الإجراءات المناخية تكتسب زخماً متزايداً في ضوء تفاقم الكوارث

6 دقائق
الإجراءات المناخية تكتسب زخماً متزايداً في ضوء تفاقم الكوارث
حقوق الصورة: shutterstock.com/ 2M media

في الأشهر الماضية، شهدنا تسارعاً مذهلاً في الإجراءات المناخية، ومؤشرات مرعبة على الأخطار المناخية التي تسببنا بإطلاقها.

فقد خطت الولايات المتحدة، أخيراً، خطوة مهمة في مجال الإجراءات المناخية، وأقرت ثلاثة قوانين مهمة يمكن أن تؤدي إلى أضخم استثمار فيدرالي على الإطلاق في تكنولوجيا المناخ والطاقات النظيفة. وستقوم الولايات المتحدة بتخصيص المئات من المليارات من الدولارات على شكل مساعدات فيدرالية متنوعة، مثل المنح والقروض وعمليات الشراء والإعفاءات الضريبية، لتحفيز تطوير تكنولوجيات الطاقة الريحية والشمسية، وزيادة مبيعات السيارات الكهربائية، وتعزيز تصنيع البطاريات، وتطوير الأساليب الناشئة لالتقاط ثنائي أوكسيد الكربون وشفطه وتخزينه.

وفي هذه الأثناء، تحولت الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية وبدائل اللحوم إلى خيارات تنافسية واسعة الانتشار وحائزة على حصة سوقية لا يستهان بها. لقد تهاوت تكلفة المزارع الشمسية الضخمة بنسبة تجاوزت 80% خلال العقد المنصرم. أما شاحنة فورد F-150 الشرهة للوقود فقد أصبحت الآن متوافرة بطراز كهربائي جديد يحمل اسم لايتنينغ (Lightning). وأصبح البرغر المصنوع من لحوم إمبوسيبل (Impossible) على قوائم الطعام في سلسلة مطاعم برغر كينغ (Burger King).

اقرأ أيضاً: ما الذي يعيق اتخاذ تدابير لمواجهة التغير المناخي على أعلى المستويات؟

كما أعلنت آلاف الشركات الآن التزامها بخفض التلوث الذي تتسبب به إلى الصفر في العقود المقبلة، وحققت نسبة جيدة منها تقدماً فعلياً في هذا المجال. وتعمل عدة شركات على تطوير أساليب أكثر استدامة لإنتاج الإسمنت، والأسمدة، والفولاذ، والمواد الكيميائية. إضافة إلى ذلك، فقد بدأت شركات رؤوس الأموال الاستثمارية بضخ المليارات من الدولارات في التكنولوجيا المناخية.

وقامت العديد من الدول الأخرى برفع سقف طموحاتها المناخية أيضاً. فقد أقر الاتحاد الأوروبي في 2021 قانوناً يلزم الدول الأعضاء بتخفيض انبعاثاتها بنسبة 55% بحلول عام 2030 والوصول إلى حالة "الحياد المناخي" بحلول عام 2050. كما أعلنت الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية جميعاً التزامها بتحقيق الحياد الكربوني أو الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2060. وتعهدت الهند بالوصول إلى هذه الحالة بحلول عام 2070.

وإذا افترضنا أن كل بلد نفذ أحدث تعهداته في إطار اتفاق باريس المناخي، فسيتجه العالم نحو احترار بقيمة 2.4 درجة مئوية تقريباً فوق مستويات أواخر القرن التاسع عشر.

وعلى الرغم من أنه مقدار كبير للغاية، فهناك بعض العلماء الذين ما زالوا يحذرون من أننا نتجه نحو احترار بقيمة 4 درجات مئوية في هذا القرن.

وهي نقلة كبيرة بالنسبة للفترة القصيرة التي أمضيتها في تغطية شؤون المناخ والطاقة في إم آي تي تكنولوجي ريفيو، والتي لا تتجاوز السنوات الست. ولكن، ومع تراجع توقعات استخدام الفحم، وزيادة توقعات استخدام الطاقات المتجددة، وفرض الدول المختلفة للمزيد من السياسات المناخية، فإن سيناريو الحالة الأسوأ، على ما يبدو، أصبح مستبعداً على نحو متزايد. وهو خبر رائع.

تأخير مأساوي

ولكن، ووفق الكثير من الاعتبارات، فقد بدأنا باتخاذ هذه الإجراءات في وقت متأخر للغاية، إلى درجة مأساوية وكارثية لا تغتفر. وفيما نستعد لتحقيق تقدم أكبر في المستقبل، ما زال المعامل الأكثر أهمية في ارتفاع متواصل، فقد وصلت الانبعاثات العالمية إلى أعلى مستوى على الإطلاق في 2021، وذلك مع خروج الاقتصاد العالمي من أعماق مرحلة الوباء.

