بالتزامن مع تنامي تبني المنازل الذكية في المنطقة العربية، وخاصة في دول الخليج العربي مثل الإمارات والسعودية، أصبحت أجهزة المنزل الذكية المتصلة بالإنترنت تحظى بشعبية متزايدة وسط شاغلي المنازل الذكية، وحتى المنازل العادية، لمساهمتها في تسهيل الحياة اليومية، حيث شهد استخدام المساعد الافتراضي الصوتي أليكسا في المنطقة العربية زيادة بنسبة 40% في عدد المستخدمين النشطين شهرياً عام 2023.
لكن على الرغم من الراحة التي تقدمها، إذ تشير التقديرات إلى أن المستخدم الأميركي العادي قد يتعامل مع نحو 8 أجهزة ذكية في المنزل خلال اليوم، فإنها تجمع مجموعة متنوعة من البيانات، بما في ذلك أنماط المشاهدة ونوع النظام الغذائي وعادات النوم والبيانات السلوكية والتسجيلات الصوتية والمرئية والمعلومات الطبية ومعلومات التعريف الشخصية وغيرها.
والأكثر خطورة، هو أن الشركات المصنّعة قد لا تكتفي فقط بجمع البيانات، بل غالباً لا تكشف طواعية عن كيفية مشاركتها أو تدابير الأمان السيبرانية المتخذة لحمايتها من الاختراق، ما يُثير مخاوف متصاعدة بشأن الخصوصية فيما يتعلق بكيفية التعامل مع بيانات المستخدم وحمايته.
يُبرز ذلك بدوره أسئلة جوهرية حول سبب جمع البيانات من الأساس؟ وما هي أبرز أجهزة المنزل الذكية التي تجمع البيانات؟ والأهم ما هي أهم التدابير التي ينبغي لك اتخاذها لمنعها من جمع بياناتك الشخصية؟
لماذا أصبحت شركات صناعة أجهزة المنزل الذكية أكثر اندفاعاً في جمع البيانات؟
وفقاً لدراسة حديثة أجرتها هيئة مراقبة المستهلك في المملكة المتحدة، فإن لبعض أجهزة المنزل الذكية طرقاً بارزة تقوم من خلالها بالتجسس على المستهلكين حيث اكتشف الباحثون أن العديد من الأجهزة تجمع معلومات تتجاوز ما تحتاج إليه للقيام بوظائفها الأساسية، ومن المحتمل أن تشارك البيانات الإضافية مع شركات أخرى.
كما سلّطت دراسة حديثة أجرتها شركة الأمن السيبراني سيرف شارك (Surfshark) الضوء على المدى المقلق لجمع البيانات بواسطة تطبيقات المنزل الذكي، لا سيما المرتبطة بالشركات الكبرى مثل أمازون وجوجل، حيث وجدت الدراسة التي حللت 290 تطبيقاً متصلاً بأكثر من 400 جهاز منزلي ذكي أن ما يقرب من واحد من كل عشرة تطبيقات يجمع بيانات المستخدم لأغراض التتبع.
وقد برزت المساعِدات الافتراضية الصوتية التابعة لشركتي أمازون وجوجل كأكثر الأجهزة جمعاً للبيانات، حيث جمعت على الترتيب 28 و22 نقطة من أصل 32 نقطة بيانات محتملة، وقد تضمنت مجموعة البيانات الشاملة معلومات حساسة مثل الموقع الدقيق وتفاصيل الاتصال والبيانات المتعلقة بالصحة والصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية، وكلّها مرتبطة بملفات تعريف المستخدمين الفردية.
اقرأ أيضاً: ما هو المنزل الذكي؟ وما هي أبرز التكنولوجيات التي تجعل منزلك ذكياً؟
كما كشفت الدراسة أن 12 تطبيقاً من أصل 290 تطبيقاً تم تحليلها لم تقم بتحديث ممارسات جمع البيانات الخاصة بها منذ أكثر من عام، ما يُثير مخاوف بشأن الشفافية والامتثال لقوانين الخصوصية، وتعود ممارسات جمع البيانات المكثفة من أجهزة المنزل الذكية إلى العديد من الأسباب من ضمنها:
الطلب والمنافسة المحتدمة في السوق
أدّى النمو السريع لسوق المنازل الذكية والذي من المتوقع أن يصل إلى 785.16 مليون مستخدم بحلول عام 2028 إلى تكثيف المنافسة بين الشركات المصنعة، لتعزيز تجربة المستخدم وتحسينها وتخصيصها وتحسين عروض المنتجات. وغالباً ما تُبرر ممارسات الجمع المكثّف للبيانات باعتباره ضرورياً لتحسين الخدمات وتخصيص الإعلانات للمستخدمين.
