ملخص: مع الانتشار السريع والواسع النطاق الذي حققته تقنيات الذكاء الاصطناعي، كان لا بُدّ من أن تصل إلى مجال التعليم عاجلاً أو آجلاً، غير أن الطبيعة الخاصة للتعليم تجعل استخدام الذكاء الاصطناعي فيه مسألة شائكة. فمن ناحية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المعلمين الذين يتحملون ضغطاً هائلاً في عملهم، ومن ناحية أخرى، لا يمكن بسهولة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في بعض المهام التعليمية التي تتطلب تفاعلاً بشرياً مباشراً. تَعد الشركات التكنولوجية المعلمين بأدوات قد تساعدهم على الإعداد للدروس وتصحيح الواجبات والتقييمات. لكن يقول منتقدو ذلك إن هاتين المهمتين تمثّلان جوهر العملية التعليمية، وقد لا تكون أدوات الذكاء الاصطناعي على مستوى الكفاءة المطلوبة لأدائها.
يمثّل موسم العودة إلى المدارس هذا بداية العام الثالث الذي سيشهد استخدام الآلاف من الطلاب نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل تشات جي بي تي (ChatGPT)، في أنحاء العالم كافة (بمن فيهم أولاد إخوتي، الذين يبلغونني ببهجة في كل مرة يحققون فيها نتيجة جيدة في أحد الفروض المنزلية من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي). ويظل أحد مصادر القلق الكبرى بين المعلمين هو أنه عندما يستخدم الطلاب مثل هذه النماذج لكتابة المقالات أو طرح أفكار للمشاريع، فإنهم يفوتون فرصة التفكير الجاد والمركّز الذي يبني مهارات التفكير الإبداعي.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من التكنولوجيا لنجاح التعليم عن بُعد في المناطق النائية؟
استخدامٌ مختلف للذكاء الاصطناعي في التعليم
لكن هذا العام بدأ عدد متزايد من شركات التكنولوجيا التعليمية يطرح على المدارس استخداماً مختلفاً للذكاء الاصطناعي. فبدلاً من العمل الجاد للحد من استخدام الذكاء الاصطناعي في القاعة الدراسية، تعمل هذه الشركات على تدريب المعلمين على كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتقليل الوقت الذي يمضونه في تنفيذ مهام مثل تصحيح الواجبات والاختبارات ووضع الدرجات، وتقديم الملاحظات والتوجيهات إلى الطلاب، والتخطيط للدروس. تقدم هذه الشركات الذكاء الاصطناعي بوصفه الأداة الأفضل لتوفير الوقت بالنسبة إلى المعلم.
تقول شركة ماجيك سكول (Magic School) إن 2.5 مليون معلم يستخدمون أدواتها التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل أدوات توليد الاختبارات وتلخيص النصوص. وتقدّم المؤسسة التربوية غير الربحية أكاديمية خان (Khan Academy) معلماً رقمياً يحمل اسم "خان ميغو" (Khanmigo)، وتعرضه على المعلمين بوصفه "مساعدك التعليمي المجاني القائم على الذكاء الاصطناعي" وفقاً للموقع الرسمي لهذه الأداة (khanmigo.ai). يستطيع المعلمون استخدامه في مساعدة الطلاب في مواضيع عديدة متنوعة، ابتداءً من البرمجة وصولاً إلى العلوم الإنسانية. أما أنظمة التدريب على الكتابة، مثل بريستو (Pressto)، فهي تساعد المعلمين على تقديم الملاحظات المتعلقة بمقالات الطلاب.
كيف تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي المعلمين؟
غالباً ما تستشهد شركات التكنولوجيا التعليمية في عروضها بتقرير يعود إلى عام 2020 من شركتي ماكنزي (McKinsey) ومايكروسوفت، الذي وجد أن المعلمين يعملون وسطياً 50 ساعة في الأسبوع. ووفقاً لهذا التقرير، تتضمن هذه الساعات من هذا العمل "سهرات تمتد حتى وقتٍ متأخر من الليل في تصحيح الأوراق ووضع الدرجات، أو تحضير خطط الدروس، أو إجراء الكثير من الأعمال الورقية". أشار المؤلفون إلى أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفّر على المعلمين 13 ساعة عمل في الأسبوع.