وعلى الرغم من أننا لم نرَ بعد حصيلة الانبعاثات في عام 2022، فإن النزاع في أوكرانيا تسبب بارتفاع حاد في أسعار الغاز الطبيعي، ما أعاد الطلب على الفحم إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، وهو نفس المستوى الذي وصل إليه منذ عقد مضى.

وهذا يعني أننا لم نحقق حتى الآن سوى إبطاء تأثيرنا في تفاقم التغيّر المناخي، على الرغم من أننا بدأنا برؤية خطورته الفعلية منذ الآن. فخلال هذا الصيف والخريف، شهدنا العبء المتزايد على البشر والبيئة بسبب احترار يبلغ 1.2 درجة مئوية وحسب، كما لاحظنا مؤثرات مقلقة على المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الآثار.

فقد أدت الفيضانات في باكستان إلى غمر ثلث مساحة البلاد، وتسببت بمقتل أكثر من ألف شخص، وتركت الملايين دون مأوى بعد الأمطار الموسمية التي يقول العلماء إن التغيّر المناخي أدى إلى اشتدادها بشكل شبه مؤكد. كما بدأت الأنهار الكبرى تجف في كافة أنحاء العالم، وهو أمر خطير بالنسبة للغذاء والماء، وكذلك بالنسبة لمعيشة المزارعين، ووثوقية الطاقة الكهرمائية.

اقرأ أيضاً: المحادثات المناخية في غلاسغو لن تحقق أهدافها.. إليكم أساليب أخرى لتسريع التقدم

وقد حطّمت موجات الحر الشديدة لهذا العام الأرقام القياسية في جميع أنحاء العالم، حيث اجتاحت أجزاء من اليابان والهند والصين وأوروبا والولايات المتحدة. فوصلت الحرارة في لندن إلى 40 درجة مئوية. وارتفعت في ساكرامنتو بكاليفورنيا إلى أكثر من 46 درجة مئوية. وفي كاجوب آباد بباكستان حلّقت إلى 51 درجة مئوية.

تمثل موجات الحر أحد أكثر أشكال الطقس العنيف إزهاقاً للأرواح، حيث وجدت أغلب الدراسات أن التغيّر المناخي سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الوفيات المتعلقة بالطقس في جميع أنحاء العالم.

وقد وصلت موجات الحر إلى مرحلة شديدة من الحرارة، في العديد من الأماكن، سنة بعد سنة، إلى درجة أن العلماء ما زالوا يكافحون لمعرفة قدرة النماذج المناخية على التقاط جميع العوامل المؤثرة والتعبير عن درجات الحرارة الشديدة التي يمكن أن تظهر مع تواصل تزايد تراكيز غازات الدفيئة.

وعلى حين أن الاحترار بمقدار 2.4 درجة هو أكثر مما كان يثير المخاوف السابقة بتحول الأرض إلى مكان غير صالح للحياة، فإن الأبحاث الجديدة وجدت أن الاحترار بمقدار 1.5 درجة مئوية يمكن أن يدفع الكوكب لتجاوز نقطة اللاعودة وصولاً إلى مرحلة انهيار النظام البيئي وحلقات التغذية العكسية التي تؤدي بدورها إلى مزيد من الاحترار.

اقرأ أيضاً: هل نستطيع منع وصول الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية مع كل هذه السيارات ومحطات توليد الكهرباء؟

من المرجّح أنك سمعت بهذه التحذيرات من قبل، ولكنها تستحق التكرار دون شك. فقد تعرضت الحياد المرجانية في المحيطات إلى الدمار، بعدما تمكنا من تسخين مياه المحيطات وزيادة حموضتها وتلويثها في نفس الوقت، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تلويث وتدمير الموطن وأماكن التفريخ للعديد من الأنواع الحية البحرية. كما أن تحطم صفائح الجليد القطبية سيرفع مستويات المحيطات، ويقلل من كمية الحرارة المرتدة إلى الفضاء. وسيؤدي جفاف الغابات وذوبان الجليد الدائم إلى إطلاق كميات هائلة من غازات الدفيئة المخزنة عالية التأثير.

الحالة الطارئة والواجب

إذاً، أين نحن من كل هذا؟

هناك جدالات متواصلة على الإنترنت والفضاء العام حول مدى التفاؤل أو التشاؤم أو اليأس الذي يجب أن يشعر به الناس حول وضع الإجراءات المناخية وخطر التغيّر المناخي، وما إذا كان العلماء وصانعو السياسات والمتابعون للمناخ سيدفعون نحو المزيد من التغيير عبر نشر رسالة من الأمل أو الخوف.

