لم تُحدث فيديوهات التزييف العميق الأثر الواضح الذي خشي البعض منه خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020. (ولكن، بطبيعة الحال، انتشرت الكثير من فيديوهات التزييف الرخيص [أي باستخدام تقنيات تقليدية لا تتضمن ذكاء اصطناعياً] على نطاق واسع).
وعلى الرغم من هذا، فإن فيديوهات التزييف العميق بدأت تتسبب بالمشاكل للأشخاص العاديين، ففي مارس/ آذار، حذر مكتب التحقيقات الفدرالي من توقعاته باستغلال المحتالين "للمحتوى المصطنع لتنفيذ عمليات احتيال سيبرانية في الفترة المقبلة من 12 إلى 18 شهراً".
وفي فيديوهات التزييف العميق، والتي ظهرت لأول مرة في 2017، يتم تركيب وجهٍ مُوَلّد حاسوبياً (ويكون في أغلب الأحيان لشخص حقيقي) على شخص آخر. وبعد عملية التبديل هذه، يمكن للمحتالين جعل الشخص المستهدف يقول أو يفعل أي شيء تقريباً. وللحصول على صور واقعية، يعتمد المحتالون على الذكاء الاصطناعي الذي يفحص صور وفيديوهات الشخص المستهدف من عدة زوايا مختلفة.
اقرأ أيضاً: لماذا ينبغي عدم الاستخفاف بمخاطر التزييف الرخيص؟
إنتاج فيديو عميق التزييف لا يتطلب احترافية عالية
ليس من الضروري أن تكون قرصان معلومات محترفاً لإنتاج فيديو عميق التزييف، فهناك الكثير من البرامج الشعبية وشائعة الانتشار لتنفيذ عملية تبديل الوجه، ومن الممكن القيام بهذه العملية حتى على هاتف آيفون. (غير أن المحتوى عالي الجودة ما يزال بحاجة إلى حاسوب عالي القدرة).
ومع انتشار هذه التكنولوجيا على نطاق أوسع، بدأ المحتالون باستخدامها في نواحٍٍ مختلفة من الحياة، ففي 8 سبتمبر/ أيلول، أوردت صحيفة ذا تايمز أوف إينديا تقريراً حول نوع جديد من الجرائم السيبرانية في الهند، وهو الابتزاز الجنسي، والذي يتضمن استخدام فيديوهات إباحية عميقة التزييف، ولكنها لا تخص الضحية، بل تخص المحتال، على الأقل في البداية.
وعادة، يقوم المحتال (مستخدماً صورة حساب يعود لامرأة، وهي صورة مزيفة بشكل شبه مؤكد) بإرسال طلب صداقة إلى الشخص المستهدف على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد ذلك، يتبادل المحتال الرسائل النصية مع الضحية لبناء شيء من الثقة، وأخيراً، يجري اتصال فيديو. وعندها، يستخدم المحتال مقطع فيديو لهذه المرأة -وهو مقطع قام بإنتاجه باستخدام الحاسوب- لدفع الضحية إلى إظهار تفاعله جنسياً مع ما يشاهده، ويقوم المحتال بتسجيل هذه اللحظات المحرجة ويستخدمها لاحقاً لابتزاز الضحية.
وقد قام شخصان على الأقل بإبلاغ الشرطة عن تلقيهما اتصالات ابتزاز في مدينة أحمد أباد غرب الهند. وقال أحدهما إن المحتالين طالبوه بدفع نحو 3,000 دولار.وتقول التقارير إن الرجلين نفسهما لم يدركا أن المرأة في الفيديو ليست سوى نتاج تزييف عميق، فقد كشفت تحقيقات الشرطة عن هذا لاحقاً. (قال أحد الرجلين إنه "لم يقم بأي فعل فاحش"، ولهذا، ليس من الواضح كيف تم ابتزازه بالضبط).
أما عندما لا يكفي الفيديو المولَّد حاسوبياً للإيقاع بالضحية، ما يؤدي إلى رفض الضحية للاشتراك في هذه العملية الجنسية الافتراضية، فقد يقوم المحتالون عندها بإنتاج فيديو تزييف عميق آخر، بحيث يبدو فيه أن الشخص المستهدف مشارك في أفعال فاحشة.
ووفقاً لصحيفة ذا إنديان إكسبريس، فقد تعرض أحد سكان دلهي إلى الابتزاز بهذه الطريقة، فقد ظهرت المرأة، والتي أصبحت صديقته على إنستغرام، عارية خلال اتصال فيديو. وقطع الرجل الاتصال فور إدراكه لما كان يحدث، ولكن المحتالين حاولوا ابتزازه على أي حال. وقد رفض أن يدفع لأنه، كما قال، لم يقم بأي فعل فاحش.
