منذ أربع سنوات وحسب، كانت الحركة الداعية إلى حظر استخدام أقسام الشرطة تكنولوجيا التعرف على الوجوه في الولايات المتحدة تمر بمرحلة الذروة. وبحلول نهاية عام 2020، فرضت 18 مدينة تقريباً عدة قوانين لمنع الشرطة من استخدام هذه التكنولوجيا. أيضاً، اقترح المشرّعون الأميركيون فرض إيقاف مؤقت لاستخدام الحكومة الفيدرالية هذه التكنولوجيا.
في السنوات اللاحقة، تباطأت هذه الجهود وصولاً إلى مرحلة التوقف الكامل. فقد أُقِرت خمسة قوانين حظر في نطاق البلديات والمدن على استخدام الشرطة والحكومة هذه التكنولوجيا في 2021، ولكن لم يشهد 2022 أي قانون جديد، ولم يشهد 2023 أي قانون جديد حتى الآن، وذلك وفقاً لقاعدة بيانات من مجموعة الحقوق الرقمية "فايت فور ذا فيوتشر" أو "كفاح من أجل المستقبل" (Fight for the Future). وقد طُبق تعليق جزئي على العمل ببعض قوانين الحظر المحلية حتى، وحالياً، لم يعد هناك سوى البعض وحسب ممن يعتقدون بوجود احتمال حقيقي لإقرار حظر فيدرالي على استخدام الشرطة تكنولوجيا التعرف على الوجوه في المستقبل المنظور. في هذه الأثناء، وفي غياب أي قيود قانونية تحد من استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه، ترسخت هذه التكنولوجيا بنسبة أكبر في حياتنا اليومية.
ولكن، ما زال الأمل قائماً في ماساتشوستس لمن يسعون إلى تقييد استخدام الشرطة التعرف على الوجوه. فمشرعو الولاية يعملون حالياً على مشروع قانون مشترك بين الحزبين للولاية في محاولة للحد من استخدام الشرطة لهذه التكنولوجيا. وعلى الرغم من أنه ليس حظراً كاملاً، فإنه يحصر استخدام هذه التكنولوجيا بشرطة الولاية، دون غيرها من وكالات إنفاذ القانون.
يمكن أن يصل مشروع القانون إلى مرحلة التصويت قريباً، وقد يمثّل تسوية غير مرضية لكلا طرفي التجاذب، أي مؤسسات الشرطة التي تريد مزيداً من الحرية في استخدام هذه التكنولوجيا، والناشطين الذين يريدون حظرها بالكامل. غير أنه يمثّل أيضاً اختباراً مهماً يُتيح سبر المزاج العام السائد إزاء استخدام هذه الأدوات المثيرة للجدل.
اقرأ أيضاً: ما هي بصمة الوجه؟ وهل يمكن خداع أنظمة التعرف على الوجوه؟
ويُعزى هذا إلى أنه لا توجد سوى بضع ولايات تضاهي ماساتشوستس فيما يتعلق بتنظيم التعرف على الوجوه. فهي تتفوق على جميع الولايات من حيث عدد قوانين الحظر على مستوى المدن والبلديات، وهي مركز تجمع لأنصار الحريات المدنية، والأكاديميين، والشركات التكنولوجية. وبالنسبة إلى هذه الحركة التي أصبحت في حاجة إلى إنجازٍ يجدد حيويتها، فإن نتيجة هذا التصويت فائقة الأهمية والتأثير.
حالياً، تمر العملية التشريعية لتنظيم استخدام الشرطة للتعرف على الوجوه في الولايات المتحدة بمرحلة من الجمود السياسي. وإذا تمكنت ولاية تتصدر المشهد، مثل ماساتشوستس، من إقرار قانونها، فقد تفتح الباب أمام عصرٍ جديد من التسويات. وقد يصبح هذا القانون أحد أشد قوانين الولايات صرامةً في البلاد، ويمكن أن يتحول إلى معيار لكيفية تنظيم التعرف على الوجوه في كل مكان.
ومن ناحية أخرى، إذا أُجِّل التصويت أو فشل، فسيمثّل دلالة أخرى على تراجع الحركة مع انتقال البلاد إلى معالجة قضايا أخرى متعلقة بالسياسات.
