منذ أكثر من 50 عاماً، تم توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لكن هذه المعاهدة لا تنص على منع انتشار الأسلحة النووية فقط، إذ تنص المادة الرابعة منها على تعزيز الاستخدامات السلميّة للطاقة النووية في جميع أنحاء العالم بما يخدم مصلحة الإنسان، فما هذه الاستخدامات؟
استخدامات الطاقة النووية السلميّة
تعتمد الطاقة النووية على الطاقة الناتجة عن النظائر المشعة لبعض العناصر. والنظائر المشعة هي أشكال غير مستقرة لعنصر كيميائي معين، لها نوى بنفس عدد البروتونات، لكن بأعداد مختلفة من النيوترونات (البروتونات والنيوترونات من مكونات أنوية الذرات).
إن خصائص ذرات هذه العناصر المشعة لها العديد من التطبيقات في العديد من جوانب الحياة اليومية الحديثة، ومن هذه التطبيقات الاستخدامات السلميّة للطاقة النووية.
توليد الكهرباء
بدأت أول محطة لتوليد الكهرباء باستخدام الحرارة الناتجة عن انقسام ذرات اليورانيوم في العمل في الخمسينيات من القرن الماضي، وتوفر محطات الطاقة النووية اليوم الكهرباء في أكثر من 30 دولة من حول العالم، وتمد هذه الدول بـ17% من إمدادات الكهرباء العالمية، وتسبب خفض 8% من انبعاثات الكربون العالمية.
اقرأ أيضاً: تعرّف على سر الحصول على طاقة نووية بتكلفة معقولة
الزراعة
في الزراعة، يمكن استخدام الطاقة النووية السلميّة بعدة أشكال:
تحسين النباتات المزروعة
يمكن تعريض بذور النباتات أو أجزاء منها للإشعاع؛ وذلك بهدف إحداث طفرات نوعية فيها، ما يكسبها صفات مرغوبة عندما تنمو. تحدث هذه الطفرات بشكل طبيعي في النباتات وتكسبها صفات محسّنة، لكن عملية التشعيع تُكسبها الصفات المرغوبة بسرعة.
تم تطبيق هذه التقنية على نباتات الأرز في بنغلاديش، ما أدى إلى زيادة المحاصيل بمقدار ثلاثة أضعاف في العقود القليلة الماضية، وساعدها ذلك على تحقيق الأمن الغذائي.
الأسمدة
للأسمدة أضرار على البيئة إذا استُخدمت بإفراط، لذلك يمكن وسم الأسمدة بنظير مشع مثل النيتروجين 15 للتحقق من الكمية التي استفادت منها النباتات، ما يسمح بإدارة أفضل لاستخدام الأسمدة.
اقرأ أيضاً: لماذا يمثل الهيدروجين الأخضر بديلاً جذاباً للوقود الأحفوري؟
مكافحة الحشرات
تتسبب الحشرات في خسائر كبيرة في المحاصيل على الرغم من جميع طرق المكافحة المستخدمة، سواء كانت عن طريق المبيدات الحشرية أو المكافحة الحيوية. لذلك لجأ الباحثون إلى استخدام المحاصيل المعدّلة وراثياً، بحيث تكون لها القدرة على مقاومة الحشرات والآفات دون الحاجة للمبيدات.
من الطرق الأخرى، نشر الحشرات العقيمة SIT، في هذه التقنية يتم تعريض الحشرات للإشعاع، ومن ثم يُعاد نشرها في تجمعاتها الطبيعية. تكون هذه الحشرات قادرة على المنافسة جنسياً، لكنها لا تستطيع إنتاج ذرية. وبذلك تتم مكافحة الحشرات بطريقة صديقة للبيئة.
تُستخدم هذه التقنية منذ 60 عاماً تقريباً، وقد تم تطبيقها على البعوض والعث والدودة الحلزونية وذبابة التسي تسي وذباب الفاكهة المختلفة، وأدت إلى مكافحة الأمراض التي تنقلها هذه الحشرات مثل فيروس زيكا.
كشف الدخان
تحتوي بعض أجهزة كشف الدخان المنزلية على كمية صغيرة من عنصر الأمريسيوم 241، وهو منتج من البلوتونيوم 241 الناشئ في المفاعلات النووية. إذا دخل الدخان إلى هذا الكاشف، يمتص الأمريسيوم جسيمات تسمى جسيمات ألفا ويقطع التيار، ويطلق الإنذار.
تعقيم الغذاء
أصبح من الشائع تعريض المواد الغذائية لأشعة غاما بهدف قتل البكتيريا التي تتسبب بأمراض للإنسان، أو البكتيريا التي تسبب فساد الأغذية، ما يسهم في زيادة مدة الصلاحية.
يسهم التشعيع أيضاً في زيادة مدة الصلاحية عن طريق تأخير نضج الفاكهة والخضروات، كما أنه يساعد في مكافحة الآفات.
اقرأ أيضاً: ما هو المفاعل التجريبي الحراري النووي الدولي؟
الصناعة
تستخدم النظائر المشعة من قِبل الشركات المصنّعة لمراقبة تدفق السوائل واكتشاف التسربات وقياس تآكل المحرك وتآكل المعدات. تُضاف كميات صغيرة من المواد المشعة أيضاً إلى المواد المستخدمة في عمليات مختلفة، ومن خلالها يمكن دراسة معدلات الخلط والتدفق لمجموعة واسعة من المواد المستخدمة في الصناعة، بما في ذلك السوائل والمساحيق، وتحديد مواقع التسربات ومستويات الغازات والسوائل.
التأريخ بالكربون المشع
تساعد تقنية التأريخ بالكربون المشع على تحديد عمر الصخور والمواد الأخرى التي تهم الجيولوجيين وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء المياه وعلماء الآثار.
