مع دخول تقنية الذكاء الاصطناعي إلى مختلف القطاعات حول العالم، تتجلى أهمية التواصل والتعاون الدوليَين لضمان تطور الذكاء الاصطناعي كقوة من أجل الخير. ولكي يستمر التطور في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ينبغي على الدول أن تسعى إلى تعزيز قدراته وتطبيقاته بصورة كفوءة، ولن يتم ذلك دون تعاون دولي.
ورغم أن الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية تتصدران الإنفاق على أنظمة الذكاء الاصطناعي حالياً، إلا أن دول آسيا تشهد نمواً مطرداً في هذا المجال أيضاً. إذ من المتوقع أن تنفق الصين ما يقرب من ثلثي الإنفاق الإقليمي على أنظمة الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة المقبلة، ومن المتوقع أن تسجل بقية دول آسيا والمحيط الهادئ أسرع معدل تبني للذكاء الاصطناعي في العالم.
أهمية التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي
يعود التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي بفوائد عديدة:
- يؤدي التعاون بين الحكومات والباحثين والمطورين في مجال الذكاء الاصطناعي عبر الحدود إلى تعظيم الاستفادة من هذه التقنية واستغلال المزايا النسبية لتحقيق المنفعة المتبادلة.
- يساعد التعاون الدولي القائم على المبادئ الديمقراطية المتفق عليها بشكل عام للذكاء الاصطناعي المسؤول في التركيز على تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول وبناء الثقة.
- من شأن الاتفاق الدولي على الجوانب الرئيسية لتنظيم الذكاء الاصطناعي أن يساعد الشركات المتخصصة في تطوير الذكاء الاصطناعي على الازدهار.
- يعد التعاون المعزز في التجارة أمراً ضرورياً لتجنب القيود غير المبررة على تدفق السلع والبيانات، والتي من شأنها أن تقلل بشكل كبير من الفوائد المحتملة لنشر الذكاء الاصطناعي.
- تعزيز التعاون للاستفادة من إمكانات حلول الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات العالمية.
المجالات الرئيسية للتعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي
عندما نتحدث عن تعاون دولي لا بد من ذكر المجالات التي يمكن أن تعمل الدول عليها:
- التعاون في السياسات التنظيمية، إذ لا يزال تطوير سياسات الذكاء الاصطناعي في مراحل مبكرة نسبياً في جميع البلدان، وبالتالي فإن التعاون الدولي المركّز يمكن أن يساعد في مواءمة سياسات وأنظمة الذكاء الاصطناعي.
- التعاون الدولي في تبادل البيانات وإدارتها، وذلك لأهمية البيانات كمدخل للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي وبسبب التعقيد الإضافي للأنظمة التنظيمية المعمول بها حالياً والتي تقيد تداول معلومات معينة، مثل حماية البيانات وقوانين الملكية الفكرية.
- التعاون بشأن المعايير الدولية للذكاء الاصطناعي، مثل إدارة المخاطر، وحوكمة البيانات، والوثائق الفنية التي يمكن أن تثبت الامتثال للمتطلبات القانونية الناشئة.
- التعاون في البحث والتطوير، واختيار مشاريع الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن يُستفاد منها دولياً.
اقرأ أيضاً: مجلس الشيوخ الأميركي يسعى لمنع إساءة استخدام المعلومات التي يجمعها الذكاء الاصطناعي
نحو توحيد سياسات الذكاء الاصطناعي
يجب تبادل الآراء والحوار والمحادثات بين الحكومات وشعوبها، وبين القطاعين العام والخاص، وبين حكومات الدول، وذلك بغرض تبادل الأفكار ووجهات النظر، وفتح المجال أمام أصحاب الكفاءات. ومن الضروري مشاركة جميع البلدان في هذه المحادثات، وليس فقط البلدان الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما يجب البدء بالمحادثات في أقرب وقت ممكن، وعدم التأجيل، وذلك قبل أن تضع الحكومات قوانينها الخاصة، حتى يتسع المجال لاستيعاب وجهات النظر المتباينة، مع مراعاة أولويات وموارد كل دولة والفوائد التي تسعى لتحقيقها. وذلك لا يمنع البلدان الأقل تقدماً من الناحية التقنية من المساعدة في تشكيل بنى الحوكمة الدولية للذكاء الاصطناعي، خاصة إذا كانت ستصبح أكبر المستهلكين لها على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: قادة الصين يعيدون النظر في مواقفهم بشأن الذكاء الاصطناعي
خطوات عملية نحو تحقيق التعاون الدولي في الذكاء الاصطناعي
تسعى العديد من دول العالم إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي؛ ففي عام 2017، أصبحت كندا أول دولة تتبنى استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، وتبنت 60 دولة أخرى على الأقل شكلاً من أشكال السياسات الخاصة بالذكاء الاصطناعي. وأدى توقع زيادة تقدر بنسبة 16%، أو 13 تريليون دولار أميركي للإنتاج العالمي بحلول عام 2030، إلى سباق غير مسبوق لتعزيز الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الصناعة والأسواق الاستهلاكية والخدمات الحكومية. كما تشير التقارير إلى أن استثمارات الشركات العالمية في الذكاء الاصطناعي قد وصلت إلى 60 مليار دولار أمريكي في عام 2020، ومن المتوقع أن تزيد إلى أكثر من الضعف بحلول عام 2025. وفي الوقت نفسه، أدى العمل على تطوير معايير عالمية للذكاء الاصطناعي إلى تطورات مهمة في مختلف الهيئات الدولية. تشمل هذه الجوانب الفنية للذكاء الاصطناعي والأبعاد الأخلاقية والسياسية للذكاء الاصطناعي المسؤول.