اقرأ أيضاً: جوزيف عتيق مبتكر تكنولوجيا التعرف على الوجوه يتحدث عن ابتكاره ومخاوفه منه
تاريخ من الحركات المناصرة
لطالما أعرب مناصرو الخصوصية ومجموعات المصالح العامة عن مخاوفهم من الانتشار الواسع لتكنولوجيات التعرف على الوجوه، التي أصبحت أساسية ضمن مجموعة متنامية من أدوات المراقبة المتطورة تقنياً لدى الشرطة. تتمحور عدة مخاوف حول الخصوصية؛ فأنظمة التعرف المباشر على الوجوه التي تعتمد على الفيديو تمثّل تقنية ذات مخاطر أعلى من التعرف الارتجاعي الذي يعتمد على الصور، لأنها قادرة على تتبع الأشخاص في الزمن الحقيقي.
بلغت هذه المخاوف ذروتها في 2018 مع ظهور منتج جديد أحدث أثراً شبيهاً بالقنبلة من حيث انتهاك الخصوصية، وهو من إنتاج شركة صغيرة تحمل اسم كليرفيو أيه آي (Clearview AI).
أحدثت هذه التكنولوجيا المتطورة من كليرفيو أيه آي تغيراً جذرياً في الخصوصية وأعمال الشرطة في الولايات المتحدة. أتاحت الشركة، في الخفاء، تجربة المنتج مجاناً للمئات من وكالات إنفاذ القانون في أنحاء البلاد كافة. وفجأة، أصبح بإمكان ضباط الشرطة الذين يحاولون تحديد هوية شخصٍ ما إجراء فحص سريع للصور بأعداد هائلة لم تكن متاحة لهم من قبل، أي المليارات من الصور العامة الموجودة على الإنترنت.
في السنة نفسها، بدأت تتراكم الأدلة التي تشير إلى تباين دقة أدوات التعرف على الوجوه مع اختلاف العرق والجنس. أجرت جوي بولامويني وتيمنيت غيبرو من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، دراسة ثورية تحمل اسم "ألوان الجنسين" (Gender Shades)، وبيّنت هذه الدراسة أن هذه التكنولوجيا أقل دقة بكثير في التعرف على ذوي البشرة الملونة والنساء منها في التعرف على الرجال البيض البشرة.
أكدت الحكومة الأميركية صحة النتائج في دراسة تعود إلى عام 2019 للمعهد الوطني للعلوم والتكنولوجيا، حيث وجدت أن الكثير من الخوارزميات التجارية للتعرف على الوجوه كانت أقل دقة بمقدار يتراوح من 10 أضعاف إلى 100 ضعف في التعرف على وجوه الآسيويين وذوي البشرة الداكنة منها في التعرف على ذوي البشرة البيضاء.
اقرأ أيضاً: الوكالات الحكومية الأميركية تخطط لزيادة استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه
بدأ السياسيون يدركون المخاطر المتعلقة بهذه التكنولوجيا. ففي مايو/ أيار من عام 2019، أصبحت سان فرانسيسكو أول مدينة أميركية تحظر استخدام الشرطة للتعرف على الوجوه. وبعد ذلك بشهر، أعلن الاتحاد الأميركي للدفاع عن الحريات المدنية في ماساتشوستس عن حملة ثورية تحمل اسم "اضغطوا زر التوقف المؤقت" (Press Pause)، التي دعت إلى فرض حظر مؤقت على استخدام الشرطة هذه التكنولوجيا في مدن الولاية. وأصبحت مدينة سومرفيل في ماساتشوستس ثاني المدن الأميركية التي تحظر هذا الأمر.
وعلى مدى العام التالي، وافقت ست مدن أخرى في ماساتشوستس، بما فيها بوسطن وكامبريدج وسبرينغفيلد، على حظر استخدام الشرطة والحكومة التعرف على الوجوه. بل إن بعض المدن فرض هذه الإجراءات استباقياً. ففي بوسطن، على سبيل المثال، قالت أقسام الشرطة إنها لم تكن تستخدم هذه التكنولوجيا عندما كانت محظورة. أوقفت الشركات التكنولوجية الكبرى، بما فيها أمازون ومايكروسوفت وآي بي إم، بيع هذه التكنولوجيا، وبدأ أنصار الحريات المدنية السعي إلى فرض حظر على استخدام الشرطة لها على مستوى البلاد.
