الإنترنت الكمومي: إنجاز جديد في مجال التشابك الكمومي يقربنا أكثر نحو الحصول على إنترنت المستقبل

3 دقائق
الصور الأصلية: كريستين إنجليميار وميكا بوميستر عبر أنسبلاش | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

تعتمد شبكة الإنترنت التي نستخدمها كل يوم على بنيةٍ تحتية تتضمن كابلاتٍ تقوم بنقل المعلومات، والمعروفة باسم كابلات الألياف الضوئية (Fiber-Optic Cables)، وهي تتولى مسؤولية نقل المعلومات عبر مسافاتٍ بعيدة. يتم تبادل المعلومات اعتماداً على الفوتونات، أي الجسيمات الحاملة لطاقة الإشعاع الكهرومغناطيسي. ومن أجل ضمان تبادل سليمٍ للمعلومات عبر كابلات الألياف الضوئية، يتم استخدام أجهزة تُعرف باسم المكررات (Repeaters)، التي يتم تركيبها عند مسافاتٍ محددة من أجل إعادة توليد الإشارة أو المعلومة المطلوبة، وذلك خشيةً من التشوه الذي قد يحدث للفوتونات أثناء عبورها مسافاتٍ طويلة.

بهذه الصورة، تتطلب عملية تبادل المعلومات وجود آلية تحفظها من الضياع أثناء انتقالها من مكانٍ إلى آخر، وإلا فإن المعلومة لن تصل بشكلٍ صحيح للجهة التي تطلبها، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على مجال الإنترنت الكمومي والحوسبة الكمومية، ويكمن الفرق هنا في طبيعة المعلومات التي يتم تبادلها في أنظمة المعلومات الكمومية وكيفية تمثيلها؛ ففي حين أن المعلومات في الأنظمة الحاسوبية التقليدية تُمثل عبر البتات الرقمية التي تأخذ إحدى حالتين (صفر أو واحد)، تعتمد أنظمة المعلومات الكمومية على مفهوم الكيوبت وقوانين الفيزياء الكمومية من أجل تمثيل المعلومات، ومنها خاصية التشابك الكمومي (Quantum Entanglement)، التي تنص على أنه يمكن لجسيمين أن يكونا في حالة تشابك بحيث سيؤدي إجراء عملية قياس على أحدهما إلى كشف حالة الآخر، أي أننا عبر معرفة حالة أحدهما سنتمكن من معرفة حالة الآخر، وبهذا السياق، يتم الاعتماد على الفوتونات ودراستها بشكلٍ مكثف لإنشاء حالة التشابك.

يعتمد الباحثون في مجال أنظمة المعلومات الكمومية على هذا المبدأ من أجل إنشاء قناة اتصال كمومية، يمكن عبرها تبادل المعلومات بين جهتين مختلفتين؛ بحيث تمتلك جهة الإرسال نصف الفوتونات المتشابكة بينما تمتلك جهة الاستقبال النصف الآخر، وبالتالي سيكون بالإمكان تشفير هذه الفوتونات المتشابكة وتحميلها المعلومات المطلوب إيصالها من المرسل إلى المستقبل. المشكلة هنا هي في أن حالة التشابك الكمي نفسها ليست مستقرة، بمعنى أنه يمكن أثناء عملية تبادل معلومات حصول تفاعل بين الفوتونات ومحيطها بما يؤدي لتفكك حالة التشابك الكمي، وبالتالي ضياع جزء أو حتى كل المعلومات المراد إيصالها. 

مجدداً، وكما في الإنترنت التقليدي، تم تطوير مفهوم المكررات الكمومية التي تتضمن بداخلها ذواكر كمومية تتولى مسؤولية حفظ حالة الفوتونات المتشابكة، وتعمل هذه المكررات عبر إجراء تبادلٍ للحالات الكمومية المحفوظة في الذواكر الكمومية بين المادة والضوء (أي الفوتونات)، وهذا يفرض الحاجة لمصادر قادرة على توليد الفوتونات المتشابكة التي تستطيع العمل مع الذواكر الكمومية، وهذه النقطة هي التي مثلت معضلةً أمام بناء نظام معلومات كمومي فعال؛ حيث تتفاعل الذواكر الكمومية مع عرضٍ ضيق لطيف الإشعاع الضوئيّ، في حين أن مصادر الفوتونات المتشابكة التقليدية تمتلك مجالاً طيفياً واسعاً لتشكيل الفوتونات. 

لحل هذه المشكلة، عمل فريقٌ بحثيّ من جامعة يوكوهاما الوطنية في اليابان على تصميم وتطوير تقنيةٍ جديدة من أجل توليد الفوتونات المتشابكة، بحيث تكون متوافقة مع الذواكر الكمومية اللازمة لعمل المكررات الكمومية. وبالتحديد، فإن عملهم يتمحور حول أنظمة الاتصالات الكمومية المعتمدة على الألياف الضوئية.

ما قام به الفريق هو تطوير إحدى الطرق الشائعة لتوليد الجسيمات المتشابكة كمومياً، والمعروفة اختصاراً باسم إس بي دي سي (SPDC)؛ حيث تعتمد على بلوراتٍ تقوم بتحويل فوتونات عالية الطاقة إلى أخرى متشابكة، وبالرّغم من الاستخدام الواسع لهذه التقنية في المجال المخبريّ والبحثيّ، إلا أنها لم تكن ملائمة أيضاً للذواكر الكمومية، وذلك كما يشير أحد الباحثين القائمين على الدراسة الجديدة، وما تم هو تعديل تصميمها وتطويره بحيث تم وضع البلورة ضمن تجويفٍ ضوئيّ يمتلك شكلاً مشابهاً لربطة العنق (Bowtie)، بما يساهم في تخفيف التأثير السلبيّ الذي قد يلعبه تصميم وشكل مولد الفوتونات المتشابكة (الحديث هنا عن آثارٍ مثل التشتت والانعكاس والامتصاص).

اعتماداً على تصميمهم الجديد، كشف الباحثون في جامعة يوكوهاما عن تمكنهم من تبادل الفوتونات المتشابكة حتى مسافةٍ قدرها 20 كيلومتر بالاعتماد على الألياف الضوئية، مع تحقيق وثوقيةٍ قدرها 95% من ناحية الحفاظ على حالة التشابك الكمومي للفوتونات، وهو ما دفعهم للإشارة إلى أن هذه النتائج تمثل خطوة واعدة وطريقة فعالة من أجل تحقيق تبادل معلومات كمومي متوافق مع متطلبات الذواكر الكمومية، كما أنهم وضحوا أن طريقتهم تمتلك إمكانية الاستخدام خارج مجال الاتصالات الكمومية؛ حيث يمكن تطبيقها أيضاً في مجال الاتصالات الضوئية التقليدية.

تم نشر ورقة بحثية تتضمن تفاصيل الدراسة والتجربة، وذلك في مجلة اتصالات الفيزياء التابعة لدورية نيتشر.

المحتوى محمي