طفرة الألعاب الصوتية تمنح الأطفال استراحة من التحديق المستمر في الشاشة

3 دقائق
الألعاب الصوتية بديل الهواتف للأطفال
مصدر الصورة: يوتو

في منزلها الكائن بولاية ماساتشوستس الأميركية، تجتمع إحدى العائلات حول طاولة المطبخ، حيث يقوم الوالدان بضبط الجهاز الموضوع على رأس الطاولة. وبعد لحظات، تهدأ الثرثرة فيما ينبعث صوت مبهج من الجهاز بينما يجلس جميع أفراد الأسرة للاستماع.

كلا، هذا ليس مشهداً من العصر الذهبي للراديو، وإنما منزل عائلة دانيلز أثناء الإغلاق العام الذي تم فرضه بسبب جائحة كوفيد-19. ينصبّ اهتمام العائلة في هذه اللحظة على يوتو (Yoto)، وهو جهاز صوتي مصمم لمنافسة التطبيقات ومقاطع الفيديو التي يستخدمها أطفال اليوم دائماً. ولا يختلف هذا الجهاز كثيراً عن مشغل أشرطة الكاسيت؛ حيث يمكن للمستخدمين إدخال بطاقة مُسجل عليها مسبقاً قصة أو لعبة، كما يمكن ليوتو أيضاً تشغيل حلقات يومية جديدة، مثل نشرة أخبار الأطفال التي تستمع إليها عائلة دانيلز كل صباح.

يقول الوالد بريان دانيلز: "كان الابتعاد عن الشاشة أهم شيء. كما أن تعزيز التفكير الإبداعي واللعب كان أمراً مهماً بالنسبة لنا"، مضيفاً: "إنه شيء يمكنه جذب انتباهك ويؤتي ثماره في الوقت نفسه".

إن الآراء العلمية التي تستند إليها فكرة أن التعرض للشاشة مضر فعلاً للأطفال لا تزال غير مستقرة، ويعتقد العديد من الخبراء أن هذه المخاطر مبالغ فيها. ورغم ذلك، فإن الكثير من الآباء ما زالوا يشعرون بالقلق من قضاء أطفالهم وقتاً طويلاً في التحديق في الحواسيب اللوحية وأجهزة التلفاز. وبالنسبة لهذه الأسر، تبدو الألعاب الصوتية والمسموعة بديلاً صحياً؛ لذا فقد زادت معدلات تحميل الألعاب الصوتية المناسبة للعائلات بسرعة كبيرة خلال العام الذي انتشرت فيه الجائحة.

تعتمد العديد من هذه الألعاب على مساعدين صوتيين، مثل أليكسا المساعد الذكي الذي طورته شركة أمازون أو مساعد جوجل الشخصي. وإذا عدنا إلى الوراء، عندما كتبت أول تقرير لي حول الألعاب الصوتية عام 2019، سنجد أنها كانت في الغالب تأخذ شكل قصص "اختر مغامرتك الخاصة" والمسابقات المسلية، لكنها الآن تزداد تعقيداً. على سبيل المثال، تتيح لعبة ليمونايد ستاند (Lemonade Stand) [أي: كشك بيع عصير الليمون] للأطفال إمكانية إدارة مشروع تجاري. بينما يقوم المساعد الصوتي في لعبة كيدز كورت (Kids Court) [أي: محكمة الأطفال] بالفصل في النزاعات بين الأطفال، من خلال حثهم على التحدث عن خلافاتهم.

معظم الألعاب الصوتية يمكن أن تُلعب بشكل غير متزامن، أي أنه لا يتعين على اللاعبين التواجد في نفس المكان أو اللعب في نفس الوقت. ويقول ماكس تشايلد، مؤسس شركة فوللي (Volley) المتخصصة في نشر الألعاب الصوتية، إن الأجداد غالباً ما يلعبون في أوقات فراغهم ويتبادلون الرسائل مع أحفادهم حول التقدم الذي أحرزوه، ويتقدم الأطفال بحركاتهم عندما يكون لديهم بعض الوقت.