وقالت المديرة التنفيذية لفرع الاتحاد الأميركي للدفاع عن الحريات المدنية في ماساتشوستس، كارول روز، في تصريح أدلت به بعد إقرار الحظر في بوسطن في يونيو/ حزيران من عام 2020: "يستحق جميع سكان ماساتشوستس هذه الإجراءات الوقائية، وقد حان الوقت لمشرعي ماساتشوستس ليوقفوا استخدام هذه التكنولوجيا مؤقتاً، وذلك بإقرار قانون بتعليق استخدام الحكومة التعرف على الوجوه على مستوى الولاية".
ولكن قرار التعليق لم يصدر.
اقرأ أيضاً: هل ستصدر الولايات المتحدة هذا الأسبوع تشريعاً فدرالياً ينظم تقنية التعرف على الوجوه؟
هل تشمل الخصوصية وجهك؟
في البداية، كان الزخم في صف مؤيدي الحظر على مستوى الولاية. وقد أدّى مقتل جورج فلويد في مدينة مينيابوليس في مايو/ أيار من عام 2020 إلى إحداث صدمة في البلاد، وتجديد الاحتجاجات العامة حول الإساءات في نظام عمل الشرطة. وقد قرر الناشطون على كلا المستويين المحلي والقومي التركيز على قضية التعرف على الوجوه، وذلك في سياق بحثهم عن مشكلة ملموسة يمكن حلها.
في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2020، أقر مشرعو ماساتشوستس قانوناً يفرض قيوداً مشددة على استخدام وكالات الشرطة في الولاية للتعرف على الوجوه، ولكن حاكم الولاية تشارلي بيكر رفض التوقيع عليه، قائلاً إنه يحد من قدرات الشرطة على نحو مبالغ فيه. وقال إنه لن يوقّع على قانون لفرض الحظر على الإطلاق.
رداً على ذلك، أقر المشرعون قانوناً أقل صرامة بعد عدة أسابيع. وعلى الرغم من هذا، كان هذا القانون يمثّل إنجازاً مهماً، ويمنع معظم الوكالات الحكومية في الولاية من استخدام هذه التكنولوجيا. وأدّى أيضاً إلى تأسيس لجنة مكلفة بدراسة قوانين أخرى تتعلق بالتعرف على الوجوه. كانت اللجنة تتضمن ممثلين عن شرطة الولاية، وشرطة بوسطن، ورابطة قادة أجهزة الشرطة في ماساتشوستس، والاتحاد الأميركي للدفاع عن الحريات المدنية في ماساتشوستس، وعدة خبراء أكاديميين، وإدارة السلامة العامة في ماساتشوستس، وعدة مشرعين من كلا الحزبين السياسيين، إضافة إلى أفراد آخرين.
وعندها، أصبح بوسع وكالات فرض القانون في الولاية استخدام أنظمة التعرف على الوجوه التي تمتلكها وكالة تسجيل المركبات الآلية (Registry of Motor Vehicles) وتشرف على تشغيلها، وشرطة الولاية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) فقط. ولهذا، أصبحت مجموعة الصور المتاحة للشرطة أصغر بكثير مما كان متاحاً عبر نظام مثل كليرفيو، الذي يمكّن المستخدمين من الوصول إلى جميع الصور العامة على الإنترنت.
وأصبح البحث عن صورة شخصٍ ما مشروطاً بتقديم طلب خطي والحصول على أمر من المحكمة. وعلى الرغم من أنه معيار أقل صرامة من مذكرة التفتيش، فإنه في السابق، كان بإمكانهم تقديم الطلب بمجرد إرسال صورة عبر البريد الإلكتروني للبحث عن المشتبه بهم في الجُنَح والجرائم الجنائية، بما فيها الاحتيال والسرقة وحتى سرقة الهوية.
في ذلك الوقت، شعر المنتقدون بأن القانون لم يكن صارماً بما فيه الكفاية. يقول كيد كروكفورد من الاتحاد الأميركي للدفاع عن الحريات المدنية في ماساتشوستس، وهو أحد أعضاء اللجنة: "لقد أقروا بعض القوانين الأولية التي لم تحقق المطلوب كما يجب، ولكنها كانت أفضل من الوضع السائد، الذي لم يتضمن أي قيود على الإطلاق".
