لطالما اشتهرت المملكة العربية السعودية بأنها المصدر الرئيسي لإنتاج وتصدير النفط لمعظم دول العالم، حيث لديها أكبر احتياطات النفط على مستوى العالم، ومع ذلك تدرك القيادة السعودية مدى أهمية التحول إلى مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، للارتقاء باقتصاد البلاد وبناء مستقبل مستدام، حيث إن لديها مشاريع عملاقة تتعلق بالطاقة الشمسية على مستوى البلاد، بعضها قيد التشغيل بالفعل بينما جارٍ العمل على تشغيل بعضها الآخر خلال السنوات القليلة القادمة.
مخزون الطاقة الشمسية في السعودية غير محدود
يعتبر مخزون المملكة العربية السعودية من الطاقة الشمسية أعلى من أي مخزون في أي دولة أخرى في العالم، حيث تتمتع بإمكانات طبيعية تُتيح لها الاستفادة من الفرص الهائلة في قطاع الطاقة المتجددة، وهذا يعود إلى وقوعها ضمن الحزام الشمسي العالمي الذي يجعلها من ضمن المناطق التي تتلقى إشعاعات شمسية بمعدلات عالية، ما يجعلها في مكانة رائدة عالمياً في مجال توليد الكهرباء المتجددة.
ومقارنة بدولة ألمانيا التي تعد إحدى الدول المتقدمة في استخدام الطاقة الشمسية، فإن معدل الإشعاع العادي المباشر يومياً يصل إلى 3,39 كيلوواط ساعة لكل متر مربع، بينما معدل الإشعاع العادي المباشر في الرياض يبلغ 6,68 كيلوواط ساعة، ويصل إلى 8,60 كيلوواط ساعة في جدة على ساحل البحر الأحمر، ما يجعل المملكة العربية السعودية في موقع رائد للاستفادة من هذه الميزة في بناء مشاريع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء بدلاً من الاعتماد بشكل كامل على الوقود الأحفوري.
اقرأ أيضاً: إليك أساليب الاستفادة من الطاقة الشمسية
استخدامات الطاقة الشمسية في السعودية
تعتبر السعودية من أبرز الدول في المنطقة العربية التي تولي الطاقة الشمسية اهتماماً خاصاً لتنويع مصادر إنتاجها للكهرباء، حيث تعمل القيادة السعودية على إنجاز الكثير من المشاريع المتعلقة بالطاقة الشمسية على مستوى البلاد لتوليد الكهرباء، ضمن برنامج الملك سلمان للطاقة المتجددة، حيث يتضمن البرنامج 30 مشروعاً تهدف لإنتاج 10 غيغاواط من الطاقة المتجددة. ومن ضمن هذه المشاريع:
مشروع سكاكا للطاقة الشمسية
يقع المشروع على بُعد 30 كم من مدينة سكاكا في منطقة الجوف شمال السعودية، ويعتبر من أوائل مشاريع الطاقة الشمسية في السعودية، وافتُتح في بداية عام 2021، ويضم المشروع 1.2 مليون لوح شمسي، يولّد طاقة كهربائية بطاقة إنتاجية تقدر بـ300 ميغاوات، تكفي لسد حاجة 45 ألف وحدة سكنية، ومساهمة في خفض أكثر من 500 ألف طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً.
مشروع محطة الشعبية للطاقة الشمسية الكهروضوئية
يقع المشروع على بُعد 80 كم من جنوب محافظة جدة، بسعة إجمالية قدرها (600) ميغاواط، وقد حقق المشروع رقماً قياسياً تمثل في تسجيل أقل تكلفة لشراء الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية في العالم، حيث بلغت تكلفة شراء الكهرباء في المشروع 1.04 سنت أميركي لكل كيلوواط في الساعة.
