الأمم المتحدة تحدد هدفاً لخفض الانبعاثات إلى الصفر في قطاع الشحن

4 دقائق
غيتي إميدجيز

عبور السفن محيطات العالم هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي؛ إذ إنه من المحتمل أن مختلف البضائع، من حبات الموز التي تضعها أعلى منضدة المطبخ إلى السيارة في مدخل بيتك، نُقلت في هذه السفن في مرحلة ما.

لكن تتسبب عمليات النقل هذه بالتلوث؛ إذ إن قطاع الشحن العالمي يطلق أكثر من مليار طن من انبعاثات الغازات الدفيئة سنوياً، أي نحو 3% من الإجمالي العالمي.

وافقت مجموعة تابعة للأمم المتحدة تحمل اسم المنظمة البحرية الدولية في 7 يوليو/ تموز 2023 على تحديد هدف يتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفري للغازات الدفيئة في قطاع الشحن العالمي "بحلول عام 2050 أو نحو ذلك". (يعني الوصول إلى صافي انبعاثات صفري إما التخلي عن مصادر الانبعاثات جميعها أو التوصل إلى طرق لموازنتها، مثل استخدام تكنولوجيا إزالة الكربون). تحديد تاريخ دقيق للوصول إلى صافي انبعاثات صفري هو خطوة كبيرة في قطاع يُعتقد غالباً أن إزالة الكربون منه صعبة. لكن الخبراء يقولون إن هناك ما يكفي من الأدوات المتاحة في هذا القطاع للوصول إلى الأهداف الجديدة التي حددتها المنظمة البحرية الدولية، وحتى تجاوزها.

اتفاقية جديدة لخفض الانبعاثات في قطاع النقل البحري

حددت الاتفاقية الجديدة أهدافاً مرحلية في الطريق لتحقيق الهدف المخصص لعام 2050؛ إذ يجب أن تكون الانبعاثات أقل بنسبة 20% على الأقل من مستويات عام 2008 بحلول عام 2030، وأقل بنسبة 70% على الأقل بحلول عام 2040. تنص الاتفاقية أيضاً على أن نسبة الطاقة المولدة من المصادر المنخفضة الانبعاثات المستهلكة في قطاع الشحن يجب أن تبلغ 5% على الأقل بحلول عام 2030.

يقول رئيس البرنامج البحري في المجلس الدولي للنقل النظيف، برايان كومر، إنه بينما يقترب عام 2030 سريعاً، من الممكن أن يتمكن المسؤولون في قطاع الشحن من خفض الانبعاثات وفقاً للخطة. يقول كومر: "لا أعتقد أن جعل هذا القطاع نظيفاً أو إزالة الكربون منه صعب بالضرورة من الناحية الفنية، ولكن الصعوبة تكمن في المنحى السياسي فقط".

اقرأ أيضاً: هل يرتبط تخفيض الانبعاثات بالنجاح الاقتصادي؟ مشروع قانون التضخم الأميركي يقول نعم

إبطاء السفن كخطوة أولى لتحقيق الهدف المرحلي الخاص بـ 2030

ويضيف كومر: "في الواقع، يستطيع القطاع تحقيق الهدف المرحلي الخاص بعام 2030 من خلال إبطاء السفن". يعود ذلك إلى أن معدل استهلاك الوقود ينخفض بانخفاض سرعة السفن عموماً، ما يقلل الانبعاثات. (المبدأ نفسه ينطبق على السيارات، لذلك إذا كنت تسعى لتوفير المال الذي تنفقه على الوقود، فخذ في الاعتبار قيادة السيارة بسرعات أقل).

يقول مدير الشحن في الاتحاد الأوروبي للنقل والبيئة، فايغ عباسوف، إنه يوجد خيارات أخرى مطروحة لخفض الانبعاثات بنسبة أكبر.

تتمثل إحدى هذه الطرق في استخدام الرياح للمساعدة على تحريك السفن. تعمل الشركات الناشئة والشركات الكبرى على حد سواء على إضافة الأشرعة والطائرات الورقية والدوّارات الخاصة لدفع السفن. لا يمكن الاستفادة من الرياح إلا في السفن التي تحتوي أسطحها على مساحة كافية لإضافة المعدات، ولكن هذه التقنية يمكن أن تساعد في تقليل معدل استهلاك الوقود، ما سيقلل نسبة الغازات الدفيئة المنبعثة في الرحلات.

اقرأ أيضاً: 6 طرق لإعداد خطط الوصول إلى صافي صفري من الانبعاثات

أنواع جديدة من الوقود

يمكن أن تؤدي الأنواع الجديدة من الوقود دوراً أيضاً. على الرغم من أن معظم أنواع الوقود تُطلق الغازات الدفيئة عند حرقها، فإنه يمكن لإنتاج الوقود الحيوي والوقود الاصطناعي سحب الكربون من الغلاف الجوي. (في حالة الوقود الحيوي، تمتص النباتات ثنائي أوكسيد الكربون في أثناء نموها. ويمكن تصنيع الوقود الاصطناعي باستخدام ثنائي أوكسيد الكربون الذي يمكن إزالته من الغلاف الجوي من خلال الالتقاط الهوائي المباشر). النتيجة في كلتا الحالتين هي تقليل الكمية الإجمالية للانبعاثات التي تصل إلى الغلاف الجوي، أو حتى عدمها تماماً. ويمكن أن يعمل العديد من أنواع هذا الوقود بكفاءة في المحركات الحالية.