ويضيف تشايلد: "يمكن للشخص أن يلعب مع أطفاله، أو يمكنهم جمع أصدقائهم معاً في سهرة ألعاب". وتعد لعبة يس سير (Yes Sire) [أي: نعم سيدي] هي اللعبة الأكثر شعبية لدى فوللي، وهي حكاية يندمج فيها اللاعب تماماً ويتخيل نفسه حاكماً قاسياً لإحدى الإقطاعيات.

يحب الآباء كذلك حقيقة أن العديد من الألعاب الصوتية توفر مساحة فارغة للإبداع. يبدو باركر -ابن كيت وبريان دانيلز والبالغ من العمر ستة أعوام- فناناً متحمساً. وتقول كيت: "إن طفلنا واسع الخيال"، وتصف كيف يستمع إلى القصص ثم يمثّلها على الشاطئ خارج منزل العائلة، مع شقيقته شارلوت البالغة من العمر أربعة أعوام.

ويتدخل باركر قائلاً: "أحب أن أفكر في الكيفية التي يمكنني بها تغيير القصة"، واصفاً كيف كان يستمع إلى قصة تدور حول إحدى القلاع ويتخيل كيف سيبدو شكلها.

وفي المساء، يصيح الأطفال مطالبين بالاستماع إلى قصة ما قبل النوم، التي يسجلها براين في ملف بامتداد إم بي 4 (MP4)، ويقوم بتحميلها على بطاقات فارغة، ليستمع إليها الأطفال إذا أحسنوا التصرف.

لكن الأطفال ليسوا الوحيدين الذين يتجنبون البقاء أمام الشاشات؛ إذ يمثل البالغون سوقاً متنامية للألعاب الصوتية أيضاً. على سبيل المثال، تقدم شركة فوللي بعض الألعاب "للبالغين" -على غرار لاف تابز (Love Taps) وشيرلوك (Sherlock) وإنفكتد (Infected)- حيث تتضمن لغة صريحة ومحتوى يستهدف جمهوراً أكبر سناً. ويقول كل من تشايلد وبن دروري مبتكر جهاز يوتو، إنه إلى جانب الاستمتاع بفرصة المشاركة مع الأحفاد، وجد كبار السن أيضاً أن هذه الألعاب تمكنهم من اللعب باستخدام أصواتهم بدلاً من تعلم كيفية التنقل بين وحدات التحكم.

ومع ذلك، فإن القصص الصوتية والألعاب لا تقدم لك المعلومات على طبق من فضة. فالخيال مطلوب، والأمر يتطلب تركيزاً وانتباهاً أكثر مما يتطلبه التحديق في الشاشة. وتقول بارون إن الأبحاث أظهرت أن هذا النوع من التعلم يجعل الاستيعاب والتذكر أعلى بكثير لدى القراء المستجدين. وتضيف أن المستمعين الأكبر سناً يمكنهم الاستفادة أيضاً، لا سيما إذا لم تكن اللغة الإنجليزية هي لغتهم الأولى، أو كان أسلوب تعلمهم لا يعتمد على الرؤية، أو كانوا من ضعاف البصر.

ولا يزال الحديث عما إذا كان التعرض للشاشة "جيداً" أم "سيئاً" موضع نقاش، ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت الطفرة التي شهدتها الألعاب الصوتية والمسموعة ستنتهي بعدما جعلت اللقاحات من الممكن أن يقضي الأشخاص الوقت معاً مرة أخرى. بيد أن الألعاب الصوتية ليست مثالية؛ إذ إنها كثيراً ما تسيء فهم المستخدمين، خاصة الأطفال الذين لا يزالون يتعلمون كيفية التحدث وكيفية التفاعل مع التكنولوجيا.

ومع ذلك، فقد ضاعف الأبوان دانيلز رهانهم على الألعاب الصوتية. واشترت العائلة مؤخراً جهاز يوتو آخر، وقد اكتشف طفلهم برايس البالغ من العمر 21 شهراً كيفية استخدامه. وتقول كيت إنه "سيغني معه، وهو يحبه".  وتتفق شارلوت مع هذا الرأي، قائلة: "أحبه لأنه يعزف الموسيقى ويحكي القصص".

المحتوى محمي