إذا كنت من مستخدمي البرامج مثل جوجل (Google) وإنستغرام (Instagram) وويكيبيديا (Wikipedia) ويوتيوب (YouTube)، ستلاحظ بعض التغييرات الجديدة في بعض النواحي مثل إدارة المحتوى والشفافية وميزات الأمان في هذه المواقع خلال الأشهر الستة المقبلة.
ويعود ذلك إلى التشريعات الجديدة المتعلقة بالتكنولوجيا التي أقرها الاتحاد الأوروبي في عام 2022 ولكنها لم تحظَ بالاهتمام الكافي، خصوصاً في الولايات المتحدة. أُشير بالتحديد إلى قانونَين يحملان اسمي "قانون الخدمات الرقمية" أو "دي إس أيه" اختصاراً (Digital Services Act. DSAً)، و"قانون الأسواق الرقمية" أو "دي إم أيه" اختصاراً (Digital Markets Act. DMA).
ويُعتبر هذان القانونان ثوريَّين؛ إذ إنهما يحددان معاييرَ دولية مثلى لممارسة الرقابة على شركات التكنولوجيا عندما يتعلق الأمر بالمحتوى الذي ينشره المستخدمون. يتعلق قانون الخدمات الرقمية بالأمن الرقمي وشفافية شركات التكنولوجيا، بينما يتعلق قانون الأسواق الرقمية بالمنافسة ومكافحة الاحتكار في قطاع التكنولوجيا. لنخض في التفاصيل أكثر.
اقرأ أيضاً: 5 طرق تساعد الشركات في حماية خصوصيتها الرقمية
قانونان ثوريان
في أواخر شهر فبراير/ شباط 2023، أُحرز تقدّم ملحوظ تجاه إقرار قانون الخدمات الرقمية. بحلول 17 فبراير/ شباط 2023، طُلب من منصات التكنولوجيا الأوروبية جميعها الإبلاغ الذاتي عن عدد مستخدميها الشهري، واستُخدمت هذه المعلومات لتصنيف الشركات في مستويات مختلفة. وأُطلق على أكبر الشركات؛ التي يتجاوز عدد مستخدمي خدماتها النشطين الشهري في الدول الأوروبية 45 مليون مستخدم (أو نحو 10% من سكان الاتحاد الأوروبي)، اسم "منصات الإنترنت الكبيرة جداً" أو "محركات البحث الكبيرة جداً على الإنترنت"، وستخضع لأدق معايير الشفافية والرقابة بموجب القرارَين الجديدَين. سيُفرض عدد أقل من الالتزامات على المنصات الأقل استخداماً، وهي قاعدة تُعتبر جزءاً من سياسة تمت صياغتها لتشجيع المنافسة وتحفيز الابتكار ومحاسبة شركات التكنولوجيا الكبيرة في الوقت نفسه.
قال لي السفير الفرنسي للشؤون الرقمية، أونري فيردييه (Henri Verdier) في عام 2022: "إذا طلبنا من الشركات الصغيرة أن توظّف 30 ألفاً من مدراء المحتوى، فستنهار".
اقرأ أيضاً: المحدودية الرقمية: معضلة كبرى تلوح في الأفق
ما الإجراءات التي ستُطبَّق بموجب قرار الخدمات الرقمية؟
حتى الآن، أعلنت 18 شركة على الأقل عن أنها تُصنَّف كإحدى منصات الإنترنت الكبيرة جداً، وتشمل هذه معظم المنصات الشهيرة مثل يوتيوب وتيك توك (TikTok) وإنستغرام وبنترست (Pinterest) وجوجل وسناب تشات (Snapchat). (إذا رغبت بالاطلاع على القائمة الكاملة لهذه المنصات، يمكنك الاستعانة بملف جوجل دوكس (Google docs) الذي كتبه أستاذ القانون في كلية لندن للاقتصاد، مارتن هوسوفيتس (Martin Husovec) والذي يبين تصنيف الشركات الكبيرة جميعها ويحتوي أيضاً على شرح مرافق).
سيفرض قانون الخدمات الرقمية على هذه الشركات تقييم مخاطر استخدام منصاتها؛ مثل احتمالية وجود المحتوى غير القانوني أو حدوث عمليات التلاعب بالانتخابات، ووضع الخطط للتخفيف من هذه المخاطر من خلال عمليات التدقيق المستقلة للتحقق من السلامة. وسيتعين على الشركات الأصغر (أي التي لا يصل عدد مستخدمي خدماتها إلى 45 مليون مستخدم) تلبية معايير إدارة المحتوى التي تتضمن إزالة المحتوى غير القانوني "على وجه السرعة" بمجرد اكتشافه، وإخطار المستخدمين بإزالة هذا المحتوى وتعزيز إنفاذ السياسات القائمة.
