تعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إحدى أكثر التكنولوجيات التي لديها تأثير بارز في جميع القطاعات بلا استثناء، ومن ضمنها قطاع الرياضة؛ حيث دخلت نماذج الذكاء الاصطناعي ميادين الرياضة بقوة على مدى العقدين الماضيين مساهمة في تحسين أداء اللاعبين ومساعدة المدربين على اتخاذ قرارات مهمة، والاعتماد على التحليلات في مساعدتهم على توقع ما يجري لاحقاً، والكثير من التطبيقات الأخرى التي لدى الذكاء الاصطناعي دور كبير فيها.
أهمية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الألعاب الرياضية
يمكن لنماذج تحليلات البيانات المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التنبؤ بأي شيء يمكن قياسه بدقة. وبما أن عالم الرياضة مليء بالمكونات القابلة للقياس، فإن هذا يجعله ساحة اختبار ممتازة للنماذج المدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث يظهر في جميع أنحاء صناعة الرياضة، مثل تحليل ما بعد اللعبة والنشاط داخل اللعبة وحتى تحسين تجربة المشاهدة. ومن أهم المجالات المتعلقة بالرياضة التي دخلت فيها نماذج الذكاء الاصطناعي ما يلي:
-
تحليل الأداء
تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي من قِبل المحللين والمدربين لفحص مجموعة واسعة من نقاط البيانات بسرعة ودقة لتقييم الأداء؛ حيث تسمح لهم بمعرفة نقاط قوة اللاعبين وضعفهم بسبب اختلاف المقاييس لكل لاعب اعتماداً على مركزه ضمن الفريق. على سبيل المثال في رياضة كرة القدم تختلف مؤشرات الأداء الرئيسية للاعبين المهاجمين عن مؤشرات لاعبي خط الوسط أو المدافعين.
حيث يمكن تحديد خصائص شخصية اللاعبين من خلال نموذج الذكاء الاصطناعي لمقارنة العوامل النوعية والمتغيرات العددية ثم قياس النتائج للتنبؤ بالقيمة النوعية للاعب، بالإضافة إلى ذلك تُستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي أيضاً في تحليل أداء المنافسين للعثور على نقاط الضعف والقوة قبل المباريات، حيث تُساعد هذه البيانات المدربين على إنشاء خطط وتكتيكات للحد من قدرات المنافسين لزيادة فرص الفوز. وبشكل عام تستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي في التحليلات الرياضية عملياً بطريقتين:
- تحليل نتائج الرياضيين: على الرغم من أهمية متابعة العمل الميداني، فإن فهم نتائج التدريب والتقدم يمكن أن يكون مفتاح النجاح في كثير من الأحيان؛ حيث تتوفر الآن الكثير من النماذج المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تساعد في فهم أداء كل لاعب على حدة، مثل منصة سفيكسا (Svexa) التي تستخدم نموذج التعلّم الآلي لتعقب حركة الرياضيين وتقوم بتحليلها، ثم تقديم توصيات مخصصة للتمارين والتدريب.
- توقع نتائج المباريات: حتى الآن لم تستطع نماذج الذكاء الاصطناعي التنبؤ بدقة بنتائج المباريات، ولكنها يمكن أن تقترب جداً من القيام بذلك، خاصة عندما تتوفر كميات كبيرة من البيانات التي يمكن أن تساعد نماذج التعلّم الآلي في كثير من الأحيان بالتنبؤ بالنتيجة في الوقت الفعلي.
اقرأ أيضاً: كيف يغير الذكاء الاصطناعي عمل المكتبات؟
-
الصحة واللياقة والسلامة الجسدية
تستخدم الفرق الطبية نماذج الذكاء الاصطناعي لفحص وتحليل الحالة الجسدية للاعبين قبل اللعبة وأثناءها وبعدها، حيث تساهم البيانات المتنوعة من المتغيرات الصحية وحركات اللاعبين في تقييم لياقتهم البدنية، والكشف عن المؤشرات المبكرة للإرهاق أو الإصابات الناجمة عن الإجهاد، ما يساعد على اتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على صحة الرياضيين وسلامتهم الجسدية.
ومن ضمن التكنولوجيات المستخدمة في هذا المجال، تحظى التكنولوجيا القابلة للارتداء (Wearable Technology) بشعبية كبيرة في معظم الرياضات الكبرى، من خلال مساهمتها في تتبع حركات الرياضيين ومراقبة أدائهم الفني والبدني أثناء التدريب والمنافسات، حيث تعمل الأجهزة القابلة للارتداء المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الألعاب الرياضية بإرسال بيانات ومؤشرات تشير إلى إصابة اللاعبين بأمراض مثل الجهاز العضلي الهيكلي أو القلب والأوعية الدموية.
-
قدرة أفضل على التنبؤ
تتمثل القوة الأساسية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في قدرته على أخذ كميات هائلة من البيانات ومعالجتها للتنبؤ بما سيحدث بعد ذلك بدقة مذهلة. وبينما لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخبرنا بالمستقبل، فإنه يمكنه إخبارنا بالنتيجة المحتملة للسباق أو المباراة أو المنافسة. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إثارة أكبر في كيفية مشاهدتنا للرياضات المختلفة.
