هل عاد سكان الدول العربية إلى عملهم كما كانوا قبل انتشار وباء كورونا؟ وهل استأنفوا نشاطاتهم وتنقلاتهم المعتادة؟ هل اقتربنا من عودة الحياة إلى طبيعتها؟
يمكننا أن نأخذ لمحة عن الإجابة بفضل بيانات المواقع التي توفرها شركتا جوجل وآبل؛ ففي مطلع أبريل الماضي، بدأت شركة جوجل تنشر بيانات حركة الأفراد والتغير في معدل زياراتهم للمتاجر والمطاعم والمتنزهات وذهابهم إلى أماكن العمل أو بقائهم في المنزل، ومقارنتها مع حركة الأشخاص خلال فترة سابقة تمتد من 3 يناير وحتى 6 فبراير من هذا العام. وفي نفس الشهر، بدأت شركة آبل تنشر بيانات تطبيق خرائط آبل التي ترصد تغير حركة السكان مشياً أو باستخدام السيارة.
وقد قمنا في إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية بتحليل هذه البيانات لإلقاء الضوء على مدى التزام سكان بعض الدول العربية بتدابير الحجر الصحي وتغير أنماط تنقلاتهم وحركتهم مع البدء في تخفيف هذه الإجراءات بعد ما يقارب أربعة أشهر على فرضها. وبعد دراسة هذه البيانات، قمنا بحساب المتوسط الحسابي المتحرك لكل سبعة أيام ولمدة أربعة أشهر اعتباراً من 21 فبراير وحتى 22 يونيو، ثم أنشأنا المخططات البيانية أدناه.
بيانات جوجل ترسم توجهاً عاماً نحو الحياة الطبيعية
تبين بيانات جوجل ارتفاعاً في معدل بقاء الناس في منازلهم اعتباراً من منتصف شهر مارس عندما بدأت الحكومات بفرض إجراءات الحجر الصحي، ليتراوح هذا المعدل بين 15-30% طيلة شهر أبريل في جميع الدول قيد الدراسة. ونرصد من الشكل أدناه أن سكان الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والمغرب والكويت قد لازموا منازلهم بنسبة أكبر من باقي الدول طوال فترة الدراسة. ومن الجدير بالملاحظة أن سكان كل من الأردن ولبنان قد بدؤوا يخرجون من مناطقهم السكنية في وقت أبكر من باقي الدول، حتى إنهم أوشكوا اليوم على العودة إلى نِسَب ما قبل الوباء. ويمكن أن نعزو ذلك إلى عدد الإصابات المنخفض مقارنة بباقي الدول.
وهناك حالة مميزة تمثلها الكويت؛ حيث نلاحظ صعوداً مفاجئاً في التزام سكانها بمنازلهم في منتصف شهر مايو وذلك بسبب تزايد أعداد الإصابات اليومية خلال تلك الفترة، وبالتالي تنامي الخوف من إمكانية التقاط العدوى. أما الطفرة في التزام المنزل في أواخر شهر مايو في معظم الدول فمردُّها إلى حلول عطلة عيد الفطر المبارك.
في المقابل، نلاحظ انخفاضاً في نسب ارتياد المتنزهات العامة والحدائق ومتاجر البقالة بين 40-60% في معظم هذه الدول طوال شهر أبريل. وتميز لبنان بعودة سريعة لسكانه إلى ارتياد هذه الأماكن وبنسبة أعلى من فترة ما قبل الحجر الصحي، ويماثله الأردن في هذا التوجه.
ويتضح التزام نسبة كبيرة من سكان المغرب والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بعدم ارتياد المتنزهات. بينما كان سكان البحرين ومصر أقل التزاماً بإجراءات الحجر فيما يخص ارتياد الحدائق ومحلات البقالة.
وأخيراً، شهدت معظم الدول العربية انخفاضاً حاداً في الذهاب إلى أماكن العمل بعد البدء بتطبيق إجراءات الحجر الصحي ومتابعة الكثيرين لعملهم من منازلهم. وسجل كلٌّ من لبنان والأردن والمغرب والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية استجابة سريعة وتراجعاً كبيراً في توجه السكان إلى مقرات عملهم بنسبة تزيد عن 50% طوال شهر أبريل. في حين أن أقل نسبة التزام بعدم الذهاب إلى أماكن العمل سجلت في البحرين ومصر؛ حيث لم تبلغ النسبة عتبة 40%. ومع بداية شهر مايو، عادت نسب الذهاب إلى العمل بالارتفاع تدريجياً، واستمر هذا الارتفاع في شهر يونيو أيضاً كمؤشر لعودة الحياة لطبيعتها في معظم الدول قيد الدراسة.
ماذا تخبرنا بيانات آبل عن تنقلات السكان؟
ترصد بيانات آبل انخفاضاً في تنقلات السكان في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والمغرب ومصر، ويبدو من الشكل أدناه أن المغرب يسجل أدنى نسبة تنقلات للسكان، التي شهدت انخفاضاً حاداً قدره 80% عند بدء تطبيق إجراءات الحجر الصحي. ومع ذلك، نرصد تصاعداً تدريجياً متنامياً منذ مطلع شهر مايو في تنقلات السكان واقترابها من معدلاتها الطبيعية في جميع هذه الدول.
من خلال إلقاء نظرة عامة على الأشكال السابقة، يتضح نشوء ظاهرة "التعب من الحجر الصحي" في معظم الدول العربية قيد الدراسة. ونلاحظ تراخياً في نسب الالتزام الذي ترافق مع بدء هذه الدول بتخفيف إجراءات الحجر الصحي وتوجّه السكان تدريجياً إلى استئناف الحياة الطبيعية والعودة إلى العمل.
وإذا ما ربطنا هذه التوجهات مع تطور أعداد الإصابات في الدول قيد الدراسة، فإننا نلاحظ وجود علاقة بين تزايد الإصابات ونسبة التزام السكان بإجراءات الحجر الصحي. ولعل الكويت تشكل مثالاً نموذجياً لهذه العلاقة؛ إذ سجلت تغيراً حاداً في مستويات البقاء في المنزل والتوجه إلى أماكن العمل بعد الارتفاع المفاجئ في أعداد الإصابات اليومية بحلول منتصف شهر مايو، حيث بلغت حوالي 1,000 إصابة يومياً وفقاً لمركز جامعة جونز هوبكنز. وفي المقابل ترافق العدد القليل نسبياً من الإصابات في كل من لبنان (1,719 إصابة حتى وقت كتابة المقالة) والأردن (1,111 إصابة) مع تراجع التزام سكان هذين البلدين بإجراءات الحجر الصحي، وشهدا بالتالي تنامياً متسارعاً في العودة للحياة الطبيعية.
لا شك أن دراسة تأثير هذه العوامل على تقيّد الناس بالحجر الصحي يكتسب أهمية متزايدة اليوم في ظل تزايد المخاوف من تفشي موجة ثانية للوباء خلال الفترة المقبلة.