وأعتقد أن الناس يتفاعلون مع المعلومات والعواطف المختلفة بطرق مختلفة. ولهذا، فإن أفضل رهان لدينا هو ببساطة السعي نحو الحقيقة.

وأعتقد بوجود أخطاء حقيقية في تراجع الدول عن التزاماتها، وأخشى أن يؤدي الاحتباس المناخي لإطلاق العنان للتهديدات والصراعات والفوضى التي يمكن أن تتجاوز قدرتنا على التكيّف في الكثير من الأماكن.

وسيؤدي تزايد الحالات الطارئة وتداخلها إلى زيادة الضغط على مواردنا، والتأثير على سياساتنا، وإضعاف رغبتنا في تقديم المساعدة إلى الآخرين. ونحن نعلم علم اليقين أن المناطق الأكثر حراً وفقراً وضعفاً هي المناطق التي ستعاني أشد المعاناة، على الرغم من أن مساهمتها في التغيّر المناخي هي الأضعف.

اقرأ أيضاً: لماذا لم يعد بإمكاننا تجاهل خيار التكيّف المناخي؟

وسنشهد في السنوات المقبلة المزيد من الأمثلة عما حدث في باكستان. كما قد نشهد العديد من المآسي المتفاقمة الأخرى، على غرار ما حدث في سوريا، حيث أدى الجفاف والمجاعة وغير ذلك من الأحداث الشديدة إلى إشعال فتيل النزاعات وإطلاق الهجرة الجماعية وتفاقم أزمات اللاجئين، إضافة إلى ردود الفعل العنيفة ذات الطابع القومي.

كما أن الناس الأكثر فقراً سيتعرضون أكثر من غيرهم للمعاناة في الدول الأكثر ثراءً أيضاً، وسيموت العديد منهم بسبب الفيضانات والحرائق والإجهاد الناجم عن الحر، في وقت لا يفصلهم فيه سوى منزل واحد أو كتلة سكنية واحدة عن منازل لا يشهد فيها أشخاص آخرون نفس المعاناة.

ولهذا، فعندما أنظر بدقة إلى التقدم الذي أحرزناه، والمعاناة التي تنتظرنا، أقول إننا يجب أن نشعر، قبل كل شيء، بالحالة الطارئة والواجب.

فما زال أمامنا الكثير مما يجب فعله. إن معالجة التغيّر المناخي بشكل كامل تحتاج على الأقل إلى إعادة ابتكار أسس العالم الحديث: أي التكنولوجيات، والمصانع، والعمليات المستخدمة في توليد الطاقة أو نقلها، والغذاء، والبضائع، والطب، والناس.

ولكن أدلة التغيّر المناخي تشير إلى أننا نمتلك القدرة التكنولوجية والاقتصادية على الحد من احترار الكوكب.

ولهذا، يجب أن نضاعف من جهودنا لتسريع تخفيض الانبعاثات. ويجب أن نستثمر بعمق في تحسين تكنولوجياتنا، والدفع باتجاه سياسات وأهداف أكثر صرامة. ويجب أن ندفع التكاليف الباهظة لحماية المواطنين من الأخطار الإضافية التي تسببنا بظهورها، سواء ببناء منشآت الحماية الساحلية، أو تعديل قوانين فرز وتحديد المناطق العقارية، أو بتوزيع أجهزة تكييف الهواء ببساطة.

اقرأ أيضاً: تقرير: خفض نصف انبعاثات الكربون العالمية يتطلب تكنولوجيا غير متاحة تجارياً

ووفقاً لأي وجهة نظر، فإن الدول والشركات التي حققت الثراء باستخلاص وحرق الوقود الأحفوري تدين بتعويضات مناخية لمن تعرضوا إلى أسوأ النتائج، وذلك عن طريق تمويل وسائل التكيّف مع المناخ، وقروض لمشاريع الطاقات النظيفة، ومساعدات مباشرة، والمساعدة في الهجرة، وغير ذلك.

إن تزايد البراهين على قدرتنا على التخفيف من الأخطار، وابتكار التكنولوجيات النظيفة بجدوى اقتصادية جيدة، واستجماع الإرادة السياسية المطلوبة، والضغط على الشركات للتصرف حتى من دون وجود القوانين الرادعة، يعني أنه أصبح لدينا تصور أولي حول كيفية إنجاز الأشياء وتحقيق التقدم انطلاقاً من المرحلة الحالية. هذا يعني أننا ملزمون بفعل المزيد.

المحتوى محمي