في الفضاء، لا يسمع نحيبك أحد. فماذا عن البدلات الفضائية الذكية والاكتئاب؟
لقد تم توثيق الصلة بين استكشاف الفضاء والمحنة العاطفية جيداً على مدى عقود من الزمن، وعلى الرغم من أن هذه المشاعر لا ترتبط دائماً بما يواجهه الناس في الفضاء، فلقد عانى باز ألدرين (Buzz Aldrin)، على سبيل المثال، من الاكتئاب لسنوات بعد المشي على سطح القمر، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذا الإنجاز تجاوز بأشواط بعيدة كل ما حققه فيما بعد. ومع ذلك، فإن السفر إلى الفضاء يعرّض المرء لمخاطر نفسية خاصة، لا سيما عندما تكون الرحلة الفضائية طويلة الأمد في أوساط ضيقة.
البدلات الفضائية الذكية المضادة للاكتئاب
تعال لنتحقق من مشروع بحثي قيد العمل -ممول جزئياً من قبل وكالة "ناسا"- في جامعة "فلوريدا بوليتكنيك"، والذي سيستخدم تكنولوجيا مدمجة في بدلات رواد الفضاء لتقييم مدى شعورهم بالراحة وضبط الظروف المحيطة بهم بما يلائم ذلك. ووفقاً لبيان صحفي من الجامعة، فإن المنتج الذي يحاول الباحثون تطويره -والذي تطلق عليه البشرة الحسية الذكية (Smart Sensory Skin)- سيراقب مجموعةً من نقاط البيانات الحيوية، بما في ذلك، "معدل النبض وضغط الدم وزوايا المفاصل".
ثم يتم تغذية هذه المعلومات لاسلكياً إلى أنظمة أخرى في بيئة رواد الفضاء، مما يسمح للمحطة الفضائية أو المركبة الفضائية بضبط الإضاءة ومستويات الأكسجين، وبعض العوامل الأخرى بشكل فعّال. وفي هذه العملية، ربما تتوفر إمكانية توقّع احتياجات رواد الفضاء قبل أن تتحول هذه الاحتياجات إلى مشاكل، مما قد يجنّبهم التعرّض لبعض التحديات النفسية المرتبطة بقضاء فترات طويلة بعيداً عن الأرض. تشكل هذه التقنية جزءاً من الأبحاث التي يجري العمل عليها منذ فترة طويلة في "ناسا"، بما في ذلك تجارب في آثار دورات تعاقب النوم والاستيقاظ والتعرض للضوء أثناء رحلة الفضاء.
ركّزت معظم التغطية الصحفية للمشروع على توصيف جامعة "فلوريدا بوليتكنيك" لمنتجها المقترح بأنه "بدلة سعيدة". في حين يشير هذا المصطلح إلى أن التكنولوجيا نفسها من شأنها أن تخفف بطريقة أو بأخرى من الاكتئاب، يبدو من الأكثر دقة الإشارة إلى أن هذه التكنولوجيا تشكّل امتداداً للمراقبة الحيوية المتاحة بالفعل للمدنيين هنا على الأرض. فكّر، على سبيل المثال، في أجهزة رصد معدل ضربات القلب المدمجة بالفعل في العديد من أجهزة تتبع اللياقة البدنية، أو الطريقة التي تشجّع بها ساعات آبل مرتديها على الوقوف بشكل دوري.
هل هناك مشاكل محتملة لهذا الابتكار؟
في الواقع، من الممكن تماماً أن يكون لمشروع البشرة الحسية الذكية آثاراً أرضية، حتى لو لم يرافق رواد الفضاء إلى المريخ. هناك تاريخ طويل من التطبيقات التجارية لتقنيات الفضاء، انطلاقاً من الحفاظ على النباتات ووصولاً إلى أقمشة القمصان. يمكننا هنا أن نتخيل أجهزة استشعار يمكن أن يرتديها المرء لتتواصل بدورها مع أجهزة أخرى في المنازل الذكية على نحو يحسّن من بيئات معيشتنا الأرضية لتلبية احتياجاتنا بشكل أفضل. إنها آفاق واعدة، ولكنها لا تخلو من بعض المشاكل المحتملة أيضاً، نظراً لما يترتب على هذه الابتكارات من انعكاسات على الخصوصية.
وعلاوة على ذلك، فمن الممكن تماماً أن يعزلنا التخصيص التلقائي فعلياً عن بيئاتنا من خلال التركيز على ما يُفترض أننا بحاجة إليه بدلاً من التركيز على ما نريده حقاً، مما يؤدي بالتالي إلى تجريدنا من قوتنا. من السهل أن نتخيل نشوء مشاكل مماثلة في الفضاء أيضاً.
وفي نهاية الحديث عن البدلات الفضائية الذكية والاكتئاب، لا يمكن للبدلات الفضائية الأكثر تقدماً أن تفعل أكثر من هذا. من الصعب، على سبيل المثال، تخيل إمكانية مساعدتها لأفراد الطاقم على تجاوز ذلك النوع من قضايا التفاعل الشخصي التي يواجهها رواد الفضاء في بعض الأحيان، خاصة عندما يصعب عليهم التواصل مع بعضهم بسبب الاختلافات الثقافية، وقد أشارت التقارير إلى نشوء مثل هذه المشكلة في محطة "مير" الفضائية. وبالمثل، كما تلاحظ مجلة "سميثسونيان" (Smithsonian)، قد تكون مشاكل أخرى، مثل الهلوسة التي أثرت على رواد الفضاء في أبولو، "مجرد أثرٍ جانبي للتواجد في الفضاء". ولكن في حين قد لا يمثل مشروع البشرة الحسية الذكية قفزة عملاقة، إلا أنه لا يزال بإمكانه أن يشكل خطوة قيّمة، وإن كانت صغيرة، في الاتجاه الصحيح.