الإجهاد مرتبط بتقلُّص حجم الدماغ، لكن هل هو السبب في تقلصه؟

3 دقائق
الرسم التوضيحي بواسطة ويليام جويل / تي.

لا تقلق، فصحيح أن دراسة جديدة قد أظهرت أن الدماغ يميل لأن يكون أصغر عند الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من "هرمون الإجهاد"، ولكن هذا -بحسب موقع ذا فيرج (The Verge)- لا يعني أن أحد الأمرين يؤدي إلى الآخر.

وتشير الدراسة التي نُشرت مؤخراً في مجلة نورولوجي (Neurology) عن صغر حجم الدماغ وانخفاض مستوى الذاكرة عند الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من المتوسط من الكورتيزول، الذي يُعرف بشكل عام باسم هرمون الإجهاد. ولكن من المبكّر لأي وسيلة إعلامية أن تحذِّر من أن الإجهاد من شأنه أن يقلِّص حجم الدماغ. وتقول سودها سيشادري (أستاذة طب الأعصاب في مركز العلوم الصحية بجامعة تكساس في سان أنطونيو، والمؤلفة الرئيسية للدراسة): "في الوقت الحالي، كل ما يمكننا قوله هو أن (أ) مرتبط بـ (ب)، ولكن لا يمكننا حقاً أن نقول أي شيء عن السببية".

ويقول بروس ماكيوين (عالم الأعصاب في جامعة روكفلر في نيويورك، ولم يكن مشاركاً في البحث): "تعدّ النتائج مذهلة"، ومع ذلك فهو يضيف: "إن الكورتيزول هو جزء صغير فقط، وهناك الكثير من الأمور الكامنة".

ويُذكر أن الكورتيزول هو هرمون يفرزه الجسم استجابة لعدد من عوامل الإجهاد المختلفة، مثل التوتر النفسي المفاجئ أو الالتهاب المزمن، وليست هذه هي المرة الأولى التي يربط فيها العلماء هذا الهرمون بالتغيُّرات التي تحدث في الدماغ، فقد ربطت دراسات أخرى المستويات المرتفعة جداً من الكورتيزول بتقلُّص حجم بعض مناطق الدماغ، مثل أجزاء الدماغ المرتبطة بالذاكرة، ويمكن لتقلُّص الدماغ أن يشير إلى وجود اختلال عصبي أو إدراكي. وعلى الرغم من أن ذلك لا يعني بالضرورة تموُّت خلايا الدماغ، إلا أن ذلك قد يعني أن هذه الخلايا الثمينة تخسر الجهاز الداعم لها كما يقول ماكيوين، ويضيف: "إنها علامة على أن الأمور ليست جيدة".

وفي هذه الدراسة الأخيرة، قام فريق من الباحثين بإشراف سيشادري وجوستين إيشوفو-تشيجوي (وهو أستاذ مساعد في جامعة جونز هوبكنز) بدراسة كامل الدماغ عند أكثر من 2000 شخص يبدون بصحة جيدة. وللعثور على هؤلاء الأشخاص، لجأ فريق البحث إلى دراسة فرامنغهام للقلب، وهي دراسة ضخمة على مدى ثلاثة أجيال، وكانت تراقب أحد المجتمعات في ولاية ماساتشوستس منذ عام 1948. أخذ الباحثون عينات دم من المشاركين في الدراسة لقياس مستويات الكورتيزول واختبار ذاكرتهم ومنطقهم وانتباههم، كما قام الباحثون أيضاً بتصوير أدمغة المشاركين في الدراسة للبحث عن الاختلافات في حجم الدماغ وكذلك المادة البيضاء التي تعزل الألياف البيولوجية فيها.

وانقسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات مختلفة، وكانت مقسَّمة حسب مستويات الكورتيزول التي هي ضمن الحدود الطبيعية الدنيا، أو المتوسطة، أو القصوى. ووجد الباحثون أن الذاكرة والانتباه تميل لأن تكون أضعف عند الأشخاص الذين لديهم أعلى المستويات من هرمون الكورتيزول، كما أن حجم الدماغ يكون أصغر، ولا سيما النساء، كما أظهرت مجموعة الكورتيزول المرتفع أيضاً علامات على أذيَّة المادة البيضاء، التي يعتقد مؤلفو الدراسة أنها يمكن أن تُسهم في اختلافات الذاكرة والانتباه؛ لأن الإشارات لا تنتقل على طول الألياف العصبية بنفس الكفاءة عندما تضعف المادة البيضاء العازلة.

ومع ذلك فإن ماكيوين يحذِّر القرَّاء من استنتاج أن الإجهاد هو المسؤول عن ذلك بسبب مشاركة الكورتيزول، فصحيح أن الأحداث المُجهدة والمفاجئة يمكنها أن تجعل الغدد تبدأ في إفراز الكورتيزول، إلا أن هناك أموراً أخرى يمكنها أن تفعل الشيء نفسه؛ إذ يستخدم الجسم الكورتيزول لتثبيط الالتهاب على سبيل المثال، وبالتالي فمن الممكن للالتهاب المزمن أيضاً أن يسبِّب ارتفاع الكورتيزول. يقول ماكيوين: "إنها مجرد محاولة للتملُّص من الأمر بإلقاء اللوم على الإجهاد". كما يسأل مؤلف الدراسة إيشوفو-تشوجوي: "وأنت تقرأ هذه الدراسة، هل رأيت شيئاً مذكوراً عن الإجهاد؟"، الإجابة هي لا، فليس هناك أي ذكر لذلك حتى قسم المراجع.

من الممكن أن يكون الكورتيزول هو الذي يسبب التغيُّرات في حجم الدماغ، فهذا الأمر تمت ملاحظته من قبل كما يقول ماكيوين، ولكن حتى في حال وجود الالتهاب فإنه يمكنه أن يلعب دوراً في أذيَّات المادة البيضاء التي اكتشفها الباحثون. وتوافق سيشادري على ذلك بقولها: "نعم، هذا ممكن، ويمكن أن يكون هناك العديد من العوامل المشابهة لذلك".

ويأمل ماكيوين أن يواصل الفريق البحث عن سبب وجود مستويات أعلى من الكورتيزول عند بعض الأشخاص مقارنة بالآخرين، واكتشاف الأمور الأخرى التي قد تؤثر على أدمغتهم أيضاً، كما ألمح الباحثون إلى أنهم يخططون للقيام بذلك. ويقول ماكيوين: "إنها خطوة جيِّدة في الاتجاه الصحيح، ويكمن خلفها الكثير من الأمور البيولوجية التي تحتاج إلى المزيد من البحث".

المحتوى محمي