اقرأ أيضاً: ما أنواع الطاقة الشمسية وما أبرز مميزاتها وعيوبها؟
مشروع سدير للطاقة الشمسية
أحد المشروعات التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، ويقع في منطقة سدير الصناعية، وتصل الطاقة الإنتاجية للمشروع إلى 1500 ميغاواط، ما يجعله أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، حيث من المتوقع أن تلبي المحطة احتياجات نحو 185 ألف وحدة سكنية، وتساهم في خفض انبعاثات الكربون بنحو 2.9 طن سنوياً، بالإضافة إلى ذلك، سجل المشروع ثاني أقل تكلفة إنتاج للكهرباء من الطاقة الشمسية عالمياً، حيث بلغت التكلفة 1.239 سنتاً أميركياً لكل كيلو واط في الساعة.
مشروع محطة رابغ للطاقة الشمسية الكهروضوئية
يأتي مشروع رابغ للطاقة الشمسية ضمن المرحلة الثانية من مشاريع السعودية للطاقة المتجددة، ويقع المشروع على بُعد 25 كم من محافظة رابغ الواقعة على ساحل البحر الأحمر، ومن المتوقع أن تصل السعة الإجمالية للمشروع من الطاقة الكهربائية 300 ميغاواط، وتخطط القيادة السعودية للبدء في تنفيذ المشروع في عام 2023 لتكون من ضمن مشاريع الطاقة الشمسية التي تريد بها المملكة التحول بعيداً عن النفط في إنتاج الكهرباء.
يذكر أن السعودية لا تكتفي فقط بإنشاء مشاريع الطاقة الشمسية، بل تعمل على الاستثمار في هذا القطاع من خلال إنتاج الألواح الشمسية داخل البلاد، ونقل التكنولوجيا إلى الشركات المحلية والاستثمار في القطاع الخاص، لتلبية احتياجات السوق المحلي. بالإضافة إلى ذلك تعمل القيادة السعودية على تقديم المحفّزات المغرية للقطاع الخاص لمساعدته على زيادة الإنتاج لتغطية الطلب المحلي، وذلك ضمن خطط وأهداف رؤية 2030 التي تركز على الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.
تكلفة الطاقة الشمسية للمنازل في السعودية
منذ أن كشفت القيادة السعودية عن مبادرتها للتحول للطاقة المتجددة ضمن رؤية 2030، كانت حريصة على إشراك المواطنين في تحقيق معظم الأهداف التي تخطط لتنفيذها، ومن ضمنها مبادرات الطاقة الشمسية للمنازل، حيث أصدرت هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج وثيقة تسمى (اللائحة الفنية لأنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية الصغيرة) التي تتيح لأي مواطن تقديم طلب للحصول على خدمات أنظمة الطاقة الشمسية الكهربائية الصغيرة بدلاً من شبكة الكهرباء التقليدية، من أجل حثّ المواطنين على تركيب أنظمة الطاقة الشمسية في منازلهم، حيث تتيح اللائحة للمستهلك العديد من المزايا، أهمّها إمكانية بيع الفائض من الطاقة الكهربائية المنتجة إلى مزود شبكة الكهرباء العامة.
بالإضافة إلى ذلك، عملت وزارة الطاقة السعودية على تدشين بوابة شمسي (Shamsi) الرقمية، التي تُتيح للمستهلك معرفة الجدوى الاقتصادية والتكاليف التقديرية لتركيب منظومة الطاقة الشمسية في منزله، من خلال توفير حاسبة إلكترونية لحساب تكلفة تركيب منظومة الطاقة الشمسية المنزلية، وعدد من الخدمات الأخرى، بما فيها، البحث عن شركات متخصصة بتركيب الألواح الشمسية، ومعرفة الطاقة المتوقع إنتاجها والطاقة المستهلكة لكل عدد معين من الألواح الشمسية.
