لا بد أن حياة اللوح الشمسي صعبة. فهذه الألواح معرضة باستمرار للشمس والحرارة والرطوبة، كما أنه يُتوَقَّع من الألواح التي تُرَكّب اليوم أن تدوم ثلاثين عاماً على الأقل.
لكن، كيف يمكن أن نتأكد من أن التكنولوجيات الشمسية الجديدة ستصمد في وجه عوامل الزمن؟ أشعر بالانبهار إزاء تحديات التنبؤ بمدى قدرة المواد الجديدة على الصمود في وجه عقود من الظروف الصعبة. لقد كان هذا العمل صعباً على وجه الخصوص بالنسبة إلى إحدى التكنولوجيات الناشئة، وهي البيروفسكايت (perovskite). تمثل البيروفسكايت فئة من المواد التي يبدي المطورون اهتماماً متزايداً بها من حيث استخدامها في الألواح الشمسية، نظراً إلى فاعليتها العالية وتكلفتها المنخفضة.
تكمن المشكلة في ميل مواد البيروفسكايت إلى التفكك عند تعرضها للحرارة العالية والرطوبة والضوء الساطع، أي الأشياء كلها التي يجب أن تتحملها حتى تصمد في العالم الحقيقي. إضافة إلى هذا، لن نستطيع الجلوس في مكاننا عقوداً كاملة ونحن نجري اختبارات ميدانية للخلايا المختلفة لتقدير العمر المتوقع للوح الشمسي، فالتغير المناخي مشكلة طارئة. لكن ثمة ما يدعو إلى التفاؤل، فقد تمكن الباحثون من تحقيق التقدم من حيث إطالة العمر المتوقع لمواد البيروفسكايت، ومن حيث إيجاد طريقة للتنبؤ بالمواد الأكثر قدرة على التحمل على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: ما هي الخلايا الشمسية الترادفية؟ وهل ستكون مستقبل تكنولوجيا الطاقة الشمسية؟
البيروفسكايت يحطم الأرقام القياسية
ثمة أخبار متواصلة تقريباً حول مواد البيروفسكايت الشمسية التي تحطم الأرقام القياسية المختلفة. تأتي أحدث هذه الأخبار من شركة أكسفورد بي في (Oxford PV)، ففي يناير/كانون الثاني، أعلنت الشركة عن تحقيق أحد ألواحها فاعلية تحويل تعادل 25%، ما يعني تحويل ربع الطاقة الشمسية التي تشع على اللوح إلى كهرباء. تبلغ فاعلية معظم الألواح التجارية الممتازة نسبة 20% تقريباً، وثمة بعض الطرازات التي تصل فاعليتها القصوى إلى 23%.
يُعد التحسين تدريجياً إلى حد ما، لكنه تحسين مهم، ويُعزى إلى العمل الجماعي. فشركة أكسفورد بي في تعمل بالتعاون مع شركات أخرى على طرح تكنولوجيا الطاقة الشمسية الترادفية في الأسواق. يمكن تشبيه هذه الألواح، على نحو بسيط، بشطائر تتضمن طبقات من السيليكون (المادة المهيمنة على سوق الطاقة الشمسية حالياً) والبيروفسكايت. بما أن المادتين تمتصان أطوالاً موجية مختلفة من الضوء، فمن الممكن جمعهما معاً، ما يؤدي إلى مادة شمسية أكثر فاعلية.
تطورات في الخلايا الشمسية الترادفية
لقد شهدنا عدة تطورات في التكنولوجيا الترادفية، ولهذا أضفنا الخلايا الشمسية الترادفية الفائقة الفاعلية إلى قائمتنا للتكنولوجيات الثورية لعام 2024. غير أن الميل المزعج للبيروفكسايت إلى التحلل ما يزال عائقاً كبيراً يقف في طريق هذه التكنولوجيا.
