دراسة في الشرق الأوسط: كيف يؤثر تبني البلوك تشين على أخلاقيات العمل والاستدامة الاجتماعية؟

3 دقائق
البلوك تشين في التنمية الاجتماعية
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، لم تركز أهداف التنمية المستدامة على الأبعاد البيئية أو الاقتصادية فحسب، بل خلقت القضايا الاجتماعية منظوراً جديداً لتحقيق التنمية المستدامة. واليوم، بسبب المشاكل الاقتصادية التي تواجه المؤسسات، فإن الاهتمام بالمصالح المالية يتعارض مع المصالح الاجتماعية وقد يؤثر على استثمارها في السلوكيات الاجتماعية. لذلك، فمن المهم معالجة الاستدامة الاجتماعية والعوامل التي تؤثر عليها.

وقد تزايدت أهمية التنمية المستدامة، باعتبارها أحد التحديات الرئيسية في العالم بأسره، بشكل تدريجي على مدار السنوات الماضية واجتذبت انتباه العديد من الباحثين وصناع السياسات. تلعب التنمية المستدامة اليوم دوراً أساسياً في بقاء المؤسسات، من خلال زيادة الضغوط التنظيمية عليها، سواء من الجهات الفاعلة أو من خلال الممارسات الإنتاجية الحالية. وفي هذا الإطار، سعت دراسة جديدة لتحديد العلاقة بين تبني تقنية البلوك تشين والاستدامة الاجتماعية وأخلاقيات العمل وحوكمة الشركات، مع التركيز بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط.

البلوك تشين والاستدامة الاجتماعية

تتأثر الاستدامة الاجتماعية وأخلاقيات العمل في المؤسسات بشكل كبير بالتفاعلات الاجتماعية والسلوكية للأفراد. وقد أدركت الشركات أن تنميتها الاقتصادية تتطلب اهتماماً متزامناً بالقضايا الاجتماعية وحماية البيئة. ومع ذلك، فلا تزال هناك فجوة في دراسة قضايا الاستدامة الاجتماعية -التي يُطلق عليها أيضاً اسم المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)- في الاقتصاديات الناشئة، وتحتاج إلى المزيد من البحث.

على الجانب الأخر، تؤدي تقنية البلوك تشين، باعتبارها تقنية مزعزعة (Disruptive Technology)، إلى إدارة شبكة لا مركزية من نظير إلى نظير باستخدام بنية موزعة. ويمكن أن تؤثر تقنية البلوك تشين على طريقة تبادل المعلومات وضمان الشفافية داخل المؤسسة.

والبلوك تشين (Blockchain) هي قاعدة بيانات مشتركة، يتم تخزين عدة نسخ منها في عدة حواسيب حول العالم، وتعرف هذه الحواسيب باسم "العقد"، ويمكن لأي حاسوب متصل بالإنترنت أن يصبح عقدة في شبكة البلوك تشين عن طريق تنصيب وتشغيل مجموعة من البرمجيات الخاصة.

البلوك تشين في التنمية الاجتماعية
حقوق الصورة: شوبهام داجي/ أنسبلاش.

وتشير دراسة، نُشرت في دورية "البيئة والتنمية والاستدامة"، التي تصدرها شركة سبرينجر نيتشر، إلى أن تقنية البلوك تشين فعالة في تعزيز أخلاقيات العمل، ومراقبة سلوك المديرين التنفيذيين وإدارة الشركات، وفي نهاية المطاف زيادة التفاعلات الاجتماعية البناءة وتحقيق الاستدامة الاجتماعية.

وترى الدراسة، التي نُشرت في شهر أغسطس الماضي، أن وجود أختام زمنية (Timestamps) في هيكل البلوك تشين يمنع أي تشويه وتزوير للمعلومات دون علم أصحاب المصلحة. والختم الزمني هو سلسلة من الأرقام والحروف التي تدل على تاريخ أو وقت وقوع حدث معين، ويستخدم الحاسوب الختم الزمني في تسجيل الأحداث. لذلك، تزيد هذه المسؤولية الجماعية من أمان وموثوقية البيانات. وباستخدام أنظمة موزعة ومفتوحة المصدر ومن نظير إلى نظير، فإن البلوك تشين لديها القدرة على إنشاء عمليات اقتصادية أنظف، وزيادة التناغم والتوازن بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة.