اقرأ أيضاً: ما التحديات التي تواجه السعودية في تحويل مدنها إلى مدن ذكية؟
مستقبل الطاقة الشمسية في السعودية
تمتلك المملكة العربية السعودية بعضاً من أكبر الإمكانات لإنشاء مشاريع الطاقة الشمسية، مع مناخ ملائم ومساحات واسعة من الأراضي المستوية التي يمكن أن تزيد من مساحات مزارع الألواح الشمسية. ومع ذلك، شكّلت الطاقة الشمسية 0.5% فقط من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد في عام 2020، حيث لا يزال النفط والغاز المسيطرين على إنتاج الطاقة في البلاد.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن صناعة الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية غير موجودة، حيث أشارت ورقة بحثية نشرها باحثون في جامعة الملك سعود عام 2014، إلى أنه في غضون بضع سنوات، يمكن أن تصبح الطاقة الشمسية مساهماً رئيسياً في إنتاج الكهرباء في البلاد، وفي الوقت الحالي يبدو ما نُشر سابقاً قيد التحقق بصورة كبيرة.
حيث افتُتحت في السعودية منذ ذلك الحين العديد من المشاريع، مع التخطيط لإنشاء المزيد منها في السنوات القليلة القادمة، مدعومة بامتلاك السعودية إحدى أكبر شركات الطاقة في العالم، وهي شركة أكوا باور (ACWA Power)، تدير معظم مشاريع الطاقة الشمسية داخل البلاد وخارجها، حيث ساهمت الشركة في زيادة النمو السنوي المركب (CAGR) للطاقة الشمسية في السعودية، وفقاً لتقرير شركة الأبحاث غلوبال داتا (GlobalData) بلغ حجم صادرات الطاقة في المملكة العربية السعودية 47 جيجاوات الساعة في عام 2020، وسجل المؤشر نمواً تاريخياً بمعدل نمو سنوي مركب وصل إلى 7.34٪ بين عامي 2017 و 2020.
اقرأ أيضاً: 10 طرق لتسريع الانتفاع بخدمات الصحة الرقمية في المملكة العربية السعودية
بالإضافة إلى ذلك، صنف أحدث تقرير نشرته جمعية الشرق الأوسط لصناعة الطاقة الشمسية (اختصاراً MESIA) المملكة العربية السعودية كواحدة من الأسواق المزدهرة في العالم في قطاع الطاقة المتجددة، ولديها إمكانات واعدة لجذب المزيد من المستثمرين والمطورين للمشاركة في مشاريع ضخمة أكثر من أي دولة أخرى، حيث أبرز التقرير التحسينات في الأطر التنظيمية التي ساعدت البلاد على وضع نفسها بين مجموعة من الدول التي تقود ثورة الطاقة النظيفة في العالم.
ووفقاً للتقرير، فمن المتوقع أن يؤدي مشروع نيوم (Neom) الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، دوراً رئيسياً في الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد السعودي، مع الاعتماد حصرياً على موارد الطاقة النظيفة، حيث تشير التقديرات إلى أن مشروع نيوم سوف يتطلب ما بين 20 و40 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتلبية احتياجاتها من الطاقة عندما تصبح جاهزة للعمل في عام 2025، علاوة على ذلك تخطط السلطات في السعودية لإنشاء عدة مشاريع أخرى تعمل بالطاقة الشمسية في مناطق مثل البحر الأحمر والمدينة المنورة والقريات وجدة ووادي الدواسر، وذلك للمساعدة في الوصول إلى الهدف الوطني المتمثل في صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2060.</p
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لنيوم أن ترسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية؟
ختاماً، منذ الإعلان عن أجندة الإصلاحات الاقتصادية الخاصة برؤية السعودية 2030، عملت السعودية على المضي قدماً بسرعة في خططها لتطوير قطاع الطاقة المتجددة، حيث حددت هدف توليد نصف احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، علاوة على ذلك تخطط المملكة العربية السعودية أيضاً لزيادة الاستدامة من خلال تنفيذ العديد من المبادرات، مثل اعتماد نهج الاقتصاد الدائري الكربوني، وحملة غرس الأشجار ضمن مبادرة السعودية الخضراء، كما تخطط أيضاً لإصدار أول سندات خضراء تتوافق مع الشواغل البيئية والاجتماعية والحوكمة، حيث ستصبح هذه السندات إحدى قنوات التمويل الرئيسية لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة في السعودية.