كيف تسهم البلوك تشين في حل مشكلات تغير المناخ؟

4 دقائق
كيف أحدثت تكنولوجيا البلوك تشين ثورة في حياتنا؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Mabeline72

في كثير من الأحيان، يتم اتهام تكنولوجيا البلوك تشين على أنها مساهم رئيسي في إنتاج غازات أوكسيد الكربون الذي يؤدي إلى مشكلات تغيّر المناخ، يعود هذا الاتهام إلى استهلاكه الكثيف للطاقة التي يتطلبها تعدين العملات المشفرة، لكن مع ذلك، عند النظر في كيفية استغلال هذه التكنولوجيا بالشكل الأمثل، قد تساعد في الواقع في توفير أدوات عملية لتنسيق الجهود الوطنية والعالمية الحد من انبعاثات الكربون.

مع استمرار الحكومات في الاعتماد على التكنولوجيا في مكافحة تغيّر المناخ، وازدهار القوانين التنظيمية للعملات المشفرة، يمكن أن تساعد المزايا التي توفرها سلسلة الكتل البلوك تشين في تقليل البصمة الكربونية والحد من الآثار البيئية والتغيّر المناخي، فكيف يمكن أن تستفيد الحكومات من تكنولوجيا البلوك تشين لتعزيز الابتكار وتقليل الآثار البيئية التي تتسبب في التغيّر المناخي؟

كيف يمكن أن تساعد البلوك تشين في معالجة مشكلات تغيّر المناخ؟

البلوك تشين هي قاعدة بيانات لامركزية تتيح التدفق السلس للبيانات بطريقة آمنة، نظراً إلى ميزة الأمان، غالباً ما ترتبط بالقطاع المالي، لكن هذه التكنولوجيا يمكن استخدامها في كثير من الحالات التي لم تتم الاستفادة منها بعد بالشكل الأمثل، من ضمنها التصدي للتغيّر المناخي، حيث يمكن استخدامها بعدة طرائق، منها:

مراقبة البصمة الكربونية للشركات

في الفترة الأخيرة أصبحت الشركات أكثر حرصاً في الإعلان عن إطلاقها برامج مختلفة لمعالجة الاستدامة، وفي كثير من الحالات تفعل ما تقوله بالضبط، ومع ذلك من الشائع أن تختبئ بعض هذه الشركات وراء مقاييس مبهمة وأهداف غير منطقية إلى حد ما، حيث يؤدي الافتقار إلى الرقابة الشفافة أو المعايير الواضحة إلى تفاقم هذا الأمر، ما يجعل الكثير من الشركات تتلاعب بالحقيقة حول جهودها لتكون أكثر مراعاة للبيئة أو ما يعرف باسم الغسيل الأخضر (Greenwashing) في محاولة لمجرد تحسين صورتها أمام المستهلكين.

لكن نظراً إلى أن البلوك تشين معروفة بشفافيتها، يمكن استخدامها لتتبع أرصدة الكربون والتدابير البيئية الأخرى، مع محاسبة الشركات التي تعلن أنها مستدامة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي استخدام العقود الذكية إلى أتمتة عملية تتبع كمية الكربون التي يتم إنتاجها في كل خطوة من عمليات الشركة، ثم الإبلاغ بعد ذلك عن هذه المعلومات إلى خدمات المراقبة المختلفة ونقلها إلى الجمهور، وبهذه الطريقة يمكن ضمان أن الشركة تلتزم بما أعلنت عنه من أهداف للحد من التغيّر المناخي.

اقرأ أيضاً: كيف تساهم تكنولوجيا البلوك تشين في حل المشكلات البيئية التي نواجهها؟

تحسين شفافية سلسلة التوريد

تطور المستهلكون والمجتمع ككل اليوم، ليصبحوا واعين بشأن مشترياتهم والتركيز المتزايد على تفاصيل المنتج مثل قائمة المكونات، وتفاصيل مصادر المكونات، حيث يفضل المستهلكون الآن المنتجات الصديقة للبيئة والمستدامة عن البدائل الأخرى، فقد أظهر استطلاع أجرته شركة الاستشارات (Accenture) في عام 2020، أن 60% من المستهلكين الآن أصبحوا أكثر وعياً بالممارسات التي تتخذها الشركات في إنتاج منتجاتها، و9 من كل 10 من هؤلاء المستهلكين من المرجح أن يستمروا في عادات الشراء المستدامة في المستقبل.

