كيف تستفيد أوكرانيا من تكنولوجيا التعرف على الوجوه في الحرب؟

3 دقائق
كيف تستفيد أوكرانيا من تكنولوجيا التعرف على الوجوه في الحرب؟
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية أهمية التقدم التكنولوجي الحاصل في عالمنا، وخاصة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فقد بات الدور الذي تلعبه تكنولوجيا التعرف على الوجوه جلياً في هذه الحرب، إذ تُستخدم أنظمة شركة "كلير فيو أيه آي" (Clearview AI) الأميركية، لتحديد هوية الجنود الروس، الأحياء أو الأموات، وللتأكد من جنسية المهاجرين الأوكرانيين.

كيف شاركت كلير فيو في الحرب الروسية الأوكرانية؟

 بعد بدء الحرب بأسابيع قليلة، فكر "هوان تون ذات"، الرئيس التنفيذي لشركة كلير فيو للتعرف على الوجه، في طريقة يشارك فيها في هذه الحرب، فهو يعتقد أن بإمكان تكنولوجيا شركته لعب دور مهم في حل بعض المواقف المعقدة. 

قال السيد تون: "أتذكر مشاهدة مقاطع فيديو لجنود روس أسرى، وزعمت روسيا أنهم ممثلون. اعتقدت أنه إذا كان بإمكان الأوكرانيين استخدام كلير فيو، يصبح بإمكانهم الحصول على مزيد من المعلومات للتحقق من هوياتهم".

وبالفعل قرر السيد "تون" تقديم خدمات كلير فيو إلى أوكرانيا مجاناً، وفي أوائل مارس/ آذار، تواصل مع أشخاص ساعدوه في الاتصال بالحكومة الأوكرانية، وتقديم خطاب لها يوضح فيه أن التكنولوجيا التي طورها يمكن أن تكون ذات قيمة في حربها، لأنه يمكنها التعرف على شخص ما على الفور من صورة فقط، وأن الشرطة والوكالات الفيدرالية في الولايات المتحدة استخدمتها لحل الجرائم.

وأضاف أن الأداة يمكنها تمييز الجواسيس، والتعرف على هويات المتوفين، من خلال مقارنة وجوههم بقاعدة بيانات كلير فيو التي تضم 20 مليار وجه جُمع من شبكة الإنترنت العامة، بما في ذلك المواقع الاجتماعية الروسية مثل "فكونتاكتي" (VKontakte).

جاء رد الحكومة الأوكرانية بالإيجاب، بعد أقل من شهر على محاولة السيد تون التواصل معها، وبدأت كلير فيو بإنشاء أكثر من 200 حساب للمستخدمين في 5 وكالات حكومية أوكرانية، والتي أجرت أكثر من 5 آلاف عملية بحث. لم تكتفِ كلير فيو بما قدمت، بل ترجمت تطبيقها إلى اللغة الأوكرانية أيضاً.

اقرأ أيضاً: ما الدور الذي تلعبه أسلحة الذكاء الاصطناعي في الحرب الروسية الأوكرانية؟

ما الفائدة التي حصلت عليها أوكرانيا؟

أكد السيد تون عبر رسائل البريد الإلكتروني استخدام 3 وكالات أوكرانيّة للأداة. وبمساعدتها، تعرفت على قتلى من الجنود، وأسرى حرب، ومهاجرين، مؤكدة الأسماء الواردة في بطاقاتهم الرسمية. 

وفقاً لإحدى الرسائل الإلكترونية، حصلت الشرطة الأوكرانية على صورتين لجنود روسيين قتلى، اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز، في 21 مارس / آذار، وقدمت هذه الصور لتطبيق كلير فيو الذي أظهر صوراً لرجل يشبه الموجود في الصورة، ويبلغ من العمر 33 عاماً من أوليانوفسك، كان يرتدي زي المظلي ويحمل مسدساً في صور ملفه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي الروسي "أودنوكلاسنيكي" (Odnoklassniki). وبحسب مسؤول في الشرطة الأوكرانية، جرت محاولات للاتصال بأقارب الرجل في روسيا لإبلاغهم بوفاته، لكن لم يصلهم أي رد.

