كيف يمكن أن تمهد التقنيات المؤتمتة الطريق لتطوير الذكاء الاصطناعي؟

4 دقائق
كيف يمكن أن تمهد التقنيات المؤتمتة الطريق لتطوير الذكاء الاصطناعي؟
مصدر الصورة: إم إس تيك

يتخذ باحثو التعلم الآلي الكثير من القرارات عند تصميم نماذج جديدة. وتتضمن هذه القرارات عدد طبقات الشبكات العصبونية، والأوزان المعطاة للمدخلات عند كل عقدة. أما نتيجة كل هذه القرارات البشرية فهي أن النماذج المعقدة تصبح في نهاية المطاف "مُصَممة تبعاً للحدس" لا بصورة منهجية، كما يقول مدير مختبر التعلم الآلي في جامعة فرايبورغ في ألمانيا، فرانك هاتر.

وقد ظهر مجال جديد سريع النمو ويحمل اسم التعلم الآلي المؤتمت، أو "أوتو إم إل" (autoML)، ويهدف إلى إزالة التخمين من هذه العملية. وتقوم الفكرة على تولي الخوارزميات لعمليات اتخاذ القرار عند تصميم النماذج، وهي عملية يتولاها الباحثون في الوقت الحالي. وفي نهاية المطاف، يمكن لهذه الأساليب أن تجعل التعلم الآلي أكثر انتشاراً. 

فعلى الرغم من ظهور التعلم الآلي منذ عقد تقريباً، ما زال الباحثون يعملون على تحسينه. وفي مؤتمر جديد عُقد مؤخراً في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية وصفه المنظمون كأول مؤتمر دولي حول هذا الموضوع، عُرضت عدة جهود رامية إلى تحسين دقة التعلم الآلي المؤتمت وتحسين أدائه. 

لقد ازداد الاهتمام إلى درجة كبيرة بقدرة التعلم الآلي المؤتمت على تبسيط عملية التعلم الآلي. كما بدأت شركات مثل أمازون (Amazon) وجوجل (Google) بتقديم أدوات تعلم آلي ذات مكونات جاهزة تخفف على المستخدم كتابة التعليمات البرمجية، وتعتمد على تقنيات التعلم الآلي المؤتمت. وإذا أصبحت هذه التقنيات أكثر كفاءة، فمن الممكن أن تزيد من سرعة إجراء الأبحاث، وتسمح للمزيد من الناس باستخدام التعلم الآلي.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تحظى الأبحاث التطبيقية للتعلم الآلي بالاهتمام الذي تستحقه؟

وتكمن الفكرة في الوصول إلى مرحلة يكتفي فيها الباحثون باختيار السؤال الذي يريدون الإجابة عنه، وتشغيل أداة تعلم آلي مؤتمت وفق هذا السؤال، والحصول على الإجابة المطلوبة.

تمثل هذه الرؤية ما يمكن تشبيهه بأنه "الهدف الأسمى في علوم الحاسوب"، كما يقول أحد منظمي المؤتمر والأستاذ المساعد في علوم الحاسوب في جامعة وايومينغ، لارس كوتهوف. ويضيف: "ليس عليك سوى تحديد المشكلة التي ترغب في حلها، وسيحدد الحاسوب كيفية حلها. الأمر بهذه البساطة".

لكن في البداية، يجب على الباحثين التوصل إلى طرق لجعل هذه الأساليب أكثر كفاءة من حيث زمن التنفيذ والطاقة اللازمة.

ما هو التعلم الآلي المؤتمت؟

يبدو التعلم الآلي المؤتمت للوهلة الأولى مفهوماً زائداً عن الحاجة، فالتعلم الآلي بحد ذاته يتمحور حول أتمتة عملية اكتساب المعرفة والمعلومات المتعمقة من البيانات. ولكن، ولأن خوارزميات التعلم الآلي المؤتمت تعمل على مستوى عالٍ من التجريد بشكل يفوق ما تعتمد عليه من نماذج التعلم الآلي، بحيث تعتمد على مخرجات هذه النماذج وحسب من أجل التوجيه، فإنها قادرة على التوفير الوقت والقدرات الحاسوبية المطلوبة للعمل. ويستطيع الباحثون تطبيق تقنيات التعلم الآلي المؤتمت على النماذج المدربة مسبقاً للحصول على معلومات جديدة، وذلك دون إهدار القدرات الحاسوبية في تكرار تنفيذ الأبحاث الموجودة من قبل.

على سبيل المثال، قام الباحث العلمي مهدي بهرمي وشركاؤه في التأليف في مركز أبحاث فوجيتسو بأميركا بتقديم عمل حديث حول كيفية استخدام خوارزمية تشبه خوارزمية تصنيف بيرت (BERT-sort) مع نماذج مختلفة مدربة مسبقاً في محاولة لتكييفها من أجل تحقيق أغراض جديدة. وتستطيع خوارزمية تصنيف بيرت تحديد "التصنيف الدلالي" عند تدريبها على مجموعات البيانات، وعلى سبيل المثال، فعندما يتم تلقيمها ببيانات حول تقييمات الأفلام السينمائية، تدرك أن الأفلام "الرائعة" تتمتع بتصنيف أعلى من الأفلام "الجيدة" و"السيئة". 