تحلية المياه
تنتشر الآن محطات تحلية مياه البحر أو المياه الجوفية المعدنية أو مياه الصرف الصحي التي تعمل على الطاقة النووية في عدة دول، مثل كازاخستان والهند واليابان. ساهم استخدام الطاقة النووية في محطات التحلية في تخفيض استخدام الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى انبعاث الغازات الدفيئة في الجو.
اقرأ أيضاً: كيف تعمل وحدة تحلية المياه بالطاقة الشمسية؟
الطب
يُستخدم الإشعاع والنظائر المشعة في الطب لتشخيص وعلاج العديد من الحالات الطبية وتطوير اللقاحات.
التشخيص
تستخدم تقنيات التشخيص في الطب النووي الأدوية المشعة التي تنبعث منها أشعة غاما من داخل الجسم، تسمح هذه المواد بفحص عمليات فيزيولوجية محددة. تدخل هذه المواد الجسم عن طريق الفم أو الحقن أو الاستنشاق، ويتم الكشف عن الانبعاثات الصادرة عنها عبر أجهزة التتبع الراديوية بواسطة جهاز التصوير الذي يوفر الصور والمعلومات الجزيئية. يمكن أن يوفر تراكب صور الطب النووي مع التصوير المقطعي المحوسب (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) رؤية شاملة للأطباء للمساعدة في التشخيص. ومن ميزات تقنيات الأشعة السينية فوق النووية إمكانية تصوير العظام والأنسجة الرخوة بنجاح كبير.
لا تضر هذه المواد الجسم، إذ يُستخدم مثلاً النظير المشع التكنيتيوم- 99 مع نصف عمر يبلغ 6 ساعات فقط، ويعطي المريض جرعة إشعاعية منخفضة جداً تساعد على تتبع العديد من العمليات الحيوية بأقل قدر من الانزعاج للمريض.
تستخدم على نطاق واسع للإشارة إلى الأورام ودراسة القلب والرئتين والكبد والكلى والدورة الدموية والحجم وبنية العظام.
العلاج
من أكثر العناصر المشعة استخدماً للعلاج هو اليود المشع 131، فهو يستخدم بكميات صغيرة لعلاج السرطان وأمراض الغدة الدرقية.
ويستخدم لعلاج الأورام السرطانية أيضاً حزمة من أشعة غاما من مصدر كوبالت 60، ويتعرض لها المريض خارجياً، كما يُستخدم مصدر إشعاع غاما أو بيتا صغيراً داخلياً. وهذه من أكثر طرق علاج السرطان انتشاراً.
التعقيم
تستخدم المستشفيات أشعة غاما لتعقيم المنتجات والمستلزمات الطبية مثل المحاقن والقفازات والملابس والأدوات التي قد تتلف بسبب التعقيم الحراري. تعد هذه التقنية أقل تكلفة وأكثر فاعلية من طرق التعقيم الأخرى، خاصةً في تعقيم العناصر الحساسة للحرارة مثل المساحيق والمراهم والمحاليل، والمكونات البيولوجية مثل العظام والأعصاب والجلد المستخدمة في ترقيع الأنسجة، وغيرها الكثير من المنتجات الطبية.
النقل
تُستخدم مفاعلات الطاقة النووية الصغيرة لتزويد السفن والغواصات بالطاقة، فالسفن تبقى في البحر لفترات طويلة دون إمكانية التزود بالوقود.
وفي المركبات الفضائية، تُستخدم المولدات الحرارية للنظائر المشعة (RTGs) للتزود بالطاقة. قد تكون هذه المولدات الحرارية مصدر الطاقة الوحيد للمركبة، أو قد تكون مساعدة لألواح الطاقة الشمسية.
يمكن أيضاً استخدام الكهرباء المتولدة من محطات الطاقة النووية لتشغيل السيارات الكهربائية.
اقرأ أيضاً: نحن بحاجة إلى محركات نووية أكثر قوة حتى نتوغل أكثر في الفضاء وبسرعات أكبر
البيئة
تؤدي النظائر المشعة دوراً مهماً في الكشف عن الملوثات في البيئة وتحليلها. وتم تطبيق التقنيات النووية على مجموعة من مشكلات التلوث بما في ذلك تكوين الضباب الدخاني، وتلوث الغلاف الجوي بثاني أوكسيد الكبريت، وتتبع مياه الصرف الصحي في المحيطات، وتسربات النفط. كما أن تبنّي الطاقة النووية هو أداة مهمة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
البحث عن مياه الشرب
في البحث عن مياه الشرب، تتيح النظائر المشعة التتبع الدقيق للمياه الجوفية وقياس نسبتها. يسهم ذلك في إدارة وحفظ إمدادات المياه الحالية وفي تحديد المصادر الجديدة.
وبالنسبة للمياه السطحية، تساعد على تقديم معلومات حول التسربات عبر السدود وقنوات الري وديناميكيات البحيرات والخزانات ومعدلات التدفق وتصريف الأنهار ومعدلات الترسيب.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التشعيع إلى تدمير بعض الملوثات من مياه الصرف الناتجة عن العمليات الصناعية.
الحفاظ على البيئة البحرية
تُستخدم التقنيات النووية لتتبع التلوث وتكاثر الطحالب الضارة في المياه البحرية، وتقييم أسباب تموّت الأحياء في المناطق الساحلية، ورصد الآثار البيئية على الحياة البحرية، وتعزيز الإجراءات العالمية ضد تحمض المحيطات.
على الرغم من جميع هذه الاستخدامات السلميّة للطاقة النووية، فإن الكثيرين يتخوفون من أثر العناصر المشعة، لكن يعتقد الخبراء أن هذا الأمر يمكن تجنبه مع التخطيط الجيد لتطبيق الطاقة النووية.