أعلن فريقٌ دوليّ يتضمن باحثين من اليابان وروسيا والصين عن توصلهم لاكتشافٍ جديد في مجال الإلكترونيات، وبالتحديد فيما يتعلق بسلوك الإلكترونات ضمن نوعٍ محددٍ من المواد؛ أظهرت الإلكترونات سلوكاً فريداً وكأنها لا تمتلك كتلة.
الإلكترونات عبارة عن جسيمات متناهية الصغر، وبالرّغم من ذلك فإنها تمتلك كتلةً ضئيلة جداً، لا تجعلنا قادرين على اعتبارها جسيمات عديمة الكتلة، مثل الفوتونات التي تقوم بحمل طاقة الإشعاع الكهرومغناطيسي، ولكن يمكن للإلكترونات -ضمن ظروفٍ خاصة- أن تمتلك ناقليةً عالية، وأن تبدو وكأنها عديمة الكتلة، وبهذا السياق يبرز اسم المواد المعروفة باسم: المواد مُتغيرة الطور، التي تُظهر سلوكاً مختلفاً بحسب الحالة الفيزيائية التي تكون عليها، أي بحسب الطور التي تتواجد فيه.
قام الباحثون بدراسة مركب يعود لمادة تُدعى: GeSb2Te4، التي تستخدم في صناعة وسائط تخزين المعلومات القابلة لإعادة الكتابة، مثل الأقراص الليزرية وأقراص دي في دي. وتمتلك هذه المادة قابلية تغيير شكل بنيتها الذرية عند تعرضها للحرارة، لتنتقل من طور عديم الشكل إلى امتلاكها بنية بلورية (كريستالية) منتظمة، والمثير للاهتمام أن هذه الخاصية عكوسة، أي يمكن للمادة أن تعود لشكلها الأوليّ، وهو ما يجعلها مادة ممتازة للاستخدام في مجال أجهزة تخزين المعلومات الإلكترونية. أشار القائمون على الدراسة الجديدة أنه سبق وأن تمت دراسة الخصائص التي تبديها هذه المادة عند تواجدها في الحالة غير المنتظمة (أو اللابلورية Amorphous)، وما أضافته الدراسة الجديدة هي الوقوف على الخصائص الإلكترونية لهذه المادة عند تواجدها في الحالة البلورية.
كشف البحث أن مادة GeSb2Te4 عند تواجدها في الطور البلوري تمتلك ما يُعرف باسم: إلكترونات ديراك (نسبةً لعالم الفيزياء البريطاني بول ديراك ومعادلته الموجية الشهيرة). وبذلك، فإن خصائص الناقلية الإلكترونية لها مشابهة لتلك التي تمتلكها مادة الجرافين الشهيرة، وهي من أشهر المواد التي يتم دراستها في مجال التقانة النانوية، والتي تمتلك بنية بلورية مؤلفة من ذرات كربون أحادية الطبقة، وأهم ما يميزها أن انتقال الإلكترونات بين ذرات الكربون ضمن الجرافين يمكن توصيفه بشكلٍ مماثل لكيفية توصيف سلوك الجسيمات عديمة الكتلة، مثل الفوتونات.
بهذه الصورة، أظهر الباحثون أنه يمكن تشبيه سلوك مادة GeSb2Te4 في طورها اللابلوري بسلوك المواد نصف الناقلة؛ فهنالك ناقلية إلكترونية ولكنها مترافقة أيضاً مع مقاومة كهربائية عالية، أي أن مرور الإلكترونات سيكون محدوداً بالمقاومة الكهربائية التي تبديها المادة، في حين أن المادة نفسها -وفي طورها البلوري- تُظهر سلوكاً يشبه سلوك النواقل الممتازة -مثل المعادن- بحيث تكون الناقلية الإلكترونية عالية جداً مع مقاومة كهربائية منخفضة، ونظراً للتشابه مع سلوك الناقلية الإلكترونية في مادة الجرافين مع اختلاف البنية (الجرافين طبقة أحادية من ذرات الكربون) فإنه يمكن تشبيه مادة GeSb2Te4 على أنها تمثيل ثلاثي الأبعاد للجرافين.
ينطوي البحث الجديد وما كشفه على أهميةٍ كبيرة في مجال الصناعة الإلكترونية؛ يتم البحث دوماً عن بدائل للمواد السليكونية المستخدمة في الوقت الحاليّ كمادةٍ خام لتصنيع وحدات البناء الأساسية للشرائح الإلكترونية، أي الترانزيستورات، ومثلت مادة الجرافين حلاً مثيراً للاهتمام الذي جلب اهتمام الباحثين على نطاقٍ واسع، خصوصاً بفضل خصائص الناقلية الإلكترونية التي تمتلكها، ولكن بسبب المحدوديات التي أظهرتها من ناحية تيارات الفتح والإغلاق، فإن اعتمادها كبديلٍ للسيليكون لا يزال يواجه مشاكل في التصنيع. بالنسبة لمادة GeSb2Te4 وعلى ضوء البحث الجديد، وكونها تمثل شكلاً ثلاثي الأبعاد للجرافين، فإن ذلك قد يمثل حلاً جديداً قد يوفر مادة خام جديدة من شأنها دفع الصناعة الإلكترونية إلى الأمام.
تم نشر البحث الجديد في دورية إيه سي إس نانو التي تتبع للجمعية الكيميائية الأميركية.