على الرغم من هذا، بقي الزخم نحو فرض حظر شامل على مستوى البلاد في حالة تصاعد متواصل. ومع بدء اجتماعات اللجنة في يونيو/ حزيران من عام 2021، طرح السيناتور إيد ماركي من ماساتشوستس مع سبعة أعضاء آخرين من الكونغرس مشروع قانون لحظر استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه من قِبل الوكالات الحكومية الفيدرالية، بما فيها وكالات إنفاذ القانون. كانت هذه التشريعات جميعها تميلُ نحو الطابع اليساري، ولكن في ذلك الوقت، حظيت تشريعات أشد صرامة بدعم كلا الحزبين.
اجتمعت لجنة ماساتشوستس على نحو منتظم لمدة سنة، وفقاً لموقعها الإلكتروني، حيث فُوّضت لوضع مسودة توصيات لمشرعي الولاية حول فرض قيود قانونية إضافية على التعرف على الوجوه.
وفي خضم هذه النقاشات، قالت مجموعات الشرطة إن التكنولوجيا تؤدي دوراً أساسياً في أعمال الشرطة اليوم.
وفي مقابلة مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو، قال السيناتور عن ولاية ماساتشوستس، جيمي إلدريدج، الذي شارك في إدارة اللجنة: "كانت الذريعة الدائمة لدى الكثير من ممثلي وكالات إنفاذ القانون هي أنهم لم يرغبوا في تقييد يدي مؤسسات إنفاذ القانون في حال وقوع الأسوأ، مثل نشاط إرهابي أو ما شابه ذلك من الأوضاع السيئة للغاية".
على الرغم من الضغط، صوّتت اللجنة في مارس/ آذار من عام 2022 على إصدار مجموعة صارمة من التوصيات للاستخدام القانوني للتعرف على الوجوه. واقترحت أن يُسمح لشرطة الولاية فقط باستخدام قاعدة بيانات وكالة تسجيل المركبات الآلية لمطابقة الوجوه خلال التحقيقات الجنائية، وبوجود مذكرة فقط. وسيكون من الممكن لشرطة الولاية أيضاً أن تطلب من مكتب التحقيقات الفيدرالي إجراء بحث للتعرف على الوجوه.
ومن بين أعضاء اللجنة البالغ عددهم 21 عضواً، وافق 15 عضواً على التوصيات، بمن فيهم كروكفورد. وامتنع اثنان عن التصويت، وصوّت أربعة بالرفض. صوّت معظم ممثلي الشرطة في اللجنة بالرفض.
وقال أحدهم لإم آي تي تكنولوجي ريفيو، وهو قائد شرطة نوروود ويليام بروكس، إنه اعترض على ثلاثة أشياء رئيسية في التوصيات: وجوب الحصول على مذكرة، وحصر استخدام التكنولوجيا بالجرائم الجنائية فقط، ومنع الشرطة من استخدام قواعد البيانات للتعرف على الوجوه خارج نطاق وكالة تسجيل المركبات الآلية ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
قال بروكس إن شرط المذكرة "لا معنى له" و"لن يحمي أحداً"، بما أن القانون يفرض في المقام الأول الحصول على أمر من المحكمة لاستخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه.
ويقول: "تطلب الشرطة الحصول على مذكرة تفتيش عند الرغبة في تفتيش مكان يتوقع فيه شخص ما أن يحظى بالخصوصية. ولكن التعرف على الوجوه لا ينطبق على هذه الحالة؛ فالمسألة تقتصر فقط على شكل الوجه".
لم يستجب ضباط آخرون وممثلون آخرون عن مجموعات الشرطة في اللجنة، بمن فيهم ممثلو مكتب السلامة العامة لماساتشوستس ورابطة دوريات شرطة بوسطن ودائرة شرطة غلاوسيستر، لطلبنا المتكرر بالحصول على تعليق.
اقرأ أيضاً: لماذا استخدمت شرطة نيويورك أداة مثيرة للجدل للتعرف على الوجوه؟
تسوية غير مرضية
بعد سنوات من النقاش والجدل والتسويات، بلورت لجنة ماساتشوستس توصياتها في يوليو/ تموز من عام 2022 على شكل تعديل حاز موافقة مجلس النواب، ومن المحتمل أن يصل إلى مرحلة التصويت عبر مشروع قانون في مجلس الشيوخ للولاية في أي يوم.
يسمح مشروع القانون بمطابقة الصور، أي تحديد هوية الوجه على نحو ارتجاعي عن طريق العثور عليه ضمن قاعدة بيانات من الصور في حالات معينة. ولكنه يحظر نوعين آخرين من التعرف على الصور: مراقبة الوجوه، التي تسعى إلى تحديد هوية وجه ظهر في مقاطع الفيديو والصور المتحركة، والتعرف على العواطف، التي تربط بين التعابير الوجهية المختلفة والعواطف.