سلوك المستهلك وعدم وضوح سياسات الخصوصية والاستخدام
على الرغم من المخاوف الواسعة النطاق بشأن الخصوصية المرافقة لاستخدام أجهزة المنزل الذكية، فإن العديد من المستهلكين يواصلون تبنيها دون فهم كامل لمدى جمعها للبيانات، وتُعرف هذه الظاهرة باسم مفارقة الخصوصية (Privacy Paradox) وتشير إلى التناقض بين موقف المستهلك وسلوكه الفعلي، بحيث يعبّر عن قلقه بشأن مخاوف الخصوصية ولكن مع ذلك لا يتبع الممارسات اللازمة لحماية بياناته ومعلوماته الشخصية.
وغالباً ما يؤدي الافتقار إلى الوضوح المحيط بممارسات جمع البيانات أو سوء فهم بنود سياسات الخصوصية أو عدم قراءتها كُلياً إلى تجاهل المستهلكين للمحاذير المتعلقة باستخدام هذه الأجهزة، ما يسمح للشركات بجمع معلومات أكثر من اللازم دون موافقة صريحة.
القدرة على مخالفة القوانين والقواعد التنظيمية
يعمل العديد من الشركات المصنّعة بإشراف ضئيل فيما يتعلق بكيفية جمعها للبيانات وتخزينها ومشاركتها، ما يُتيح لها الاستمرار قدماً في جمع كميات كبيرة من البيانات تحت مبررات واسعة النطاق مع الحد الأدنى من الشفافية أو الإشراف، ما يترك المستهلكين غير مدركين تماماً لكيفية استخدام معلوماتهم الشخصية.
ما هي أبرز أجهزة المنزل الذكية التي تجمع الكثير من البيانات؟
وفقاً لتقرير شركة الأبحاث آي أو تي آناليتكس (IoT Analytics)، يوجد الآن نحو 15 مليار جهاز ذكي متصل في أنحاء العالم كافة، ومن المتوقع أن يتضاعف الرقم تقريباً ليصل إلى أكثر من 29 مليار جهاز بحلول عام 2030. ومع اعتبار أن جزءاً كبيراً من هذه الأجهزة هو أجهزة منزل ذكية، فهناك أجهزة محددة تقع ضمن هذا التصنيف لديها ممارسات جمع بيانات تفوق بكثير ما تحتاج إليه ومن أبرزها:
مساعِدات الصوت الافتراضية
تُعدّ أحد أشهر أجهزة المنزل الذكية شهرة واستخداماً، ومع ذلك تتصدر قائمة الأجهزة التي لديها ميل كبير إلى جمع البيانات بكثافة، ويعود ذلك إلى آلية عملها التي تتطلب أن تكون قيد التشغيل باستمرار، ما يُتيح لها القدرة على الاستماع بشكلٍ دائم والتقاط أصوات الخلفية والتعرّف إليها وجمعها ومشاركتها باستمرار.
على سبيل المثال، عام 2019 واجهت شركة آبل فضيحة كبرى كشفت عن انتهاك خصوصية المستخدمين بشكلٍ صارخ، حيث أفاد المتعاقدون الخارجيون المكلفون بالاستماع إلى التسجيلات الصوتية الخاصة بمساعدها الافتراضي الصوتي سيري (Siri) بغرض الجودة والتدريب بتمكّنهم من الاستماع إلى محادثات خاصة بالمستهلكين.
كما ذكر موقع بلومبرغ في شهر أبريل من عام 2019، أن شركة أمازون وظّفت أشخاصاً من أنحاء العالم كافة مهمتهم هي الاستماع إلى محادثات المساعد الافتراضي الصوتي أليكسا (Alexa). وعلى الرغم من أن الشركة قد أكدت الأمر، فإنها في الوقت نفسه نفت نفياً قاطعاً إساءة استخدام خصوصية مستخدميها.