وفقاً لدراسة أجرتها شركة الاستشارات البيئية، سي إي ديلفت (CE Delft)، ونُشرت في يونيو/ حزيران 2023، يمكن خفض الانبعاثات في قطاع الشحن بنسبة 50% تقريباً بحلول نهاية العقد الجاري من خلال الجمع بين السرعات البطيئة للسفن والاستفادة من الرياح والوقود المنخفض الانبعاثات. أجريت الدراسة بتكليف من العديد من المجموعات البيئية، ومنها الاتحاد الأوروبي للنقل والبيئة.

ستؤدي هذه التغييرات إلى زيادة تكاليف الشحن بنسبة 6-14%. ويقول عباسوف إن هذه التكاليف مهملة مقارنة بالأضرار المتوقعة للتغيّر المناخي.

قد يكون من الصعب تحقيق الهدفين المرحليين التاليتين الخاصين بعامي 2040 و2050. التدابير التشغيلية وتعزيز الكفاءة في استهلاك الوقود ليسا كافيين لتحقيق صافي انبعاثات صفري في قطاع الشحن العالمي بحلول عام 2050. إزالة الكربون من قطاع الشحن العالمي هو مسعى سيكلّف عدة تريليونات من الدولارات وسيتطلّب تحقيق تقدمات في مجال التكنولوجيا، مثل الاستخدام الواسع النطاق لأنواع الوقود المنخفضة الانبعاثات والعديمة الانبعاثات مثل الهيدروجين الأخضر والميثانول والأمونيا، التي لم تُثبت فعاليتها ولم تُعتمد في العمليات التجارية بعد.

وفقاً لكبيرة مدراء المناخ في مجموعة باسيفيك إنفايرومنت، مادلين روز، التي كانت حاضرة في جلسات المنظمة البحرية الدولية، طُرحت مخاطر إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي، وهذا يشمل قطاع الشحن، في أثناء المفاوضات. تقول روز: "الرابع من تموز/ يوليو 2023 كان الأحرّ على الإطلاق. حدثت الفيضانات وموجات الحر في الصين وإسبانيا. نحن نراقب هذه الأحداث ونشهد ما حذّرنا علم المناخ بشأنه".

اقرأ أيضاً: القرميد: أحدث تكنولوجيات مواجهة التغيّر المناخي

الحاجة إلى أهداف مناخية أكثر صرامة

انتقدت روز وخبراء آخرون المنظمة البحرية الدولية لأنها لم تحدد أهدافاً أكثر صرامة. حددت اتفاقية باريس، وهي اتفاقية تابعة للأمم المتحدة أُبرمت في عام 2015، هدفاً يتمثل في الحفاظ على الارتفاع في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق المتوسط الذي ساد في الفترة ما قبل الثورة الصناعية، أو أقل من 1.5 درجة مئوية في الحالة المثالية. هذه الأهداف اعتباطية إلى حد ما؛ إذ سيكون لأي ارتفاع إضافي في درجات الحرارة عواقب على كوكب الأرض. مع ذلك، مثّلت هذه الأهداف بوصلة لسياسة المناخ منذ ترسيخها.

يتطلب تحقيق أي من الأهداف المناخية تقليل الانبعاثات في القطاعات جميعها، من النقل إلى توليد الطاقة إلى الصناعات الثقيلة. وفقاً لتحليل أجراه المجلس الدولي للنقل النظيف، يُفترض أن يكون تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050 الذي حددته المنظمة البحرية الدولية، جنباً إلى جنب مع الأهداف المرحلية القريبة المدى، كافياً ليؤدي قطاع الشحن دوره في تحقيق أهداف اتفاقية باريس. مع ذلك، ووفقاً لتحليل آخر أجراه المجلس الدولي للنقل النظيف، يجب تقريب موعد تحقيق صافي الانبعاثات الصفري إلى عام 2040 تقريباً حتى يتمكّن القطاع من مواكبة الخطة التي من شأنها الحفاظ على الارتفاع في درجة الحرارة ما دون 1.5 درجة مئوية.

تقول روز: "نشعر باليأس وخيبة الأمل لأن الدول لم تستطع تحديد أهداف متوافقة مع الحفاظ على الارتفاع في درجة الحرارة ما دون 1.5 درجة مئوية".

تهدف المنظمة البحرية الدولية بعد ذلك إلى فرض تدابير جديدة من شأنها مساعدة قطاع الشحن على تحقيق الأهداف التي حددتها، مثل التخفيض التدريجي للانبعاثات المسموح بها من الوقود، ونوعٍ ما من التدابير الاقتصادية التي يمكن أن تسعّر انبعاثات الغازات الدفيئة.

اقرأ أيضاً: بكتيريا تحوّل ثاني أوكسيد الكربون إلى بوليستر وبلاستيك حيوي

قد لا تكون هذه المفاوضات مباشرة أيضاً؛ إذ مارس بعض البلدان، مثل الصين والأرجنتين والبرازيل، ضغوطاً ضد هدف الوصول إلى الصافي الصفري بحلول 2040 في مفاوضات المنظمة البحرية الدولية، وعارضت الصين بشدة الإجراءات الاقتصادية المدروسة، مثل فرض ضريبة على الانبعاثات.

يقول كومر إن المفاوضات بشأن الهدف العام المتمثّل في تحقيق صافٍ صفري في قطاع الشحن لم تنته، لكن هذا الهدف "يمثّل الهدف النهائي الواضح".

المحتوى محمي