يعتبر تحديد هوية الجنود القتلى وإخطار عائلاتهم جزءاً من حملة نائب رئيس الوزراء الأوكراني "ميخايلو فيدوروف"، لكشف تكلفة الصراع للجمهور الروسي. وبذلك تلعب تقنية التعرف على الوجوه دوراً مهماً في تحديد هوية قتلى الحرب.

اقرأ أيضاً: متطوعون على الإنترنت يساعدون في تعقب الجرائم في الحرب الروسية الأوكرانية

الجانب الآخر

من ناحية أخرى، يرى البعض أن في هذه التقنية تعدٍ على الخصوصية، ويجب زيادة الرقابة في هذا الخصوص، وأن أي أخطاء يرتكبها البرنامج أو أولئك الذين يستخدمونه قد يكون لها عواقب وخيمة في منطقة الحرب.

من هؤلاء "إيفان جرير"، نائب مدير مجموعة الحقوق الرقمية "فايت فور ذا فيوتشر" (Fight for the Future)، فهو يعارض أي استخدام لتقنية التعرف على الوجوه، وباعتقاده يجب حظرها في جميع أنحاء العالم لأن الحكومات استخدمتها لاضطهاد الأقليات وقمع المعارضة، حيث تنشر بعض الدول تقنية التعرف على الوجوه المتقدمة في الكاميرات في المدن. 

قال السيد غرير: "غالباً ما تُستخدم مناطق الحرب كأساس للاختبار، ليس فقط للأسلحة، ولكن لأدوات المراقبة التي يتم نشرها لاحقاً على السكان المدنيين أو تُستخدم لأغراض إنفاذ القانون أو السيطرة على الحشود". وأضاف: "شركات مثل كلير فيو حريصة على استغلال الأزمة الإنسانية في أوكرانيا لتطبيع استخدام برامجها الضارة".

وبالفعل، تواجه كلير فيو عدة دعاوى قضائية في الولايات المتحدة، وقد أُعلن أن استخدامها لصور الأشخاص دون موافقتهم غير قانوني في كندا وبريطانيا وفرنسا وأستراليا وإيطاليا. وفُرضت عليها غرامات في بريطانيا وإيطاليا.

اقرأ أيضاً: كيف يستخدم الناشطون الإعلانات لتسريب الأخبار الحقيقية حول الحرب الروسية الأوكرانية؟

كلير فيو ليست الوحيدة في هذا الصراع

تقدمت تكنولوجيا التعرف على الوجوه من حيث القوة والدقة في السنوات الأخيرة، وأصبحت في متناول الجمهور بشكل أكبر. أُنشِئ بعضها بغرض إنفاذ القانون؛ مثل كلير فيو. بينما تُتاح خدمات التعرف على الوجوه الأخرى لأي شخص على استعداد لدفع ثمنها؛ مثل "بيم آيز" (PimEyes) التي تعرض الصور العامة على الإنترنت، و"فايند كلون" (FindClone)، التي تبحث عن الصور المأخوذة من موقع التواصل الاجتماعي الروسي "فكونتاكتي".

منعت شركة بيم آيز روسيا من استخدام الموقع بعد بدء الحرب كي لا تستخدمه في تحديد هوية الأوكرانيين. وقيل أن محرك بحث الوجوه فايند كلون حدد هوية العديد من الرجال على أنهم جنود روس أرسلوا "لنهب" المنازل في أوكرانيا.

من الواضح أن الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا حربٌ معلوماتية بامتياز، وتجاوزت حدود التكنولوجيا مجرد تحديد الضحايا أو تتبع وحدات معينة، بل أصبح من السهل تعقب الأفراد المسؤولين عن جرائم الحرب. وفي المقابل سيصبح من الصعب على المدنيين البقاء بعيدين عن مناطق التوتر.

استُخدمت تقنية التعرف على الوجوه بالحرب الروسية الأوكرانية، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة، وسيصبح من الصعب الحفاظ على سرية هوية المحاربين المستقبليين، تماماً كما هو الحال بالنسبة للمدنيين العاديين.

المحتوى محمي