نشرة خاصة من بي دبليو سي الشرق الأوسط
يواجه القطاع المصرفي اليوم فترةً من التغييرات غير المسبوقة على مستوى العالم في المدفوعات والمعاملات المصرفية المتعلقة بعمليات الدفع والتعاملات المالية. ويتأثر هذا القطاع بعدة عوامل مربكة ومشوشة، ويشمل ذلك اللوائحَ التنظيمية وإعادةَ الهيكلة، بالإضافة إلى التحديات الناتجة عن البنوك الجديدة والتكنولوجيا المالية.
تأثَّرَ سلوك العملاء وارتفعَ سقف التوقعات، ويعود ذلك إلى تطور التكنولوجيا الرقمية التي وفرت للمستخدم طرقاً متقدمة وسريعة للدفع، على سبيل المثال: المحافظ الإلكترونية والبطاقات الذكية التي تعمل عن بُعد بالهواتف المحمولة، بحيث لا تعتمد على التلامس المباشر. وقد شهد استخدام القنوات التقليدية للدفع تراجعاً ملحوظاً، خصوصاً المعاملات النقدية والشيكات، وقد بدأ التغيير يتسارع بسبب جائحة كوفيد-19، وهذا المنحى بدأ يأخذ وتيرة متسارعة، وتحديدًا في الإمارات العربية المتحدة.
كما أن التوجه العالمي نحو الخدمات المصرفية المفتوحة (كما يحدث في أوروبا عبر التغييرات التنظيمية والقانونية مثلاً) يشجع الشركات الجديدة في السوق على تطوير تجارب مبتكرة ومريحة في مجال سداد المدفوعات، في مرحلة أصبحت فيها الأجهزة الشخصية المحمولة -مثل الهواتف والألواح الذكية- في وضع مناسب لتقديم خدمات من هذا النوع.
التبني السريع لأهم التوجهات في التكنولوجيا المالية الرقمية على المستوى الإقليمي
تعمل منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص بشكل فعال في مجال الخدمات المصرفية المفتوحة، مع قيام بعض البنوك المركزية والهيئات التنظيمية إما بنشر أو بتطوير قوانين وأنظمة خاصة بها. تهدف هذه القوانين والأنظمة إلى تسهيل العمل المشترك بين شركات التكنولوجيا المالية والبنوك وغيرها من الشركات، ومشاركة البيانات وتطوير منتجات جديدة، وهذا من شأنه أن يعود بأقصى فائدة ممكنة على العملاء.
ويمكن للعملاء من خلال الخدمات المصرفية المفتوحة الموافقة على اطلاع أطراف خارجية على بياناتهم بشكل سري؛ وذلك للحصول على معلومات كافية تساعدهم في إدارة أموالهم. كما أن استجابة منطقة الشرق الأوسط للخدمات المصرفية المفتوحة تتوافق مع استمرار موجة شركات التكنولوجيا المالية في عمليات التطوير، ومع اهتمامها الإجمالي في المنطقة.
كما تتمتع المنطقة أيضاً بمواصفات محلية محددة إزاء هذا التوجه. على سبيل المثال، مدى أهمية التحويلات المالية الدولية للمبيعات بالتجزئة نظراً للعدد الكبير من العاملين المغتربين، ما يؤدي إلى ظهور فرص خاصة، التي من أجلها تحاول العديد من الشركات الناشئة تقديم خدمات مخصصة وفقاً لمتطلبات العملاء في هذه السوق.
في حين أن إمكانية انتقال الشركات التكنولوجية الكبرى إلى تبني دور مزودي خدمات الدفع ما زالت مخيمة على الأسواق، عبرت فيسبوك عن نواياها الإستراتيجية من خلال محاولتها إطلاق عملة ليبرا الرقمية، على الرغم من التوافق الواضح بين نموذج الأعمال الخاص بشركة أمازون ومعالجة عمليات الدفع، الذي قد يثبت أهميته في إقناع الشركات بالدخول إلى هذا المجال.
تبنى الشرق الأوسط سريعاً عدة توجهات في مجال التكنولوجيا المالية، بما في ذلك وجود مزودي خدمات الدفع الرقمي. بدأت البنوك المركزية والهيئات المنظمة بدفع عجلة الانتقال من مجتمع يعتمد على التعاملات النقدية إلى مجتمع يستغني عنها بالكامل. أصبح الابتكار في مجال الدفع الرقمي -باستخدام المحافظ الافتراضية وغيرها من خدمات الدفع- سريعَ الانتشار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وذلك لدى الأجيال الشابة على وجه الخصوص، التي تشكل نسبة كبيرة من السكان.
إضافة إلى ذلك، فإن انتقال خدمات الدفع الرقمي نحو سوق الأجهزة المحمولة كان واضحاً. لطالما لعبت الهواتف النقالة دوراً مركزياً بالنسبة للعملاء في إجراء عمليات الدفع على الإنترنت، بالإضافة إلى عمليات الدفع الرقمية. وبإضافة حلول الدفع وإقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا المالية، فقد تمكنت شركات الاتصالات من إنشاء سوق خدمات الدفع الرقمي.