اقرأ أيضاً: ما هي مخاطر وفوائد تقليد المساعدات الافتراضية الصوتية لأصوات من رحلوا عنا؟
التلفزيونات الذكية
تتميز أجهزة التلفزيون الذكية (Smart TV) بأنها تتضمن نظام تشغيل وتحتاج إلى الاتصال بشبكة الإنترنت للعمل على بث المحتوى، بخلاف أجهزة التلفاز العادية التي تعمل عن طريق الكابل أو الأقمار الاصطناعية. وتأتي خطورتها في أنها تحتوي على كاميرات وميكروفونات مدمجة والتي قد تكون مدخلاً لمجرمي الإنترنت يتمكنون من خلالها من تسجيل أو الاستماع إلى ما تفعله دون علمك.
أجهزة أخرى:
أجهزة صُنع القهوة الذكية: من خلال احتفاظها بتفضيلات الحرارة ومواعيد تناول القهوة الخاصة بك، قد تكشف عن وقت وجودك في المنزل أو غيابك، ما يزيد مخاطر الأمان المحتملة.
المكانس الذكية: من خلال رسم خريطة لمنزلك يمكن مشاركة بيانات رسم خريطة الغرفة مع أطراف خارجية أو استخدامها لأغراض التسويق.
الثلاجات الذكية: لأنها دائماً ما تكون متصلة بالإنترنت، فإنها قد تُنشئ بوابة مثالية لمجرمي الإنترنت للاستيلاء على شبكتك المنزلية والأجهزة جميعها التي قمت بتوصيلها بها.
اقرأ أيضاً: ماذا لو أخذت الآلة زمام المبادرة واتخذت القرارات دون الرجوع إليك؟
كيف يمكنك منع أجهزة المنزل الذكية من جمع البيانات الشخصية ومشاركتها؟
إليك نصائح لمساعدتك على تحقيق أقصى استفادة من أجهزتك الذكية مع الحفاظ على خصوصية بياناتك ومعلوماتك:
1- التحقق من سياسات الخصوصية والاستخدام
في حين أن الشروط والأحكام وسياسات الخصوصية يمكن أن تكون طويلة، إلّا أنه من المهم قراءتها بعناية والبحث عن المعلومات التي تتعلق بالبيانات التي يمكن جمعها وكيف تستخدمها ومع من تشاركها والإجراءات التي وُضعت لحمايتها.
2- تفعيل إعدادات الخصوصية بالكامل
استفِد من إعدادات الخصوصية التي توفّرها العديد من أجهزة المنزلية الذكية، من خلال تخصيص كيفية جمع بياناتك وما إذا كان يمكن مشاركتها وضبط حساسية ميزات التنشيط الصوتي أو تعطيل مشاركة البيانات أو إلغاء الاشتراك في الإعلانات المستهدفة.
3- تحديث أنظمة التشغيل باستمرار
تُعالج تحديثات الأمان وإصلاح الأخطاء المنتظمة المشكلات التي طرأت بالإضافة إلى تحسين أداء الجهاز نفسه، لذا عندما تصبح التحديثات متاحة تأكد من تثبيتها فوراً، سواء بضبط عملية التحديث تلقائياً أو البحث اليدوي كل فترة وأخرى.
4- تعزيز أمان الشبكة المنزلية
يُعدّ استخدام كلمة مرور قوية وتفعيل ميزات التشفير طريقتين مهمتين لحماية شبكتك المنزلية و أجهزتك الذكية في الوقت نفسه، كما يمكنك تعطيل ميزة الوصول عن بُعد إلى شبكتك عندما لا تكون قيد الاستخدام وتوصيل الأجهزة المهمة فقط.
5- مراجعة الأجهزة المتصلة بانتظام
راجع الأجهزة الذكية كلّها المتصلة بالشبكة المنزلية، وإذا وجدت جهازاً لا تستخدمه بانتظام أو يفتقر إلى إجراءات حماية كافية، افصله على الفور لتقليل نقاط الضعف المحتملة في الشبكة المنزلية وتقليل المخاطر المرتبطة بهذه الأجهزة.