حيث تسمح النماذج المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمدربين باتخاذ قرارات استراتيجية مهمة مدعومة ببيانات لا تقبل الجدل حول فرقهم أو اللاعبين الفرديين، من خلال الكاميرات وأجهزة الاستشعار وأجهزة التتبع المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التي تتيح الوصول إلى البيانات قبل بدء المباراة وأثناءها وبعدها، ما يمنح المدربين القدرة على اتخاذ خيارات مستنيرة لصالح لاعبيهم.
اقرأ أيضاً: كيف أصبح الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته جزءاً من حياتنا اليومية؟
-
إحصائيات في الوقت الفعلي
يتم استخدام نماذج الإحصائيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تلخيص مباراة في كرة القدم مدتها 90 دقيقة في بضع ثوانٍ فقط، من خلال تقييم النتائج في الوقت الفعلي بما في ذلك نتيجة الشوط الأول، وسجل الأهداف، ووقت تسجيل الأهداف ومَن سجلها، والبطاقات الصفراء، وغيرها.
وتُعد منصة أوبتا (Opta) واحدة من المنصات الرائدة في مجال جمع بيانات الأحداث، حيث تستخدم نماذج التعلّم الآلي والتتبع لتوفير بيانات الألعاب الرياضية في الوقت الفعلي، إذ توفر عبر تطبيقاتها وحساباتها عبر الإنترنت إحصائيات ونقل للأحداث في وقت حدوثها الفعلي، ما يساعد مَن لم يتمكن من حضور المباراة أو الحدث الرياضي من متابعة مجريات أحداثها بكفاءة ودقة كبيرين.
اقرأ أيضاً: كيف دخلت تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غرف العمليات الجراحية؟
-
تسريع الدخول للملاعب
تُعد مشكلات التأخر في دخول أماكن الأحداث الرياضية الكبرى مثل ملاعب كرة القدم أمراً شائعاً، ولكن مع استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكن حل هذه المشكلات بصورة كبيرة. على سبيل المثال تستخدم شركة كولومبوس كرو (Columbus Crew) نظام التعرّف على الوجه للسماح للمشجعين بدخول الملعب دون الحاجة إلى إظهار التذاكر، ما يجعل طريقة الدخول أكثر كفاءة وسرعة، علاوة على ذلك تشجّع هذه الطريقة المشجعين الذين لا يريدون الوقوف في طوابير طويلة بالعودة إلى الملاعب خاصة بعد انحسار فيروس كورونا.
اقرأ ايضاً: مستقبل الذكاء الاصطناعي: رؤية جديدة وجريئة رسمها أحد كبار خبراء المجال
كما تستخدم العديد من الأندية نماذج الذكاء الاصطناعي مثل الرؤية الحاسوبية (Computer Vision) لمراقبة كثافة الجماهير في الملاعب، ما يوفر طبقة إضافية من الأمان تمنع الاختناقات غير الضرورية، كما تُستخدم التحليلات التنبؤية للتنبؤ بالحضور المحتمل، وكذلك الوقت المتوقع لحضور المشجعين، ما يوفر رؤية كافية لتوفير التذكارات والطعام والمشروبات داخل الملعب.
-
الصحافة الرياضية
في العديد من الرياضات خاصة الجماعية ،هناك الكثير من الجوانب التي يجب تغطيتها إعلامياً، وبالتحديد عندما يتعلق الأمر بالإحصاءات والبيانات في البطولات والدورات الصغيرة التي تقام يومياً تقريباً في جميع أنحاء العالم. وبما أن المجهود البشري محدود القدرات، فإن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها القيام بهذه المهمة بسرعة وفعالية.
اقرأ أيضاً: كيف يستفيد طبيب الأسنان من الذكاء الاصطناعي؟
على سبيل المثال، تقوم منصة وورد سميث (Wordsmith) المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بترجمة البيانات باستخدام توليد اللغة الطبيعية (Natural Language Generation) وتحويلها إلى قصص قابلة للنشر عبر المنصات المختلفة في الوقت الفعلي. حيث تقوم المنصة الآن بالتعاون مع وكالة أسوشيتد بريس (Associated Press) بإعداد مواد إخبارية عن بطولة البيسبول الوطنية في الولايات المتحدة ونشرها للقراء بدون أي تدخل بشري.
