يمكن للتعلم الآلي أن يساعد على تطوير أنواع جديدة من المعادن بخصائص مفيدة، مثل المقاومة للصدأ والحرارة الشديدة، وذلك وفقاً لبحث جديد. ويمكن لهذا أن يكون مفيداً لنطاق واسع من القطاعات. فعلى سبيل المثال، يمكن للمعادن التي تتحمل البرودة بشكل جيد أن تسهم في تحسين المركبات الفضائية، على حين يمكن استخدام المعادن المقاومة للتآكل في القوارب والغواصات.
في الوقت الحالي، عادة ما يقوم العلماء بإجراء التجارب المخبرية للبحث عن أساليب لخلط المعادن للحصول على معادن جديدة. وعادة ما يبدؤون بعنصر واحد معروف، مثل الحديد، وهو زهيد الثمن وطيّع، ومن ثم يضيفون عنصراً آخر أو اثنين لدراسة التأثير على المادة الأصلية. إنها عملية شاقة تعتمد على التجربة والخطأ، وستؤدي دون شك إلى عدد كبير من الإخفاقات يفوق عدد النتائج المفيدة.
الذكاء الاصطناعي في البحث عن تشكيلات معادن جديدة
ولكن البحث الجديد، المنشور في مجلة ساينس (Science) مؤخراً، يشير إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي يتيح للباحثين وضع توقعات أكثر دقة بكثير حول تشكيلات المعادن الواعدة.
وقد تمكن باحثون من معهد ماكس بلانك من تحديد 17 معدناً جديداً واعداً باستخدام هذه الطريقة. فقد كان الفريق يبحث عن معادن بمستوى منخفض من "إنفار" (invar)، أي مقدار تمدد أو تقلص المعادن عند تعرضها للحرارة المرتفعة أو المنخفضة.
لا تغير المعادن منخفضة الإنفار حجمها في درجات الحرارة المتطرفة. وعادة ما تُستخدم في الصناعات التي تكون فيها هذه الميزة مفيدة، مثل نقل وتخزين الغاز الطبيعي، كما يقول الباحث المختص بعلوم المواد في معهد ماكس بلانك وأحد مؤلف البحث، زيوان راو.
اقرأ أيضاً: الشركات التكنولوجية الكبرى تسعى لإحداث تغيير شامل في أنظمة الطاقة
وقد تمكن الفريق من اكتشاف هذه المعادن الجديدة بالجمع ما بين الذكاء الاصطناعي والتجارب المخبرية. ففي البداية، توجب على الباحثين التغلب على مشكلة صعبة، وهي نقص البيانات السابقة التي يمكن استخدامها لتدريب نماذج التعلم الآلي. ولهذا، قاموا بتدريب النماذج على البيانات المتوافرة لديهم، وهي عبارة عن بضع مئات من نقاط البيانات التي تصف خصائص سبائك المعادن الموجودة حالياً. واستخدم نظام الذكاء الاصطناعي هذه البيانات لوضع توقعات حول المعادن الجديدة التي يمكن أن تتميز بإنفار منخفض.
تدريب نموذج التعلم الآلي على اقتراح تشكيلات معادن جديدة
وبعد ذلك، قام الباحثون بتركيب هذه المعادن في المختبر، وقياس النتائج، وتلقيم هذه النتائج لنموذج التعلم الآلي. واستمرت العملية على هذا المنوال: النموذج يقترح تراكيب معدنية، والباحثون يختبرونها ويلقمون البيانات للنظام، حتى أصبح لديهم 17 معدناً جديداً واعداً.
يمكن لهذه النتائج أن تمهّد الطريق أمام زيادة استخدام التعلم الآلي في علم المواد، وهو مجال ما زال يعتمد إلى درجة كبيرة على التجارب المخبرية. كما أن طريقة استخدام التعلم الآلي لوضع توقعات يتم تجريبها لاحقاً في المختبر قد تكون صالحة للاستخدام في عمليات الاكتشاف في مجالات أخرى، مثل الكيمياء والفيزياء، كما يقول خبراء علم المواد.
ولفهم أهمية هذا التطور، قد يكون من المفيد أن ننظر إلى الطريقة التقليدية المستخدمة لابتكار مركبات جديدة، كما يقول الأستاذ المساعد في مجال هندسة المواد في جامعة بوردو، مايكل تايتوس، والذي لم يشارك في البحث. إن العمل المخبري مضنٍ وغير فعال.
اقرأ أيضاً: كيف يمكننا قياس البصمة الكربونية لنماذج الذكاء الاصطناعي وتقليلها؟
يقول تايتوس: "إن محاولة اكتشاف مواد تتمتع بخاصية معينة بهذه الطريقة أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش". وغالباً ما يخبر طلاب الدراسات العليا الجدد بأنه واثق من وجود مليون احتمال من المواد الجديدة التي تنتظر من يكتشفها. ويمكن أن يكون التعلم الآلي مفيداً للباحثين في تحديد المسارات التي سيتبعونها.
وبالنسبة لأستاذ علم وهندسة المواد في جامعة تينيسي، إيسو جورج، والذي لم يشارك في هذا البحث، فإن ما حققه الفريق باستخدام هذه الطريقة الجديدة أمر مفاجئ.
ويقول: "إنه عمل مثير للإعجاب".
في المستقبل، يرغب الفريق باستخدام التعلم الآلي للمساعدة على اكتشاف سبائك جديدة بأكثر من خاصية واحدة إيجابية. ويتفق جورج مع وجهة النظر التي تقول إن الأساليب الحاسوبية ستكون أساسية في مستقبل علم المواد.
ويقول: "من المرجح أن تصبح مقاربة التعلم الآلي مهيمنة على هذا المجال، لأن الناس حاولوا تغطية عدد كبير من الاحتمالات بأساليب تجريبية، ولكنه أسلوب يستهلك الكثير من الوقت والتكاليف. وفي النهاية، فإن العثور على شيء مفيد هو معيار النجاح".