ولكن هذا لم يمنع المجرمين من مواصلة المحاولة. حيث ورد في الصحيفة نقلاً عن الضحية: "قام المحتالون بأخذ صورة لوجهي من اتصال الفيديو الذي أجريته معهم، وقاموا بتركيبه على جسد شخص آخر، وفي مقطع الفيديو الذي قاموا بمشاركته، ظهرت وكأنني أخوض في محادثة جنسية مع طرف آخر". وبعد ذلك، قام المحتالون بإرسال الفيديو إلى عائلته وأصدقائه.
اقرأ أيضاً: مخاطر التزييف العميق: تطبيق يستبدل وجوه النساء بنقرة زر
استخدام التزييف العميق خارج نطاق الابتزاز الجنسي (وربما على مستوى أخطر)
ولكن المحتالين يستخدمون فيديوهات التزييف العميق بأساليب أخرى أيضاً، ففي روسيا، تعلم المجرمون كيفية جمع البيانات الشخصية باستخدام هذه التكنولوجيا. وفي 6 سبتمبر/ أيلول، نشر بعض المحتالين على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو عميق التزييف لأوليغ تينكوف، وهو مؤسس بنك تينكوف، وهو واحد من أضخم 15 بنكاً في روسيا.
وفي هذا الفيديو، وجهت الشخصية "المستنسخة" من تينكوف الدعوة للناس لاستخدام أدوات البنك الاستثمارية، واعدةً كل عميل بنسبة 50% من الاستثمار كمكافأة إضافية. وعند قيام المستخدمين بالنقر على الرابط المذكور في الفيديو، كانوا ينتقلون إلى موقع ويب مزيف للبنك، حيث كان يُطلب منهم مشاركة أسمائهم وحسابات بريدهم الإلكتروني وأرقام هواتفهم.
أما في الولايات المتحدة، فقد بدأت الفيديوهات عميقة التزييف بالظهور على تطبيقات المواعدة. ووفقاً لموقع ذا ديلي بيست، تعرضت امرأة من كاليفورنيا في 2019 للاحتيال بقيمة 300,000 دولار بعد خداعها باستخدام مقاطع فيديو معدلة. وقد تضمنت الخطة المعقدة محتالين اثنين (أو ربما محتالاً واحداً يستخدم حسابين مختلفين).
فقد ادعى المجرم الأول الذي التقته على موقع مواعدة على الإنترنت أن اسمه "شون باك"، يشغل منصب نائب أدميرال في البحرية الأميركية والمشرف العام على الأكاديمية البحرية، وكانت المرأة تتحدث معه على سكايب بشكل منتظم. أما المحتال الثاني فقد تقمص شخصية أميركية، وبعد عدة أشهر من التواصل، أخبرها أنه مسجون في دولة ثانية وراء البحار.
وهكذا، طلبت المرأة من "باك" المساعدة على تحرير السجين، وطلب منها "الأدميرال" تحويل آلاف الدولارات "لدفع أتعاب المحامي". لاحقاً، اكتشفت السلطات أن المرأة كانت في الواقع -في كل حوار تجريه مع "باك" على سكايب- تشاهد "مقاطع معدلة من فيديوهات متاحة للعامة من قبل للأدميرال باك الحقيقي".
قد يكون هناك عدد أكبر بكثير من الجرائم السيبرانية التي تعتمد على المقاطع عميقة التزييف، ولكنها تبقى طي الكتمان دون تبليغ، بما أن الضحايا قد يشعرون بالإحراج حول التعرض للنصب والاحتيال. وإضافة إلى النصائح العامة والمعروفة بعدم تلقي اتصالات فيديو من الغرباء وتجنب إرسال الأموال إليهم، يقدم الخبراء نصائح محددة حول كيفية التعرف على الفيديوهات عميقة التزييف وحماية النفس من الجرائم السيبرانية.
ووفقاً لتحذير مكتب التحقيقات الفدرالي العائد إلى مارس/ آذار، يجب البحث عن زيادة غير طبيعية بين عيني الشخص، والتشوهات المرئية حول البؤبؤين وشحمتي الأذن، ومشاكل في التزامن بين حركات الوجه والشفتين، إضافة إلى وجود خلفية مغشاة للفيديو.
"فيوتشر تينس" مشروع مشترك بين "مجلة سليت" (Slate)، ومركز "نيو أميركا" (New America) للأبحاث، وجامعة أريزونا الحكومية، ويهدف إلى دراسة التكنولوجيات الناشئة، والسياسات العامة، والمجتمع.