وفيما يتعلق بتقارير المباريات، يتم أيضاً استخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي لكتابة تقارير مطابقة دقيقة تشرح الأحداث الرئيسية، وتقدم الإحصائيات والبيانات، حيث تخطط المجموعة الإعلامية الإقليمية الهولندية (NDC) لاستخدام الروبوتات المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تغطية 60 ألف مباراة كرة قدم في عام واحد، وهو ما يمكن اعتباره إنجازاً مذهلاً قد يكون تحقيقه صعباً دون دعم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يدخل ملاعب كرة القدم ويرسم مستقبل هذه الرياضة
حالات استخدام الذكاء الاصطناعي في الرياضة
يمكن دمج نماذج الذكاء الاصطناعي في أي لعبة رياضية تقريباً، فبعض الرياضات بدأت باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالفعل، ومن أهم هذه الرياضات:
-
كرة السلة
تُعد رياضة كرة السلة رياضة حركية سريعة للغاية وقد يكون من الصعب مواكبة جميع جوانبها، ولكن مع دخول الذكاء الاصطناعي أصبحت معرفة أدق التفاصيل أمراً سهلاً للمدربين واللاعبين والتي ساعدتهم على كيفية إدارتهم للبرامج التدريبية، فضلاً عن كيفية تطوير استراتيجيات اللعبة. حيث تستخدم رابطة كرة السلة الأميركية (NBA) نماذج التتبع المدعومة بالذكاء الاصطناعي للقيام بأكثر من مجرد قياس المسافة والسرعة، حيث أصبح بإمكان هذه النماذج الآن فهم اللعبة وتقديم بيانات تساعد المدربين على تحقيق أقصى استفادة من قدرات اللاعبين.
-
كرة القدم
كرة القدم هي الرياضة الأكبر والأكثر متابعة في العالم، ومع ذلك لم تقترن كثيراً بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سابقاً، ولكن خلال العقدين الماضيين تم استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي بكثافة في جميع قطاعاتها تقريباً، حيث تستخدم الآن نماذج الذكاء الاصطناعي في مجال كرة القدم لتشغيل العديد من التطبيقات من أجل تقييم الأداء الرياضي العام وتعزيزه.
حيث تستخدم الرياضة الآن مستشعرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتميز بتكنولوجيا ميكانيكية حيوية لالتقاط وتمثيل حركات اللاعب فور حدوثها، وتحليل استراتيجية اللعب تلقائياً من خلال تقديم ملاحظات دقيقة في الوقت الفعلي للمدربين، وتصورات ثلاثية الأبعاد تُظهر حركات اللاعبين داخل الملعب تُساهم في إدراك المدربين لمواطن الخلل، ما يساعدهم في اتخاذ قرارات في الوقت الفعلي لتحسينها.
اقرأ أيضاً: روبوت رجل الخط جاهز لضبط حالات التسلل في كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022
وليس هذا فقط، بل يمكن استخدام نماذج التعلم الآلي والبيانات العميقة للتنبؤ بقدرات اللاعبين حتى قبل التعاقد معهم، وحساب القيم السوقية للاعبين لتقديم العروض الصحيحة والحد من الخسائر المحتملة والافتراضات والتقييمات الخاطئة. على سبيل المثال تستخدم شركة ساي سبورتس (SciSports) نماذج التعلم الآلي والتحليلات المتقدمة لتتبع أكثر من نصف مليون لاعب حول العالم ومراقبة أدائهم، بالإضافة إلى توفير بيانات استخباراتية لفرق كرة القدم المحترفة عن المواهب التي قد يكون لها مستقبل كبير في اللعبة.
اقرأ أيضاً: علم الشبكات يفسّر أسباب تفوّق برشلونة في عهد غوارديولا على باقي الفرق
-
سباق الخيل
لطالما كانت رياضة سباق الخيل مكاناً للإنفاق الباهظ، لذلك من الطبيعي أن تجد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي طريقها بالفعل إلى هذه الصناعة. ومع حقيقة أن المتابعين غالباً ما يجدون صعوبة في الرهان على الحصان الفائز بشكل صحيح، فإن دخول الذكاء الاصطناعي سهّّل الأمر كثيراً، حيث أصبحت نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً وقدرة على التنبؤ بنتائج الأحداث.
حيث بدأت الشركات التكنولوجية الناشئة باستخدام بيانات سباقات الخيل التي تم جمعها على مدى عقود، وتغذيتها عبر نماذج التعلم الآلي لتطوير قدرات متقدمة قادرة على التنبؤ بنتائج السباقات بشكل شبه دقيق. على سبيل المثال يستخدم نموذج باث بيت (Beth Bet) المدعوم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي خوارزميات متقدمة تقوم بالتحليل في الوقت الفعلي للتنبؤ بنتائج سباقات الخيول باستخدام مجموعة متنوعة من البيانات، مثل: النسب، والشكل، والطقس، ومعلومات حول الفرسان، وحتى تركيبة العشب لتحديد الخيول التي يمكنها الفوز بالسباق.
ختاماً، نجد أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قد زادت بالفعل من القدرة التنافسية بهامش ضخم، حيث أصبحت أجهزة الاستشعار والخوارزميات الفعّالة المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع؛ ومن ثم مع هذا النطاق الواسع من التطبيقات، من المحتمل أن تستثمر الشركات بصورة كبيرة في هذا القطاع لنقل تجربة ممارسة الألعاب الرياضية ومشاهدتها إلى مستوى آخر تماماً.