ملخص: تتطلب مواجهة التغير المناخي توفير أنواع محددة من المعادن الضرورية لبناء أنواع مختلفة من التكنولوجيات والتجهيزات، مثل النيكل الضروري لصنع بطاريات السيارات الكهربائية، غير أن عمليات التعدين التقليدية تتسم بعدة سلبيات معروفة، مثل الآثار البيئية السلبية. من الأساليب المطروحة لتعزيز إنتاجية طريقة التعدين النباتي التي تتيح استخراج المعادن الاعتماد على نباتات تسمى بالمراكمات المفرطة، وهي نباتات تمتص هذه المعادن من التربة، وذلك في محاولة لتقليل الاعتماد على المناجم والتخفيف من الهدر. تكمن مشكلة هذه الطريقة بانخفاض محتوى النيكل في الكتلة الحيوية للنبات، وأنه يتطلب مساحات واسعة من الأراضي، وإمكانية تأثيرها على النظم البيئية باحتمال إدخالها أنواع قد تكون غازية، بالإضافة إلى ضرورة الإجابة عن سؤال ماذا سيحدث للتربة بعد استخلاص المعادن منها.
من المؤكد أن معدن النيكل لا ينبت على الأشجار، لكن قد نتمكن يوماً ما من تعدينه بمساعدة النباتات. تمتص أغلبية أنواع النباتات المعادن بصورة طبيعية وتختزنها بكميات مركّزة في أنسجتها، وثمة تمويل جديد مخصص لدعم الأبحاث حول كيفية الاستفادة من هذه الميزة في التعدين الذي يعتمد على النباتات، أو "التعدين النباتي" (phytomining).
اقرأ أيضاً: إليك مستجدات النباتات والخضروات المعدّلة جينياً
التعدين النباتي
وقد تلقت سبعة مشاريع للتعدين النباتي مؤخراً تمويلاً بقيمة 9.9 مليون دولار من وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة للطاقة، أو "أربا-إي" (ARPA-E) اختصاراً. تهدف هذه المشاريع إلى تحسين معلوماتنا حول تحديد النباتات التي يمكن أن تساعد في التعدين، وتحديد أفضل التعديلات التي يمكن أن يطبقها الباحثون على هذه النباتات للحصول على المعادن المهمة جميعها التي سنحتاج إليها في المستقبل.
ثمة طلب مرتفع على المعادن الضرورية لصنع بطاريات الليثيوم أيون المستخدمة في السيارات الكهربائية، مثل النيكل. لكن بناء مناجم جديدة لتلبية هذا الطلب قد يكون صعباً، لأن صناعة التعدين واجهت تاريخياً ردود فعل سلبية من المجتمعات المحلية، وذلك بسبب المخاوف البيئية في أغلب الأحيان. يمكن لتكنولوجيات التعدين الجديدة أن تساعد على تنويع إمدادات المعادن الأساسية، وتقديم بدائل محتملة للمناجم التقليدية.
يقول مدير البرامج لمشروع التعدين النباتي في أربا-إي، فيلسوك كيم: "يريد الجميع التحدث عن افتتاح مصنع عملاق جديد، لكن لا أحد يريد أن يتحدث عن افتتاح منجم جديد". ارتأت الوكالة أنه ثمة حاجة إلى تكنولوجيات تعدين جديدة ومستدامة ومسؤولة، حتى إذا كانت مختلفة للغاية عما هو مُستَخدم حالياً في هذا القطاع. يقدم التعدين النباتي مثالاً مهماً لهذا. يقول كيم: "إنها فكرة جنونية".
المراكمات المفرطة
ثمة 750 نوعاً تقريباً من النباتات المعروفة بأنها "مُراكِمات مفرطة" (hyperaccumulators)، ما يعني أنها تمتص كميات كبيرة من المعادن وتحتفظ بها داخل أنسجتها، على حد قول كيم. تميل هذه النباتات إلى امتصاص هذه المعادن مع مواد مغذية أخرى من التربة، وقد تكيفت حتى تستطيع أن تتحمل هذه المعادن.