بالإضافة إلى ذلك، وافقت مجموعة الدول السبع في عام 2018 على إنشاء شراكة عالمية بشأن الذكاء الاصطناعي، وهي مبادرة تعمل على مشاريع لاستكشاف القضايا والفرص التنظيمية لتطوير الذكاء الاصطناعي. وأطلقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مرصد سياسات الذكاء الاصطناعي لدعم وتطوير سياسة الذكاء الاصطناعي. كما أصبحت العديد من المنظمات الدولية الأخرى نشطة في تطوير أطر مقترحة لتطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول.
وقد شهد العامان الماضيان جهوداً لوضع المبادئ موضع التنفيذ من خلال أطر سياسات مكتملة. ومن رواد هذا المجال توجيه كندا بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحكومة، وإطار العمل النموذجي لحوكمة الذكاء الاصطناعي في سنغافورة، والمبادئ الاجتماعية لليابان للذكاء الاصطناعي المرتكز على الإنسان، وتوجيهات المملكة المتحدة بشأن فهم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وأمانه؛ وتبعهم التوجيه الأميركي للوكالات الفيدرالية بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعي وأمر تنفيذي بشأن كيفية استخدام هذه الوكالات للذكاء الاصطناعي. وفي الآونة الأخيرة، كان اقتراح الاتحاد الأوروبي لاعتماد اللوائح الخاصة بالذكاء الاصطناعي بمثابة المحاولة الأولى لتقديم مخطط تشريعي شامل يحكم الذكاء الاصطناعي.
وفي 14 سبتمبر 2021، تضافرت جهود 8 منظمات دولية لإطلاق منصة جديدة تعزز التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي. المنصة عبارة عن موقع شامل للبيانات ونتائج الأبحاث والممارسات الجيدة في سياسة الذكاء الاصطناعي، وسُميت جلوبال بوليسي إيه آي (Globalpolicy.AI). الهدف منها مساعدة صانعي السياسات والجمهور الأوسع على التنقل في مشهد حوكمة الذكاء الاصطناعي الدولي. يوفر الوصول إلى الأدوات والمعلومات اللازمة، مثل المشاريع والبحوث والتقارير لتعزيز الذكاء الاصطناعي المسؤول، الذي يتناسب مع حقوق الإنسان على المستوى العالمي والوطني والمحلي.
الشركاء الرئيسيون الذين عملوا على إطلاق البوابة هم مجلس أوروبا، والمفوضية الأوروبية، ووكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، وبنك التنمية للبلدان الأميركية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والأمم المتحدة (UN)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومجموعة البنك الدولي.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يطلق مشروعاً لاعتماد روبوتات الذكاء الاصطناعي
ما الذي يعيق تحقيق التعاون الدولي في الذكاء الاصطناعي؟
تكمن أهمية التعاون الدولي في توجيه التنمية الآمنة والمفيدة للذكاء الاصطناعي مع الحد من ظروف السباق والتهديدات الأمنية الوطنية والعالمية. لكن ليس هذا ما يحدث حالياً، بل في الواقع يكافح الاتحاد الأوروبي ليصبح القوة الرائدة في مجال التكنولوجيا، وتسابق الصين أميركا. يؤدي ذلك إلى تجزئة مشهد الذكاء الاصطناعي، ليصبح حصرياً لأحد الطرفين، بدلاً من أن يكون نموذجاً يقدم فرصاً تعاونية بين جميع البلدان. يعيق ذلك تحقيق التعاون الدولي في الذكاء الاصطناعي وذلك لسببين:
الاختلافات الثقافية والاقتصادية والسياسية
إن أكبر التحديات التي تعيق التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي هي الاختلافات الاقتصادية والسياسية بين الدول المختلفة. مع ضمان وجود توازن أخلاقي وضمان لحقوق الإنسان، لذلك ستضع الدول سياسات مختلفة وحدوداً لعدم تجاوز تلك الحقوق باسم الابتكار أو القوة أو النمو الاقتصادي.
وبما أن معظم المعايير الفنية وأنظمة التصميم للذكاء الاصطناعي تم تطويرها في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، فإنها قد لا تكون مناسبة لثقافات وسياسات بقية سكان العالم، الذين سيكونون مستهلكين بدلاً من منتجين أو مبتكرين في التكنولوجيا.
انعدام الثقة على مستوى العالم
قضية رئيسية أخرى تجعل من الصعب تحقيق التعاون الدولي هي انعدام الثقة العالمي، إذ إن التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي قد تتسبب في توسيع أزمة انعدام الثقة، ما يجعل من الصعب تحقيق أي نوع من المبادرات العالمية. خاصةً إذا تقدم أحد الأطراف بعيداً عن الآخر.
إن المنافسة بين الشركات التي تجري أبحاث الذكاء الاصطناعي قد تقودها إلى تجنب مشاركة عملها مع الآخرين. كما قد تضع بعض الدول المتقدمة في المجال سياسات تتعارض مع التعاون الدولي. وقد يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه ميزة تقنية غير مقبولة ويولد احتكاكاً بين البلدان. وقد تعتبر بعض البلدان أن بلداناً أخرى تمتلك خوارزميات قد تشكل تهديداً للبلدان الأخرى.