اقرأ أيضاً: ذكاء جوجل الاصطناعي للتدريب الذاتي يحول المبرمجين إلى خبراء في التعلم الآلي

وباستخدام التعلم الآلي المؤتمت، يمكن الاستفادة من التصنيف الدلالي الذي تم تعلمه لاستنباط تصنيف أشياء مثل تشخيص السرطان، أو حتى النصوص المكتوبة باللغة الكورية، ما يخفف من متطلبات زمن التنفيذ والقدرات الحاسوبية. 

يقول بهرمي: "تحتاج بيرت إلى أشهر من العمليات الحاسوبية، وهي مكلفة للغاية، حيث يتطلب توليد هذا النموذج وتكرار هذه العمليات ما يقارب المليون دولار". "ولهذا، إذا رغب شخص ما بالقيام بنفس العمل، فسيجد أنه مكلف، وتعوزه الكفاءة في استهلاك الطاقة، ويلحق الضرر بالعالم". 

وعلى الرغم من أن هذا المجال يبدو واعداً، فإن الباحثين ما زالوا يبحثون عن طرق تجعل تقنيات التعلم الآلي المؤتمت أكثر كفاءة من الناحية الحاسوبية. وعلى سبيل المثال، فإن بعض الطرق، مثل البحث عن البنية العصبونية المثلى (neural architecture search)، تقوم حالياً ببناء واختبار الكثير من النماذج المختلفة للحصول على الأفضل، وهو ما قد يتطلب كميات كبيرة من الطاقة.

كما يمكن تطبيق تقنيات التعلم الآلي المؤتمت على خوارزميات التعلم الآلي التي لا تتضمن شبكات عصبونية، مثل بناء غابات القرار العشوائية أو آلات المتجهات الداعمة (أو شبكة المتجهات الداعمة) لتصنيف البيانات. وقد قطع البحث في هذه المجالات شوطاً جيداً، كما ظهرت الكثير من المكتبات البرمجية المتاحة لمن يرغبون باستخدام تقنيات التعلم الآلي المؤتمت في مشاريعهم. 

أما الخطوة التالية في استخدام التعلم الآلي المؤتمت لتحديد الارتيابات كمياً والتعامل مع مسائل الوثوقية والإنصاف في الخوارزميات، كما يقول هاتر، وهو أحد منظمي المؤتمر. وفي هذه الرؤية، ستكون المعايير المتعلقة بالوثوقية والإنصاف مشابهة لأي قيود أخرى يخضع لها التعلم الآلي، مثل الدقة. ويمكن للتعلم الآلي المؤتمت أن يلتقط تحيزات الخوارزميات ويصححها آلياً قبل استخدامها.

اقرأ أيضاً: معهد الابتكار التكنولوجي يطلق “نور”: نموذج الذكاء الاصطناعي القادر على معالجة اللغة العربية

يستمر البحث

ولكن بالنسبة لشيء مثل التعلم العميق، فما زال أمام التعلم الآلي المؤتمت طريق طويل. فعادة ما تكون البيانات المستخدمة في تدريب التعلم العميق، مثل الصور والمستندات والكلام المسجل، كثيفة ومعقدة. وتحتاج معالجتها إلى قدرات حاسوبية ضخمة. ويمكن لمتطلبات الزمن والتكلفة الضرورية لتدريب هذه النماذج أن تمنع أي شخص من القيام بهذا العمل، باستثناء الباحثين في الشركات الخاصة فاحشة الثراء. 

وقد نظم المؤتمر عدة مسابقات، تضمنت إحداها قيام المشاركين بتطوير خوارزميات بديلة موفرة للطاقة للقيام بعملية البحث عن البنية العصبونية المثلى. وهو تحدٍّ لا يستهان به، لأن هذه التقنية تشتهر بمتطلباتها الحاسوبية الضخمة. وتمر هذه الخوارزمية تلقائياً عبر عدد كبير للغاية من نماذج التعلم العميق لمساعدة الباحثين على اختيار النموذج الصحيح المناسب للتطبيق الذي يريدونه، ولكن العملية يمكن أن تستغرق عدة أشهر وتكلف أكثر من مليون دولار. 

اقرأ أيضاً: لماذا يشكك الباحثون بنماذج التعلم العميق؟

إن هدف هذه الخوارزميات البديلة، والتي تحمل اسم خوارزميات البحث البديلة عديمة التكلفة عن البنية العصبونية المثلى، يتلخص بجعل البحث عن البنية العصبونية المثلى متاحاً لعدد أكبر من الباحثين، وأقل ضرراً بالبيئة، وذلك بتخفيف نهمه للقدرات الحاسوبية. وستصبح النتيجة متاحة خلال ثوانٍ معدودة، بدلاً من عدة أشهر. ما زالت هذه التقنيات في المراحل المبكرة من التطوير، ولا يمكن الاعتماد عليها معظم الأحيان، ولكن باحثي التعلم الآلي يتوقعون أنها تحمل القدرة على جعل عملية اختيار النموذج أكثر كفاءة بكثير.

المحتوى محمي