ومن بين الأنواع التي نعرف أنها قادرة على امتصاص المعادن واختزانها بكميات مركزة، تصل نسبة الأنواع القادرة على فعل هذا بمعدن النيكل إلى أكثر من الثلثين. وعلى حين يؤدي النيكل عموماً إلى تسميم النباتات عند ارتفاع تركيزه، فإن هذه الأنواع تطورت حتى تستطيع العيش والازدهار في الترب الغنية بالنيكل، وهذه الترب شائعة الانتشار في بعض المناطق من العالم، حيث أدت العمليات الجيولوجية إلى دفع هذا المعدن نحو السطح.
وحتى في حالة المراكمات المفرطة، فإن الكمية الإجمالية من النيكل في أنسجة النبات تبقى صغيرة نسبياً، وهي أقرب إلى ميليغرام واحد من المعدن في كل غرام من المادة النباتية المجففة. لكن حرق نبتة مجففة (الذي يزيل نسبة كبيرة من المواد العضوية) يمكن أن يتيح الحصول على رماد تبلغ نسبة النيكل فيه 25% تقريباً أو حتى أعلى من ذلك.
ليس من المستغرب أن تصبح هذه النباتات القادرة على تحمل النيكل محط تركيز العديد من الأبحاث الأولية، وذلك بسبب أعدادها الهائل، إلى جانب أهمية هذا المعدن بالنسبة إلى تكنولوجيات الطاقة، على حد قول كيم.
كيف يمكن الحصول على النيكل بهذه الطريقة؟
لكن على الرغم من أن النباتات حققت السبق في استخراج النيكل، فلن يكون في إمكاننا أن نبدأ تطبيق العمليات التجارية عليها حالياً. يقول كيم إن أكثر المراكمات المفرطة المعروفة فاعلية قد تتمكن من إنتاج كمية تتراوح من 50 إلى 100 كيلوغرام من النيكل لكل هكتار من الأرض سنوياً. هذا من شأنه أن ينتج من المعدن ما يكفي 2 إلى 4 من بطاريات السيارات الكهربائية في المتوسط، ويتطلب مساحة من الأرض تفوق مساحة ملعب كرة القدم النموذجي. سيسعى البرنامج البحثي إلى تعزيز هذه الإنتاجية حتى يصل على الأقل إلى 250 كيلوغراماً لكل هكتار من الأرض، وذلك لتحسين آفاق الجدوى الاقتصادية لهذا النوع من التعدين.
ستسعى البرامج السبعة التي حازت التمويل إلى زيادة الإنتاج بعدة طرق مختلفة. فبعض الباحثين يبحث عن نباتات تستطيع مراكمة النيكل بفاعلية أعلى حتى من الأنواع المعروفة. ومن النباتات المرشحة لهذا نجيل الهند، وهو نبات عشبي معمر ذو جذور عميقة. من المعروف أن نجيل الهند قادر على مراكمة معادن مثل الرصاص، وأنه مستخدم في أغلب الأحيان في مشاريع التنظيف، ولهذا فثمة احتمال جيد بأنه قادر على امتصاص معادن أخرى مثل النيكل، وذلك على حد قول الباحثة المختصة بعلم الأحياء في جامعة ميشيغان التكنولوجية ورئيسة أحد المشاريع، روبالي داتا.
يسعى برنامج بحثي آخر من البرامج التي حازت التمويل إلى دراسة أكثر من 100,000 عينة من المجموعات النباتية (معشبات)، وهي عينات نباتية محفوظة ومفهرسة. سيبحث الباحثون عن النيكل في أنسجة هذه النباتات بالاعتماد على تقنية تحمل اسم "مسح فلورية الأشعة السينية" (x-ray fluorescence scanning)،، حيث يأملون بتحديد أنواع جديدة من المراكمات المفرطة.