فقد تحللت خلايا البيروفسكايت الشمسية الأولى بسرعة كبيرة مما اضطر بالباحثين إلى الهرع عبر أرجاء المختبر حتى يتمكنوا من قياس فاعليتها. وكانت المواد عملياً تفقد قدرتها على امتصاص ضوء الشمس خلال الفترة اللازمة لنقلها من المنطقة المخصصة لصنع الخلايا الشمسية إلى الجانب الآخر من الغرفة حيث توجد معدات الاختبار والقياس.
ومع أن عمر مواد البيروفسكايت لم يعد قصيراً إلى هذه الدرجة الآن، غير أن المشكلة ما زالت موجودة دون شك.
خضعت مواد البيروفسكايت الشمسية إلى بعض الاختبارات في العالم الحقيقي، مع نتائج متباينة. لم تنشر أكسفورد بي في بيانات مفصلة حتى الآن، على الرغم من أن اختبارات الشركة في البيئات الخارجية، كما قال الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا كريس كيس لمجلة نيتشر (Nature) في العام الماضي، أظهرت أن أفضل الخلايا لم تفقد سوى 1% تقريباً من فاعليتها خلال العام الأول من التشغيل، وهو معدل يتباطأ بمرور الوقت.
أظهرت اختبارات أخرى في ظروف أصعب نتائج أقل إيجابية، فقد تبين في إحدى الدراسات الأكاديمية أن خلايا البيروفسكايت التي تعمل في أجواء المملكة العربية السعودية الحارة والرطبة فقدت 20% من فاعليتها خلال العام الأول من التشغيل.
اقرأ أيضاً: ابتكار جديد في مجال الطاقة الشمسية قد يتيح توليد الكهرباء من الملابس
تقتصر هذه النتائج على عام واحد من الاختبار وحسب. فكيف يمكننا تحديد ما سيحدث خلال 30 عاماً؟
بما أننا لا نمتلك من الزمن ما يكفي لاختبار كل مادة جديدة يتوصل إليها العلماء، فغالباً ما يلجأ الباحثون إلى تعريض هذه المواد إلى ظروف قاسية للغاية في المختبر، حيث يرفعون درجات الحرارة ويسلطون أضواء ساطعة على هذه الألواح لمعرفة مدى سرعة تحللها.
يُعَدّ هذا النوع من الاختبارات اختباراً قياسياً للألواح الشمسية المصنوعة من السيليكون، التي تمثل أكثر من 90% من سوق التجهيزات الشمسية التجارية حالياً. غير أن الباحثين ما زالوا يعملون على تحديد مدى انطباق الترابطات مع الاختبارات المعروفة على المواد الجديدة مثل البيروفسكايت.
من المشاكل التي واجهت الباحثين أن كلاً من الضوء والرطوبة والحرارة يسهم في التحلل السريع للبيروفسكايت. حيث لم يتمكنوا من التوصل بصورة حاسمة إلى العامل، أو تركيبة العوامل، الأفضل للتطبيق في المختبر من أجل قياس مدى تحمل اللوح الشمسي لظروف العالم الحقيقي.
تشير دراسة نُشِرت العام الماضي في مجلة نيتشر (Nature) إلى أن الجمع بين الحرارة العالية والإضاءة القوية سيكون المفتاح في تسريع الاختبارات التي يمكن استخدامها في التنبؤ بالأداء في العالم الحقيقي بصورة موثوقة. وقد وجد الباحثون أن اختبارات الحرارة العالية التي تدوم عدة مئات من الساعات وحسب (أسبوعين تقريباً) توفر محاكاة جيدة لما يقارب ستة أشهر من الأداء في الاختبارات الميدانية.
اقرأ أيضاً: بدائل جديدة لبعض مكونات ألواح الطاقة الشمسية تجعلها أقل تكلفة
تقول الشركات إنها ستطرح مواد الطاقة الشمسية الجديدة في الأسواق هذا العام. وقريباً، ستتضح لنا قدرة هذه الاختبارات على التنبؤ بمدى تحمل هذه التكنولوجيات الجديدة العمل في الظروف القاسية التي تتعرض لها الألواح الشمسية التجارية. من المؤكد أنني سأكون ممن يراقبون هذه المسألة.