لذلك أصبح تتبع سلاسل التوريد ومعرفة المعلومات المتعلقة بها أمراً بالغ الأهمية لكسب ثقة المستهلك للعلامات التجارية، ومن ثم يمكن استخدام أنظمة التتبع القائمة على البلوك تشين كأداة قيمة لتتبع دورة الحياة الكاملة للمنتج، ما يجبر العلامات التجارية إلى الالتزام بأن عمليات التصنيع الخاصة بها تلبي المعايير البيئية المتفق عليها للحفاظ على عملائها.

اقرأ أيضاً: هل ينجح مليارديرات العملات المشفرة في بناء مدنهم الخاصة؟

تحفيز الممارسات المستدامة

على الرغم من أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تعلن غالباً عن حوافز لتبني ممارسات مستدامة، فإن الواقع الأساسي مختلف تماماً والحوافز الفعلية ليست مشجعة، ولكن تكنولوجيا البلوك تشين لديها القدرة على تغيير هذا، حيث يمكن أن تساعد في تطوير برنامج حوافز منظم يمكن للحكومات اعتماده لتحفيز الشركات التي تسهم في المبادرات المناخية مثل الحد من النفايات وبرامج إعادة التدوير وغيرها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة البلوك تشين على تتبع المقاييس مثل استهلاك الطاقة، يمكن أن تساعد الشركات في كسب المكافآت على جهودهم في تقليل البصمة الكربونية في عملياتهم التشغيلية، ما يحفز الشركات على تبني ممارسات المناخ بشكل متزايد والمساهمة في تحقيق أهداف المناخ العالمية.

اقرأ أيضاً: ما هي فوائد تكنولوجيا البلوك تشين في قطاع العقارات؟

تشجيع عمليات تجارية أكثر استدامة

في الفترة الحالية يشهد التمويل المستدام أو التمويل الأخضر (Green finance) ازدهاراً كبيراً، حيث يشجع هذا النوع من التمويل الشركات والأفراد على التحول إلى عمليات تجارية أكثر استدامة، ومع أنه نهج مثمر وجدير بالثناء، فإنه من الصعب تأكيد صحة مقاييس الاستدامة أو استخدام الأموال الممنوحة لدعم الاستدامة.

في هذه الحالة يمكن أن تساعد إمكانات تكنولوجيا البلوك تشين الكبيرة في تخزين هذه البيانات بشكل ثابت وتشفير الأصول في حل هذه المشكلة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام العقود الذكية لتشجيع البلدان على مستوى العالم على الوفاء بالتزاماتها المناخية، ما سيضمن تطبيقاً أكبر للممارسات البيئية الصحيحة ويقلل من فرص الالتزامات الوهمية، على سبيل المثال إذا فشلت شركة ما في تلبية حدود تعويض البصمة الكربونية الخاصة به، فيمكن تحويل الحافز الخاص به إلى شركة أخرى أوفت بالمعايير الموضوعة لها.

تعزيز الشفافية في أسواق تداول انبعاثات الكربون

من المتوقع أن ينمو سوق تداول انبعاثات الكربون (Carbon Emission Trading)، والتي تهدف إلى الحد من غازات الاحتباس الحراري من خلال السماح بشراء وبيع ائتمانات الكربون بشكل كبير في السنوات المقبلة، مع توقع زيادة الطلب على أرصدة الكربون بأكثر من 50 مليار دولار بحلول عام 2030، ومع ذلك هناك مخاوف جدية بشأن كيفية إدارة تداول سوق الكربون، بما في ذلك قضايا الثقة والشفافية وازدواجية الحساب لخفض انبعاثات غازات الدفيئة.

لمواجهة هذه التحديات، يمكن استخدام تكنولوجيا البلوك تشين في أسواق تداول الكربون لتحسين هيكل السوق وإحداث ثورة فيه، من خلال تعزيز الشفافية وخفض تكاليف المعاملات وبناء الثقة، حيث تسمح التكنولوجيا بنقل الموارد وتوثيق المعاملات عبر قاعدة بيانات مركزية وآمنة، مع زيادة مشاركة أصحاب المصلحة والمشاركة وتقديم الأفكار المبتكرة في مكافحة تغيّر المناخ.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تعدين البيتكوين على المجتمعات المحلية؟ دراسة حالة

على الرغم من أن تكنولوجيا البلوك تشين قد لا تكون عاملاً أوليّاً للتعامل مع مشكلات تغيّر المناخ، فإنه يجب على جميع القطاعات الصناعية التفكير جدياً في تطوير أساليب ناجحة للتعامل مع الانبعاثات الكربونية التي تنتجها، والتي تؤثر بشكل كبير على مظاهر الحياة الطبيعية في كوكب الأرض، وتجاوز فكرة أن البلوك تشين جزءٌ من المشكلة، لأنها في الحقيقة يمكن أن تشكل جزءاً من الحل.

المحتوى محمي