والآن، حان وقت قيام البنوك بإعادة تقييم إستراتيجيتها الخاصة بعمليات الدفع، والقيام بالمزيد من عمليات الأمثَلة للتكاليف، والاستجابة للتحديات التنافسية، واستيعاب الفرص المتاحة لزيادة الدخل، ومدى احتمالية إدارة عمليات الدفع كعمل تجاري مستقل يتضمن الربح والخسارة.
فتح مجالات إضافية لتحقيق الأرباح
في خضم كل المبادرات التي تهدف إلى تخفيض التكاليف، يتعين على البنوك الاستثمارَ في التعامل مع مسائل تفويض محددة تفرضها هذه الصناعة حيالَ عمليات الدفع، مثل إطلاق آيزو 20022 على مستوى العالم، والنسخة المنقّحة من توجيه خدمات الدفع PSD2، والخدمات المصرفية المفتوحة. غير أن هذه التحديات تمثل أيضاً فرصة للبنوك لتحسين العروض التي تقدمها لعملائها بشأن خدمات الدفع.
لا شك في أن نقل نموذج الأعمال التقليدي لعمليات الدفع إلى العصر الرقمي المتطور سيؤدي إلى ظهور الكثير من التحديات، حيث لا توجد سوى بضعة بنوك مستعدة للعمل في بيئة كهذه على نطاق واسع، ولكنه سيتيح ظهور نموذج جديد يخص "السوق".
يمكن أن نقارن ذلك بهاتف آيفون من آبل. فعلى الرغم من إطلاق هاتف آيفون والضجيج الإعلامي الذي سبَّبه، فإن تطبيقاته في ذلك الوقت لم تتجاوز الستة عشر تطبيقاً. كانت لحظة الإقلاع الحقيقة لجهاز الآيفون هي عند إطلاق متجر آبل الذي حدث بعد سنة، حيث وصل عدد تنزيلاته إلى مليار بعد تسعة أشهر فقط. من خلال عملية إثراء البيانات التي يقتضيها المعيار ISO20022، يمكن للبنوك أن تحدث ثورة في عروضها للعملاء عبر نموذج مشابه؛ وذلك بتوزيع منتجات وخدمات الأطراف الخارجية بشكل فعال عبر منصاتها الخاصة. من ناحية أخرى، ستكون البنوك قادرة على استخدام واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بها، من أجل توسيع نطاق وصولها حتى يتجاوز قاعدة العملاء الحالية، وربما تقديم منتجات مثل أموال السفر أو القروض، للأسواق الرقمية القائمة في بيئات العمل المصرفي.
وبالرغم من أن الكثير من الاقتصادات والبنوك قد واجهت صعوبات في تبرير الاستثمار في أنظمة دفع جديدة، إلا أن البطاقات الذكية التي لا تعتمد على التلامس أصبحت المعيارَ السائد، كما عززت الهواتف الذكية من انتشار المحافظ الرقمية، وأصبحت الخدمات المصرفية على الإنترنت أكثر انتشاراً.
وبالعودة مرة أخرى إلى الخصائص التي تميز سوق الشرق الأوسط، يمكن أن نرى أن المجال المتعلق بخدمات صرف العملات الأجنبية ذو صلة وثيقة بعمليات تحويل الأموال الدولية. ومن المرجح أن تزداد الشراكات بين مزودي الخدمات الحاليين، الذين يتمتعون بالانتشار الواسع وعلاقات واسعة النطاق مع العملاء، وشركات التكنولوجيا المالية التي تمتلك تقنيات وأساليب مبتكرة. ومن المرجح أن تحقق هذه الشراكات التفوقَ في السوق إذا قدمت حلولاً متكاملة تجمع بين المحافظ الرقمية، وعمليات تحويل الأموال، وصرف العملات الأجنبية، وغيرها من الخدمات المضافة. حيث يتسم قطاع التكنولوجيا المالية في المنطقة بالصمود.
ومن وجهة نظر الضرائب والقوانين، فإن اقتطاع الضرائب على المستوى الإقليمي، وتسريب ضريبة القيم المضافة، وخيارات الشركات القابضة من حيث الأسهم ومواقع العمل، تعتبر من أهم الخيارات. حيث ينبغي ذكر ما إذا فرضت الضريبة على النشاطات المتعلقة بعمليات الدفع، أو إعفائها من أي خطة عمل.
شكر خاص للزملاء في بي دبليو سي: جون ماسكيري، وأميت ماهاجان، ويوليا باينام، وكاريشما باندا، وآلين تشيلفر، وأمين منزوري، وجاك ستوتون، وبريتي لامت، وإيدي ماسون، الذين ساهموا في إنجاز هذه المقالة.