تُذكّرنا هذه المقاربة الدقيقة بالمسار الذي اتبعه المشرعون الأوروبيون عند تقييمهم استخدام الذكاء الاصطناعي في التطبيقات العامة. ويعتمد ذلك النظام على مستويات متعددة من المخاطر، وتزداد صرامة القانون بزيادة المخاطر المتعلقة بتكنولوجيا معينة. على سبيل المثال، يفرض قانون الذكاء الاصطناعي المقترح في أوروبا على التعرف المباشر على الوجوه في أنظمة المراقبة بالفيديو في المساحات العامة قواعد أشد صرامة مقارنة بالتطبيقات الأقل قدرة وغير المباشرة، مثل البحث في الصور في إطار تحقيق للعثور على طفل مفقود.
يقول إلدريدج إنه يتوقع مقاومة من المدّعين العامين ومجموعات إنفاذ القانون، على الرغم من أنه "متفائل بحذر" إزاء إقرار القانون، ويقول أيضاً إن الكثير من الشركات التكنولوجية مارست ضغوطها خلال جلسات الاجتماع للجنة، وادعت أن التكنولوجيا دقيقة وغير متحيزة، وحذّرت من تباطؤ هذا المجال في حال إقرار القيود. ففي إفادة خطية موجَّهة إلى اللجنة، قال الرئيس التنفيذي لشركة كليرفيو، هوان تون-ذات إن "خوارزمية كليرفيو أيه آي الخالية من التحيز تستطيع العثور بدقة على أي وجه من بين 3 مليارات صورة جمعتها من الإنترنت العامة".
يقول كروكفود وإلدريدج إنهما يأملان بالدعوة إلى التصويت على القانون في هذه الدورة، التي تدوم حتى يوليو/ تموز من عام 2024، إلّا أن هذا التصويت لم يحدد على جدول الأعمال حتى الآن. ففي ماساتشوستس، على غرار جميع الأماكن الأخرى، ثمة أولويات كانت تجتذب المزيد من الاهتمام، مثل مشاريع القوانين المتعلقة بالاقتصاد والتعليم.
وعلى الرغم من هذا، فقد أثبت مشروع القانون قدرته العالية على التأثير. منذ فترة قصيرة، أقر مشرعو ولاية مونتانا مشروع قانون يتضمن الكثير من شروط ماساتشوستس. وتسعى مونتانا إلى حظر استخدام الشرطة التعرف على الوجوه في مقاطع الفيديو والصور المتحركة، كما ستفرض الحصول على مذكرة لإجراء عمليات مطابقة الوجوه.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تعاني من أزمة بسبب استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه في العمل الشرطي
الثمن الحقيقي للتسوية
لا ينظر الجميع بإيجابية إلى معيار ماساتشوستس. فما زالت مجموعات الشرطة معارضة لمشروع القانون. ويعتقد بعض الناشطين أن هذه القوانين غير كافية. في هذه الأثناء، فإن القوانين الشاملة لتنظيم التعرف على الوجوه، التي توقع البعض تطبيقها على المستوى الوطني في 2020، وصلت إلى طريق مسدود ولم تحظ بالمصادقة النهائية.
إذاً، ما الذي حدث بين 2020 و2023؟ خلال السنوات الثلاث التي أمضتها ماساتشوستس في النقاش والضغط ووضع المسودات، انتقل الحوار على المستوى الوطني من إصلاح الشرطة إلى ارتفاع معدلات الجريمة، ما أدّى إلى ردود فعل سياسية شديدة. ومع تغير توجهات الرأي العام، تحول التعرف على الوجوه إلى ورقة مساومة بين صانعي السياسات، والشرطة، وشركات التكنولوجيا، والناشطين. أمّا العامل الأكثر أهمية على الأرجح فهو أننا اعتدنا أيضاً على وجود تكنولوجيا التعرف على الوجوه في حياتنا وفي الأماكن العامة.
إضافة إلى هذا، أصبحت مجموعات إنفاذ القانون على مستوى البلاد أكثر جرأة واندفاعاً في التحدث عن قيمة تكنولوجيا التعرف على الوجوه في عملها. على سبيل المثال، في مدينة أوستن التابعة لولاية تكساس التي حظرت هذه التكنولوجيا، يتمنى قائد الشرطة جوزيف تشاكون أن يتمكن من استخدامها لتعويض النقص في الموظفين، وفقاً لما ذكره في مقابلة له مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو.