اقرأ أيضاً: تحديد أهداف الحكومات من استخدام البلوك تشين

أهمية الاستدامة في الشرق الأوسط

توضح الدراسة أن مسألة الاستدامة وكيفية استخدام الموارد الطبيعية تعد مهمة للغاية في الشرق الأوسط، نظراً لأن معظم دول المنطقة تواجه أزمة مياه، كما أن معظم اقتصاداتها تعتمد على النفط. لذلك، تلعب الموارد الطبيعية دوراً مهماً في النظام الاقتصادي لدول الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن الاهتمام بقضية الاستدامة وكيفية استهلاك الموارد الطبيعية مع الأخذ في الاعتبار مصلحة الأجيال القادمة، له أهمية خاصة في هذه المنطقة.

كذلك، نظراً لأن الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) لديها موارد مالية وبشرية أقل من الشركات الكبرى، فإن تحقيق الاستدامة بالنسبة لها يواجه العديد من التحديات. وبالتالي، فإن تحديد العوامل التي تؤثر على الاستدامة يمكن أن يسهل الطريق لتحقيقها.

وقد ركز الباحثون على ثلاث دول تحديداً هي العراق وإيران وتركيا، مشيرين إلى أن هذه الدول الثلاث -مثل معظم دول الشرق الأوسط- هي دول نامية. وأوضحوا أنهم أرسلوا 530 استبياناً إلكترونياً إلى الرؤساء التنفيذيين ومديري الشركات الصغيرة والمتوسطة النشطة في هذه البلدان الثلاثة، وتم استلام 411 استبياناً مكتملاً. ولاختبار فرضيات الدراسة، استخدم الباحثون تقنية تحليل المسار وبرنامج نمذجة المعادلات (SmartPLS) الذي يمكنه تحليل العلاقات السببية بين المتغيرات.

اقرأ أيضاً: البلوك تشين تحدث الطفرة التالية في قطاع النفط والغاز

تأثير مباشر

بحسب النتائج، من الواضح أن تقنية البلوك تشين لها تأثير إيجابي على أخلاقيات العمل وحوكمة الشركات والاستدامة الاجتماعية (تم قبول جميع الفرضيات البحثية بمستوى ثقة يبلغ 95٪). ومن بين هذه المتغيرات الثلاثة، كان التأثير الأكبر للبلوك تشين على الاستدامة الاجتماعية. كما أن متغيرات أخلاقيات العمل وحوكمة الشركات أثرت على الاستدامة الاجتماعية للشركات الصغيرة والمتوسطة.

وتُظهر النتائج أيضاً أن تقنية البلوك تشين في المؤسسة ليست مجرد منصة للعملة الرقمية، بل إنها تخلق نظاماً لامركزياً لتمهيد الطريق للتفاعل والتواصل الشفاف في المؤسسة، وتساهم في النهاية في التفاعلات الاجتماعية البناءة وتحقيق الاستدامة الاجتماعية.

ويرى الباحثون أنه من وجهة نظر إدارية، توفر نتائج دراستهم رؤى لمديري الشركات وواضعي السياسات في الشرق الأوسط لتحديد أهمية استخدام تقنية البلوك تشين وتأثيرها على تحقيق الاستدامة وتحسين حوكمة الشركات. ومن خلال تطبيق هذه التقنية -بالتوازي مع أشياء أخرى مثل العقود الذكية- يمكن لمديري الشركات تمهيد الطريق لتحقيق حوكمة مؤسسية جيدة، وتعزيز أخلاقيات العمل وتحقيق الاستدامة.

المحتوى محمي