اقرأ أيضاً: منظومة المراقبة الخاصة في جنوب إفريقيا تعزز نظام فصل عنصري رقمي
يقول مؤيدو هذا التشريع إنه سيساعد على إنهاء العصر الذي مارست فيه شركات التكنولوجيا الرقابة الذاتية. يقول فيردييه: "لا أريد أن تحدد الشركات بنفسها ما هو محظور وما هو غير محظور دون أن تخضع لسلطة خارجية وتتعرض للمساءلة وتقدّم التقارير، ودون أن يتمكن أحد من الطعن في قراراتها. هذه العوامل كلها خطِرة للغاية".
مع ذلك، يوضّح مشرعو القرار إن المنصات لن تكون مسؤولة عن المحتوى غير القانوني الذي ينشره المستخدمون، إلا إذا كانت على علم بوجوده ولم تقم بإزالته.
لعل الأمر الأكثر أهمية هو أن قانون الخدمات الرقمية يتطلب من الشركات أن تزيد شفافيتها بشكل كبير، وذلك من خلال الالتزام بالإبلاغ عن إشعارات "شروط الخدمة" وتسليم التقارير المنتظمة والمدققة والمتعلقة بإدارة المحتوى. تأمل الجهات الرقابية أن يكون لهذا القرار تأثير واسع النطاق في الحوارات العامة المتعلقة بالمخاطر المجتمعية لمنصات التكنولوجيا الكبيرة مثل انتشار خطاب الكراهية والمعلومات المضلِّلة والعنف.
اقرأ أيضاً: ما هي الهوية الرقمية؟ وما فوائدها في الأعمال ولمستخدمي الإنترنت؟
ما التغييرات التي سيلاحظها المستخدمون؟
سيتمكن المستخدمون من المشاركة في القرارات المتعلقة بإدارة المحتوى التي تتخذها الشركات والاعتراض عليها رسمياً. سيحظر قانون الخدمات الرقمية بشكل فعال ما يُدعى بالحجب غير المعلَن (أي حظر المستخدمين من المواقع دون إشعارهم)، وسيحد من العنف الإلكتروني ضد النساء، وكذلك سيحظر عرض الإعلانات المستهدِفة للمستخدمين دون سن 18 عاماً. ستُوفَّر أيضاً البيانات المتعلقة بكيفية عمل خوارزميات التوصيات والإعلانات والمحتوى وإدارة الحسابات على المنصات؛ ما سيكشف معلومات أكثر عن آلية عمل شركات التكنولوجيا الكبيرة. امتنعت شركات التكنولوجيا الكبيرة عبر تاريخها عن مشاركة بيانات منصاتها مع الجمهور وحتى مع الباحثين الأكاديميين.
ما الخطوات التالية؟
ستقوم المفوضية الأوروبية الآن بمراجعة أعداد المستخدمين التي أُبلغ عنها؛ كما أنها قادرة على الطعن بالمعلومات المقدّمة وطلب المزيد من المعلومات من الشركات. تتمثّل إحدى المشكلات الجديرة بالذكر في استثناء المواقع الإباحية من فئة المنصات الكبيرة جداً، وهي خطوة وصفها هوسوفيتس بأنها "صادمة". قال لي هوسوفيتس إنه يعتقد أنَّ على المفوضية الأوروبية أن تطعن بالأعداد المبلّغ عنها من المستخدمين في هذه المواقع.
اقرأ أيضاً: إليك 5 مخاطر تواجه نظم المعلومات المحاسبية الرقمية
وبمجرد الوصول إلى تصنيف نهائي للشركات، ستُمنح الشركات ذات العدد الأكبر من المستخدمين مهلة تمتد حتى 1 سبتمبر/أيلول 2023 للامتثال للقواعد الجديدة، بينما ستمتد المهلة إلى 17 فبراير/ شباط 2024 بالنسبة إلى الشركات ذات العدد الأقل من المستخدمين. يتوقع العديد من الخبراء أن تقوم الشركات بتطبيق التغييرات الجديدة على المستخدمين حول العالم، وليس فقط الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي. ونظراً لأن تعديل القسم 230 يبدو غير مرّجح في الولايات المتحدة، سيستفيد العديد من المستخدمين الأميركيين من القرارات الخارجية التي ستجعل استخدام الإنترنت أكثر أماناً (القسم 230 هو قسم من العنوان رقم 47 من القانون الأميركي الذي تم سنّه كجزء من قانون آداب الاتصالات لعام 1996؛ الذي يمثّل بدوره العنوان الخامس من قانون الاتصالات لعم 1996. عموماً، يوفّر هذا القسم الحصانة لخدمات الإنترنت من تبعات نشر المحتوى فيها من قبل المستخدمين).