يقول بعض الناشطين، بمن فيهم مديرة الحملات والعمليات في فايت فور ذا فيوتشر، كيتلين سيلي جورج، إن مجموعات الشرطة في جميع أنحاء البلاد لجأت إلى حجج مماثلة في محاولة للحد من حظر التعرف على الوجوه،
وتقول: "إن ذريعة ارتفاع معدلات الجرائم، التي استُخدمت ضد حركة إلغاء تمويل الشرطة، استُخدمت أيضاً ضد الجهود الساعية إلى حظر التكنولوجيات التي تقول الشرطة إنها يمكن أن تساعدها على مواجهة معدلات الجرائم المرتفعة المزعومة".
اقرأ أيضاً: 40 مجموعة تدعو الولايات المتحدة إلى تعليق استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجوه
قد يُطرح موضوع حظر التعرف على الوجوه على مستوى البلاد في سياقات معينة، وحتى في إطار القوانين الفيدرالية، حيث يجد المشرعون أنفسهم مضطرين للتعامل مع التطورات الجديدة في الذكاء الاصطناعي، والاستياء العام إزاء هذه التكنولوجيا. ففي مارس/ آذار، أعاد السيناتور ماركي وزملاؤه طرح مقترح لتقييد استخدام التعرف على الوجوه على المستوى الفيدرالي.
لكن بعض مجموعات مناصرة الحقوق المدنية ما زالت تعارض أي درجة من التسويات السياسية، على غرار التنازلات في مشاريع القوانين في ولايتي ماساتشوستس ومونتانا.
تقول سيلي جورج: "نعتقد أن مناصرة مشاريع القوانين هذه وتوفير الدعم لها سيؤديان إلى استنزاف أي فرصة مستقبلية للمضي قدماً في فرض حظر شامل وفعلي. ومرة أخرى، رأينا أن هذه القوانين لا تمنع الكثير من حالات الاستخدام، وليست كافية للحد من حالات استخدام الشرطة لهذه التكنولوجيا".
يتمنى كوكفورد لو كان الحظر ممكناً من الناحية السياسية: "بطبيعة الحال، يفضّل الاتحاد الأميركي للدفاع عن الحريات المدنية حظر هذه التكنولوجيا بالكامل، ولكننا نتفهم الموقف، ونعتقد أن هذه المجموعة من القوانين تمثّل تسوية منطقية وجيدة للغاية بالنسبة لجميع الأطراف".
من ناحية أخرى، يعتقد بعض الخبراء أن نهج "الحظر الكامل أو لا شيء" الذي يعتمده بعض الناشطين مسؤول جزئياً، على الأقل، عن النقص الحالي في القوانين التي تقيد استخدام التعرف على الوجوه. يقول أستاذ القانون في كلية واشنطن للقانون في الجامعة الأميركية، آندرو غوثري فيرغسون، المختص بأعمال الشرطة والتكنولوجيا، إن الحظر الشامل يواجه مقاومة شديدة، وهو ما سمح بنمو هذه التكنولوجيا باستمرار من دون أي قيود أو حدود.
اقرأ أيضاً: الشرطة الأميركية تستخدم أموال مكافحة الإرهاب لشراء معدات مراقبة تنتهك الحريات
يخشى أنصار الحظر الكامل للتعرف على الوجوه أن يؤدي أي تنظيم لهذه التكنولوجيا إلى إضفاء الشرعية عليها، ولكن العجز عن التوصل إلى اتفاق حول المبادئ الأساسية لتنظيمها يعني فقدان فاعلية أي قانون يمكن أن يؤدي إلى نتيجة إيجابية.
على الرغم من كل هذا، وفي خضم كل هذا الجدل، تزداد تكنولوجيا التعرف على الوجوه انتشاراً ودقةً يوماً بعد يوم.
قال فيرغسون في رسالة وجهها إلى إم آي تي تكنولوجي ريفيو بالبريد الإلكتروني: "في إطار السعي إلى فرض معيار ذهبي لحظر القوى السياسية المتحالفة لمنح الشرطة المزيد من النفوذ، أدّى العجز عن تحقيق التسوية في بعض القوانين إلى دفع ثمن باهظ".