يتطلع باحثون آخرون إلى تعزيز قدرات التعدين لدى الأنواع المعروفة من المراكمات المفرطة للنيكل. تكمن مشكلة الكثير من الخيارات المتاحة حالياً في أنها لا تتمتع بكتلة حيوية كبيرة، أي أنها بعبارة أخرى؛ صغيرة الحجم. ولهذا، فإن كل نبتة ستجمع كمية صغيرة من المعدن وحسب، حتى لو كان التركيز النسبي للمعدن في أنسجتها مرتفعاً. يريد الباحثون تعديل المراكمات المفرطة المعروفة لزيادة حجمها، من خلال منحها أنظمة جذرية أكبر تسمح لها بالوصول إلى عمق أكبر في التربة بحثاً عن المعدن، على سبيل المثال.
من الطرق المحتملة أيضاً لتحسين إنتاج النيكل؛ تغيير دورة النمو للنباتات. يقول الباحث المختص بالكيمياء الحيوية في جامعة ويسكونسن بمدينة ماديسون، ريتشارد أماسينو، إن معظم النباتات المعمرة تتوقف عملياً عن النمو بعد أن تزهر. ولهذا، فإن أحد أهدافه في المشروع إيجاد وسيلة لتأخير مرحلة الإزهار في الأودونتارينا، وهي عائلة من النباتات ذات الأزهار الصفراء الزاهية، بحيث يكون أمامها المزيد من الوقت لامتصاص النيكل قبل أن تتوقف عن النمو خلال الموسم.
يعمل الباحثون أيضاً على إيجاد وسائل تمنع هذه الأنواع المستهدفة المعروفة من أن تصبح نباتات غازية في الأماكن المزروعة فيها. على سبيل المثال، فإن الأودونتارينا من الأنواع المحلية في أوروبا، ويريد الباحثون التأكد من أنها لن تنتشر بكميات كبيرة وتحدث خللاً في الأنظمة البيئية الطبيعية إذا جلبوها إلى الولايات المتحدة أو غيرها من المناطق الأخرى ذات المناخ الملائم لنموها.
سلبيات محتملة لهذه الطريقة
وقد قال مدير مركز أبحاث الجيولوجيا الاقتصادية في جامعة نيفادا بمدينة رينو، سيمون جاويت، في رسالة بالبريد الإلكتروني؛ إن النباتات المراكمة المفرطة مستخدمة حالياً في التنقيب عن المعادن، لكن من المرجح ألا تكون قادرة على إنتاج الكميات الضخمة من النيكل التي نستخرجها حالياً من المناجم. لكن قد تكون النباتات حلاً عملياً للتعامل مع نفايات المناجم، على حد قوله.
إضافة إلى هذا، ثمة تساؤل حول ما سيحدث بعد أن تمتص النباتات المعادن من منطقة معينة من التربة. وفقاً لجاويت، قد يصبح من الضروري إزالة تلك الطبقة العلوية التي امتصت النباتات المعادن منها للوصول إلى كميات إضافية من المعادن في الطبقات السفلى، بعد زراعة المحصول وحصاده.
يقول كيم إنه إلى جانب تحديد الأنواع النباتية المستهدفة وتعديلها، يجب على الباحثين في هذه المشاريع جميعاً التوصل إلى تصور أفضل حول الأماكن المحتملة المناسبة لزراعة هذه النباتات، وحول التأثير المحتمل للعمليات الطبيعية مثل حركة المياه الجوفية في تجديد كميات المعادن المستهدفة في التربة، وحول الطرق المحتملة لحدوث ذلك. ويضيف قائلاً إنه يجب على العلماء أيضاً تحليل الاستدامة البيئية للتعدين النباتي. على سبيل المثال، قد يؤدي حرق النباتات بغية إنتاج الرماد الغني بالنيكل إلى إطلاق انبعاثات غازات الدفيئة.
وعلى الرغم من هذا، كما يضيف كيم، فإن مواجهة التغير المناخي تتطلب تصنيع الكثير من التكنولوجيات والتجهيزات وتركيبها، ونحن في حاجة إلى كميات كبيرة من المواد لتحقيق هذا الأمر. قد يكون التعدين النباتي مفيداً في المستقبل. يقول كيم: "لدينا اعتقاد بأن هذا الأمر ممكن، لكنه صعب للغاية".