقد هويتها.

واستخرج فريق ستانفورد خلايا غضروف مسنة من مرضى هشاشة العظام ووجدوا أنه بعد جرعة منخفضة من عوامل ياماناكا، لم تعد الخلايا تفرز العوامل الالتهابية التي تثير المرض. ووجد الفريق أيضاً أن الخلايا الجذعية للعضلات البشرية، التي تضررت بسبب مرض هزال العضلات، يمكن استعادتها لشبابها. قام أعضاء فريق جامعة ستانفورد بعدها بتأسيس شركة "تيرن بايوتكنولوجيز" (Turn Biotechnologies) لتطوير علاجات هشاشة العظام وأمراض أخرى.

اقرأ أيضاً: استراتيجية جديدة لإبطاء الشيخوخة تجتاز أول اختبار لها هذا العام

هل الشيخوخة مرض يمكن علاجه؟

"الشيخوخة ليست حتمية" هذه المقولة لعالم الوراثة الأميركي ومؤلف كتاب "لماذا نتقدم في العمر ولماذا لسنا مضطرين إلى ذلك؟" ديفيد سينكلر، والذي يقدم خلال كتابة فرضية أن الشيخوخة مرض يمكن علاجه وتجنبه. ويقدم سينكلير دليلاً بوجود أدوية بالفعل تبطئ الشيخوخة مثل الميتفورمين المستخدم في علاج داء السكري من النوع الثاني، إذ ثبت أن المرضى الموصوفة لهم أدوية تعالج داء السكري من النوع الثاني (الميتافورم) المعروف بخصائصه المضادة للسرطان يعيشون لفترة أطول من الأشخاص غير المصابين بالسكري.

ويقوي سينكلر، الذي أدرجته مجلة تايم كواحد من أكثر 100 شخص نفوذاً في العالم، حجته في اعتبار الشيخوخة مرضاً بالاستعانة باكتشاف العلماء أن عادات الإنسان تؤثر على صحته المستقبلية وتتحكم في ظهور أعراض الشيخوخة، إذ تعزز العادات الصحية دفاعات الجسم ضد المرض.

ويسانده العلماء في حجته الأخيرة خاصة أن مناطق دون غيرها تُعرف بطول عمر سكانها وصحتهم الجيدة، ويُطلق عليها "المناطق الزرقاء"، إذ تزيد فيها احتمالات العيش لأكثر من 100 عام 10 أضعاف أن يعيش سكان في الولايات المتحدة لبلوغ هذا العمر. ومن هذه المناطق إيكاريا اليونانية وسردينيا الإيطالية وأوكيناوا اليابانية. وعلى مدى أعوام، اكتشف العلماء أن سمات مشتركة تجمع بين سكان المناطق الزرقاء وقد تفسر أسباب طول أعمارهم، مثل النمط الغذائي، والعادات الصحية، وأسلوب الحياة.

سبقت العديد من الشركات ألتوس لابس في سعيها لمقاومة الشيخوخة، إذ تشهد الأعوام الأخيرة نمواً في حجم وقيمة سوق التكنولوجيا الحيوية، وخاصة فيما يتعلق بإطالة عمر الإنسان. في عام 2019، أصدر بنك "ميريل لينش" تقريراً يفيد أن التكنولوجيا على وشك تحقيق "زيادات غير مسبوقة في الجودة وطول عمر الإنسان"، متوقعاً أن ينمو سوق التكنولوجيا الحيوية ستة أضعاف لتبلغ 600 مليار دولار بحلول عام 2025.

من أشهر الشركات في مجال التكنولوجيا الحيوية هي يونيتي بايوتكنولوجيز التي تطور الآن نهجاً يستهدف الخلايا الشائخة في الأوعية الدموية المريضة للعين، دون التأثير على الأوعية الدموية السليمة. يقول ناثانيال ديفيد، مؤسس الشركة، إن خلايا شيخوخة، التي تدعى الخلايا الشائخة، تتراكم في جميع أنحاء الجسم وتساهم في ظهور أعراض مثل آلام المفاصل، وضعف البصر، وربما مرض ألزهايمر، موضحاً أنه بمجرد قتل تلك الخلايا الشائخة قد يتمكن الناس من التقدم في السن دون أن يصبحوا مرضى. وشركة "كاليكو لابس" (Calico Labs)، المدعومة من جوجل، والتي تأسست في عام 2013، بهدف الكشف عن المسارات البيولوجية للشيخوخة والأمراض المصاحبة لها، وتطوير علاجات تسمح للناس بالعيش لفترة أطول، ولديها خطط تمتد لعام 2030 لتحقيق أهدافها البحثية التي حصرتها بشكل أساسي في تطوير علاجات جديدة للحالات المرتبطة بالتقدم بالعمر مثل التنكس العصبي والسرطان.

لا تتوقف الأوراق البحثية منذ عقدين تقريباً عن وضع نظريات لمقاومة الشيخوخة مثل النظرية الخلوية، والمعالجة الأيضية، وإعادة البرمجة الجزئية، والدماء المتجددة من الخلايا الشابة، واستئصال الخلايا الشائخة، وغيرها. وعلى الرغم من أن نتائج العديد من التجارب على أرض الواقع كانت مخيبة للآمال، لكن هذه الاستثمارات البحثية ربما تبشر بنموذج جديد في صحة الإنسان وسوق جديد في علوم الحياة بإمكانيات غير محدودة.

المحتوى محمي