غير أن الشركات ليست الجهات الوحيدة التي تروّج لهذا التوجه، فقد أمضت أوساط المعلمين وصناع السياسات أيضاً العام الماضي في محاولة نشر استخدام الذكاء الاصطناعي في القاعات الدراسية. كما أصدرت وزارات التعليم في كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة، إضافة إلى ولايات أميركية مثل نورث كارولاينا وكولورادو، إرشادات حول الأساليب التي تتيح للمعلمين استخدام الذكاء الاصطناعي بصورة إيجابية وآمنة، غير أن مدى استعداد المعلمين لتسليم بعض مسؤولياتهم إلى نموذج ذكاء اصطناعي يعتمد فعلياً على المهمة نفسها، وذلك وفقاً للمعلم ومرشح الدكتوراة في جامعة ديكن، ليون فورز، الذي يدرس تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم والتدريب على الكتابة.
ويقول: "نعلم من خلال الكثير من الأبحاث أن عبء العمل الذي يتحمله المعلمون ينتج فعلياً عن مهام جمع البيانات وتحليلها، وإعداد التقارير، والتواصل. وهي مجالات يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي فيها جميعاً".
اقرأ أيضاً: 16 أداة ذكاء اصطناعي أفضل من تشات جي بي تي لمساعدة المعلمين
شكوك حول قدرات الذكاء الاصطناعي
ثمة أيضاً مجموعة من المهام غير البسيطة، التي يشكك المعلمون بدرجة أكبر في قدرة الذكاء الاصطناعي على التفوق فيها. وغالباً ما تؤول هذه المهام إلى اثنتين من المسؤوليات الأساسية في التعليم: التخطيط للدروس، وتصحيح الفروض والاختبارات لوضع الدرجات. تقدم مجموعة كبيرة من الشركات نماذج لغوية كبيرة تقول إنها قادرة على إنشاء خطط دراسية تتوافق مع المعايير التي تتبعها مناهج تعليمية مختلفة عديدة. وقد استخدم بعض المعلمين، بمن فيهم معلمون في بعض مناطق كاليفورنيا، نماذج الذكاء الاصطناعي لتقييم المقالات ووضع درجات لها وتقديم الملاحظات المتعلقة بها. وبالنسبة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي هذه، يقول فورز إن الكثير من المعلمين الذين يعمل معهم هم أقل ثقة بموثوقيتها.
فعندما تَعد الشركات بتوفير الوقت في عمليات التخطيط والتصحيح ووضع الدرجات، فإن هذا يمثّل "دلالة خطيرة للغاية"، على حد تعبيره، لأن هذه المهام "تمثّل أجزاءً جوهرية من هذه المهنة". ويضيف قائلاً: "إن التخطيط للدروس عملية مدروسة وغنية بالأفكار وإبداعية، بل وحتى مسلية، أو من المفترض أن تكون كذلك". والملاحظات المؤتمتة المتعلقة بالمهارات الإبداعية، مثل الكتابة، هي أيضاً موضوع شائك: "يريد الطلاب الحصول على ملاحظات من البشر، ويمثل التقييم وسيلة تُتيح للمعلمين التعرّف على الطلاب. من الممكن تطبيق الأتمتة على جزء من هذه الملاحظات، لكن ليس عليها جميعاً".
إذاً، إلى أي درجة يشعر المعلمون بالحماسة إزاء استخدام الذكاء الاصطناعي لتوفير الوقت؟ في وقتٍ سابق من هذا العام، في مايو/أيار، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) أن 6% فقط من المعلمين يعتقدون أن فوائد الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم أكثر من مضاره. لكن، مع تغير الذكاء الاصطناعي بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، قد يكون هذا العام الدراسي العام الذي نشهد فيه نجاح شركات التكنولوجيا التعليمية بكسب ود المعلمين.